تقدير استراتيجي لمركز أبعاد: سيطرة الانتقالي على شرق اليمن يمثل زلزالاً جيوسياسياً في إطار مشروع الإمارات " عقد اللؤلؤ" واتفاقية" إبراهام" الإسرائيلية

تقدير استراتيجي لمركز أبعاد: سيطرة الانتقالي على شرق اليمن يمثل زلزالاً جيوسياسياً في إطار مشروع الإمارات " عقد اللؤلؤ" واتفاقية" إبراهام" الإسرائيلية

 

في إطار أبحاثه السياسية المتابعة للأحداث في اليمن، أصدر مركز أبعاد للدراسات في ديسمبر الجاري تقديرا استراتيجيا تضمن دراستي تقدير موقف إلى جانب ملف استراتيجي، يتناول تحركات قوات المجلس الانتقالي المدعومة من الإمارات للسيطرة على محافظتي حضرموت والمهرة شرق اليمن، وهما من المحافظات اليمنية التي تتسم بالاستقرار وبُعدها عن مناطق الحرب، التي تتواجد فيها جماعة الحوثي المسيطرة على العاصمة صنعاء منذ سبتمبر ٢٠١٤.

 

زلزال جيوسياسي

تقدير أبعاد الاستراتيجي وصف سيطرة الانتقالي على محافظتي حضرموت والمهرة "زلزالاً جيوسياسياً" يعيد تعريف منظومة الأمن الإقليمي في جنوب شبه الجزيرة العربية بشكل جذري، بعد أن أنهت هذه التحولات حقبة "التوازن الهش" وحولت مناطق العمق الاستراتيجي للسعودية والمجال الحيوي لسلطنة عُمان إلى خطوط تماس ملتهبة وصفت بـ" حدود جهنم".

تعد هاتان المحافظتان (حضرموت والمهرة) الحدوديتان مع السعودية وعمان، إلى جانب شبوة وأرخبيل جزيرة سقطرى التي سيطر عليها الانتقالي بدعم إماراتي بين عامي ٢٠١٨ و٢٠١٩، إقليما شرقيا غنيا بالموارد، ومواقعها ذات جدوى اقتصادية وعسكرية كبيرة.

وهذه المحافظات الشرقية إلى جانب منطقتي مأرب والمخا، محل اهتمام إماراتي كبير، لتركز الثروة النفطية في الأولى، والقرب من مضيق باب المندب في الثانية، وهو ما يجعل تخوفات شركاء الانتقالي في الحكومة الشرعية مستمرة من تكرار الأحداث السابقة.

 

رغبة إماراتية:

 الدراسة الأولى لمركز أبعاد " تقدير موقف"  التي صدرت في الثاني من ديسمبر الجاري أي قبل إعلان سيطرة المجلس الانتقالي على حضرموت والمهرة بساعات، والتي كانت بعنوان " حضرموت..  دوافع وتداعيات التصعيد العسكري بين الإنتقالي والقبائل"، تناولت الفاعلين المحليين والإقليميين والأسباب التي تقف خلف التصعيد، وذكرت ثلاثة سيناريوهات، تحقق منها السيناريو الثاني الذي كان في درجة احتمالية أقل وهو سيناريو " المواجهات المسلحة"، نظرا لبروز عدة مؤشرات منها "تصاعد نبرة التهديد من جانب الانتقالي، واستماتة حلف القبائل في الدفاع عن أرضهم، ورغبة إماراتية لها ارتباط بما حصل في السودان على الضفة الأخرى للبحر الأحمر.

 

فرض واقع بقوة السلاح:

أما الدراسة الثانية لمركز أبعاد التي صدرت بعد سيطرة قوات المجلس الانتقالي، وبالتحديد في 14 ديسمبر الجاري كانت بعنوان " بين التصعيد والاحتواء.. مستقبل حضرموت والمهرة بعد سيطرة الانتقالي"، وقد أشارت إلى وجود رفض معلن من قبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي والمملكة العربية السعودية للتحركات العسكرية للمجلس الانتقالي، وأوردت ثلاثة سيناريوهات، الأول: يتحدث عن استمرار سيطرة قوات الانتقالي على حضرموت والمهرة وفرض أمر واقع بقوة السلاح، والسيناريو الثاني: يحتمل حصول انسحاب تتوافق عليه الرياض وأبوظبي، والسيناريو الثالث: يتحدث عن انسحاب القوات المدعومة من السعودية من مناطق سيطرة القوات المدعومة من الإمارات في عدن ولحج، والتركيز على المناطق الحدودية والمنافذ الرئيسية.

 

ديناميكيات تهدد السيادة اليمنية وأمن الجوار الإقليمي:

الدراسة الثالثة " ملف أبعاد الخاص" الذي كان بعنوان" مخاطر وسيناريوهات فوضى الانتقالي شرق اليمن.. الإمارات ترسم خرائط نفوذ جديدة جنوب الجزيرة العربية"، فقد أشار إلى أن نجاح المجلس الانتقالي في فرض سيطرته على شرق اليمن أو ما يوصف "اليمن الثالث"  لم يمنحه تفوقاً عسكرياً فحسب، بل يمكنه من القبض على "صنبور" الاقتصاد، مما يضع الحكومة الشرعية أمام سيناريو الإفلاس التام ويفقدها آخر أوراق سيادتها.

وتضع هذه الديناميكيات الجديدة – حسب الدراسة - دول الجوار الخليجي أمام "تحديات أمنية وجودية غير مسبوقة ؛ " فالمملكة العربية السعودية تواجه انكشافاً خطيراً لخاصرتها الجنوبية يهدد نفوذها القبلي التقليدي لصالح قوى منظمة مدعومة إماراتياً وحليفة لإسرائيل، بينما تجد سلطنة عُمان نفسها محاصرة جيوسياسياً بحزام نفوذ يمتد من سواحلها إلى حدودها الغربية، مما يثير مخاوفها التاريخية ويعزز احتمالات تحول المهرة إلى ساحة لحرب استنزاف بالوكالة".

الدراسة التي وصفت الحدث بأنه " لم يكن مجرد تحرك عسكري تكتيكي عابر، بل انهيار كامل للترتيبات الأمنية التقليدية في اليمن"؛ أكدت على أن ما حدث “سيولد فراغاً أمنياً وسياسياً يخلق بيئة مثالية لعودة نشاط التنظيمات المتطرفة، ويمنح الحوثيين فرصة لتحقيق اختراقات ميدانية".

 

استراتيجية عقد اللؤلؤ واتفاقية ابراهام

ووصف ملف أبعاد الاستراتيجي المشهد الحالي الذي حدث في الشرق اليمني بأنه " يمثل تتويجاً لنجاح الاستراتيجية الإماراتية المعروفة بـ"عقد اللؤلؤ" أو استراتيجية النفوذ البحري، حيث أحكمت أبوظبي سيطرتها غير المباشرة على سلسلة الموانئ والمواقع الاستراتيجية الممتدة من ميناء المخا في الغرب، مروراً بعدن والمكلا، وصولاً إلى ميناء نشطون في أقصى الشرق"..

وأشار التقدير الاستراتيجي إلى أن “ هذا الطوق يمنح الإمارات نفوذاً حاسماً على خطوط الملاحة الدولية وإمدادات الطاقة في بحر العرب وخليج عدن، ويعزز من تكامل هذه الموانئ مع موانئها التجارية، مانعةً أي منافسة محتملة خارج سيطرتها"..

ويضيف: "علاوة على ذلك، تعمل الإمارات من خلال هذا التمدد على هندسة "دولة جنوبية" كأمر واقع، تمتلك مقومات الحياة اقتصادياً وعسكرياً، وتكون تابعة لقرارها السياسي"، مؤكدا أن هذه الخطوة "تجعل من أبوظبي (حارس البوابة)، الذي لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات مستقبلية لأمن شبه الجزيرة العربية، كما تمنح حليفها (المجلس الانتقالي) ورقة تفاوضية قوية تفرض إعادة صياغة أي تسوية سياسية قادمة، وربما تمهد الطريق لتحالفات إقليمية جديدة ضمن "المشروع الإبراهيمي" الذي قد يطوق السعودية من الجنوب".

 

الحوثي.. الرابح الاستراتيجي

يحذر التقدير الاستراتيجي من أن الفراغ الأمني والصراع البيني المحتدم في معسكر خصوم الحوثيين يقدم للجماعة "فرصة ذهبية" ومكاسب مجانية لم تكن لتحققها بالحرب وحدها، فبينما تنشغل فصائل الشرعية بصراعات النفوذ والسيطرة على الموارد في الجنوب والشرق، يراقب الحوثيون المشهد بارتياح استراتيجي، مستغلين حالة التشظي لتعزيز سرديتهم الداخلية بأن التحالف جاء لتقسيم اليمن ونهب ثرواته، مما يمنحهم شرعية سياسية إضافية بدعوى "حماية السيادة الوطنية".

ويشير تقدير أبعاد الاستراتيجي إلى أن انهيار المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت" يكشف الظهر الاستراتيجي لمحافظة مأرب، ويجعلها شبه محاصرة ومعزولة.

 

بين الفراغ والفوضى:

ويضع هذا التقدير الاستراتيجي خمسة سيناريوهات بشكل مفصل لمستقبل المنطقة ما بين عامي 2025 و2030، تتراوح بين تثبيت الأمر الواقع وانزلاق الأوضاع نحو الفوضى الشاملة.

ويتمثل السيناريو الأول في "التقسيم الوظيفي"، حيث قد ينجح الانتقالي في تثبيت حكمه وتتعامل معه المنطقة ببراغماتية، بينما يحذر السيناريو الثاني من خطر "البلقنة"، حيث تتحول حضرموت والمهرة إلى كانتونات متناحرة تعصف بها حروب الموارد والهوية نتيجة فشل الانتقالي في إدارة التنوع القبلي، وهو ما يخلق بيئة مثالية لعودة تنظيم القاعدة وشبكات التهريب..

أما السيناريوهات الأخرى فتتضمن احتمالية "الانهيار الشامل" واختراق الحوثي للجبهات الشرقية، أو لجوء السعودية إلى خيار "الاحتواء القسري" عبر نشر واسع لقوات درع الوطن وفرض صيغة فيدرالية تعيد التوازن، وصولاً إلى سيناريو "التدويل المنظم" بفرض تسوية دولية تقسم اليمن إلى إقليمين.

 ويخلص التقرير إلى أن الخيارات أمام صناع القرار في اليمن ودول الخليج باتت صفرية، فإما التدخل الحازم لإعادة هندسة المشهد، أو الاستسلام لواقع الفوضى الذي سيجعل من شرق اليمن مصدراً مزمناً لتهديد أمن الطاقة والملاحة والاستقرار الإقليمي لعقود قادمة.

 

نشر :