تداعيات إعادة تصنيف واشنطن لجماعة الحوثي منظمةً إرهابية
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في 17 يناير 2024 عن تصنيف الجماعة الحوثية كإرهابي عالمي مصنف بشكل خاص، وبررت قرارها بمشاركة الحوثيين في هجمات غير مسبوقة ضد القوات العسكرية الأمريكية والسفن البحرية الدولية العاملة في البحر الأحمر وخليج عدن، وبتعريض مدنيين وبحارة من المواطنين الأمريكيين ومن دول حليفة للخطر، وبتهديد حرية الملاحة التجارة العالمية. وقالت إن القرار يستهدف الضغط على الجماعة لوقف هجماتها. أثار قرار كهذا عديد التساؤلات حول واقعيته وجدواه، وأثار كذلك مخاوف بشأن تداعياته على المشهد اليمن والمنطقة.
أهداف التصنيف ودلالاته:
جاء في بيان لمستشار الأمن القومي جيك سوليفان، إن واشنطن تعتبر هذا القرار أداة مهمة لعرقلة تمويل إرهاب الجماعة الحوثية، ولزيادة تقييد وصولهم إلى الأسواق المالية، وكذلك لمحاسبتهم على أفعالهم. وتركت واشنطن الباب مفتوحاً للتراجع عن هذا القرار، وقالت إنه إذا أوقف الحوثيون هجماتهم فإنها ستعيد تقييم هذا التصنيف على الفور. لكنها هددت في نفس الوقت بأنها لن تتردد في اتخاذ المزيد من الإجراءات لحماية الشعب الأمريكي والتدفق الحر للتجارة الدولية. وهكذا فالتصنيف مرتبط بالمواجهة الجارية مع الجماعة الحوثية بسبب هجماتها على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، ويأتي في سياقها ولخدمتها، وله هدف محدد معلن هو الضغط على الحوثيين لوقف هجماتهم على السفن التجارية. وفي حين أن الأهداف المعلنة واضحة إلا أنها ليست كل الحقيقة، ويبدو أن عدة عوامل متشابكة هي التي دفعت القرار الأمريكي، ومع ذلك فالأهداف المعلنة هي ما يهمنا.
وفي دلالاته يشير هذا التصنيف إلى أن الولايات المتحددة وصلت ربما إلى قناعة بأن الضربات التي وجهتها للجماعة غير كافية لإجبارها على وقف عملياتها، وتشير من جهة أخرى إلى أنها لا تفضل توسيع نطاق ضرباتها وأن لديها محاذير من التصعيد العسكري ومن تحول المواجهات مع الحوثيين إلى صراع إقليمي واسع، خصوصاً وهجمات الحوثيين جاءت أو بررت نفسها بالحرب في غزة.
ولا يبدو أن التصنيف في طريقه ليحقق هدفه المعلن، أي إجبار الجماعة على إعادة تقييم موقفها ووقف هجماتها على السفن أو حتى على التفاوض بحثاً عن حل أو تسوية للقضية موضع الخلاف، فقد شهدت الأيام التالية لإعلان التصنيف ليس فقط تصعيداً خطابياً متحدياً من قبل مسؤولي الجماعة، ولكن أيضاً -وهذا الأهم- تصعيداً عملياتياً واضحاً، وما من شيء يشير إلى أن الجماعة قد تغير موقفها أو أن قرار التصنيف يمكن أن يجبرها على ذلك ، وكل ما يصدر عنها وكل ما تقوم به حتى الآن يشير على تصميمها على مواقفها واستمرارها في مهاجمة السفن، بل إن هجماتها ربما أصبحت أكثر كثافة. وهذا يبرر القول إن الأيام والأسابيع القادمة ستكون ساخنة وستشهد تصعيداً مقابلاً من الولايات المتحدة وحلفائها.
تقييم النتائج والتداعيات المحتملة
ينصرف التركيز إلى نتائج وتداعيات هذا التصنيف على الجماعة الحوثية، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد ويتجاوزه، فقد يكون للتصنيف تداعياته وتأثيراته التي قد تمتد إلى الأطراف اليمنية الأخرى، وإلى المشهد السياسي اليمني وتفاعلاته عموماً، بما في ذلك عملية السلام والأوضاع الإنسانية في البلاد. وليس ذلك وحسب، فقد يترك أيضاً بعض الارتدادات على المشهد الإقليمي ودينامياته. وهكذا وبينما يتقصد الأمريكيون بهذا التصنيف الضغط على الجماعة الحوثية قد يكون له مخاطر محتملة وعواقب غير مقصودة وغير مرغوبة أيضاً، منها ما لا يتوافق مع مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها ويتعارض معها.
أولا: التداعيات على أصحاب المصلحة
أ - التداعيات المباشرة على الجماعة الحوثية
يفترض أن يعمل هذا التصنيف على تقييد وصول الحوثيين إلى الأسواق المالية الدولية، مما يزيد من صعوبة تأمين الموارد اللازمة لأنشطتهم ومشترياتهم العسكرية بما في ذلك المواد التي يحتاجونها لصناعة الأسلحة. ومع ذلك من غير المتوقع أن يتأثروا بهذه القيود إلى الدرجة التي تعيقهم أو تصيبهم بالشلل، خصوصاً ولهم خبرة سابقة أظهروا فيها قدرة على التعامل مع العقوبات والالتفاف عليها، بما في ذلك من خلال الشبكات غير الرسمية والحلفاء الإقليميين. لكن بقاء تصنيف كهذا على المدى الطويل سيظل يمثل عبئاً ويتسبب لهم بمتاعب بغض النظر عما لديها من بدائل وتكتيكات.
ومن المحتمل أن يكون لهذا التصنيف تداعيات سياسية سالبة على الجماعة الحوثية، إذ سيؤدي إلى تعقيد علاقاتهاالخارجية ومع المجتمع الدولي ويفاقم من عزلتها الدولية، فالدول والجماعات التي تخشى العقوبات أو تضرر السمعة ستتردد في التواصل معها وفي الانخراط في تعاملات سياسية أو اقتصادية مع المناطق التي تسيطر عليها. وقد يؤثر هذا التصنيف على ديناميكيتها الداخلية، إذ قد يسهم في عدم الاستقرار الداخلي وتفاقم الانقسامات الداخلية، فقد يرى المتشددون فيها-مثلاً- أن القرار إثباتا لنهجهم ويطالبون بمزيد من التصعيد والمواقف المتشددة، وهذا يتعارض مع ما يطالب به المعتدلون داخل الجماعة الذين يفضلون نهج التفاوض والحوار ويؤمنون بضرورة التعامل والانفتاح على المجتمع الدولي والاحتفاظ بعلاقة جيدة معه. وقد تتنافس فصائل مختلفة لديها درجات متفاوتة من الالتزام الأيديولوجي من أجل السيطرة، مما يؤدي إلى عدم الاستقرار الداخلي. لكن تداعيات كهذه تحتاج إلى وقت، أي إلى بقاء هذا التصنيف وبقاء القيود التي يفرضها سياسياً واقتصادياً لفترة طويلة، وهذه مسألة غير مؤكدة، بل لعل هناك ما يستبعدها، فتوقف الحرب في غزة ورفع الحصار سيعني توقف الهجمات التي تشنها الجماعة، وبتوقف كهذا تكون هذه قد استجابت للدعوة والعرض الذي قدمته الولايات المتحدة، أي وقف الهجمات مقابل إعادة النظر الفوري في التصنيف.
ب. التداعيات على المواجهات النشطة مع أمريكا وبريطانيا
من الواضح أن الحوثيين وحلفائهم يفضلون التصعيد وتنفيذ المزيد من الهجمات على السفن بما في ذلك السفن الحربية للولايات المتحدة وحلفائها، وهذا في الحقيقة ما أثبتوه حتى اللحظة، وميل الحوثيين إلى التصعيد يضع الولايات المتحدة وحلفائها في موقف حرج لا خيار لهم فيه إلا الرد على التصعيد بتصعيد مماثل، أي أن الأمر يجرهم إلى مشاركة عسكرية أعمق، وهذا يضعهم في مواجهة المخاطر والمحاذير التي دفعتهم أصلاً إلى اتخاذ قرار التصنيف، وسيكون على الولايات المتحدة وحلفائها اعتماد نهج حذر لضمان التخفيف من هذه المخاطر، وستكون بحاجة من أجل ذلك، إلى توسيع المشاركة الإقليمية والدولية في مواجهة الحوثيين وحماية الملاحة، وستنخرط في مشاورات وثيقة مع الحلفاء الإقليميين والأمم المتحدة وأصحاب المصلحة الآخرين لتنسيق الاستجابات ولبناء إجماع مواجه للجماعة، وستمارس من اجل ذلك ضغوطاً كبيرة، فالنهج الجماعي في نهاية الأمر يعد الطريقة الأمثل أو الأقل كلفة في سياق التصدي للجماعة وللحد من المخاطر وكذلك لتحقق الأعمال العسكرية ضدها أقصى فعالية. وستقوم بذلك مع مواصلة الحوار والدبلوماسية، والاحتفاظ بقنوات اتصال مفتوحة مع الحوثيين. وبسبب المعادلة الزمنية لقرار التصنيف وسلسلة الأحداث التي قادت إليه، فقد تنتهي مفاعيله وتفاعلاته بانتهاء الحرب في غزة كما سلفت الإشارة، ولذلك من غير المستبعد أن تعمد إلى التركيز على هذا الخيار وممارسة الضغط على إسرائيل لوقف الحرب، والحقيقة أن واشنطن بدأت مؤخراً تبدي تبرمها من إسرائيل لأسباب مختلفة وقد يكون ذلك مقدمة لتطرح قضية وقف الحرب.
ثططثانيا: التأثير على المشهد اليمني: الغوص العميق في نتائج التصنيف
-
- * أطراف الصراع المحلية
يصب هذا التصنيف في مصلحة الأطراف المناوئة للجماعة الحوثية وعلى رأسها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، فهو يعزز من شرعيتها ويمنحها دعماً معنويا وسياسيا قويا، وقد ينعكس أيضاً في زيادة الدعم المادي لها. وبطبيعة الحال ستستغل هذه الأطراف سردية "إرهاب الحوثيين" لشرعنة مواقفها بصورة أكبر، وقد تنظر إلى هذا التصنيف على أنه تأييد ضمني لأفعالها. ومع ذلك فتداعيات التوصيف الأمريكي على هذه الأطراف يظل غير مؤكد خصوصاً في المدى الطويل.
-
-
- الآثار الاقتصادية والإنسانية
-
أعلنت الولايات المتحدة دخول قرار التصنيف حيز التنفيذ بعد 30 يومًا من اتخاذه لضمان وجود منح إنسانية قوية، وأنها تقوم بإصدار تراخيص غير مسبوقة للمساعدة في منع الآثار السلبية على الشعب اليمني، والسماح باستمرار الشحنات التجارية إلى الموانئ اليمنية التي يعتمد عليها في الغذاء والدواء والوقود ولا تشملها العقوبات.
ومع ذلك فهذا التصنيف مازال يثير المخاوف بشأن تأثيره المحتمل على العمليات الإنسانية في اليمن، وأنه قد يفاقم نقاط الضعف القائمة ويعيق تدفق المساعدات إلى البلاد، ويؤدي إلى فجوات حرجة في الغذاء والدواء وغيرها من الإمدادات الأساسية. تقوم هذه المخاوف على أساس أن الإعفاءات الإنسانية المعلن عنها قد لا تكون كافية، وأن التصنيف قد يتسبب بتردد المنظمات والقائمين على البرامج الإنسانية، ويمكن أن يعيق وصول المساعدات الإنسانية من خلال جعل عمال الإغاثة مترددين في العمل في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون بسبب مخاوفهم من الآثار القانونية المحتملة. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي إلى تقييد الموارد المالية المتدفقة إلى اليمن، وقد يحد كذلك من قدرة الحوثيين على الوصول إلى الأسواق المالية الدولية، مما يعيق قدرتهم على استيراد السلع الأساسية. وغير ذلك فهذا التصنيف يحمل فرص لتصعيد الصراع وزيادة العمليات العسكرية، وهو ما يعني مزيد من الضحايا المدنيين، ومزيد من النزوح ... إلخ، وبقدر ما أن تصعيد كهذا سيفرض الحاجة لزيادة المساعدات سيعيق عمليات توزيع وإيصال المساعدات.
-
-
- جهود السلام:
-
وفي حين يستهدف هذا التصنيف ردع الجماعة الحوثية ووقف هجماتها وتعطيل تمويلها، هناك إمكانية واعدة ليتسبب بإعاقة عملية السلام، فهو يخاطر بتعزيز الروايات المتشددة داخل كل من الحكومة اليمنية وقيادة الحوثيين على السواء، إذ يمكن أن يؤدي إلى تنفير قيادة الحوثيين ودفعهم أكثر نحو التطرف، مما يجعلهم أقل قابلية للتفاوض والحوار، وقد يرى هؤلاء التصنيف بمثابة عمل عدائي وليس أداة دبلوماسية للضغط. وبنتائجه المختلفة وبالعزلة التي قد يتسبب بها قد يشعرون بعدم وجود شيء يخسرونه، ويلجؤون بالتالي إلى أساليب أكثر عدوانية وإلى شن هجمات انتقامية. وفي المقابل قد يدفع هذا التصنيف وتدفع سردية الإرهاب الحوثي الحكومة لتكون أكثر تطلباً، وقد تنظر إلى هذا التصنيف على أنه تأييد ضمني لأفعالها، مما يخلق مناخا مشجعاً على تصعيد النزاع. وفي النتيجة، فمصطلح "إرهابي" يخاطر بمزيد من تآكل الثقة بين الحوثيين والأطراف الأخرى، مما قد يؤثر على جودة وحجم التواصل، ليعمق في نهاية الأمر من الانقسامات ويكرس من الجمود السياسي.
يضيف منتقدو التصنيف أنه قد يؤثر على المساعي الدبلوماسية ويعمل على تعقيدها، وبسببه قد تواجه الدبلوماسية والوسطاء الدوليون والجهات الإقليمية مشهدا أكثر تحديا، وتتضرر قنوات الاتصال التي سهلت تحقيق تقدم محدود نحو السلام. ويمكن أن يقوض ذلك جهود بناء الثقة الحالية ويجعل من الصعب أكثر إنشاء قنوات موثوقة للمفاوضات المستقبلية. وفوق ذلك كله سيساعد هذا التصنيف على خلق أرضية خصبة لازدهار الأيديولوجيات المتطرفة ستضيف عوائقها الخاصة أمام السلام.
ثالث: التداعيات على المشهد الجيوسياسي الأوسع في الشرق الأوسط
لا يقتصر تأثير التصنيف الأمريكي على المشهد اليمني بل يتجاوز إلى المشهد الإقليمي ودينامياته، فهو مرتبط أيضاً بالديناميكيات الإقليمية الأوسع، ويخدم الاستراتيجية الأمريكية في مواجهة نفوذ إيران في المنطقة وردع الأنشطة المزعزعة للاستقرار من قبل الجماعات المدعومة من قبلها، ويمكن أن يضفي بطريقته بعض التوتر ويؤدي إلى زيادة الاحتكاكات الدبلوماسية في المنطقة. وبقدر ما يدفع الحوثيين إلى تعميق روابطهم بحلفائهم الإيرانيين، سيؤدي هذا التصنيف إلى تأجيج المشاعر المعادية لأمريكا في المنطقة، ويسهم في خلق نوع من الاصطفاف والتعاون بين الحوثيين وحلفائهم وبين الجماعات المتطرفة ما قد يخلق أرضية أكثر خصوبة لتجنيد الجماعات الإرهابية مزيد من المقاتلين. وستحتاج دول المنطقة إلى التعامل مع هذه الديناميات الجديدة بحذر لمنع المزيد من زعزعة الاستقرار. وفي الأخير ينبغي التأكيد على أنه كلما توسعت المواجهة بين الجماعة والولايات المتحدة وحلفائها كلما زادت فرص بقاء هذا التصنيف وزادت فرصة تحقق مفاعيله المتطرفة. والوقت وحده هو الذي سيحدد ما إذا كانت هذه المناورة التي يمثلها لجوء الولايات المتحدة إلى هذا التصنيف تؤتي ثمارها أو ستأتي بنتائج عكسية، لكن ما لا شك فيه أن المشهد اليمني والإقليمي أصبح أكثر تعقيدا وقلقاً.