مستقبل تحالفات الحرب في اليمن
مقدمة
يبدو أن التحالف "الهش" بين جبهة الإنقلاب في اليمن، بدأ في التفكك ً بالرغم من حاجته للبقاء ، لكن اتساع الخلافات وتبادل فقدان الثقة بين الطرفين زاد من الشرخ داخل هذا التحالف.
شهد النصف الثاني من شهر أغسطس (آب) والأسبوع الأول من شهر سبتمبر (أيلول) تطورا لافتا في علاقة الطرفين خاصة بعد فعاليات ذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي العام التي احتفل بها أنصار علي عبد الله صالح 24 اغسطس في جو من الشك المتبادل مع حلفائهم الحوثيين ما ادى إلى اشتباكات في صنعاء بالرصاص بعد تبادل الاتهامات بينهم حول المتسبب في التراجع العسكري والوضع الإنساني والاقتصادي الكارثي لليمنيين.
هذه هي المرة الأولى التي يصل فيها تحالف (الحوثي/ صالح) إلى هذا المنعطف الخطير، ويبدو أن التفكك مفاجئا كما كان التحالف بين الطرفين مفاجئا ، فلا أحد يتوقع من صالح التحالف مع الحوثيين ومعاداة السعودية وهو الذي يعتبر أن الحوثي تحالف مع خصومه لاسقاطه من السلطة في 2011م بعد 33 عاماً من حكمه، خاض خلالها ست حروب (2004-2010) بمساعدة السعودية ضد الحوثيين في معقل جماعتهم بمحافظة صعدة.
إلا أنَّ توحد مصالح الطرفين لإسقاط العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول2014م وإسقاط حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، وراء ذلك التحالف بين صالح والحوثيين.
فقد بسط الحوثيون هيمنتهم على العاصمة والمدن الأخرى، واضطر هادي في النهاية للفرار إلى عدن (جنوب البلاد) وطلب تدخلاً خليجياً لاستعادة سلطته وهو ما حدث في اعلان تحالف عربي بقيادة السعودية في 26 مارس/آذار 2015م.
خان "صالح" خلفه ونائبه عبدربه منصور هادي الذي تسلم السلطة وأصبح رئيساً، وخان حلفاءه السعوديين للمرة الثانية بالتحالف مع أداة إيرانية ناشئة قرب حدودها بعد خيانته في أزمة الكويت 1990م عندما أيّد صالح غزو العراق، وطردت المملكة اثر ذلك الحدث حوالي مليون عامل يمني.
على الطرف الآخر لا يبدو الوضع مطمئنا وإن كانت المحاولات في صفوف الحكومة المعترف بها دولياً والتحالف الذي تقوده السعودية الظهور بمظهر أكثر تماسكاً، فهناك خلافات بين الرئيس هادي ودولة الإمارات العربية المتحدة وهي العضو الأبرز بعد السعودية في التحالف الداعم لحكومة الشرعية.
فقدان الثقة
بين 14 أغسطس (آب) و 5 سبتمبر (أيلول) تبادل الحوثيون وحزب الرئيس اليمني السابق([1]) الاتهامات، وهي المرة الأولى التي تظهر في خطابات لـ"صالح" وعبدالملك الحوثي([2])؛ لكن الخلاف الأشد ظهر اكثر بتشكيل حشدين منفصلين يوم 24 أغسطس (آب) في العاصمة صنعاء حيث حشد صالح أنصاره إلى ميدان السبعين، وحشد الحوثيون في أربع ساحات على مداخل العاصمة صنعاء من جهاتها الأربع ([3]) بعد مخاوف الحوثيين من استخدام صالح للاحتشاد من أجل مواجهتهم بعد معلومات -تم تداولها في وسائل إعلام محلية ودولية- عن صفقة لـ"صالح" مع الإمارات تضمن بقاء نجله أحمد المتواجد في أبوظبي في حكومة انتقالية جديدة، مقابل مواجهة الحوثيين، وتأمين الحدود السعودية.
سبق أنَّ استفز حزب الرئيس اليمني السابق، جماعة الحوثي قبل اندلاع الأحداث الأخيرة حيث يقوم الحزب منذ مايو (أيار) الماضي بحملات تنسيب للحزب في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الطرفين بالمحافظات الأخرى، وتشجع الحملات على الانتماء لحزب "صالح" -المؤتمر الشعبي العام- والحصول على بطاقات عضوية في محاولة من "صالح" اعادة تنشيط حالة الحزب الذي يعاني من غيبوبة سياسية، ومن خلال التحشيد يوم 24 أغسطس (آب) وحملات التنسيب إلى الحزب حاول صالح أيضا إعطاء صورة جديدة عن فاعلية الحزب وأنصاره وإظهار شعبيته الكبيرة مستغلاً إخفاق شركائه الحوثيين في إدارة مؤسسات الدولة كنتيجة لفسادهم وغياب بقية الأحزاب السِّياسية وغياب العمل السياسي في الدولة منذ اجتياح صنعاء.
في بداية تحالف الخصمين اللدودين كانت هناك مكاسب واضحة لكليهما وقد استفاد الحوثيون من القدرة الإدارية والسياسية للمؤتمر ، كما استفادوا من القوة التقليدية العسكرية الموالية لصالح ، ما وفر لهم عتاد الحرس الجمهوري وتدريب عناصر الحوثيين ليتحولوا إلى قوة شبه منظمة على الأرض.
كما أنَّ حزب "صالح" استفاد من الحوثيين في اجتياح صنعاء ووفر له غطاءً لإلقاء اللوم على أي إخفاق لتعزيز عودة نظام حكمه قبل 2011م. إلا أن الأمر لم يستغرق وقتا طويلا حتى بدأ تصادم المصالح.
ساهم الحوثيون بفاعلية أكثر من حزب صالح في رفد جبهات القتال، وهناك اختلاف كبير في الأيدلوجيا والتنظيم بين الحوثيين وأتباع صالح من أعضاء المؤتمر الشعبي الذي هو حزب سياسي يمتد على نطاق واسع من المصالح الاجتماعية ، ويحافظ على صلات قوية مع حكومات مجلس التعاون الخليجي التي تدعم الرئيس عبد ربه منصور هادي في عدن.
يفخرالحوثيون في أنهم قادرين على الصمود نتيجة الاعتماد على جيش له عقيدة قتالية مذهبية، لكنهم غير مرنين على طاولة المفاوضات مقارنة بحزب "صالح".
في الأشهر الثلاثة الأخيرة أظهر الحوثيون صوراً عن قواتهم الخاصة، كما قدموا عرضاً لمجندين ملثمين على أكثر من 200 دورية عسكرية وسط ميدان السبعين بعد انتهاء "صالح" وحشوده من المهرجان يوم 24 أغسطس (آب)، وكشف الحوثيون عن سيطرة كبيرة على إدارة الدولة، وأقصوا الكثيرين من الموالين للرئيس السابق وقامت الجماعة بعملية استقطاب ممنهجة لقيادات موالية للرئيس السابق عسكرية/سياسية/أمنية. ومع ذلك فإن الحوثيين وعلي عبدالله صالح لا يثقون ببعضهم، فالطرفين يملكان تاريخاً حافلاً من "الغدر والنكث بالمواثيق والاتفاقات".
تبادل الاتهامات
كثف الحوثيون من دورياتهم في جميع أنحاء العاصمة، وفي مداخلها شددت الجماعة بحواجز أمنية للتفتيش منعاً لفرار قيادات حزب "صالح"، الذين بدأوا بالفعل بالتسرب من العاصمة منذ 24 أغسطس/آب، قال صالح في مقابلة تلفزيونية (يوم 4 سبتمبر/أيلول) إنَّ الحوثيين عبروا له عن مخاوفهم من انقلاب عليهم من فعالية ذكرى تأسيس الحزب، وأنه تبادل رسالتين مع عبدالملك الحوثي وتم تطمينهم. لكن لا يبدو ذلك قد تم فعلاً فالحواجز الإسمنتية تضيق بمنزل "صالح" في صنعاء.
وفيما أظهر "صالح" في مقابلته التلفزيونية، الكثير من جُمل الاستعطاف للحوثيين والحديث أنَّ تحالف المتمردين خرج من "أزمة ثقة" حادة إلا أنَّ الحوثيين واصلوا طريقتهم المُثلى بتحذير أنصارهم من الانجرار إلى ما يقوله "صالح"، وسط ضغط من أنصار الطرفين قد يمهد لانفجار في أي وقت، كما يقول مراقبون وصحافيون متواجدون في صنعاء.
ويبدو أن الحوثي تمكن من اخضاع صالح ظاهريا على الأقل ، كشف ذلك اعلان صالح التوقف حتى عن التهاني والتعازي بعد يوم من لقاء دار بينه وبين الحوثي عبر دائرىة تلفزيونية مغلقة في 13 سبتمبر/ أيلول، كما ان جماعة الحوثيين بدات في ابتلاع غرث صالح السياسي المتمثل في المؤتمر والعسكري المتمثل في الحرس وأجهزة الأمن والمخابرات، وتقول بعض المعلومات أن الجماعة أوشكت على الانتهاء من تنفيذ شبكة اتصالات عسكرية وربما هي جزء من الاستثمار المستقبلي كشركة اتصالات عامة .
الاتهامات المتبادلة داخلياً بين الطرفين كانت تدور حول ثلاثة أمور:
- إدارة السلطة: حيث اتهم صالح حلفاءه الحوثيين بإدارة حكومة (الشراكة والمجلس السياسي) من الخلف عبر المكتب التنفيذي للجماعة واللجنة الثورية العليا التي يرأسها أحد أقارب عبدالملك الحوثي (محمد علي الحوثي). وفي الحقيقة أنَّ ذلك ما يحدث بالفعل إما برغبة من "صالح" وحزبه أو بدون ذلك، إذ أنَّ محمد الحوثي ولجان الحوثي الثورية في المؤسسات الحكومية هي ما تدير الدّفة في الحكومة وتتحكم بالقرارات، وحدثت إشكالات واسعة بين الحوثيين والمسؤولين في حزب "صالح" بعد أنَّ شاركوا في حكومة "انقاذ" وصلت الى الاشتباكات والاحتجاز واستخدام مسلحين لفرض هيمنة الحوثيين على تلك المؤسسات. كما أنَّ عبدالكريم الحوثي عمّ (شقيق والد زعيم جماعة الحوثي) هي الشخصية التي تدير المجلس السياسي الأعلى.
في 19 أغسطس (آب) شكى عبدالملك الحوثي من أنَّ أنصاره لم يكن لهم نصيب في الوظائف الحكومية إلا بما نسبته 1%، وبغض النظر عن تواجد الحوثيين في المؤسسات الإدارية للدولة وحجمهم إلا أنَّ "صالح" حكم البلاد 33 عاماً وكون شبكات ضخمة باستخدام الوظيفة العامة، فبالتأكيد أنَّ نسبة أنصار صالح في مؤسسات الدولة لا يقارن بوجود الحوثيين الذين بدأوا بالسيطرة منذ عام (2014م).
- المال العام: تبادل الحوثيون وصالح اتهامات عديدة بسرقة المال العام والفساد، واتهم حزب صالح، الحوثيين بسرقة رواتب الموظفين، يحاول صالح بذلك استمالة مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين الذين لم يستلموا رواتبهم منذ أغسطس (آب) العام الماضي. وعندما طالب "صالح" بمحاسبة اللجنة الثورية والمسؤولين الحوثيين الذين يزدادون ثراءً في صنعاء، طالب محمد علي الحوثي بمحاسبة صالح وقيادات حزبه على ما نهبوه وسرقوه خلال 35 عاماً.
- دعم الجبهات: تشكو جماعة الحوثي من أنَّ مساهمة "صالح" في الحرب ضعيفة وبعدد محدود، وقال عارف الزوكا وهو الأمين العام لحزب "صالح" إنَّ الحوثيين طلبوا من "صالح" 40 ألف مقاتل للجبهات. ورّد صالح إنَّ عليهم أن يعيدوا رواتب جنوده في الحرس الجمهوري من أجل القتال. وهي مخاوف حوثية من أنَّ صالح يريد استنزاف قوتهم ويحتفظ بقواته للانقضاض عليهم، وتقويه موقفه التفاوضي بأنه يملك قوات نظامية لمحاربة الإرهاب في حال التوصل إلى اتفاق سياسي خاصة مع ضعف الحكومة الشرعية التي تواجه مشاكل عديدة في الجيش الوطني والميليشيات شبه العسكرية الموالية للإمارات في المحافظات الجنوبية.
طالما أنَّ صالح والحوثيين بدأوا البحث عن ثغرات لمواجهة الحلفاء، مع أنهما -على الأٌقل حتى الآن- بحاجة لبعضهما من أجل مواجهة القوات الحكومية والتحالف، إلا أنَّ بقاء التحالف سيعاني من وقت وآخر من انفجارات وفقاً لمحددات ادارة السلطة والمال والحرب في الجبهات.
ويمكن أنَّ نعزو أسباب تلك الاتهامات إلى عِدة أمور:
1- طول مُدة التحالف بينهما كانت كفيلة لإخراج صراعات الماضي من جانب الحوثيين، ومخاوف "صالح" من سيطرة الحوثيين على قواته العسكرية بعد أنَّ اعتقد أنه تم تجاهلها فقط، ما وسع الهوة بين الطرفين لتظهر الخلافات التي كانت في الخفاء إلى العلّن.
2- يواجه تحالف المتمردين حرباً من ثلاثة محاور رئيسية:
أ) (عسكرياً): بالرغم من أنَّ احتدام القتال في معظم جبهات القتال باليمن إلا أنَّ مناطق الحرب لم تتغير بعد لصالح أياً من الطرفين، مع أنَّ هناك تقدم بسيط للقوات الحكومية في المخا غربي اليمن بداية هذا العام، إلا أنَّ الضغط المستمر والضربات الجوية التي زادت خلال العام الحالي (حسب تقديرات الأمم المتحدة قد بلغ عدد الضربات الجوية التي قام بها التحالف 5760 ضربة في الأشهر الستة الأولى من عام 2017، مقارنة ب 936 3 ضربة في عام 2016م.
ب) (اقتصادياً): يمثل هذا المحور نقطة ضعف لتحالف المتمردين فنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في سبتمبر (أيلول) 2016، أفقد الحوثي/صالح مصدراً لتمويل الحرب الذي يبقي تحالفهما، وبناءً على ذلك يفترض بكل طرف أنَّ يجد مصادر بديله لتغذيه الجبهات وهو ما يصعب على "صالح" الذي لا ينفق عادةً من أمواله الخاصة بل من المال العام، وهو ما جعله يشترط لعودة قوات "الحرس الجمهوري" إلى الجبهات إعادة مرتبات الجنود! فيما جماعة الحوثي أسست لها مراكز مالية جديدة (تجارية) مع بدء الحرب، وتعتمد على فرض إتاوات على التُجار وحتى المواطنين العاديين من أجل تمويل جبهاتهم، بما في ذلك أموال الضرائب التي يرفض الحوثيون توريدها إلى حسابات الحكومة المشكلة منهم وعائدات الغاز والنفط الذي أسسوا بعد تعويمه شركات خاصة بهم لاستيراده وبيعه بأرباح كبيرة تصل إلى مليارات في الشهر الواحد.
ورغم ذلك إلا أن شحة الموارد لـ"تحالف الانقلابيين" مع الحالة الإنسانية والاقتصادية المستمرة بالتدهور في المناطق تحت سيطرتهم تمثل ضغطاً متزايداً يزيد التوتر بين الحليفيين.
ج) (سياسياً): بالرغم من أنَّ تحالف الانقلابيين أعلن عن مجلس سياسي أعلى لإدارة المناطق الخاضعة لسيطرته وحكومة، وتم إعادة البرلمان (بعد أنَّ حله الحوثيين في فبراير/شباط 2015م) لكن أياً من (المجلس والحكومة والبرلمان) لم يحظ بأي اعتراف إقليمي رغم مرور عام على تشكيل الجميع. كما أنَّ البرلمان مثل موضوعاً رئيسياً في الخلافات فالبرلمان الذي عقد جلساته في صنعاء في أغسطس (آب) 2016م بنصاب مكتمل (وفق رواية الحوثيين قرابة 132 عضوا) لم يتبقى منهم يجتمعون في المجلس خلال نفس الشهر عام 2017م، إلا (44) عضواً فقط بمن فيهم رئيس الجلسة، والبقية إما غادروا البلاد أو رفضوا الحضور بالمطلق أو انضموا إلى أعضاء آخرين في الرياض لدعم حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي او ماتوا .
3- سعي كل طرف على حِدة للحصول على عرض من (التحالف/الحكومة/الأمم المتحدة) للتنازل على حليفه، ضمن خُطَّة تصاحبها ضمانات. ولذلك كان أبرز أسباب الخلاف اتهام الحوثيين لـ"صالح" بالتفاوض مع أبوظبي خارج إطار تحالفهما، والحصول على صفقة تعيّد نجله أحمد-المتواجد في الإمارات- إلى السلطة. ساهمت وسائل إعلام محلية ودولية في الحديث عن اجتماعات تربط ولي العهد السعودي وولي عهد أبوظبي بأحمد علي عبدالله صالح وقيادات أخرى في المؤتمر الشعبي العام. وهذه الاتهامات وبالرغم من أنَّ "صالح" نفى وجود أي مشاورات مع الإمارات أو أي قوة عربية أخرى أو دولية إلا أنها أخطر الاتهامات التي وجهها الحوثيون لـ"صالح"، والعكس تماما اتهم مؤتمر صالح الحوثيين باجراء مفاوضات سرية في ظهران الجنوب مع السعودية في خطوة لسحب البساط عن صالح وحزبه وتمثيل صنعاء في الحوار السياسي القادم.
4- فقدان الثقة بين الحوثيين وصالح ليس وليداً للحظة تحالفهما، فكِلا الطرفين يعرفان جيداً احتمالية الغدر لأي طرف ضد الأخر، إذ أنَّ "صالح" له تاريخ طويل من الانقلاب على رفاقه وتحالفاته، كذلك الحوثيين الذين يعتبرون "صالح" الرجل الأول الذي دمّر حركتهم الفتيه بحروب ست بين (2004-2010) ويعرف "صالح" أيضاً أنَّ الحوثيين لم يلتزموا بأي اتفاقية منذ بدء اجتياحهم المُدن من صعدة وحتى صنعاء.
الأوضاع في عدن:
بالمقابل فإن طرف التحالف العربي الداعم لشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، يعاني هو الآخر من انقسامات، ظهرت إلى السطح في يوليو (تموز) الماضي عندما أُعلن عن تشكيل مجلس انتقالي جنوبي موزاي لحكومة هادي، ويحوز صلاحيتها داخلياً وخارجياً، وهذا المجلس ضمن تكوين يطالب بانفصال الجنوب أو على الأقل الحصول على حكم ذاتي، وهو بذلك يخالف الرؤية التي اتفق عليها اليمنيين بنظام حكم فدرالي من عدة أقاليم.
هذا المجلس يتلقى دعماً (لا محدوداً) من الإمارات التي تملك إلى جواره ميليشيات شبه عسكرية تدعى قوات (النخبة/الحزام الأمني) والتي تنتشر في معظم المحافظات الجنوبية، والتي يتجاوز عدد أفرادها 30 ألفاً، تم تجنيدهم من المحافظات والبلدات الجنوبية وفق تقسيم مناطقي/ هوياتي يعزز الهوية الفرعية للقبيلة.
وتشير معلومات ([4]) إلى أنَّ الاحتقان بين أبوظبي والرئيس اليمني وصل لذروته في أغسطس (آب)، وظهر ذلك واضحاً باتهام منصر القعيطي، محافظ البنك المركزي اليمني (الذي عينه هادي) للإمارات بأنها منعت 13 رحلة منذ ابريل (نيسان) تحمل الأموال المطبوعة في روسيا إلى مدينة عدن الجنوبية، من أجل منع الحكومة من الحصول على السيولة النقدية، وتشويه سمعتها. كما أنَّ أبوظبي ما تزال غاضبة من استبدال هادي، لرئيس الوزارء السابق خالد بحاح (حليف رئيسي للإمارات) واستشاطت غضباً باستبدال (محافظ عدن السابق عيدروس الزُبيدي ووزير الدولة هاني بن بريك) وهما أبرز حلفاء أبوظبي في اليمن. فضلاً عن تعزيز سلطة القائد العسكري علي محسن الأحمر وهو قائد عسكري تعتقد أبوظبي أنه قريب من حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي تتهمه بكونه أحد فروع جماعة الإخوان المسلمين ، رغم نفي الإصلاح أكثر من مرة تبعيته للجماعة.
وعلى الرغم من الاعتراف الدولي بحكومة الرئيس هادي، إلا أن هناك قلق دولي متزايد إزاء الكارثة الإنسانية المتصاعدة، مع ارتفاع عدد الضحايا المدنيين وإمكانية توسع انتشار الوبئة وزيادة المجاعة، خاصة في ظل الحصار البحري الذي فرضه السعوديون والمصريون، والذي يحد من واردات الأغذية والوقود والمساعدات. وعلاوة على ذلك، مع وجود أكثر من 3 ملايين شخص من المشردين داخليا، هناك خطر متزايد من تدفق كبير للاجئين إلى سلطنة عمان أو المملكة العربية السعودية، أو نحو شرق أفريقيا. إن الدعم السعودي لهادي سيتعرض لضغوط دولية نتيجة لذلك([5]).
بشكل موازي أيضاً فإن أبوظبي بالرغم من دعمها للحكومة الشرعية إلا أنها لا تريد بقاء عبدربه منصور هادي رئيساً للبلاد، وهو ما يتعارض مع ما تريده الرياض في الظاهر على اعتبار أن "هادي" كغطاء للشرعية هو ايضا غطاء لعمليات التحالف العربي بقيادتها واي استبعاد له حاليا ستؤثر في قانونية التدخل العسكري .
وفيما تفضل الإمارات عودة علي عبدالله صالح أو نجله أحمد بعد استبعاد هادي ترى السعودية أن الاتفاق السياسي هو الطريق المناسب في حال نجحت اتفاقيات الظهران بينها وبين الحوثيين وبالتالي يمكن لها من ايقاف الحرب مع اخراج هادي والمجيء ببديل حليف ومقبول من الحوثيين والحراك الجنوبي .
السيناريوهات المحتملة
يبدو أنَّ السيناريوهات المحتملة لانقسامات داخلية للتحالفات في اليمن تشير إلى مرحلة أكثر تعقيداً وتصعب أي جهود لإيجاد حلّ سياسي شامل للأزمة.
السيناريو الأول يتمثل في انهيار تحالف الانقلابيين وتخلى صالح عن الحوثي والانحياز للشرعية ، وتعّول الرياض على حدوث هذا الانقسام لتحالف طال أمده، من أجل تفكيك مراكز القوى داخل الانقلاب ، والاتفاق مع أحد الأطراف -أبوظبي تضغط من أجل "صالح"- والذي يضمن تأمين حدودها الجنوبية والحصول على نصر أو (شبه نصر) وتأمين اليمن من التدخلات الإيرانيَّة. الولايات المتحدة الأمريكيَّة ترى أيضاً ذلك لكن ليس كاستراتيجية إذ أنَّ استراتيجيتها تتركز على مكافحة الإرهاب أولاً.
السيناريو االثاني فهو ابتلاع الحوثيين لحزب المؤتمروأجهزة الأمن والمخابرات ووحدات الحرس الجمهوري والتحكم والسيطرة في إرث صالح في الدولة .
والسيناريو الثاني يعني أنه ومع الدعم الإيراني المتزايد ستدخل الحرب مرحلة جديدة، تفرض وجود الحوثيين كطرف واحد يسيطر على الشمال، ومع تزايد الانقسام (الجنوبي-الجنوبي) قد نشهد تكون دولتين بحكم الأمر الواقع، مناطقية تعاني الاحتراب في الجنوب، وشمالية طائفية على حدود المملكة العربية السعودية.
السيناريو الثالث فهو بقاء تحالف المتمردين رغم الخلافات وهو ما يعني ظهور صراعات بين وقت وآخر بين الطرفين، ولكنه في نهاية المطاف سيصل إلى انفجار أكبر يفكك هذا التحالف، وهو ما يضع مجالاً أوسع للقوات الحكومية والتحالف دخول المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين بما في ذلك صنعاء والحديدة، ويعلن انتصارا لكنه سيكون هشاً في حال استمرت ايران داعمة للحوثيين مع وجود تصدع داخل التحالف العربي وقوى الشرعية.
تبقى الإمارات هي العامل الرئيسي المُرجح لأيٍ من السيناريوهات فإعادة الأوضاع إلى ما قبل (2011) يبدو مستحيلاً للغاية، كما أنَّ استمرارها في انتقاص شرعية الرئيس "هادي" ودعم ميليشيات شبه عسكرية خارج إطار الجيش اليمني سيعني بالتأكيد حرب ثلاثية شمالاً وحرب ثلاثية جنوباً، إذ أنَّ الميليشيات شبه العسكرية في الجنوب تستعد لمواجهة القوات الحكومية.
إذن فإن البديل الأفضل لحرب لا استراتيجية فيها ولا يوجد منتصر على الأرض أخضع خصمه إلا اتفاق سلام شامل وفق المرجعيات المُتفق عليها والمجتمع الدولي عليه أنَّ يبذل الكثير للضغط من أجل التوصل إلى هذا الاتفاق، ووضع حد لمعاناة اليمنيين التي تتفاقم.
[1] ) جزء من حزب المؤتمر الشعبي العام الذي انقسم بعد تحالف صالح مع الحوثيين وإسقاط صنعاء
[2] ) زعيم جماعة الحوثي التي أسسها شقيقه حسين الحوثي وأطلق عليها اسم الحوثيين أو ما يسمون أنفسهم أنصار الله.
[3] ) سبق أنَّ استخدم الحوثيون هذه الساحات في يوليو (تموز)/ أغسطس (آب) 2014م لإسقاط حكومة الوفاق التي كان يقودها محمد سالم باسندوه بعد رفع الدعم عن المشتقات النفطية
[4] ) مسؤولون تحدثوا مع "أبعاد للدراسات"
[5] التقرير القطري لـ"الإيكونميست" البريطاني. 3 أغسطس-آب