مقتل صالح حيد روسيا ورفع الغطاء عن الحوثيين .. أمريكا تبحث عن هزيمة إيران في اليمن
ملخص:
تتزايد التحولات الدَّولية تجاه الحوثيين، وفقاً لعدة عوامل رئيسية: زيادة الأزمة الإنسانية في البلاد، واستهداف المُدن السعودية التي وصلت إلى الرياض، وحالة السخط من إيران، ومقتل الرئيس اليمني السابق بطريقة وحشية (وفق التعبير الأمريكي).
كان الموقف الأمريكي قد شَهد تحولاً دراماتيكياً منذ وصول الإدارة الجديدة إلى البيت الأبيض، وكانت اليمن مسرحاً لقراءة التحول الأمريكي في الشرق الأوسط، إذ التزمت واشنطن خلال 2017 بدعم حلفاءها، وإعادة المياه لمجاريها بعد أنَّ تأثرت في عهد إدارة أوباما. وكانت لزيارة جيمس ماتيس (وزير الدفاع الأمريكي) في ابريل/نيسان2017 وتقديم الولايات المتحدة الأمريكية لأدلة تورط إيران في تسليح الحوثيين بقاعدة عسكرية خارج واشنطن (ديسمبر/كانون الأول2017) أبرز التحولات المذكورة تجاه إيران والحوثيين. وتساهم عوامل التحول أعلاه من أجل الدفع الأمريكي باتجاه تحرير محافظة الحديدة (غرب اليمن) من الحوثيين، بعد أنَّ فشلت جهود الأمم المتحدة لإقناع الجماعة بخطتها، كما أنَّ مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح كان مؤثراً فعلياً في روسيا التي أعلنت سحب بعثتها الدبلوماسية من صنعاء ونقلها إلى الرياض؛ وهو ما يعني قيود أقل على جهود الأمريكية الداعمة لتوجهها في اليمن.
وسيحقق مواجهة الحوثيين في اليمن الكثير من برنامج "ترامب": إيقاف الأدوات الإيرانيَّة، ومحاربة تنظيم القاعدة، والظهور بمظهر الاستقرار في الشرق الأوسط وإيقاف تدهور الوضع الانساني المتفاقم ؛ كما سيعيد ثقة الحلفاء القُدامى دول الخليج بعد أنَّ تأثرت؛ في نفس الوقت لا تكاليف كبيرة لتحقيق هذه المكاسب.
مقدمة
حوّلت الإدارة الأمريكية الجديدة من تعاملها في اليمن، مع زيادة النفوذ الإيراني، والجماعات الإرهابية في البلاد. وتستغل واشنطن هذه المخاوف من أجل إجراءات أكثر تقدميه في دعم حلفاءها، دعماً للسلطة الشرعية الممثلة في الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.
ظلت اليمن محور لقاءات الساسة الغربيين، عسكريين وسياسيين بقادة الشرق الأوسط، وعلى وجه التحديد دول مجلس التعاون الخليجي، وكانت للقاءات وزير الدفاع الأمريكي في بداية تسلمه لمنصبه في "ابريل/نيسان2017" في دول الخليج العربي وعلى وجه التحديد (السعودية) إعلاناً لبدء هذا التحول. وكان لعدم جدية الحوثيين في اتفاقات السلام وتفاقم الأزمة الإنسانية ووصول الصواريخ البالستية إلى الرياض تأكيداً أمريكياً على ضرورة مواصلة مواجهة التهديد الإيراني من اليمن. ويبدو أن الأمريكيين باتوا مقتنعين أكثر من أي وقتٍ مضى أن إخراج إيران من اليمن سيؤدي إلى سلام دائم في البلاد التي تشهد حرباً منذ أكثر من عامين.
خلفية التحول الأمريكي
في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2017 عرضت الولايات المتحدة الأمريكيَّة للمرة الأولى صواريخ حوثية في واشنطن أطلقت على الرياض باعتبارها أدلة كافية لضلوع إيران في تسليح الحوثيين. وشملت تلك الأدلة بقايا متفحمة قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إنها من صواريخ باليستية قصيرة المدى إيرانية الصنع أطلقت من اليمن في الرابع من نوفمبر تشرين الثاني على مطار الملك خالد الدولي خارج العاصمة السعودية الرياض إضافة إلى طائرة بدون طيار وذخيرة مضادة للدبابات انتشلها سعوديون من اليمن[1]. وبالرغم من أن البنتاجون لم تحدد متى أو كيفية وصول هذه الأسلحة إلى الحوثيين من طهران (التي نفت الأدلة وقالت إنها ملفقة) لكن السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي عبرت عن ثقتها في أن طهران تتحمل مسؤولية نقل تلك الأسلحة للحوثيين في اليمن.
وقالت في مؤتمر صحفي في قاعدة عسكرية على مشارف واشنطن ”هذه (الأسلحة) إيرانية الصنع.. وأرسلتها إيران.. ومنحتها إيران“.
وقال البنتاجون إن السعودية والإمارات زودتا الولايات المتحدة بكل بقايا الأسلحة التي عرضت. ويقاتل تحالف عسكري بقيادة السعودية في اليمن دعما للحكومة والرئيس المعترف بهما دوليا ضد الحوثيين في حرب أهلية تدور رحاها منذ أكثر من عامين.
يأتي هذا العرض غير المسبوق، الذي قالت هيلي إنه تم بناء على معلومات مخابرات، في إطار سياسة الرئيس دونالد ترامب الجديدة حيال إيران التي تعهد فيها بتبني نهج أكثر صرامة مع طهران. ويبدو أن ذلك النهج يشمل أيضا مساعي دبلوماسية.
كان هذا التحول الأمريكي بعرض الأسلحة في مؤتمر صحافي، هو التحول الثاني الصارم للولايات المتحدة منذ بداية عام 2017، فقد كان التحول الأول في ابريل/نيسان 2017 عندما أنهى وزير الدفاع الأمريكي، يومين من المباحثات في العاصمة السعودية الرياض مع كبار المسؤولين بينهم الملك وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ ضمَّ الوفد الذي جاء مع ماتيس مراسلين من الصحف الأمريكيَّة، أخبرهم بشكل واضح أنه يتطلع إلى إنهاء الحرب في اليمن عن طريق المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة، لكنه خلال تعليقات مع الأمير محمد بن سلمان بعد المحادثات قال لهم أيضاً إنه ومن أجل الوصول إلى تلك المفاوضات يجب "التصدي للنفوذ الإيراني في اليمن".
تغير الخطاب الأمريكي في الإدارة الجديدة عن خطاب السنوات الأخيرة من حكم إدارة الرئيس باراك أوباما، فقد عانت العلاقات السعودية-الأمريكيَّة توتراً ملحوظاً منذ قيادة الرياض تحالفاً لمساندة الشرعية اليمنية في (مارس/آذار 2015م) بالرغم من أن الولايات المتحدة أعلنت دعمها للعمليات العسكرية لوجستياً ومخابراتياً، لكنه ما لبث أن تناقص بانحدار متسلسل حتى توقف-أو انخفض جداً- مع إيقاف شحنات أسلحة كانت السعودية قد اشترتها من واشنطن. لتعيد إدارة دونالد ترامب تلك الشحنات من القنابل الذكية والموجهة إلى شحنها مجدداً باتجاه المملكة العربية السعودية.
وتظهر الولايات المتحدة والسعودية متقاربتان بطبيعة الحال تبعاً لتغيرات جيو-سياسيَّة في الولايات المتحدة وفي اليمن أيضاً. ماتيس الذي تحدث ابريل/نيسان واجه الضغوط بوقف تقديم الدعم اللوجستي للتحالف في حرب اليمن -شملت الكونجرس ومنظمات دولية- بالحديث عن تدريب القوات الجوية السعودية لمنع وقوع أخطاء بحق المدنيين، وقال للصحافيين في 29 ديسمبر/كانون الأول 2017 "سوف نستمر في تدريب الجنود السعوديين لتحديد ما يستهدفونه، وسنعمل مع طياريهم لتوضيح كيفية القيام بالهجمات الجوية، وسنفعل أي شيء لتقليل عدد الضحايا من المدنيين"[2].
يعد هذا التقارب وهذه الخطوات نتيجة لجهود ماتيس الذي يعد معارضاً كبيراً لإيران. ففي (مارس/آذار2017) وجه رسالة إلى المستشار في شؤون الأمن القومي ماكماستير يقترح تقديم مساعدة عسكرية كبيرة ليس فقط للسعودية ولكن أيضاً للإمارات، كذلك فإن ما يحدث يعود إلى الإدارة الجديدة التي رات كيف أثر استمرار تدخل طهران في شئون الدول في المنطقة.
بالقدر الذي ترغب فيه أمريكا بأن ترى نهاية للحرب الأهلية في اليمن، إلا أن تركيزها الرئيسي ينصب على مكافحة متطرفي تنظيم القاعدة في جنوب اليمن ووسطه، فهو هاجسها الأمني الأبرز، ويعتقد المسؤولون الأمريكيَّون أن تهديد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أكبر من ذلك المتأتي من تنظيم الدولة، الذي تحاربه أمريكا في كل من العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان وغيرها[3].ولأجل هذا التركيز فهي تحتاج إلى دولة تبسط نفوذها في اليمن لتثبيت دعائم الاستقرار ومنع استغلال الحرب الدائرة لتوسيع التنظيم لنفوذه، ولن يحقق ذلك بقاء جماعة الحوثي بالسلاح الثقيل بكونها جماعة "عقائدية" لا تقل إرهاباً عن القاعدة، وحسب تعبير قائد القيادة المركزية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، جوزيف فوتيل فإن تهديد القاعدة في اليمن "أربع نجوم" مقارنة بتهديد إيران[4].
وبينما كان ماتيس في الرياض قال وزير الخارجية الأمريكي إن إيران تواصل أنشطتها في مساعدة الحوثيين "لمحاولة قلب نظام الحكم في اليمن من خلال توفير المعدات العسكرية والتمويل والتدريب (..)اعترضنا شحنات أسلحة واكتشفنا وجود شبكة إيرانية معقدة لتسليح وتجهيز الحوثيين"[5]. في جلسة للأمم المتحدة لمناقشة التقارير الربعية (20 ابريل/نيسان) قالت نيكي هايلي المندوبة الأميركية إن إيران تواصل "تسليح الجانب الحوثي المنشق في اليمن"، ودعت مجلس الأمن الدولي إلى تناول هذه المسألة كأولية عند مناقشته لهذا البند[6].
المكاسب الأمريكيَّة في اليمن
تمثل الجمهورية اليمنية الساحة المناسبة للإدارة الأمريكيَّة، لإثبات رؤيتها السِّيَاسِيَّة للخارج بأقل التكاليف السِّيَاسِيَّة الدَّوْلِيَّة والعسكرية من خلال عدة أوجه:
- محاربة الإرهاب:
سيمثل مساعدة قوات التحالف العربي فرصة ليس لها مثيل لسحق تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب الذي يتخذ من جنوب اليمن مقرا رئيسيا له، ويمثل خطراً إقليمياً ودولياً، وسبّق أن أكدت الإدارة الأمريكيَّة أن التنظيم يهدد الأمريكيين في الداخل إضافة إلى دول أوروبا، خاصة بعد أن سبق وشن هجمات على المصالح الأمريكية منذ تسعينيات القرن الفائت.
- مواجهة إيران:
على غير التدخل في سوريا والعراق يمثل التدخل الأمريكي في اليمن بمساندة حلفاءها مواجهة لإيران وإيقاف خططها الشرق أوسطية المهددة لدول الخليج العربي، فالتدخل في سوريا يصطدم بروسيا والصين، كما أن تعقيدات العراق وولوج إيران المبكر فيها لن يسمح بإيقاف المنهجية الإيرانيَّة المتبعة مع الميليشيات المسلحة، وذات الأمر في لبنان، فاليمن ليست محورية بالنسبة لروسيا والصين كما أن حكومتا البلدين مؤيدة تماماً لشرعية الرئيس اليمني، لكن ذلك لن يخلو من تعقيدات.
- استعادة الحلفاء القدماء للولايات المتحدة الأمريكيَّة:
حالة عدم الاستقرار في اليمن مصدر قلّق لجيرانها الذين يمثلون حلفاء الولايات المتحدة وبوقف حالة انعدام الأمن المهدد للأمنين الإقليمي والدولي فإن واشنطن تستعيد بذلك ثقة الحلفاء والتحالفات معها بعد أن أصيبت التحالفات الأمريكيَّة الدَّوْلِيَّة بالريبة بعد أن تخلت إدارة أوباما عن اتفاقاتها.
- عدم خسارة قوة أمريكية:
لا تعترف القوات الأمريكيَّة بوجود قوات خاصة في اليمن، عدا تلك التي تقوم بعمليات عسكرية من ذلك النوع الذي استهدف قرية "يكلا" في محافظة البيضاء وسط اليمن في 29يناير/كانون الثاني 2017م،[7] لكنها تؤكد وجود مستشارين عسكريين إما في غرفة العمليات التابعة للتحالف أو عبر القيادة المركزية الأمريكيَّة للشرق الأوسط. إن ترسيخ عودة الدولة اليمنية بجيش قوي وبمساندة من دول التحالف العربي يعزز الرؤية الأمريكيَّة للإدارة الجديدة بعدم بعث مقاتلين جدد إلى مناطق الصراع.
(هـ) إعادة الاستقرار إلى اليمن يبعث بتفاؤل دولي وإقليمي بالإدارة الأمريكية الجديدة: وهذا الأمر ينعكس ذاتيا على الملفات التي عَلقت في عهد إدارة باراك أوباما. ومن شان العودة الأمريكية وبقوة إلى المنطقة، أن يسهم في استعادة واشنطن لنفوذها الذي انحسر بشكل طفيف في منطقة الشرق الأوسط في عهد إدارة (أوباما)، ما أدى إلى الإخلال بالتوازن فيها، وظهور لاعبين جدد أججّوا الصراعات.
كيفية التدخل في اليمن؟
لا تملك الولايات المتحدة الأمريكيَّة نيّة إرسال قوات عسكرية إلى اليمن لمواجهة المسلحين الحوثيين، ستضطر إدارة "ترامب" إلى إصلاح خلافات عديدة بداخلها إذا ما قررت التدخل المباشر، فمن الصعب تواجد تلك القوات على الأرض بعد حادثة مقتل الضابط الأمريكي في العملية العسكرية في "يكلا". وتواجه إدارة ترامب حملة في الكونجرس الأمريكي من أجل وقف أي مساعدة أمريكية للخليج في العملية وهذه الضغوط إلى جانب وسائل الإعلام التي لم يرُق لها سياسات "ترامب" بَعد، بقدر أنها لن تُثني الإدارة الأمريكيَّة عن مساعدة حلفاءها إلا أنها سترضخ في النهاية إزاء دعم أمريكي للحلفاء ومساعدتهم في تحرير ميناء الحديدة الواقع غربي اليمن، والخاضع لسيطرة الحوثيين.
وقَدم جيمس ماتيس وزير الدفاع طلباً للبيت الأبيض في مارس/آذار 2017م يطالب فيه بدعم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من أجل تحرير محافظة الحديدة من الحوثيين -وهو طلب كانت أبوظبي قد تقدمت به منتصف عام 2016م لكن إدارة أوباما تجاهلته- وهو الأمر الذي تأخر بسبب خارطة طريق تقدمت بها الأمم المتحدة لوضع سلطة ثالثة محايدة لإدارة الحديدة في (ابريل/ نيسان2017) كما أن المخاوف الإقليميَّة من أزمة إنسانية سيئة بالفعل في اليمن، حالت دون حدوث عملية عسكرية (على الأقل من وجهة نظر ممكنة) لكن الآن وبعد مقتل الرئيس اليمني السابق على يد حلفائه الحوثيين مطلع ديسمبر/كانون الأول 2017؛ وانكشاف الغطاء السياسي للحوثيين ما يجعل فرصة وجود مشاورات مُنعدمة، ويضع الحل العسكري في الواجهة.
ستقدم الولايات المتحدة الأمريكيَّة تدخلها في اليمن على كونه دعماً للحلفاء لمواجهة التمدد الإيراني بغرض الوصول إلى مفاوضات شاملة للأطراف اليمنية المتصارعة للوصول إلى حل سياسي ينهي الأزمة في البلاد من أجل محاربة الإرهاب وسيقدم تحرير ميناء الحديدة فرصةً لوقف الأزمة الإنسانية المتصاعدة في البلاد كما أنه يجفف منابع تمويل الحرب لدى الحوثيين فالميناء الاستراتيجي يستقبل 80 بالمائة من الواردات إلى البلاد.
ويبدو أن أوجه هذا الدعم سيكون لوجستيا ويقتصر على التالي:
(أ) إدارة العمليات العسكرية مع قيادات التحالف والجيش اليمني.
(ب) مستشارين عسكريين للقوات الحكومية اليمنية.
(ج) طائرات دون طيار لاستهداف قيادات الحوثيين وتمركز قواتهم إضافة إلى المسح الأرضي للاستطلاع.
(د) صور فضائية عبر الأقمار الصناعية لمسح الألغام وتقدم القوات ومعرفة أماكن تواجد الحوثيين وخنادقهم.
(هـ) زيادة واردات السلاح الحديث (ضمنه قنابل موجهة).
تداعيات التدخل ضد الحوثيين
تمثل المواجهة الأمريكيَّة ضد الحوثيين أول تدخل من نوعه ضد ميليشيا موالية لإيران وبالتأكيد فإن لهذا التدخل تداعياته المرتقبة دولياً وإقليمياً، لكن وجود المملكة العربية السعودية كقوة ناعمة وأكبر المؤثرين في الشرق الأوسط إلى جانب دولة الإمارات العربية المتحدة سيخفف من ردة الفعل تلك.
الموقف الرسمي الروسي رافض للمساعدة الأمريكيَّة من أجل تحرير ميناء "الحديدة". وحذرت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" في نسختها الروسية من صِدام مرتقب بين واشنطن وموسكو، ووصفت الصحيفة المساعدة الأمريكيَّة بـ"الغزو المباشر لليمن الذي قد يؤدي إلى تصعيد عسكري، ستشارك فيه روسيا وإيران بصورة غير مباشرة" [8]. ويبدو أن موسكو تريد الرد على القصف الأمريكي لقاعدة عسكرية سورية في (ابريل/نيسان2017م) بعد مجزرة دموية باستخدام سلاح كيمائي راح ضحيته المئات من الأطفال في خان شيخون[9].
لكن هناك عِدة متغيرات طرأت على الموقف الروسي منذ ابريل/ نيسان 2017
الأول: زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى موسكو في أكتوبر/تشرين الأول، وهي الزيارة الأولى لعاهل سعودي إلى روسيا، وكان الملف اليمني أبرز الملفات المطروحة وحصل ما يشبه التوافق.
الثاني: في يوليو/تموز وافقت موسكو على تعيين سفير يمني من قيادة الرئيس عبدربه منصور هادي، وهي المرة الأولى التي توافق فيها روسيا على تغيير السفير منذ 2011.
الثالث: تحاول موسكو العمل بشكل جاد مع وسائل الإعلام ومركز الملك سلمان للإغاثة للترويج لوجهة النظر السعودية، وخلال 2017 زار وفد من المركز مرتين الأولى في ابريل/نيسان والثانية في ديسمبر/كانون الأول.
الرابع: مقتل الرئيس اليمني السابق والسيطرة الكاملة للحوثيين، الذي دفع باقي البعثة الروسية الموجودة في صنعاء للمغادرة؛ وهو ما يعني فصل جديد من السياسة الروسية في اليمن.
لذلك فإن المُهمة على عاتق الرياض وأبوظبي تَصّب في اتجاه عدم حدوث صِدام محتمل بين موسكو وواشنطن في اليمن، أو على الأقل تحييد روسيا في الملف اليمني.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الانخراط الأمريكي أكثر في الصراع العسكري باليمن يشكل مؤشرا على موقف أكثر عدائية من قبل الولايات المتحدة تجاه إيران. فتصعيد البيت الأبيض- ترامب الإجراءات ضد المتمردين المدعومين من إيران في اليمن، هي جزء من خطة أوسع لمواجهة طهران من خلال استهداف حلفائها في دول الخليج. فاليمن بالنسبة لإدارة ترامب هي ساحة المعركة الأولى مع إيران[10].
ونتيجة لتلاشي أو جمود أوراق الإيرانيَّة في سوريا والعراق، ستدفع إيران لكسب معركة الحديدة المرتقبة لكن سيكون بلا فائدة دولياً فسيتلاشى تأثيره وصخبة الدولي بسكّوت روسيا عن المساعدة الأمريكيَّة؛ وستفقد إيران منفذاً هاماً لعبور السلاح والخبراء عبر ميناء الحديدة مع استمرار منع الطيران من الهبوط في المطارات الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
إيران لا تملك قوة حالياً لدعم الحوثيين مع رغبتها بزيادة الدعم العسكري والتدريبي إلى أعلى المستويات لكن عدة عوامل جغرافية وسياسية دولية تعوق عملها إلا من القليل النادر، ومن فُرص محدودة تحسن إيران استغلالها.
أوروبياً سيقف الاتحاد إلى جانب بريطانيا في دعم تحرير ميناء الحديدة، لدواعٍ إنسانية وتأميناً لمصالحها في اليمن، فدول الاتحاد لديها نفس المخاوف من تأثير الحوثيين على الملاحة الدَّوْلِيَّة مع الهجمات الصاروخية التي استهدفت سفناً من سواحل البحر الأحمر وبزيادة قدرات الحوثيين ليصل إلى زوارق (بدون رُبان) انتحارية، وألغام بحرية واسعة الانتشار، فتجارة النفط عبر البحر الأحمر تغذي معظم تلك الدول، لذلك فإن تأمين هذا الممر الدولي الهام يعد أولوية استراتيجية بالنسبة للحكومات الأوروبية وكذلك الصين.
ويعتقدون كما الأمريكيين أن تأمين خط الملاحة بمساعدة قوات عربية (ضمن اتفاقيات أمن البحر الأحمر) ومساندة أمريكية يحفظ هذا الخط واستمراره ولا يطيل مسألة الصراع الذي قد يمتد إلى مصالحهم الاستراتيجية.
ورغم الدعم الأمريكي المتوقع إلا أن السيناريوهات المستقبلية بشأن مستقبل الحركة الحوثية مغلقة، فالأمريكيون لا يرغبون باجتثاث هذه الحركة التي يعتقدونها أنها قومية وليست طائفية وربما سيساهمون في فرض حل سياسي على كل الأطراف لمنع سقوط العاصمة صنعاء عسكريا في يد القوات الحكومية والتحالف العربي، لكن يبقى عامل الوقت هو الأكثر تأثيرا فمؤشرات التدهور العسكري للحوثيين منذ فقدانهم للغطاء السياسي والاجتماعي بعد قتلهم لصالح أصبح ملحوظا، وقد يتفاجأ العالم بوضع يمني مختلف في اي صباح من صباحات العام 2018م، فاليمن هي بلد الرمال المتحركة التي لا تتوقف..
الهوامش
[1] US says missile parts prove Iran is illicitly arming Houthis/ Dec. 14, 2017/ https://www.apnews.com/d0755df9f54f4a899aff42daf8510cdf/US-says-missile-parts-prove-Iran-is-illicitly-arming-Houthis
[2] Mattis: US determined to reduce civilian casualties in Yemen/ الجمعة 29 ديسمبر 2017/ https://www.apnews.com/6c7d47702b634408b557cad9c9796bf4/Mattis:-US-determined-to-reduce-civilian-casualties-in-Yemen
[3] U.S. May Bolster Saudis’ Fight Against Rebels in Yemen- By Gordon Lubold- Updated April 19, 2017- wsj- https://www.wsj.com/articles/u-s-may-bolster-saudis-fight-against-rebels-in-yemen-1492636635
[4] CENTCOM chief: 'Vital US interests at stake' in Yemen- By: Joe Gould, March 29, 2017
defensenews -http://www.defensenews.com/articles/centcom-chief-vital-us-interests-at-stake-in-yemen
[5] US weighs giving Saudis more military aid for Yemen efforts-- By ROBERT BURNS - Apr 19, 2017 (AP) - http://newsflashnews.com/world/us-weighs-giving-saudis-more-military-aid-for-yemen-efforts
[6] الإمارات تقترح 3 حلول لتعزيز الإستقرار في المنطقة المصدر: وام التاريخ:21 أبريل 2017
http://www.albayan.ae/one-world/arabs/2017-04-21-1.2922451
[7] العملية العسكرية في يكلا راح ضحيتها عشرات المدنيين اليمنيين بينهم نساء وأطفال، وكان استهداف القوات الأمريكيَّة-بمساندة إماراتية تحت اعتقاد وجود اجتماع لقيادات تنظيم القاعدة في اليمن، وقتل خلال العملية ضابط أمريكي وجرح ثلاثة أخرين، ودمرت طائرة أمريكية قيمتها 70 مليون دولار، وماتزال تداعيات هذه العملية مستمرة، فلم تكشف الولايات المتحدة عن نوعية الوثائق المستهدفة وما هيتها.
[8] Россия столкнется с США в Йемене - 12.04.2017- http://www.ng.ru/world/2017-04-12/100_usayemen.html
[9] وقع الهجوم في مدينة خان شيخون السورية التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية بريف إدلب، مما أدى إلى وقوع 100 قتيل جلهم من الأطفال، ونحو 400 مصاب. وتقول المعارضة السورية أنه تمّ استخدام غاز السارين في القصف والأعراض التي يعاني منها المصابين ترجح ذلك، والتي تتمثل بخروج زبد أصفر من الفم وتشنج كامل.
[10] Yemen Is the First Battleground in Trump’s Confrontation With Iran- Foreign policy- BY DAN DE LUCE, PAUL MCLEARY/FEBRUARY 3, 2017 - http://foreignpolicy.com/2017/02/03/yemen-is-the-first-battleground-in-trumps-confrontation-with-iran