مسارات الحركة الحوثية.. بذور الفناء
مقدمة
،، نجحت الثَّورة السلمية في تمدين جزئي لحركة المجتمع القبلية؛ فيما فشلت في هذا الخيار مع الحركة الحوثية المسلحة، وهذا سبب سقوط المناطق القبلية أمام زحف الحوثيين ،، |
خلال عقد من الزمن استطاعت أن تتحول الحركة الحوثية من عصابة مسلحة متمردة على الحكومة اليمنية في جبال مران عام 2004م، إلى "ميليشيا" مسلحة تحاول إدارة الدولة، وتتكيء الحركة الحوثية على جذور اجتماعية وتنموية وسياسية وفكرية جعلتها تعود لحكم اليمنيين بعد أن تمددت من جبال صعدة في الشمال حتى سيطرتها على عاصمة الجمهورية اليمنية في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وتمكنت الجماعة من التحكم بمفاصل الدولة عن طريق السيطرة الكاملة، لكن قَتلهم لحليفهم السابق علي عبدالله صالح (ديسمبر/كانون الأول2017)، يعزز وهم القدرة على الانفراد بالسيطرة والحكم ، ويطمحون في اخضاع اليمنيين بالقوة وحكم المحافظات الواقعة شمالي اليمن ذات الكثافة السكانية تحت تهديد السلاح، وهو ما أدى إلى ظهور مؤشرات انهيار لقدراتهم العسكرية بعد غياب الغطاء السياسي والاجتماعي الذي مثله صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام.
خلال الفترة منذ تسعينات القرن الماضي، بدأت الحركة الحوثية نشاطها بشكل متدرج بدأً من مطالب فئوية لطبقة "الهاشميين" واتهام السلطة -حينها- بإقصائهم إلى جانب مطالب مناطقية لأبناء صعدة. ثم توسعت لتصبح مطالب سياسية لحكم إقليم يمتد في محافظات صنعاء وعمران والعاصمة وذمار، ويدمج الجوف النفطية في الشرق وحجة الغربية مع ميناء ميدي على البحر، حتى وصلوا إلى حق استعادة دولة الأئمة وربما يحلمون بامبراطورية ليس في اليمن ولكن في المنطقة.
برر الحوثيون تحركاتهم بحجج ومظالم، ولأجلها خاضت الحركة ست حروب مع الدولة بين 2004 و2010، وحين جاءت الثورة الشبابية السلمية استوعبتهم، في محاولة لتحويل نضالهم المسلح إلى نضال سلمي. لكن ذلك لم يحدث، حيث استغلت الحركة الثَّورة السلمية والفترة الانتقالية وضعف مؤسسات الدولة فيها للانقضاض على الدولة اليمنية واسقاط العاصمة وتهديد دول الجوار والاقليم ما استدعى عاصفة حزم تقودها السعودية في 26 مارس 2015م.
إسقاط النظام الانتقالي
نجحت الثَّورة السلمية في تمدين جزئي لحركة المجتمع القبلية؛ فيما فشلت في هذا الخيار مع الحركة الحوثية المسلحة، وهذا سبب سقوط المناطق القبلية أمام زحف الحوثيين، إلى جانب عوامل مختلفة تمثلت في دعم بعض القوى التقليدية النافذة الساخطة من حالة الانتقال بالذات قيادات قَبلية وسياسية استفادت من الحكم وعلى رأسهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح ونجله وبعض القيادات العسكرية النافذة؛ في محاولة للاستفادة من المخاوف الإقليميَّة لثورات الربيع العربي، ما مكن الحوثيين من الحصول على دعم لوجستي كاف لإسقاط النظام الانتقالي في اليمن عسكريا.
كانت تلك هي واجهة حقيقية لما استندت إليه الحركة الحوثية في تحركاتها، لكنها في نفس الوقت كانت تتكئ على جذور قضايا حقيقية في المجتمع اليمني (المحافظات الشمالية) ومنها:
1- الاجتماعية والتنموية: مثّلَ إهمال السلطة للتنمية في المناطق الشمالية، وتكريس النفوذ في يد جماعات سياسية وقبلية معينة ، دافعا للحوثيين في انشاء كيان يطالب بمطالب حقوقية مشروعة تتعلق بالمواطنة المتساوية وتوزيع الثروة والاهتمام بأساسيات العيش الخبز والصحة والتعليم.
2- السياسية: تسيطر على الجماعة فكرة الحق الإلهي في عودة الأسر الهاشمية السّياسية لحكم اليمن منذ أنَّ فقدوا ذلك في 26 سبتمبر من عام 1962؛ واستخدمت هذه الفكرة في تحشيد العائلات المنتمية إلى الهاشمية التي تقول إنها من نسل أبناء علي بن أبي طالب زوج ابنة الرسول. وبسبب تصرفات النظام الذي احتكر المناصب في مناطق قبلية موالية لشخصية "صالح" دفع الكثير من اليمنيين للاحتشاد مع هذا المشروع ضد الدولة.
عاني المواطنون من ابناء المحافظات الجنوبية والشمالية على حد سواء، لكن الحركة الحوثية كانت تتغلغل بشكل اكبر في مناطق شمال الشمال الفقيىرة بشكل لافت معتمدة على كتلة صلبة من "الهاشميين" الحالمين بعودة سلطة العهد الإمامي البائد.
3- الفكرية الأيدلوجية: تعمل الفكرة الأيدلوجية منذ ثورة سبتمبر/أيلول 1962 داخل السلطة وفق جناحين أحدهما سياسي يعمل من داخل الدولة ومتغلغل فيها، وآخر يهتم بالجوانب الفكرية من خلال مدارس دينية زيدية، وقد أسست الفكرة الحوثية "الشباب المؤمن" كحركة فكرية ثقافية زيدية قبيل 2004 بسنوات، وهو العام الذي تحولت فيه الجماعة إلى حركة مسلحة، وبدأت الارتباط مذهبيا مع إيران وتحت إشراف حزب الله.
إذن كل أجنحة الجماعة عملت لصالح تمكين الحركة الحوثية من السيطرة على الحكم وتحويل الجمهورية اليمنية لنظام شبيه بنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية[1].
التمدد في الفراغ وإجهاض التغيير
يعتقد بعض المهتمين بالشأن اليمني، وبعض صانعي القرار السياسي الاقليمي والدولي، أن حالة الحوثيين في اليمن الآن مجرد طفرة ساهمت ثورة التغيير ضد نظام علي عبد الله صالح في 2011م في تحويلها إلى ظاهرة، وهو تحليل غير دقيق، بل إن الثَّورة المضادة ورغبة الرئيس اليمني السابق في الانتقام من خصومه الذين وصلوا إلى السلطة، كانت الطريق للجماعة المسلحة للسيطرة على الدولة. وخلال أكثر من عقد على إنشاء الجماعة وتحولها إلى مسلحة تمكنت الجماعة من بناء قوة ميليشياوية تستند على عوامل عقدية-أيدلوجية ساهم الانفتاح الديمقراطي وغياب آلة الردع الحكومية والإقليمية من توسيع انتشارها إذ أن المؤسسات الحكومية أثناء الانتقال وقبل السقوط وزعت مناصفة بين قوى الثَّورة السلمية والموالين لـ علي عبدالله صالح. وبالتالي فشلت حكومة الوفاق (بعد الثَّورة) رغم نجاحاتها التنموية والاقتصادية من مجابهة الحوثيين بفعل النصف المُعطل الذي كان يديره "صالح" والذي يشمل قوة عسكرية، ظلت موالية له حتى مقتله في 4 ديسمبر 2017 بعد أن سلمت مخازن السلاح وفتحت أبوابها لتجنيد الحوثيين بعد انطلاق عاصفة الحزم مارس/آذار2015م.
حين قرر الرئيس السابق علي عبد الله صالح عقب حرب صيف94م الإنفراد بالحكم، توجه لإنشاء جيش موازي للجيش اليمني الوطني، من خلال ما يعرف بالحرس الجمهوري الذي كانت مهمته الحفاظ فقط على إرث عائلته وليس أدل من ذلك أنه أوكل قيادته لنجله أحمد، الذي سارع بسحب البساط على الجيش الوطني، واحتكرت معسكراته التدريب النوعي والتسلح المتطور والجديد منذ 1997م[2].
رغم إحكام قائد الحرس الجمهوري وقتها القبضة على ترسانة السلاح الاستراتيجي للبلاد بالذات الصواريخ بعيدة المدى وحركة الطيران والأجهزة الأمنية والمخابراتية وبعض وحدات الجيش الخاصة، إلا أنه وخلال عقد ونصف لم يصل نظام والده إلى تحقيق هدف إنشاء جيش موازي بشكل متكامل، فاضطر صالح للقيام في 2010م بما يعرف بمصطلح (تصفير عداد سنوات الحكم) ليضمن استمراره واستكمال بنية الجيش (العائلي) وإنجاح تسليم الحكم لابنه[3].
في الوقت الذي استثمر نظام صالح الدعم الاقليمي والدولي في تدريب وتسليح وحدات الجيش الجديد، مستفيدا من مخاوف المجتمع الدولي من ( الإرهاب)، قام باستبعاد كل من يشك أنه سيدعم قيادات عسكرية أو سياسية أو قبلية ترفض توريث الحكم، وهو ما استغله الحوثيون في إحداث ثقب صغير تدفقت من خلاله الأموال والخبرات إليهم، بل تغلغلوا في تلك القوات وبداوا في تنظيم أنفسهم في مجموعات قتالية.
وبمجرد انتهاء آخر انتخابات برلمانية شهدتها البلاد عام 2003 والتي جاءت بأحد أشقاء مؤسس حركة الحوثيين إلى عضوية البرلمان ضمن الأغلبية المريحة التي سعى حزب صالح لاكتسابها، بدات الحركة الحوثية في التمرد على الدولة[4].
13 عاماً على أول حرب شنها الجيش الوطني وبإمكانيات بسيطة على تنظيم الحوثيين المسلح الذي بدأ تمرده في 2004، وقضت الحرب الأولى على نواة هذا التنظيم وقتل مؤسسه حسين بدر الدين الحوثي وقتها.
لكن في 2005 كان الهم الكبير لصالح هو تحقيق الهدف الاستراتيجي له وهو توريث الحكم، ورأى صالح في استمرار الحرب مع الحوثيين تحقيق ذلك الهدف من خلال التخلص من عائقين أمام التوريث، العائق الأول عسكري وهو الجيش الوطني، والعائق الثاني سياسي وهي أحزاب اللقاء المشترك التكتل اليساري القومي الإسلامي المعارض له والمكون من (الاشتراكي والناصري والإصلاح والحق واتحاد القوى الشعبية)[5].
كان يعتقد صالح ان جر كلا من قوات الفرقة أولى مدرع التي يقودها اللواء علي محسن الأحمر، وقوات العمالقة التي يقودها اللواء علي الجايفي كأكبر تشكيلين عسكريين في الجيش، وأيضا حزب الإصلاح في حرب مذهبية مع الحوثيين كاف لخلخلة الجيش والمعارضة والسيطرة على الحكم وتوريثه، لذلك تشير وثائق ويكليكس إلى أن "صالح" حاول التخلص من علي محسن الأحمر بضربة جوية[6].
ابتلاع الدولة
خاض صالح حربا غير جدية مع الحوثيين، وترك الجيش الوطني يتمزق وينهار وهو يحارب ميليشيات منظمة بأدوات وأسلحة وذخائر بالية وقديمة؛ وبقيت قوة الحرس الجمهوري التي يديرها نجله "أحمد" تنسج علاقاتها مع الحوثيين، كما تسرب في الحرب الثالثة.
بعد خمس سنوات فقط وبالتحديد قي 2009م كان الحوثيون يقاتلون الجيش السعودي والجيش اليمني بمضادات دروع ورشاشات بنواظير ليلية ومدافع آلية الحركة ودبابات الحرس الجمهوري الحديثة T72 التي سيطروا عليها من معسكرات صعدة بدون قتال، فيما الجيش اليمني كان يقاتل ببضع دبابات قديمة ومهترئة غالبيتها T52 وبجنود متسلحين بذخائر تالفة، ويطلب منهم الانسحاب مع كل عملية يحكمون فيها الحصار على الحوثيين.
يعتقد صالح أنه حقق في ست حروب ضد الحوثيين كثيرا من المصالح أهمها إضعاف الجيش الوطني وتقوية الجيش الموازي (الحرس الجمهوري) وتقوية نفوذ الحوثيين لضرب خصومه السياسيين في الداخل كحزب الاصلاح، وإثارة مخاوف الجوار الخليجي بالذات السعودية لضمان استمرار تدفق الدعم المالي.
لكن صالح لم يدرك أن الحوثيين أكثر خطرا على نظامه، ولهم تاريخ في النكث والانقلاب على الاتفاقات، إلا حين وصلوا في الحرب السادسة 2009م إلى حرف سفيان وبني حشيش على تخوم العاصمة صنعاء، فشعر أن التوافق الحذر لم يساعده على اختراقهم، بل ساعدت الحوثيين على اختراق منظومة نظامه بشكل أكبر.
قبيل عام على قيام الثورة الشبابية الشعبية السلمية، كانت المؤشرات الدولية تقول إن اليمن في طريقها للفشل، وأنها أصبحت تهدد أمن واستقرار المحيط الإقليمي والعالم، لكن ما لم يدركه البعض أن الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام النافذ في الدولة اصبح مخترقا ومتحكما فيه من قبل لوبيات داعمة للحوثيين، حتى أن تقريرا رسميا أعلن عن بعض محتوياته في الصحافة أثناء الحروب مع الحوثيين، قد أطلق على الحزب الحاكم مسمى (المؤتمر الشيعي العام) في إشارة لتأثير الحوثيين ذو التوجهات الطائفية على قراراته.[7]
قبيل الثورة التي أسقطت بعض من أركان نظام صالح في 2011م ، كان الحوثيون قد ابتلعوا جزء من ذلك النظام خلال العامين السابقين.
أدرك الحوثيون أن الثورة اليمنية التي جاءت ضمن الربيع العربي ستقطع عليهم طريق السيطرة على الدولة، وأنها قد تنسف حلمهم المتنامي في عودة الحكم الإمامي إليهم الذي فقدوه بعد ثورة 26 سبتمبر في 1962م.
وتدرك الهاشمية السياسية أن نظاما مثل نظام الأئمة الذي حكمت من خلاله اليمن لقرون يجب إعادته بقوة السلاح، وإن ظلت فاعلة في أي نظام بدون المجاهرة بالعداء لمبادئ الجمهورية.
يؤكد زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي أن حكم )آل البيت( حق إلهي كما قال في خطابه بمناسبة (غدير) الدينية، وبذلك اتضحت ملامح الحركة الحوثية كحركة (عنصرية مسلحة وعنيفة) [8].
سلمية الثورة تعيق استراتيجية السلاح
منذ اندلاع المواجهات بين الحوثيين والدولة في 2004 ، دخلت إيران كداعم لوجستي رئيسي للحوثيين ، وتشكلت استراتيجية ذكية، تقوم على خطط لتفتيت الوضع الاجتماعي واختراقه، وإضعاف معنويات المؤسسة العسكرية والنفاذ إليها، والتوسع التدريجي على الأرض مع كل حرب، وامتلاك العتاد والجنود لتشكيل جيش منظم.
استراتيجية الحوثي في اليمن لا تنفصم عن الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة، لكن الربيع العربي والثورة الشبابية الشعبية السلمية في اليمن أحرجت المشروع المسلح للحوثيين، كما أبطأت من المشروع الاستراتيجي التوسعي لإيران.
ومثل ما كانت تنوي إيران ابتلاع هذه الثورات بالحديث عن أنها "امتدادا للثورة الإسلامية"، كان الحوثيون يعملون لذهاب البلد إلى صراع مسلح، ليرهقوا قواه المؤثرة سياسيا واجتماعيا ويفككوا بنية الجيش العسكرية المفككة أصلا ليتمكنوا من السيطرة على البلاد بسهولة وهو ما فعلوه خلال ثلاث سنوات من الحرب ضد المجتمع اليمني.
في 2011 نشبت معارك بين قوات الحرس الجمهوري الموالية لنظام صالح والقبائل في أرحب والحصبة، فعزز الحوثي الطرفين بمقاتلين في محاولة لتوسيع دائرة الاختراق وتوسيع المعارك. فشل الحوثيون في إطالة أمد الحرب وإرهاق القوى المتحاربة، لكنهم حققوا الاختراق، فالتحق بمعسكرات الحرس المئات من ميليشياتهم.
ذهبت المكونات السياسية اليمنية الموجودة في السلطة والمعارضة إلى توقيع المبادرة الخليجية في نوفمبر/تشرين الثاني 2011م، والتي تتضمن برنامجا مزمنا لانتقال السلطة سياسيا وسلميا، وكان من الصعب أن تتضمن المبادرة الحوثيين كونهم حركة مسلحة وليست سياسية، وهم رفضوا تسليم السلاح وإعادة صعدة لسيادة الدولة.
وبحسابات الربح والخسارة استراتيجيا، فإن الحوثيين لن يرثوا الدولة بالسهولة التي راهنوا عليها، وفشل سيناريو بقاء سيطرتهم كاملة على الدولة بعد ثلاث سنوات من غزوهم لصنعاء يدل أن الأرض تنسحب من تحت اقدامهام رويدا رويدا.
السياسة والمجتمع والسلاح
خلق الحوثيون بؤرا أيدلوجية واجتماعية معادية بحروبهم في صعدة، إلا أن إستهدافهم للقبائل ومعسكرات الجيش منذ خروجهم من صعدة، كان بمثابة جرس الإنذار للدولة اليمنية الجديدة، وللجوار الخليجي والراعين الدوليين للانتقال السياسي السلمي للسلطة وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
ارث القبيلة والقوة والحزب
وفيما غلف صراع الحوثيين مع السلفيين بغلاف مذهبي طائفي ليظهر على أنه متداد للصراع بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الإيرانية ، إلا أن الصراع مع اسرة آل الأحمر كان له وجه تأريخي يمتد لعقود ماضية، فهو امتداد لصراع بين هذه الأسرة وقبيلتها حاشد من جهة وبين الأئمة الذين حكموا اليمن من جهة أخرى.
حرصت قبائل حاشد وعلى وجه التحديد أسرة آل الأحمر على البقاء منذ قرون في المكان الأقرب والمؤثر للحكم، وشهدت علاقتها بحكام اليمن كمتتالية تاريخية، تبدأ بتقارب ومصاهرة مع النظام الصاعد، وتنتهي بعداء وحروب معه أثناء الأفول، وظهور قوة جديدة أخرى قابلة للتحالف معها.
ومما لا يدركه بعض المهتمين بالشأن اليمني أن القبيلة كلما تضعف وتبدأ بالاندماج في بنية الدولة السياسية مع كل مرحلة من مراحل التحول، يكون أي استهداف لها كمنقذ ينفخ فيها الروح فتعود إلى المشهد السياسي من جديد وبشكل مؤثر فيه لصالح طرف من اطراف الصراع لا متفاعل فحسب.
انضمت القبائل إلى ساحات الثورة تاركة السلاح ورائها، وقتل عدد من أبنائها، وهو ما جعل الكثيرين ممن ينتقدون القبيلة باعتبارها ( قوة تقليدية معيقة للتمدن) ينظرون إليها أنها جزء مهم من التغيير. لكن الحركة الحوثية ومن خلال التاثير في إطار المؤتمر الشعبي العام تمكنت من التلاعب بالورقة القبلية وتغلغلت فيها وخبرتها بشكل جيد ووجدت أن نقاط الضعف التي تلاعب عليها نظام صالح لا زالت مفتوحة، فالفقر والجهل غياب التنمية مدخل ملائم لتجنيد أبناء القبائل في حرب مفتوحة تبدا من القبيلة المجاورة ولا تنتهي إلا بسيطرة كاملة للحوثيين على المجتمع .
تمكن الحوثيون من اسقاط صنعاء بالمحيط القبلي الذي ظل في الظاهر مواليا لصالح حليف الحوثية في الانقلاب، لكن في 4 ديسمبر اكتشف صالح أن تلك القوة القبلية ليست إلا وهم كبير وأن الحوثي ورثها ، وأن حياته أصبحت الثمن المناسب لتحالفات الإمامة.
قبل ذلك فتح الحوثيون جبهات متعددة لقتال القبائل والدولة وطردوا السلفيين من دماج كما طردوا اليهود من صعدة ثم لاحقوا وطاردوا اليمنيين وفجروا منازلهم في محاولة لتصفية محافظات الشمال على الأقل كمركز حكم دون معارضة، لكنهم فقدوا التعاطف الدولي معهم كأقلية طائفية كما يروجون لحركتهم وذلك بتوحشهم على المعتقدات الأخرى وبضرب منافسهم السلفي[9]، بل ذهب بهم الأمر الى عقد محاكمات لمن يتهمونهم بأنهم ينتمون لجماعة ( البهرة)[10]، وبالتالي فإن مبرر دعم صعودهم كاقلية تنافس على الحكم بتشجيع غربي ضعف أكثر ، ولن يكون كما هو الهدف ذاته من الأقليات التي دائما ما تضع ولائها خارج الحدود مقابل مساعدتها للوصول إلى الحكم والبقاء وهو ما يجعل الخارج يعتقد أن الأقليات الأكثر حرصا على مصالحه.
وإلى جانب السطو على منظومات الحكم فإن الأقليات تم استخدامها في مواجهة تيارات سياسية صاعدة بعضها محسوب على الاسلام السياسي المعتدل.
لقد تحولت الحركة الحوثية إلى مهدد اقليمي ودولي خاصة بعد استهدافها بصواريخ لدول الجوار ولسفن عابرة لممرات النفط في باب المندب، وهو نتيجة طبيعية للخطا الذي ارتكبته بعض دول الخليج في غض الطرف على تجريف الحوثيين للقبيلة التي هي أساس بنية المجتمع اليمني كما يعتقد وجهاء قبليون بأن ذلك يعود الى ردة فعل غير متزنة بسبب دعم القبيلة للثورة السلمية [11].
لقد شكل تحالف صالح الحوثي كتلة صلبة لإسقاط التغيير، لكن مع ذلك التحالف كانت تتسرب للحوثيين أسلحة متطورة وتم شراء الولاءات القبلية من قبل الحوثيين بذات الطريقة التي كان صالح يعمل بها.
ورغم أن الحروب الست مع الجيش اليمني حققت للحوثيين الخبرة العسكرية، وعلمتهم فن المناورة في التفاوض، ومكنتهم تلك الحروب من التسلح وتشكيل جيش صغير، إضافة لتحقيق اختراقات، إلا إن الواقع التوسعي للحوثيين في معاركهم بين 2011و 2014 لم يكن معتمدا على إمكانياتهم، بل أضيفت لهم إمكانيات نظام عميق كان في الدولة.
وبعد ان أصبح نظام صالح مخترقا، تمكن نافذون فيه من تقديم دعم لوجستي للحوثيين، مستغلين الأسلحة الحديثة التي نهبت من معسكرات الحرس الجمهوري ومن مخازن القوات الجوية أو من معسكرات كانت تقودها عائلة صالح. كما أن صالح وبحكم أنه كان مرتبطا بالدولة، قد ساهم بشكل مباشر من خلاله شخصيا أو بشكل غير مباشر من خلال نافذين محيطين به، في تقديم المعلومة الاستخباراتية والتدريب والتمويل لبعض جماعات العنف بالذات حركة الحوثيين، كما ساهم في إضعاف الدولة من منطلق أنه يقود المعارضة وليس كشريك في الحكم يمتلك الحزب الذي يرأسه نصف مقاعد الحكومة.
وظهرت بوادر التعاون العسكري بين الحوثيين وصالح مبكرا [12]، فأعلن عن قتلى في صفوف الحوثيين يحملون أرقاما ورتبا عسكرية منذ خروجهم من صعدة وشنهم حربا على القبائل وقوات الجيش . فنشأت ظاهرة القيادات الميدانية للحوثيين والقادمة من المؤتمر الشعبي ، قبل ان يبتلع الحوثيون حزب "صالح" ويتحول هؤلاء إلى عسكر في ميلشيات الحوثي ساهموا في قتل زعيمهم.
وكما أدى كل ذلك إلى هزيمة القبائل المقاومة للحوثيين في صعدة وعمران وصنعاء وكان آخرها قبائل ارحب في 2014، فإن الطريقة ذاتها أدت إلى وراثة الحوثي لتركة صالح القبلية ما أظهر صالح في أول تصادم معهم في ديسمبر 2017 كالوحش المسن الذي فقد أظافره وأسنانه وانتهى بقواته المطاف إلى الهزيمة ومقتله على يد أحد ثعابينه بعد اربعة عقود من الرقص على رؤوسهم.
الفشل والغرور
شكلت المبادرة الخليجية صفعة للحوثيين، فقد تركتهم معلقين لا هم شركاء في الحكم خلال الفترة الانتقالية ولا أيضا حققوا السيطرة على الدولة، لكن نظام صالح وهو يسلم السلطة تركهم يتوسعون في كل محافظة صعدة، ودعمهم لشن هجمات على المدن والمعسكرات ، فقد تسلموا بعض معسكرات الأمن والحرس الجمهوري في صعدة ، في ذات التوقيت الذي تسلمت فيه القاعدة مثيلاتها من المعسكرات في أبين وسط البلاد بدون مقاومة تذكر.
عرقل الحوثيون إجراءات الانتخابات الرئاسية المبكرة في دوائر صعدة الانتخابية في فبراير/شباط 2012، والتي جاءت بالرئيس عبد ربه منصور هادي، وبعد تشكيل الحكومة التوافقية التي حصلوا على مقاعد فيها بشكل غير مباشر من خلال محسوبين قادمين من المؤتمر الشعبي العام وحزب الحق المنضوي تحت تكتل المشترك، بدأ الحوثيون اللعب في مربع التحالفات، مستندين إلى قوة صالح الغاضب والحاقد على الرئيس هادي الذي بدا اكثر ضعفا في مواجهة المخاطر وإلى مخاوف خليجية من فيروس الثورات.
ومثلما شجع اليمنيون الحوثيين للانضمام إلى الثورة السلمية وبناء يمن جديد بدون حروب، شجع المجتمع الدولي الحوثيين للانخراط في مؤتمر الحوار الوطني، وضغطوا باتجاه اعطائهم حصة تقارب حصة الاصلاح أكبر أحزاب المعارضة في عهد صالح.
لم يستثمر الحوثيون هذا التشجيع لتحقيق مكاسب سياسية، فلم يتركوا السلاح والتمدد العسكري وينخرطوا في عملية الانتقال السلمي للسلطة التي تشرف عليها الأمم المتحدة، وهو ما فوتهم المشاركة رسميا في حكومة الوفاق، وعدم المشاركة رسميا في اختتام مؤتمر الحوار الوطني، بعد رفضهم التوقيع على مخرجاته.
استطاع مؤتمر الحوار الوطني [13] أن يخرج بوثيقة تذهب باليمنيين إلى بناء دولة مدنية جديدة من خلال اللامركزية والحكم الفيدرالي، لا تتيح للمشاريع المناطقية والمذهبية والجهوية أن تفرض واقعا غير واقع الدولة.
وأهم ما اشتملت عليه مخرجات الحوار الوطني هو بسط الدولة لسيادتها على كل المناطق، وحل الميليشيات المسلحة وتحريم تشكيلها وسحب السلاح منها، وحصر استخدامه على الدولة فقط.
كما أن مخرجات الحوار الوطني عالجت المشاكل الوطنية الكبيرة وتبعات الصراعات السابقة ووضعت رؤى تمنع تكرارها، وأكدت على المواطنة المتساوية وإنهاء الامتيازات، ورسمت ملامح جمهورية اليمن الاتحادية الجديدة.
وشكل التقسيم الفيدرالي عائقا رئيسيا للحوثيين وغيرهم من الجماعات المسلحة في تحقيق السيطرة الكاملة او الانفصال أو الذهاب لحكم ذاتي لإقليم ما، فضم صعدة معقل الحوثيين بعمران وصنعاء وذمار، أغضبهم لأن عينهم على ميناء ميدي في محافظة حجة الساحلية وحقول النفط في محافظة الجوف الصحراوية كاقليم متكامل يمكنهم من حكمه بعيدا عن مركزية صنعاء قبل السيطرة عليها.
خلال ثلاث سنوات منذ انقلابهم على الدولة خاض الحوثيون وساهموا في حروب متعددة ليس في المحافظات الشمالية فقط، بل حتى في المحافظات الشرقية ( مأرب والجوف ) ومحافظات الوسط (تعز وإب ) ، ومحافظات الجنوب ( الضالع وشبوة ولحج وعدن) حتى وصلوا إلى ساحل البحر العربي وعندها بدأت النهاية، ومنذ خروجهم من المحافظات الجنوبية وهزيمتهم في عدن في 15 يوليو 2015 بدات الأرض تسحب منهم قطعة قطعة بالتوازي مع اعادة التحالف العربي من اعادة بناء جيش وطني ودعمه لمقاومة شعبية ذات عمق اجتماعي .
وهم السيطرة
تمكن الحوثيون من خلال تحالفاتهم مع إرث علي عبدالله صالح وشبكاته التي أسسها خلال 33 عاماً، على ابتلاع الدولة وهدم مؤسساتها، وبدعم منه، وجد الحوثيون في بعض المؤشرات السياسية في الدول المؤثرة إقليميا ودوليا ما تساعدهم للوصول إلى مسارات الحكم في اليمن بدون التخلي عن السلاح او النفوذ المكتسب في صعدة شمال البلاد من الحروب الست مع النظام السابق.
وإن كان الهدف الاستراتيجي للحوثيين هو السيطرة على اليمن وحكمها، إلا ان الأهداف التكتيكية بعد الثورة الشعبية الشبابية التي اندلعت ضد صالح في 2011م هو على الأقل فرض محاصصة في الحكم شبيهة بما حصل مع حزب الله في لبنان دون التخلي عن السلاح، وهو ما حقق الهدف الاستراتيجي الذي تمثل في ابتلاع الدولة من الداخل، والذي بدأ على الأرض بعد اجتياح العاصمة صنعاء؛ وكانت معظم الحلول الدّولية خلال مشاورات الكويت وقبلها في "بييل السويسرية" تذهب نحو هذا الإطار.
،، فشلت الدولة في مساعدة القبيلة في تمدينها من خلال أدوات سياسية سلمية، بل بعد ان ذهبت لخيارات الثورة السلمية تركت الدولة القبيلة مكشوفة أمام جماعات العنف المسلح ،، |
على المدى القريب والمتوسط خلقت سيطرة الحوثيين عبئاً إضافياً على البلاد المنهارة أصلاً، ومثّل انقلاب الجماعة طريقاً جديداً لمستقبل الميليشيات المسلحة والمتقاتلة، لكنه في نفس الوقت خلق بؤراً جديدة لإمكانية انهيار دولة المذهب التي يحلمون بها مستقبلا.
خلّق الحوثيون بتمددهم المسلح وعبثهم بالدولة وإسقاط مؤسساتها، مشاكل لا علاج لها، وأعمقها تلك التي وضعتهم في خصومة مع المجتمع وقواه القبلية، بالذات في المناطق التي عانت كثيرا من تصرفاتهم بين التجنيد الاجباري أو الاختطاف أو القتل أو التهجير أو تفجير المنازل و اغتيال القيادات.
لقد شكلت انتصارات الحوثيين وابتلاعهم للقبيلة صورة مغايرة عن حقيقة البنية المجتمعية، لكن هناك أمور لا تتغير على المدى الطويل فاليمن مجتمع قبلي وأبناؤه بالذات في مناطق شمال الشمال يخلصون للقبيلة أكثر من الأحزاب السياسية، فمهما يختلفون في السياسة، إلا انهم وحين تنعدم الرؤية ويظهر عدو مهدد يعودون إلى بنيتهم الاجتماعية، ومن هناك تعاود القبيلة السيطرة والتأثير والنفوذ !!
فشلت الدولة في مساعدة القبيلة في تمدينها من خلال أدوات سياسية سلمية، بل بعد ان ذهبت لخيارات الثورة السلمية تركت الدولة القبيلة مكشوفة أمام جماعات العنف المسلح.
القبيلة في شمال الشمال لم تكن محتاجة سوى خطوة واحدة لاكمال تمدينها ليتم بناء نظام ديمقراطي ودولة مدنية، فالحالة الحزبية اخترقتها بشكل كبير وظهر ذلك جليا في قبولها بالتغيير السلمي في 2011م. كانت القبيلة تحتاج عناية خاصة من خلال التعليم والتنمية الاقتصادية والحكم اللامركزي ، والقبيلة اليمنية برجماتية أقرب للانتهازية في شمال الشمال، ومزيج من البرجماتية والأيدلوجيا في الشرق، وايدلوجية مع بعض البرجماتية في الجنوب، وبالتالي فهي لا تشبه مثيلاتها في باكستان وأفغانستان التي ربما تسيطر عليها الأيدلوجيا.
حالة القبيلة في اليمن أيضا لا تتشابه مع حالة العشائر في العراق التي تخندقت في الطائفية بحثا عن منافذ قوة فزادت ضعفا وتمزقا إلى جانب الضعف الذي احدثه نظام البعث فيها من خلال دمجها بهوية وطنية دون تأمينها بنظام تشاركي يحافظ عليها أو نظام ديمقراطي يصون حقوق افرادها كمواطنين. وفي اليمن فإن الانزلاق في صدام مع المجتمع القبلي يحسم المعركة لصالح هذا المجتمع ولو متأخرا.
القبيلة وإن خضعت لكن لن تدعم من يستخدم معها أسلوب الاذلال، لأن تأريخها يقول إن عدوها الأول من يهمشها، وأكثر أعدائها من يحاول استنساخها أو تقسيمها، وبالتالي فقد وضعت الحركة الحوثية مستقبل صراعها مع القبيلة ضمن رهان خاسر.
فالقبيلة ركبت على ظهر الثورة السلمية لإسقاط حكم صالح الذي شعرت بتهميش من قبله مع بروز التأسيس لمشروع النظام العائلي الموازي للدولة.
والقبيلة ركبت ظهر تحالف الحوثي وصالح لإسقاط دولة هادي بعد ان تعامل معها بلا اعتبار وظهر جليا في عدم تمثيلها في منظومة الحوار الوطني، وهاهي القبيلة الموالية لصالح ترضخ للحوثي مقابل ( سلامة الرأس) ، وستركب ظهر اي جهة تدخل صنعاء وتطيح بدولة الحوثي مستقبلا!
سعت الحركة الحوثية في السيطرة على منافذ القوة في المجتمع والدولة، لكن حالات الانتقام التي تنبع من دماء اليمنيين التي سفكها الحوثي والجروح والندوب التي تركتها هجماته على القبائل ستجعل من الحوثيين الخصم الذي يجب الثأر منه حتى من تلك القبائل الموالية له والتي دفعت ثمنا كبيرا مقابل الحصول على وهم العيش والرفاهية من خلال الحركة الحوثية.
استراتيجيات السيطرة:
الهدف الاستراتيجي للحوثيين هو جزء من استراتيجية التوسع الإيراني في المنطقة، وإيران لا تريد أكثر من بقاء الحوثيين قوة تهدد أمن الخليج والسعودية، أو على الأقل تصبح اليمن منطقة فوضى تجند المقاتلين المستعدين لاجتياح الحدود.
لكن إذا ما افترضنا أن الحوثييين مشروع قائم بذاته فإن أهم أهدافه سيكون إنشاء كيان وحكم يتمدد في مناطق النفط وفي مواقع ذات أهمية جيوسياسية للعالم.
لتحقيق الهدف الاستراتيجي تمكن الحوثيون من تحقيق أهداف مرحلية تكتيكية أهمها:
1- التدرج في اسقاط الدولة بشقيها العسكري والمدني.
2- اختراق المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية ووسائل الإعلام والتأثير في أدائها.
3- القضاء على أي عامل ساعد الثورات السابقة ضد الأئمة أو ضد نظام صالح ، سواء عامل اجتماعي كالقبيلة أو سياسي كالأحزاب.
4- إثارة الفوضى وخلق صراعات مناطقية وطائفية.
5- فرض واقع سياسي جديد من خلال التمدد العسكري.
6- القضاء على الخصوم السياسيين والمذهبيين في مناطق السيطرة وإضعاف تاثيرهم في الدولة.
7- الحصول على تعاطف دولي مع تدخل التحالف العربي.
8- استهداف المملكة العربية السعودية لإرضاء الذات الإيرانيَّة، وإثبات وجودها وقوتها.
9- تمكنت من إحضار تواجد إيراني قوي في مضيق باب المندب، وبعض القطاعات المؤثرة داخليا واقليميا ودوليا.
10- استغلت الحرب لتطوير قدراتها العسكرية ميدانيا والقيام بتغيير ديمغرافي للعاصمة صنعاء وتجنيد أكبر قدر من اليمنيين.
11- استغلال تداعيات الوضع الانساني للحرب في تسويق مظلومية جديدة لهم.
أما العوامل الإقليمية والدولية التي وجد الحوثيون أنها شكلت عوامل مساعدة لهم:
1- المخاوف الخليجية والغربية من الربيع العربي وتداعياته على مصالحهم.
2- التفاوض الغربي الإيراني، والاتفاق النووي معها.
3- الخلاف الروسي الأمريكي والسباق على السيطرة في الشرق الأوسط.
4- التوجه الاقليمي والدولي لإفشال الاسلام السياسي الصاعد.
5- الاستفادة من الاستراتيجية الغربية الداعمة للأقليات .
6- انشغال الدول الكبرى بالأحداث في العراق وسوريا ومصر.
7- استغلال الحرب الدولية على الإرهاب وتحالف الحرب على داعش واستغلال عدم تجريم الغرب لجماعات العنف الشيعية أو ادخالها ضمن الجماعات الارهابية.
8- استغلال توجه بعض الدول المؤثرة في الاستفادة من الحوثيين كقوة ضغط على الجوار الخليجي لتحقيق مصالح اقتصادية تتمثل في بيع السلاح والحصول على النفط.
9- قبل وصول ترامب للحكم هناك محاولات لواشنطن احتوائهم لإحداث قطيعة بينهم وبين إيران وأذرعها العسكرية مثل حزب الله، ولا زال هناك جهات في الادارة الأمريكية تنظر إلى الحوثيين كجماعة قومية وليست جماعة مسلحة.
10- استغلال سخط دول وحكومات ومنظمات تجاه الوضع الانساني المتدهور في اليمن للحصول على تمويل لانشطتهم العسكرية من خلال تدفق المساعدات .
مستقبل الحركة الحوثية
إذا أردنا فهم مستقبل الحركة الحوثية ونقاط ارتكازها والفرص والمهددات لها ، فعلينا تقديم توصيف واقعي لها .
وحركة مثل هذه الحركة تتحالف وتقاتل وتحكم وتسيطر وتتحاور، هي حركة مزدوجة ومقولبة تكسب بسرعة فائقة وتغير تموضعاتها بسرعة أكبر، وتعتمد كثيرا على المبادرة لملء الفراغات، لكن يبدو ان الحركة وصلت بعد ثلاث سنوات من حرب غير قابلة للاختراق الى حالة من التصلب الذي يسبق السقوط.
بالنظر لتاريخ الحروب والعنف ومعطيات واقع الشعوب التي تبحث عن الديمقراطية، ومستقبل المدنية والحرية في العالم، فإنه لا يمكن تصوير حركة الحوثيين التي ترى في أن الحكم حق إلهي لنوع من البشر، وأن السلاح الوسيلة الوحيدة لفرض الفكر والحكم ، إلا أنها ليست سوى واحدة من حركات العنف المتخلفة.
ويشير ذلك إلى أن هذه الحركة تحمل بذور الفناء داخلها، ولذلك فلا مستقبل لها، بالرغم من كونها تحصل وتحمل فكراً إيرانياً بصفتها أداة للتوسع والهيمنة، وتعتبر سمات الحوثية مؤشرا لنهايتها.
ومن أهم سمات الحركة الحوثية :
1- حركة فكرية مذهبية تستخدم الأيدلوجيا والتاريخ والجغرافيا.
2- حركة مسلحة عنيفة تتمدد في الفراغات وفي ظل الفوضى.
3- حركة عنصرية اقصائية تعتمد على التمايز الطبقي في المجتمع.
4- حركة تستمد بعض رؤاها من نفوذ بعض الاتجاهات الخارجية التي لديها صراعات إقليمية ودولية.
5- حركة تستمد قوتها من التحالفات الصغيرة المجتمعية والسياسية والدينية، تحالفت مع القبيلة وضربتها وتحالفت مع المؤتمر وأسقطته وتتحالف مع الهاشمية السياسية وربما ستدخل في سباق وصراع معها .
6- حركة مزدوجة المرجعيات، فمرجعيتها المحلية ( دينيا) عبد الملك الحوثي، ومرجعيتها إقليميا ( عسكريا) حزب الله ومرجعيتها دوليا ( سياسيا) إيران .
7- تغامر الحركة في تلقي الدعم والتمويل من جهات محلية او إقليمية أو دولية متناقضة المصالح.
8- تلعب في تحالفاتها على التكتيك وتغير وتبدل تحالفاتها بمجرد تغير خطتها.
9- تكسب سريعا وتتوسع عسكريا وفكريا واقتصاديا في المناطق التي تسيطر عليها بسرعة ثم تخسر كل شيء بسرعة ايضا.
10- تستغل ضعف وغياب الدولة في توسعاتها وتحتوي الشخصيات المؤثرة والتنظيمات الفوضوية والعصابات المسلحة والساخطين من أبناء التيارات السياسية والقبلية.
11- تخترق الدولة والأحزاب والمجتمع لفرض وجودها وابتلاع القوة والاستفادة منها .
12- تقبل أن تكون أداة سياسية وعسكرية وأيدلوجية لجهات محلية وإقليمية ودولية من أجل أن تحقق استراتيجيتها.
وفي تقييم دقيق للحركة الحوثية خاصة بعد انطلاق عاصفة الحزم في 26 مارس 2014 وبعد قرارات العقوبات الدولية بالذات القرار 2216 نجد أن الحركة الحوثية مع الوقت تفقد كل يوم منفذا من منافذ القوة الذي امتلكته، فمقتل صالح جعلها بدون غطاء سياسي واجتماعي، كما أن الحرس الجمهوري كقوة صلبة اعتمدت عليها أصبحت في حالة تفكك وظهر ذلك جليا في الهزائم المتتالية للحوثيين بعد تاريخ مقتل صالح 4 سبتمبر 2017م، كما أن العقوبات أفقدتها التعاطف الدولي كأقلية.
كما ان الحركة الحوثية وبعد خسارتها للمحافظات الجنوبية على وشك خسارة المحافظات الشرقية والغربية وأصبح الجيش الوطني على مشارف العاصمة صنعاء وقد يدخل في أي وقت إلى صعدة أو صنعاء حيث مكان حلم استعادة الحكم .
سيناريوها الحركة الحوثية:
لقد بدات الحركة الحوثية حركة مذهبية مسلحة في جبال مران بصعدة في 2004 ، وخلال عقد فقط أصبحت تحكم الدولة في صنعاء وهذا يضعها امام توصيفين لا ثالث لهما: فإما الحركة هي واجهة مسلحة لحركة سياسية تمثل النظام الموازي والعميق لنظام الأئمة كما يذهب إلى ذلك كثير من الباحثين ويعتقدون أنها الجناح المسلح للهاشمية السياسية، أو أن راس الحركة اصبح كبيرا بفعل انتصاراتها السريعة على الأرض والدعم الخارجي لها وبالتحديد ( الدعم الايراني) .
وبقراءة المعطيات الطبيعية المرافقة للحرب في اليمن فإننا أمام عدة سيناريوهات للحركة وكلها لا تخلو من كون الحركة الحوثية كحركة عسكرية مسلحة على طريق الفناء والزوال من التأريخ، وستنتهي كظاهرة مسلحة وإلى الأبد .
والسيناريوهات المتوقعة لتلك النهاية كالتالي:
السيناريو الأول:
هزيمة تتلقاها الحركة الحوثية كنتيجة طبيعية لتقدم قوات الحكومة اليمنية والمقاومة الداعمة لهاء وبغطاء التحالف العربي بقيادة السعودية ، ومن ثم سيتم حل هذه الحركة وتجريم الانتماء اليها قانونيا، وهذا السيناريو الأكثر توقعا .
السيناريو الثاني:
الضغط العسكري والاقليمي والدولي قد يدفع الحركة الحوثية للاستسلام والخضوع واعلان تحولها إلى حزب سياسي وانتهاء الحركة المسلحة إلى الأبد، وقراءة تأريخ الحوثية لا يدعم مطلقا هذا الخيار إلا في حالة واحدة أن التحكم في قدراتها العسكرية يتم من قبل تنظيم الهاشمية السياسية وليس من قبل الحركة الحوثية للحفاظ على ما تبقى من قدرات.
السيناريو الثالث:
قبل السقوط عسكريا أو الخضوع قد تشهد الحركة داخليا صراع مسلح بين بين الجناح الحوثي المسلح وتنظيم الهاشمية السياسية خاصة إذا ما كان هناك تواصل بين التحالف العربي وشخصيات قيادية محسوبة على الهاشمية، وهو سيناريو متوقع وان كانت نسبة نجاحه ضيئلة لكن يشبه كثيرا سيناريو التفكيك بين تحالف طرفي الانقلاب علي عبد الله صالح والحوثيين، وهنا تكون الشرعية بقيادة الرئيس هادي أكثر المستفيدين.
السيناريو الرابع:
قد يساهم اي تدخل دولي بقبول الحوثيين العودة إلى صعدة والتخلي عن الحكم في صنعاء ومن هنا تعود الحوثية إلى مخابئها وتقوقعها في بيئة جغرافية معينة واقامة نفوذ لها استعدادا لمرحلة صراع جديدة .
اقرأ PDF
توحش الإرهاب في اليمن.. الحركة الحوثية - بذور الفناء
[1] يسيطر على إيران نظام دكتاتوري معقد بين صفته جمهورياً ديمقراطياً لكنه ثيوقراطي طائفي يتحرك وفق نظرية الحق الإلهي تديره القيادة الدينية فالبرغم من انتخاب رئيس البلاد إلا أنَّ إدارة البلاد تذهب للمرشد الأعلى الذي يتم تعيينه من مجلس الخبراء وهم مجموعة من رجال الدين النافذين.
[2] تعرف على الحرس الجمهوري اليمني 5/12/2017 – الجزيرة نت
[3] وفي وثيقة ويكيليكس (07SANAA1954) ذكر فيها أن معظم المراقبين، بما في ذلك المركز الاستخباراتي الخاص التابع للسفارة، يشعرون أن أحمد علي يجرى تهيئته ليكون الرئيس القادم خلفاً لوالده علي عبد الله صالح.
[4] يحيى الحوثي مرصد البرلمان http://www.ypwatch.org/members.php?go=member&id=269&lng=ar
[5] USembassy cables:Saudi defence-minister explains targeting of Yemeni-rebels with air-strikes وثيقة ويكليكس https://www.theguardian.com/world/2011/apr/08/saudi-arabia-yemen-ali-mohsen
[6] المصدر السابق
[7] وصف ( المؤتمر الشيعي العام) كاشارة غلى تغلغل الحوثيين في المؤتمر كان ضمن تقرير سري أثناء الحروب مع الحوثيين للجنة من وزارات الأوقاف والتربية والتعليم وأخرى برئاسة محمد هادي الطواف .
[8] خطاب القاه عبد الملك الحوثي في 12 اكتوبر 2014 لأول مرة يصرح فيه بمبدا الولاية كحق الهي خاص بالهاشميين
[9] تقرير أبعاد ( دماج.. الثقب الأسود) 9 نوفمبر 2013
[10] دشن الحوثيون منذ سيطرتهم على الحكم حملة اعتقالات ضد طائفة البهرة وهم أقلية شيعية تعتقد أن الإمام الـ 21 اختار الاختفاء فيما يتهمها الحوثيون بأن لهم صلات باسرائيل وصدر بحكم اعدام أحد المنتمين لها مطلع يناير 2018 من قبل قاضي يتبع الحوثيين.
[11] ( توازن النار) اصدار مركز ابعاد للدراسات عن الثورة السلمية 2011
[12] تعاون صالح وأتباعه مع الحوثيين كشفتها اتصالات نشرتها قناة الجزيرة ضمن فيلم وثائقي ( الصندوق الأسود) في يونيو 2016
[13] http://www.ndc.ye/