
مقدمة
تواجه الحرب في اليمن مرحلة جديدة، بدرجة حِدة المنعطف الذي تواجهه المنطقة مع احتشاد وتوتر دولي بعد القصف الذي تعرضت له منشئتي نفط تابعتين ل"أرامكو" السعودية يوم (14 سبتمبر/أيلول2019)، وعلى الرغم من تبنيّ الحوثيين للعملية إلا أن أصابع الاتهام توجهت إلى إيران. وهذه العملية واحدة من المحددات الجديدة التي تدفع اليمن إلى مرحلة جديدة للغاية ضمن مجموعة من المحددات التي تحدث منذ مطلع العام الجاري.
،، اليمن تقع أسفل أجندة سياسة الولايات المتحدة الخارجية، وفي معظم الحالات تعتبر مُلحقة بأجندتها المتعلقة بسياستها تجاه السعودية ،، |
بدلاً من أن تؤدي مهاجمة قلب صناعة النفط السعودية، إلى ضغوط دولية على الحوثيين الذين أصبحوا يهددون مصادر الطاقة وممرات التجارة العالمية توجهت الضغوط لبحث الاستفادة من العملية ضمن سياسة "الضغوط القصوى" ضد إيران، وهي نظرة من ثقب الولايات المتحدة بتحييد أدوات المنطقة التابعة لإيران وتوجيه الضغط نحو النظام في طهران الذي يدعم ويمول الحوثيين، وعلى الرغم من كون هذه النظرة قاصرة تجاه التهديد الذي تمثله حركة الحوثيين على السعودية، إلا أنه يشير إلى الرؤية الأمريكية الجديدة التي لا تهتم بمصالح حلفائها ومساندتهم بل بتحقيق انتصار سياسي لإجبار إيران على الجلوس في طاولة مفاوضات جديدة بشأن الاتفاق النووي الذي جرى إلغاءه من قِبل واشنطن عام 2018. ومن هذا المنطلق تندفع واشنطن لصياغة واقع جديد بإدارة طاولة مفاوضات بين الحوثيين والسعوديين.
يركز هذا التقرير على الجهود الأمريكية بالتوجه نحو مسار "تفاوضي" بين السعوديين والحوثيين بإقناع السعودية بالجلوس مع الجماعة اليمنية المسلحة على طاولة مفاوضات واحدة. وما الذي يمكن أن يحققه هذا "الجلوس" إن حدث في ظل موازين القوى الحالية، وموقف الحكومة الشرعية منه.
اليمن في الرؤية الأمريكية
في سبتمبر/أيلول 2019 أعلنت الخارجية الأمريكية أنها تبذل جهوداً من أجل دفع الحوثيين والمملكة العربية السعودية إلى طاولة مفاوضات لبحث الحرب في اليمن والوصول إلى نهاية للحرب في اليمن.
فما الذي يدفع الولايات المتحدة إلى محاولة وضع خيوط جديدة بين الحوثيين والسعوديين في العاصمة العُمانية "مسقط"؟! وللإجابة على هذا السؤال يجب فهم رؤية السياسة الخارجية للولايات المتحدة الحرب اليمنية في الوقت الحالي.
فالجمهورية اليمنية تقع في أسفل أجندة سياسة الولايات المتحدة الخارجية، وفي معظم الحالات تعتبر مُلحقة بأجندتها المتعلقة بسياستها تجاه المملكة العربية السعودية، حليف واشنطن التقليدي في منطقة شبه الجزيرة العربية، لكنها خلال إدارة دونالد ترامب أصبحت جزءاً من ملف متعلق بإيران بقدر ارتباطها بملف السعودية، حيث تأتي أهمية اليمن باعتبارها كاشف لسياسة ترامب الخارجية تجاه المنطقة طوال فترة ولايته الأولى (التي تنتهي 2020) تجاه الحلفاء مثل السعودية والإمارات وبقية دول الخليج بعد سنوات من التوتر مع إدارة أوباما. كما أنها كاشفة لرؤية الولايات المتحدة للأعداء مثل مواجهة إيران وتصعيد الخطاب في ظل سياسة "الضغوط القصوى" التي تستخدمها الإدارة ضد النظام الإيراني، بعد أن خرجت واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني (2018).
لذلك فإن هناك إطاران للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه اليمن الأول متعلق بالسعودية والآخر متعلق بإيران:
دعمت إدارة ترامب بشكل لا محدود الحرب السعودية ضد المسلحين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن. ومؤخراً دفعت بقوات عسكرية لتعزيز الدفاعات الجوية السعودية في مواجهة الهجمات الحوثية بالصواريخ والطائرات المسيّرة التي أصبحت كابوساً أمنياً للسعودية وباقي منطقة الخليج. إضافة إلى صفقات الأسلحة والدعم اللوجستي والمخابراتي. وتستفيد واشنطن من ذلك حيث بلغ حجم صادرات السلاح الأمريكي إلى المملكة العربية السعودية خلال فترة 2015 - 2017 أكثر من 43 مليار دولار.
في نفس الوقت فإن هذه الحرب التي طال أمدها أثارت الكثير من الغضب تجاه استمرارها داخل الكونجرس- وعلى الرغم من أن معظم الغضب متعلق بالاستياء من إدارة ترامب إلا أن ذلك لا يعني أن الكونجرس ليس غاضب من الدعم الأمريكي اللامحدود للرياض وابوظبي في اليمن حيث يتعرض لضغوط من منظمات المجتمع المدني- ويظهر ذلك واضحاً من خلال مشاريع قوانين عديدة قُدمت في الكونجرس بغرفتيه وموافقته على مشروع قانون (يوليو/تموز2019) يوقف "التورط الأمريكي" في الحرب فإن البيت الأبيض وقف بقوة لمنع مرور القانون. لكن قوانين أخرى فرضت على وزارتي الدفاع والخارجية تقديم تقارير دورية عن الدعم ومبيعات الأسلحة للسعودية والإمارات وعن دعم الدولتان اللتان تقودان التحالف في اليمن ما يعني أن العلاقات أصبحت تحت التدقيق.
على عكس فترة أوباما فإن الولايات المتحدة في عهد ترامب بدأت في مواجهة إيران بقوة تظهر من خلال سياسة "الضغوط القصوى"، التي تقوم على وجهين رئيسيين:
أ) الضغوط الاقتصادية، ضمن سياسة إيصال صادرات النفط الإيراني إلى "صفر"، وزيادة الانهيار الاقتصادي الإيراني للضغط على النظام للتفاوض مرغماً على إعادة بناء "الاتفاق النووي" مجدداً وفقاً للشروط الإيرانية. لكن طهران رفضت ذلك مستخدمة سياسة "حافة الهاوية" التي أدت إلى توتر أكبر في المنطقة من خلال إسقاط طائرة بدون طيار أمريكية ورفع القيود عن مفاعلات نووية كما زادت من دعمها وتحريك أدواتها في المنطقة.
ب) عزل النظام عن أدواته، يفترض أن تكون هذه الخطوة كبيرة بعزل أدوات إيران في المنطقة عن النظام حيث تملك إيران أدوات وحلفاء فيما يعرف بمحور المقاومة "العراق وميليشيات الحشد الشعبي، النظام السوري، حزب الله في لبنان، الحوثيون في اليمن"، وتنفيذ هذا الوجه من الضغوط القصوى صعبٌ تنفيذه؛ لتجذر إيران في دعم أدواتها وارتباطها بهم. لكن عواصم غربية عديدة ومنها واشنطن إضافة إلى دول في المنطقة تعتقد أن "الحوثيين" في اليمن ليسوا أداة إيرانية بالكامل ويمكن للجماعة التخلي عن إيران ودعمها مقابل تواجد في مستقبل اليمن السياسي.
لكن إيران تجذرت داخل جماعة الحوثي خلال سنوات الحرب الماضية بشكل كبير بما في ذلك تدريب عشرات الخبراء في صناعة وتركيب الصواريخ والطائرات بدون طيار مستخدمة الطريقة
،، تعتقد واشنطن أن تحييّد الحوثيين وإخراجهم من العباءة الإيرانية ممكن لبدء تقليّم أظافر طهران، لكن إيران تجذرت داخل جماعة الحوثي خلال سنوات الحرب الماضية ،، |
الأمريكية في تغذية "المقاتلين الأفغان" ضد "الاتحاد السوفيتي" بتقديم الأسلحة والخبراء بالتدريج وصولاً للكمالية، وبما أن العلاقة بين إيران والحوثيين "عقدية=-دينية" فإن العلاقة مرتبطة ضمن ما تسميه إيران محور المقاومة، لذلك فالعلاقة الآن أصبحت أكثر تعقيداً. بعكس علاقة "الأفغان" و"الولايات المتحدة" حيث كانت علاقة مصلحة آنية انتهت بخروج "السوفيت" وتحولت البنادق نحو واشنطن.
لذلك فإن الولايات المتحدة تعتقد أن تحييّد الحوثيين وإخراجهم من العباءة الإيرانية ممكن للغاية لبدء تقليّم أظافر طهران في المنطقة. فيما ترى الدول الأخرى منها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة إلى أن تحييد الحوثيين بالتفاوض معهم وإخراجهم من يد إيران يعني نزع فتيل حرب متوقعة في المنطقة مع سياسة واشنطن وحلفاءها تجاه طهران والتي أدت إلى الحوادث الأخيرة في مياه الخليج مثل استهداف السُفن التجارية والنفطية قرب مضيق هرمز الخاضع للنفوذ الإيراني.
محادثات حوثية/أمريكية
في إطار رؤية "إدارة ترامب" بدأ الحديث عن المحادثات الأمريكية/ الحوثية نهاية (أغسطس/آب2019) عبر صحيفة وول استريت جورنال، لكن تلك ليست المحادثات الأولى، فدائماً كانت هناك مشاورات ومحادثات سرية وعلنية بين الطرفين بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء (سبتمبر/أيلول2014). ففي عام 2015، بعد أشهر قليلة من بدء عمليات التحالف الذي تقوده السعودية، التقى مبعوثون كبار في إدارة أوباما سراً مع الحوثيين لأول مرة في عُمان للضغط من أجل وقف إطلاق النار والإفراج عن الأمريكيين المحتجزين لدى المقاتلين الحوثيين[1]. كما التقى وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري الحوثيين في مسقط عام (2016) في لقاء علني، خرجت عقبه ما عُرف برؤية "كيري" التي رفضتها الحكومة اليمنية. والتقى المسؤولون الأمريكيون مع زعماء الحوثيين في ديسمبر/كانون الأول2018 في السويد خلال محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة.
ولم تحدث أي مفاوضات مباشرة منذ تولي الرئيس ترامب مهام منصبه عام 2017. [2] إلى أن أعلن مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشرق الأدنى ديفيد شينكر خلال زيارة للسعودية (الخامس من أيلول/سبتمبر2019) أنّ واشنطن تجري محادثات مع جماعة بهدف إيجاد حل "مقبول من الطرفين" للنزاع اليمني. وأوضح شينكر في تصريح للصحافيين في مدينة الخرج جنوب الرياض: "تركيزنا منصبّ على إنهاء الحرب في اليمن (...) ونحن نجري محادثات (...) مع الحوثيين لمحاولة إيجاد حل للنزاع يكون مقبولاً من الطرفين"[3].
يرفع الحوثيون "شعار الموت لأمريكا" منذ إعلان تأسيس الجماعة مطلع القرن الحالي، ومع ذلك يعتقد مسؤولون أمريكيون أن الشعارات الحوثية ليست حقيقية! لذلك فإن ذهابهم إلى مشاورات مع الحوثيين محمية بهذا الاعتقاد.
خلال سبتمبر/أيلول2019 كانت اللقاءات السعودية الأمريكية مستمرة وتزايدت مع إعلان الحوثيين تبنيّ استهداف معملي نفط ل"أرامكو" في "بقيق" و"خريص" السعوديتين، وأدى إلى توقف نصف انتاج السعودية من النفط الذي أدى بدورة إلى اضطرابات في أسواق الطاقة. والتقى مسؤول ملف اليمن ونائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان ب"مايك بومبيو" وزير الخارجية الأمريكي في واشنطن إلى جانب لقاءات مستمرة بين مسؤولين أمريكيين وسعوديين في الرياض لبحث "المشاورات مع الحوثيين".
حسب التسريبات فسيقود المحادثات الأمريكية مع الحوثيين، كريستوفر هينزل، الدبلوماسي المخضرم الذي أصبح أول سفير لإدارة ترامب في اليمن في (أبريل/نيسان2019)[4] والذي يتواجد بشكل دائم منذ مُدة في "مسقط" و"عمّان" و"الرياض". لكن المهمة الرئيسية للإدارة الأمريكية ستكون إقناع السعودية بالجلوس على طاولة المفاوضات وليس حكومة "الرئيس عبدربه منصور هادي" لأن الأمريكيون يعتقدون أن حكومة الرئيس "هادي" ضعيفة للغاية وساهمت جملة من الأحداث على تجاوزها بما في ذلك التهميش المضاعف لقراره من قِبل التحالف العربي.
فمن وجهة النظر الأمريكية فإن على السعودية الانتقال من "الحالة العسكرية" مع الحوثيين إلى "الحالة الدبلوماسية" خصوصاً مع انتقال الإمارات إلى ذات الاستراتيجية في (يونيو/حزيران2019). وتعتقد واشنطن أن احتمال إجراء محادثات في الوقت الراهن أكبر من السابق، إذ سيستفيد الجميع الأميركيون، والحوثيون، والسعودية من محادثات خفض التصعيد. إذ أن ذلك سيعني تخفيض الحوثيين لهجماتهم على السعودية وتهدئة على الحدود. لكن ذلك سيعني التفكير في خطط الأمريكيين والأمم المتحدة لإزاحة الرئيس عبدربه منصور هادي من منصبه وهو ما ترفضه الرياض -في الوقت الحالي- على الرغم من المبررات الأمريكية والأممية بشأن "هشاشة" سيطرة الحكومة الشرعية على مناطق نفوذها. لكن مع ذلك فبدون رضى الرياض لا يمكن لهذه المحادثات أن تنجح.
لكن هناك تحولات مهمة تضغط على الرياض من أجل الذهاب إلى مشاورات مع الحوثيين، قد تتخلى عن تحفظاتها بشأن بقاء الرئيس " هادي".
تحولات غيرت مسار الحرب
قبل الدخول في معرفة الخطط الأمريكية التي قد يُبنى عليها تصور إنهاء الحرب اليمن، يجب الإشارة إلى "تحولات مهمة" في الحرب التي بدأت قبل خمس سنوات بإسقاط الحوثيين صنعاء والسيطرة على مؤسسات الدولة وتدخل التحالف الذي تقوده السعودية دعماً للحكومة الشرعية ضد الحوثيين (مارس/أذار2015)، حيث تشكل هذه التحولات أبعاد ومنطلقات الرؤية الدولية/الأمريكية تجاه الحرب اليمنية.
وأبرز هذه التحولات على النحو التالي:
،، تحاول الرياض تأمين اليمن خوفاً من التمدد الإيراني واستهداف أراضيها وهي مخاوف ليست لدى أبوظبي إذ لا تملك الأخيرة حدوداً مع اليمن ،، |
إذ أن الانسحاب الإماراتي يترك السعودية وحيدة لمواجهة أعباء حرب وسمعة دولية سيئة ترفض الإمارات كحليف المشاركة في تحمل أعبائها. وفي وقت تحاول الإمارات الظهور كمحب لـ"السلام" و"الاستقرار" في المنطقة تظهر حليفتها السعودية كمصدر قلق للاستقرار ورفض إنهاء الحرب. وهذا مرّدة إلى اختلاف الأهداف بين الدولتين منذ تدخلتا في التحالف العربي، حيث تحاول الرياض تأمين اليمن خوفاً من التمدد الإيراني واستهداف أراضيها وهي مخاوف ليست لدى أبوظبي إذ لا تملك الأخيرة حدوداً مع اليمن. لكنها تدخلت للبحث عن مصالح اقتصادية وجيوسياسية قرب مضيق باب المندب. ويعتقد الإماراتيون إنهم قد حققوا ذلك بصناعة ميليشيات خاصة وتشكيل هيئة سياسية جنوب اليمن حتى لو كان يعني ذلك خلّق مخاطر جديدة لحليفتها الرياض، وتفكيك جنوب اليمن إلى دويلات متناحرة.
وبغض النظر عن الجهة التي هاجمت منشآت النفط السعودية فإن اتهام إيران وميليشيات عراقية بالضلوع في الاستهداف يشير إلى أن الحوثيين لم يعودوا وحدهم ، فهم يقاتلون ضمن محور أوسع تديره إيران، فحجم الخطاب الإعلامي الإيراني المرافق لهذه الهجمات تجعل من "حافة الهاوية" التي تستخدمها إيران خطر قد يهدد ممرات التجارة العالمية.
لذلك ستتجه الحكومات إلى الضغط على السعودية للخروج من حرب اليمن، ويبدو أن مخاوف الإمارات ذهبت في نفس الاتجاه، مع تهديدات الحوثيين بضرب أبوظبي ودبي؛ إلى جانب تهديد إيراني أخر باستهدافها بعد إسقاط الطائرة الأمريكية التي انطلقت من قاعدة عسكرية أمريكية في أبوظبي، لذلك تخشى الإمارات من دخول المنطقة في حرب إقليمية يؤثر بشكل كبير على اقتصادها.
وفي كل الحالات فإن "التمرد" وإخراج الحكومة من عدن وحملة التطهير المناطقي التي مارسها المجلس الانتقالي الجنوبي في مناطق سيطرته تشير إلى أنه جرى انتهاك "الشرعية" ومشروعية التدخل بشكل كبير، وبدون إنهاء التمرد خارج أُطر التسويات والحلول الوسط التي تجعل من "الانتقالي الجنوبي" شريك في الحكومة مع احتفاظه بالميليشيات المسلحة التي أسستها الإمارات، فإن هذه واحدة من محددات نهاية التحالف.
مع حلول نهاية سبتمبر/أيلول 2019 تحدثت صحيفة وول استريت جورنال عن نيّة السعودية وقف إطلاق النار في أربع مناطق بينها العاصمة اليمنية صنعاء، على احتمال أن يتوسع ذلك إذا استمر وقف إطلاق النار[6]. رد الحوثيون على الفور بالرفض مطالبين بوقف إطلاق نار كامل[7]. كما أن ثمان دول بينها الدول الخمس دائمة العضوية اعتبرت مبادرة الحوثيين "خطوة أولى مهمة" نحو وقف التصعيد "سيحتاج إلى اتباعه بإجراءات إيجابية على الأرض من جانب الحوثيين وضبط النفس من جانب التحالف"[8].
رؤية واشنطن للحل
لم تُقدم الولايات المتحدة مع إعلان محادثاتها مع الحوثيين، أي ملفات سيجري مناقشتها. لكنها قدمت عرضاً للحوثيين عبر مبعوث واشنطن الخاص بإيران براين هوك الذي وضع الحوثيين بين
،، تقود الولايات المتحدة لعبة خطرة في اليمن، من خلال الدفع نحو تكتيك جديد ضمن حملتها ضد إيران، وليس دعماً لحلفائها التقليديين في الخليج العربي ،، |
خيارين بالقول: "الحوثيون ليس لديهم الكثير ليفوزوا به ولديهم الكثير يخسرونه من خلال مواصلة شراكتهم مع إيران. يمكن للحوثيين إما دعم جهد سياسي حقيقي من أجل السلام في اليمن والتمتع بالمزايا - أو الاستمرار في الترويج للعنف وتعزيز طموحات إيران الإقليمية. الخيار السابق سيجلب لهم الشرعية ومقعد على الطاولة. وسيؤدي الأخير إلى العزلة وإطالة معاناة الشعب اليمني"[10]. جاء الرد الحوثي بعد أيام من خلال الإعلان عن وقف الهجمات على السعودية. والتصريح ل"وول استريت جورنال" أن الجماعة رفض طلبات إيرانية بتبني عمليات جديدة ستقوم بها طهران وحلفائها ضد مواقع حيوية سعودية[11]. وهو ما بعث آمالاً لدى الدبلوماسيين الغربيين المتعلقين في اليمن إضافة إلى دول في مجلس التعاون الخليجي بإمكانية تخلي الحوثيين عن إيران –حسب الصحيفة الأمريكية-. لكنهم ربطوا هذه الآمال بخطة الولايات المتحدة التي يجب أن توافق عليها المملكة العربية السعودية.
وبالنظر إلى مبادرات واشنطن بين (2016 -2018) يمكن معرفة طبيعة هذه المبادرة:
تحدث بومبيو وماتيس في لقاءات وبيانات منفصلة عن سُبل وقف الحرب في اليمن وتصور بلادهما لحل الأزمة وإيقاف الحرب أبرز نقاطها[12]:
يساهم ضغط الكونجرس الأمريكي بشكل دائم ضمن مطالبات وقف الحرب في اليمن في إجبار "إدارة ترامب" على الذهاب بعيداً من أجل الضغط على حلفاءه السعوديين والإماراتيين في وقف حرب اليمن. حيث زادت المطالبات بين المشرعين الأمريكيين عقب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في سفارة بلاده بإسطنبول (أكتوبر/تشرين الأول2018). وفي مارس/أذار 2019 صوت مجلس الشيوخ على مشروع قرار لوقف دعم واشنطن للسعودية والإمارات في اليمن، ورغم مروره في مجلس النواب إلا أن ترامب استخدم الفيتو لوقفه. في نفس الوقت تضغط دول في الاتحاد الأوروبي لوقف الحرب من خلال وقف تصدير الأسلحة إلى السعودية والإمارات كما فعلت على سبيل المثال ألمانيا والنرويج.
الخطوط الحمراء:
ما يشير إلى الرغبة الأمريكية/الأممية بتقليص صلاحيات الرئيس عبدربه منصور هادي أو نقل صلاحياته إلى نائب جديد يتوافق عليه الأطراف حديث الرئيس اليمني عقب لقاءه بمسؤول أمريكي أن "الانتخابات" هي الوسيلة للمغادرة من السلطة.
خاتمة:
تقود الولايات المتحدة لعبة خطرة في اليمن، من خلال الدفع نحو تكتيك جديد ضمن حملتها ضد إيران، وليس دعماً لحلفائها التقليديين في الخليج العربي. قد تدفع نحو تفاهمات إيرانية-أمريكية في نهاية المطاف يشمل تسوية للوضع في اليمن والمنطقة لكنه في نفس الوقت سيكون خارج مخاوف الأمن القومي لمنطقة الشرق الأوسط بل يتمثل في الحفاظ على مصالح واشنطن التي تكرر دائماً بأنها لم تعد مسؤولة عن حماية المنطقة.
إن توفير الدعم المادي والاستشاري للقوات بالوكالة بدلاً من المشاركة المباشرة يُمكّن إيران من الدخول في صراعات إقليمية بدرجة من القابلية للإنكار. تُستخدم هذه القوى في صياغة التطورات السياسية في مناطق محددة مع تقليل التكاليف المحتملة لإيران إلى أدنى حد ويمكن اعتبارها داخل النظام أداة مفيدة لتحقيق أهداف سياستها الخارجية. لذلك فرؤية الولايات المتحدة وحلفائها بإمكان فصل الحوثيين عن إيران لن يكون ملموساً ولا توجد له أداة للقياس إلا في حال "سحب السلاح الثقيل من يد الجماعة" وتحولها إلى حزب سياسي والاندماج مجتمعيا مع إعادة تأهيل لجنودهم وإنهاء التسلسل الهرمي لـ"ميليشيا مسلحة"، وليس إعطائها إقليماً خاصاً كما يقترح الأمريكيون.
إن الرؤى الأمريكية المُقدمة للحل في اليمن يجب أن تجعل من الحل يمني/يمني وليس بين الحوثيين وطرف خارجي، فهذه الرؤية التي يحاول الأمريكيون جلب السعودية إلى طاولة المفاوضات مع الحوثيين، وحديث ولي العهد السعودي عن إمكانية التفاوض بعد أن كان يرفضها باعتبار الحكومة الشرعية صاحبة الحق في التفاوض وليس الرياض، يجعل من مبرر تدخل الحرب في مهب الريح وسيضاعف التزامات الرياض الخارجية. فأي حلّول خارج أُطر المرجعيات الثلاث يجعل من الحرب مؤجلة بثمن أكبر على الرغم من أن المأساة الإنسانية الحالية في البلاد أسوأ أزمة إنسانية عرفتها البلاد منذ عقود وعرفها العالم في العصر الحديث.
إن تعرض السعودية للهجمات الحوثية طوال الأربع السنوات الماضية قد يدفعها تحت الضغط الدولي للذهاب نحو مشاورات مع الحوثيين وليس ذلك بجديد فقد سبق أن حدثت مشاورات بين الطرفين –دون رعاية أمريكية- فيما عُرف بمشاورات "ظهران الجنوب" (2016) والتي أدت إلى هدنة على الحدود لم تستمر طويلاً. لذلك قد تذهب الرياض إلى المفاوضات مع الحوثيين من أجل تخفيف الضغط ، على الرغم من حجم الدعاية الحوثية الذي تظهره كمنتصر في الحرب، لكن التساؤل الممكن : ما هو الثمن الذي قد تدفعه من أجل ذلك؟! وهل التخلي عن الحكومة الشرعية سيكون أحد الخيارات؟!وهل ستقبل إيران بوضع في اليمن لا تتحكم فيه، ولا تمارس هواية إيذاء السعودية منطلقة من قاعدة استقرار الحوثيين لدولتهم جنوب الرياض؟!
تشير بعض المعطيات إلى أن إيران محتاجة لاستقرار اقتصادي، لكن لن تسمح لحليفها الحوثي عمل هدنة مع السعودية دون استفادتها منها وعودة تصدير نفطها، ولذلك حتى لو حصلت الهدنة مع الحوثيين، فطهران ستبحث في المرحلة الثانية من الفوضى في المنطقة آلية نقل المعركة إلى عمق الخليج، وقد تبدأ بالاشارة لميلشيات شيعية خليجية لبدء عمليات مسلحة بالذات جنوب وشرق المملكة، وستبقى كل الخيارات غير خيار حسم المعركة في اليمن مغلقة لصالح إيران وميلشياتها .
[1] U.S. Met Secretly With Yemen Rebels
https://www.wsj.com/articles/u-s-citizen-held-hostage-in-yemen-released-by-houthi-rebels-1433178829?mod=article_inline
[2] U.S. Plans to Open Direct Talks With Iran-Backed Houthis in Yemen
[3] للمرة الأولى.. إدارة ترامب تعلن عن محادثات مع الحوثيين https://www.dw.com/ar/%D9%84%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89-%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%B9%D9%86-%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D8%AB%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%8A%D9%86/a-50309369
[4] وول استريت مصدر سابق.
[5] Mohammad bin Salman denies ordering Khashoggi murder, but says he takes responsibility for it https://www.cbsnews.com/news/mohammad-bin-salman-denies-ordering-khashoggi-murder-but-says-he-takes-responsibility-for-it-60-minutes-2019-09-29/
[6] Saudi Arabia Agrees to Partial Cease-Fire in War-Shattered Yemen https://www.wsj.com/articles/saudi-arabia-agrees-partial-cease-fire-in-war-shattered-yemen-11569580029?mod=searchresults&page=1&pos=2
[7] جماعة الحوثي تنفي وجود وقف إطلاق نار جزئي من قِبل السعودية http://www.yemenmonitor.com/Details/ArtMID/908/ArticleID/34722
[8] الدول الثمان هي فرنسا وألمانيا والكويت والصين وروسيا والسويد والمملكة المتحدة والولايات المتحدة http://www.yemenmonitor.com/Details/ArtMID/908/ArticleID/34724
[9] سكان وقائدان عسكريان في صنعاء تحدثوا ل"أبعاد" في سبتمبر/أيلول2019
[10] Iran’s Other Terror Front
https://www.wsj.com/articles/irans-other-terror-front-11568068776?mod=searchresults&page=1&pos=1
[11] Yemeni Rebels Warn Iran Plans Another Strike Soon
https://www.wsj.com/articles/yemeni-rebels-warn-iran-plans-another-strike-soon-11569105344?redirect=amp#click=https://t.co/jrxCCRJHZz
[12] دراسة مركز أبعاد للدراسات والبحوث: "السلام الصعب لليمنيين.. هل يولد في مشاورات السويد؟"
العربي: http://www.abaadstudies.org/news-59786.html
الانجليزي: http://www.abaadstudies.org/news-59789.html
[13] تحدث كيري في مؤتمر صحافي في أغسطس/آب2016 عن الحوثيين كأقلية يمكن الاطلاع على: قراءة في مبادرة جون كيري لحل الأزمة اليمنيةhttps://www.noonpost.com/content/13668
[14] بعض الخطاب الاعلامي الذي وصف الحوثيين اقلية لنزع مشروعية تمثيل اليمنيين منهم خدمهم رغم أن الانقلاب كان كافيا لنزع شرعية تمثيل اليمنيين منهم، وهذا الخطاب أسس للحوثيين شعوراً بالمظلومية لدى الدول الغربية بصفتهم أقلية تحتاج إلى حماية. وسبق أن قال محمد عبدالسلام متحدث الحوثيين عقب إنهاء مشاورات الكويت (2016) إن الحديث عن نزع سلاح الجماعة يعني "إبادة جماعية" للجماعة وأنصارها في إشارة إلى ضرورة بقاء السلاح بأيدي الجماعة بصفتهم "أقلية".