معركة الإقليم في مأرب

تقييم حالة | 3 أبريل 2021 00:00
 معركة الإقليم في مأرب

 ENGLISH

PDF

ملخص الدراسة

 

  • معركة مأرب لن تحدد الرابح والخاسر في اليمن بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي فحسب؛ بل ستحدد من الرابح والخاسر في المنطقة "إيران أم السعودية"؟.

 

  • يصعب على الحوثيين السيطرة على مدينة مأرب الاستراتيجية لأسباب متعلقة بانعدام الحاضنة الشعبية، وتاريخ الحوثيين الدموي مع القبائل التي تحالفت معهم منذ 2014م، إلى جانب أن مأرب هي آخر معاقل الحكومة والمعارضين للحوثيين شمال البلاد -الفارين من مناطق سيطرة الحوثي- لذلك سيستمرون في القتال حتى لو تحولت المحافظة إلى عامل استنزاف طويل الأمد للطرفين.

 

  • إن مرور شهرين على بدء معركة الحوثيين في مأرب يشير إلى أن القبائل والقوات الحكومية تمكنتا من امتصاص عنصري المفاجأة والضغط الهائل والسريع الذي عوّل عليه الحوثيون للسيطرة على المحافظة، ما يؤكد سيناريو احتمالية خسارة الحوثيين في هذه المعركة.

 

  • أثبتت "معركة مأرب" أن المجتمع الدولي يملك أوراقاً للضغط على الحكومة اليمنية والسعودية، ولا يملك وسائل للضغط على الحوثيين، خاصة بعد قيام "إدارة بايدن" بإزالة الحوثيين من قوائم الإرهاب، وأوقفت دعم التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وأعادت المساعدات الأمريكية إلى مناطق الحوثيين على الرغم من تقارير ذات مصداقية تؤكد تحويلهم المساعدات الخارجية لصالح المجهود الحربي[1]. وهذه الإجراءات الأمريكية شجعت الحوثيين على هجوم مأرب وتصعيد حملة القصف على السعودية.

 

  •  لذلك من وجهة نظر الحوثيين لا يوجد مبرر في الذهاب إلى مفاوضات إذا لم يكونوا قادرين على وضع شروط المنتصر..!

 

  • إن الفشل المبدئي للمبادرة الأمريكية التي قدمها "ليندركينغ" لقادة الحوثيين يعود إلى عدم وجود أوراق ضغط على إيران أو الحوثيين. كما أن حلفاء واشنطن الإقليميين مثل "سلطنة عُمان" و"قطر" قد لا تتمكنا من ممارسة ضغط كبير على الجماعة المسلحة لوقف إطلاق النار، دون أن يلبى للحوثيين "امتيازات" أو "اعتراف" دولي قبل المفاوضات، أو إصدار قرار من مجلس الأمن يستهدف القرار (2216)، وفي حالة الاستجابة الحالية للحوثيين على المبادرة الأمريكية فإن تقديم واشنطن لأية خطوة باتجاه قرار يعكس (2216) سيفقدها القدرة على المواصلة في ملف حل الصراع في اليمن، حيث ستخسر معه دول الخليج العربي ثقة اليمنيين.

 

  • حتى لو تراجع الحوثيون عن "معركة مأرب" مع الأكلاف المادية والبشرية التي خسروها، فإنهم سيكونون أضعف بكثير من ذي قبل حيث قُتل معظم قوة الجماعة المُدربة في هذه المرحلة، وتزايد الغضب من رجال الأعمال والسكان في مناطق سيطرتهم بسبب الجبايات التي أثقلتهم. كما أن ذلك قد يؤدي إلى خلافات بين قيادات الجماعة، ويرجح انقسامها.

 

  • مع سحب الحوثيين لمقاتليهم المدربين من جبهات القِتال الأخرى في الضالع، وتعز، وسواحل اليمن الغربية، وحجة، قد يمكن القوات الحكومية من السيطرة السريعة على المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بسهولة، وهو ما حدث غربي مدينة تعز حيث تقدمت القوات الحكومية من وسط المدينة نحو السواحل الغربية وحررت مناطق شاسعة، الأمر ذاته حدث في "حجة" شمالي البلاد بتقدم الحوثيين نحوها. 

 

  • إذا تمكنت القوات التي تواجه الحوثيين من التوحد تحت قيادة واحدة ودفن الخلافات عندها يمكن عكس سيطرة الحوثيين على تلك المناطق وفرض الحكومة الشرعية سيطرتها. لكن عقبة توحيد هذه القوات بما فيها التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي و"القوات المشتركة" صعبة.

 

  • بالرغم من أن سيطرة الحوثيين على "مدينة مأرب" بعيدة المنال إلا أن حدوث تغيير في عوامل قوة القوات الحكومية وحصول الحوثيين على ممر عبر مناطق القبائل سيمنكهم من السيطرة على "مدينة مأرب" وستكون خسارة ثقيلة على الحكومة الشرعية وعلى تمثيلها في أية مفاوضات مرتقبة، كما أن الكثير من الولاءات ستتبدل وستذهب الأطراف نحو اتفاقات فردية مع الحوثيين.

 

  • في الإقليم سيعتبر ذلك انتصاراً لإيران على السعودية التي فشلت في أول معاركها الخارجية منذ بداية القرن الحالي، وتأسس نظام حكم كوكيلٍ للنظام الإيراني في جنوب شبه الجزيرة العربية.

 

  • على عكس ما يُشاع أن السعودية تريد الخروج من حرب اليمن بأية تكاليف، إلا أن كل ذلك "تقديرات"، إذ أنها ستسعى إلى حل سياسي يحمي دورها ونفوذها في البلاد، ويحفظ ماء وجهها كقوة إقليمية تخوض معركة مع خصمها التقليدي إيران، لذلك من الصعب خروجها في الوقت الحالي دون اتفاق سلام يرضي القيادة السعودية. 


مقدمة

 في فبراير/شباط 2021 جدد الحوثيون هجومهم على محافظة مأرب (شرقي اليمن) في وقت تحاول فيه الدبلوماسية الأمريكية الجديدة تحقيق اختراق في الحرب اليمنية وجمع أطرافها على طاولة المفاوضات مع دخول تلك الحرب السنة السادسة.

يقاتل الحوثيون لتحسين موقفهم في المفاوضات المرتقبة والمتوقعة، فيما تدافع الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف العربي عن آخر معاقلها، إذ تسيطر في المحافظات الجنوبية قوات "المجلس الانتقالي الجنوبي" وعلى الساحل الغربي القوات شبه العسكرية التابعة لـ"طارق صالح" نجل شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الذي قتله الحوثيون في 2017. وكِلا الكيانين مدعومان من دولة الإمارات العربية المتحدة التي تعتبرهما وكلائها المحليين لتنفيذ استراتيجيتها في البلاد، وتعرقل أي تقارب مع الحكومة الشرعية.

بدأ الحوثيون هجومهم على المحافظة الغنية بالنفط، بعد أيام من إعلان الإدارة الأمريكية نيتها رفع الجماعة المسلحة من قوائم الإرهاب، وعينت مبعوثاً هو الأول للولايات المتحدة إلى اليمن "تيموثي ليندركينغ" من أجل دفع العمل الدبلوماسي لإنهاء حرب اليمن، لكنها دفعت علاقتها مع المملكة العربية السعودية إلى حافة التوتر بعد إعلان الرئيس "جو بايدن" وقف دعم العمليات الهجومية للتحالف العربي، وحظر بيع الأسلحة للرياض وأبوظبي، في "ضغط" تمارسه واشنطن لدفع المسؤولين السعوديين إلى اتفاق سلام شامل، وهو ما جعل الرياض تتقدم بمبادرة لإياف الحرب لازال الحوثيون يناورون بشأنها، للحصول على وقت كافي لمحاولة السيطرة على مأرب.

  

أهمية "معركة مأرب" بالنسبة للأطراف المحلية وداعميهم الخارجيين

تستمد مدينة مأرب التي تبعد عن صنعاء (170كم) أهميتها من موقعها الجغرافي الرابط بين محافظات الشرق والجنوب الغنية بالنفط، ودورها المحوري في الحرب التي تدور رحاها في البلاد، وبصفتها المحافظة التي أصبحت "جنّة" وسط الحرب، حيث ازدهرت خلال السنوات الماضية، وشهدت قفزة سكانية واقتصادية -رغم تهديد وقصف الحوثيين- وارتفع عدد سكانها من بضع مئات الآلاف ( تقريبا 300 ألف نسمة) قبل 2015م ، إلى بضعة ملايين، أقل تقدير رسمي كان "أكثر من مليوني نسمة بعد الحرب"[2]، لتصبح "منطقة آمنة للاستقرار". وهو أمرٌ لم يحدث في أية محافظة أخرى بما في ذلك المحافظات التي ظلت بعيدة عن المواجهات المسلحة مثل حضرموت والمهرة.

إن الحرب في محافظة مأرب، سواء كانت بهجوم الحوثيين أو دفاع القوات الحكومية المدعومة برجال القبائل، تأتي من من منطلق أهمية المحافظة في تغيير موازين القوى العسكرية، وتعتبر من وجهة نظر الحوثيين آخر المعارك، فيما هي للحكومة الشرعية معركة "البقاء".   

يرى الحوثيون في السيطرة على المحافظة الصحراوية مترامية الأطراف أهدافا متعددة عسكريا واقتصاديا واجتماعيا/قَبليا.  فمحافظة مأرب تقف على عائدات الغاز الطبيعي وتشكل قوة تصديرية كبيرة حيث تحصل البلاد على إيراد سنوي يصل إلى 700 مليون دولار[3]. إلى جانب أن أنها تنتج النفط، كما يمكن للحوثيين عبرها الوصول إلى المناطق الأخرى الغنية بالنفط مثل "المسيلة" في محافظة حضرموت المجاورة حيث يوجد 80% من احتياطيات اليمن النفطية، و "بلحاف" في شبوة المجاورة حيث يوجد أكبر مشروع استثماري في اليمن "مشروع تسييل وتصدير الغازالطبيعي" .

وتحصل اليمن على إيراد سنوي يتجاوز 2.2 مليار دولار من تصدير النفط الخام[4]. وتشكل حصة صادرات الخام التي تحصل عليها الحكومة اليمنية من تقاسم الإنتاج مع شركات النفط الأجنبية نحو 70% من موارد الموازنة العامة للدولة و63% من إجمالي صادرات البلاد و30% من الناتج المحلي الإجمالي[5].

يعتبر الحوثيون مدينة مأرب هدفاً عسكرياً، لكونها القاعدة العسكرية الرئيسية للقوات الحكومية اليمنية، ففي 2015 عندما بدأت عمليات التحالف العربي المدعوم من السعودية كانت مأرب نقطة تجمع الجنود والقيادات العسكرية الذين رفضوا سيطرة الحوثيين على المؤسستين العسكرية والأمنية بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء (سبتمبر/أيلول2014). ومثلت صحاري المحافظة موطناً لبدايات تشكل "الجيش الوطني" و"المقاومة الشعبية" اللذين يعتبران حالياً حائط الصد أمام الحوثيين.

كما يرى الحوثيون في محافظة مأرب كسراً لمنهجيتهم تجاه القبائل اليمنية[6]، فهم يطمحون بسيطرتهم على المحافظة وإخضاع القبائل فيها إلى إخضاع بقية القبائل في المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم، وتثبيتا لحكم الجماعة المسلحة التي تخشى من تمردات القبائل على الرغم من فرض الجماعة لهيمنتها على مناطقهم منذ سنوات. إلى جانب المخاوف التاريخية بكون القبائل في محافظات الوسط والشرق وفي مقدمتها مأرب والجوف والبيضاء وقفت ضد الحكم الإمامي (الملكي) الذي يُتهم الحوثيون بمحاولة إعادته بدلاً من النظام الجمهوري[7].

يرى الحوثيون أن الإدارة الأمريكية الجديدة وجهودها الدبلوماسية إلى جانب الأمم المتحدة، ستبني مبادرة "إنهاء الحرب" على أساس سيطرة القوى على الأرض، لذلك يرون أن السيطرة على مأرب يضعف لدرجة كبيرة -إن لم يكن ينهي- الحكومة الشرعية ويمنحهم سلطة أعلى على باقي الأطراف، ويجعل من "الجماعة" قوة مهيمنة على باقي القوى والمكونات السياسية والاجتماعية في مستقبل البلاد السياسي، بما يشبه "حزب الله" في لبنان.

تبرز أهمية "مأرب" بالنسبة للحكومة الشرعية بكونها آخر مناطق سيطرتها الحقيقية، إذ تسيطر القوات الممولة من الإمارات على معظم المحافظات الجنوبية الأخرى التي تعتبر اسمياً تحت سيطرة الحكومة. كما أن مأرب تمثل سلطتها الرسمية وقاعدتها العسكرية إذ تُدرب القوات وتدير العمليات العسكرية ضد الحوثيين. ولعبت دوراً محورياً في استقبال جنود وقادة عسكريين فروا من حملة "الانتقام" التي شنها المجلس الانتقالي، بعد أحداث أغسطس/آب 2019 عندما سيطر بدعم إماراتي على مدينة عدن.

وعلى الرغم من أن الحكومة الشرعية تعتبرها "معركة نكون أو لا نكون" إلا أن حلفاءها –المفترضين- الذين يقاتلون الحوثيين لا يعتقدون ذلك. فـ "المجلس الانتقالي الجنوبي" يرى في أن "معركة مأرب" ليست معركته على العكس يعتبرها فرصة تدمير خصمه (الحكومة الشرعية) وانتقاماً لدور المحافظة في 2019م وإمكانية إجراء مفاوضات مع الحوثيين. وقال رئيس المجلس "عيدروس الزُبيدي": "قد يسرع سقوط مأرب المحادثات الدولية بين الشمال والجنوب، حيث سيؤدي ذلك إلى وضع يسيطر فيه المجلس الانتقالي الجنوبي إلى حد كبير على الجنوب وسيطرة الحوثيين على معظم الشمال. في هذه الحالة سيكون من المنطقي إجراء محادثات مباشرة بين الأطراف المسيطرة"[8].

في الساحل الغربي حيث تسيطر "القوات المشتركة" التي يقودها "طارق صالح" الذي يتلقى التمويل والتسليح من الإمارات، فإن الموقف المعلن لها إلى جانب القوات الحكومية في محافظة مأرب وقد أرسلت تلك القوات "قافلة مساعدات غذائية" للمدينة[9]، وربما سترسل كتيبة من مقاتليها إلى مأرب، لكن على الأرض الوضع مختلف فقد وقع الحوثيون و"القوات المشتركة" اتفاقاً بوقف جميع الأعمال القِتالية بعد يومين من بدء الحوثيين هجومهم في مأرب[10]. مكنت هذه الهدنة الجديدة -–إضافة إلى هدنة اتفاق ستوكهولم- من سحب الحوثيين لمقاتليهم المدربين جيداً من جبهات القتال في الحديدة إلى محافظة مأرب. كما أن "طارق صالح" يطمح أن يكون طرفاً في أية مفاوضات قادمة بشأن اليمن، ولذلك أعلن في مارس/آذار عن مجلس سياسي لما يسمى ( المقاومة الوطنية ) تحت رئاسته.

يأتي موقف وكلاء الإمارات سلبيا تجاه الحكومة على الرغم من أن سلوك الحوثيين خلال سنوات الحرب يؤكد أنهم لن يتوقفوا في محافظة مأرب بل ستمتد سيطرتهم نحو باقي محافظات الجنوب و "الساحل الغربي" .

تشترك المملكة العربية السعودية مع "الحكومة الشرعية" في واحدية المصير بخصوص معركة مأرب، فسيطرة الحوثيين على آخر معاقل الحكومة الشرعية يعني إعلان خسارة السعودية للحرب في اليمن وسيكون لذلك انعكاسا على أمنها القومي، بوجود جماعة مسلحة كوكيل لخصمها إيران على حدودها الجنوبية. لذلك عادت لتقديم دعم جوي نوعي لمأرب بعد انسحابها[11]خشية حصول الحوثيين على موطئ قدم في المدينة الاستراتيجية.

بالنسبة لإيران فإنها ترى في "معركة مأرب" تأكيد لقوة حلفائها الحوثيين في اليمن، وورقة تأكيد على نفوذها المتصاعد في شبه الجزيرة العربية. كما تعتبر طهران "مأرب" القاعدة العسكرية الرئيسية للسعودية في اليمن، وسيطرة الحوثيين انتصاراً لمحور المقاومة الذي تقوده إيران بل إنها ترى في سيطرة الحوثيين على "مدينة مأرب" تغييراً لميزان القوى في غرب آسيا وبالتالي سيفقد السعوديون أهم قاعدة لهم في اليمن"[12]. كما أن الحوثيين مستمرون في معركة مأرب لاطمئنانهم إلى دعم مستمر من حليفهم بالسلاح ، وبدون وجود هذه الأسلحة –خاصة الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة- فإن الحوثيين سيفكرون مراراً في استمرار معركة قد تؤدي إلى تضاؤل مخزونهم من السلاح.

 

العوامل المتغيرة لـ"معركة مأرب"

ظلت العمليات العسكرية رغم استمرارها في أكثر من "30" جبهة قِتال، متوقفة عن إحراز تقدم لأي من الطرفين منذ 2018؛ حتى مطلع 2020 عندما تمكن الحوثيون من إحراز تقدم شرقي العاصمة صنعاء في مديرية "نهم"، والسيطرة على "مفرق الجوف" الذي يوصل إلى محافظة مأرب. كما تمكن الحوثيون من السيطرة على "الحزم" عاصمة محافظة الجوف. وحاول الحوثيون إحراز تقدم باتجاه مدينة مأرب في ذلك الوقت لكن دون أي جدوى، على الرغم من تعزيز جبهتهم عبر محافظة البيضاء المجاورة لـ"مأرب" بعد هزيمة القبائل في مديرية ردمان آل عواض في محافظة البيضاء التي كان يقودها الشيخ "ياسر العواضي" الذي كان مقرباً من الحوثيين حتى مقتل "علي عبدالله صالح" في ديسمبر/كانون الأول 2017م.

في الأشهر التي تبعت ذلك كان الحوثيون يحضرون لجولة المعارك الجديدة، حيث جندوا الآلاف معظمهم من "الأطفال والمراهقين"، وجمعوا المعلومات المخابراتية عن القيادة العسكرية في محافظة مأرب، ومناطق معسكرات التدريب، والتواصل مع شيوخ القبائل لتأمين مرور سلس عبر مناطقهم إلى مدينة مأرب. إضافة إلى فرض جبايات كبيرة على التُجار ورجال الأعمال، إلى جانب الضرائب والجمارك التي تُقدر وحدها بملياري دولار سنوياً، والتي تحولت إلى مجهود للحرب بدلاً من تسليم رواتب الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرتهم إذ لم يتسلموا رواتبهم منذ العام 2016.

في الرابع من فبراير/شباط 2021 بدأ الحوثيون هجومهم الجديد في محافظة مأرب عبر ثلاثة محاور قِتال: "حدود محافظة صنعاء، وحدود محافظة الجوف، وحدود محافظة البيضاء" في وقت توقفت فيه عدد من جبهات القِتال في تعز والضالع والساحل الغربي وصعدة وحجة، ما أثر على مأرب بتجمع كل قوى الحوثيين عليها من جميع الاتجاهات[13]. وتحركت جبهتا "تعز" و"حجة" لاحقاً بعد مرور أسابيع على بدء الحوثيين هجومهم.

صُممت معركة مأرب الأخيرة لتلتهم أكبر عدد من الجنود والأموال والمعدات العسكرية، قُتل الآلاف العام الماضي، وتجاوز أعداد القتلى خلال الشهر الأول من هذا الهجوم"1000"مُقاتل. وبطبيعة الحال فإن الطرف الذي يشن الهجوم يتعرض لخسائر فادحة، ويكون عرضة للكمائن والاستهداف المباشر. لذلك خسر الحوثيون كثيراً في هذه المعركة وتحولت جبال مأرب وصحرائها إلى " ثقب أسود " يبتلع عشرات المقاتلين الحوثيين بشكل يومي.

إن الوضع على أرض المعركة يتغير بشكل دوري حيث تدور معارك "كرٍّ وفرٍ"ّ. ولا يمكن تحديد مسارٍ لحظي للمعركة حيث تتغير خارطة السيطرة في المحاور الثلاثة. وتحولت المعركة إلى حرب استنزاف و "كسر العظم"، مع ذلك هناك عوامل متغيّرة إذا حدث خلل في واحدة منها قد تؤثر على نتيجة الحرب لصالح أحد الطرفين ما لم فستستمر المعركة في "استنزاف".

 

وجه المقارنة

 

 

جماعة الحوثي

 

الحكومة الشرعية

 

 

 

المقاتلون

تعاني جماعة الحوثي المسلحة من أزمة في المقاتلين المدربين، واعتمدت في تجنيدها خلال العامين الأخيريين على"الأطفال" و"المراهقين" الذين يتلقون تدريبات بسيطة قبل إلحاقهم بجبهات القِتال.

يستخدم الحوثيون الحالة الإنسانية والوضع المعيشي للسكان في مناطق سيطرتهم –وهي الأكثر كثافة سكانية- لدفع الشبان للقتال في صفوفهم مقابل الحصول على مرتب دوري وحصول عائلاتهم على المساعدات الإنسانية –التي في العادة تقدمها المنظمات الدولية.

يمتلك الجيش الوطني قوات مُدربة، تدريباً جيداً. كما تملك القدرة على الدفع بمئات المقاتلين المُدربين من القطاعات العسكرية الأخرى في محافظات مثل حضرموت وشبوة والمهرة وأبين. لكن تحرك تلك القوات منوط بتفاهم مع التحالف العربي  لضمان عدم استغلال "المجلس الانتقالي" للوضع وينتهزها فرصة للسيطرة على تلك المحافظات.

كما أنه وعلى الرغم من نقل الحوثيين لقواتهم المدربة من جبهات القتال في الحديدة وتعز والضالع ولحج إلا أن القوات الحكومية في تلك المناطق لم تشن هجمات على الحوثيين لتخفيف الضغط على "مأرب"، عدا تحركات الجيش في مدينة تعز لفك الحصار الذي يفرضه الحوثيون، وحقق هجوم القوات الحكومية تقدما سريعا هناك.

 

 

 

 

 

 

الحاضنة المجتمعية

الغالبية الساحقة للمقاتلين الحوثيين ينتمون إلى محافظات غير محافظة مأرب ومن خارج قبائلها، لذلك فإنهم يُعتبرون في العُرف القبلي معتدين، ولذلك  رفضت القبائل الموجودة في مناطق الحوثيين الدفع بشبابها للقتال في مأرب[14].

لذلك حتى المقاتلين في صفوف الحوثي معروفٌ أنهم يعتدون على قبائل أخرى، وهذا يؤثر على معنوياتهم وأساس قِتالهم.

يصعب على الحوثيين الحصول على حاضنة شعبية في مأرب، لأسباب عدة: متعلقة باختلاف المذهب فمعظم قبائل مأرب من المذهب الشافعي، والحوثيون يعلنون "زيديتهم". وتاريخ الإمامة الزيدية في اليمن سيء مع تلك القبائل.

 

تعتقد معظم قبائل مأرب[15] باختلاف مناطقها أن "الحوثيين" معتدين على مناطقهم. وأن الحوثيين يسعون إلى إعادة "الإمامة الزيدية" إلى مناطقهم، والسيطرة على ثرواتهم، والتحكم بأعرافهم. كما أن التعاون القبلي والسلطة المحلية في مأرب التي يمثلها الشيخ "سلطان العرادة" محافظ المحافظة ومشاركتهم في الإدارة، -وتقدم رجال قبائل من عدة محافظات "صنعاء، ريمة، عمران، ذمار، تعز، شبوة..إلخ" لقتال الحوثيين لمنعهم من الوصول إلى مناطقهم- ساهم في دفع هذه القبائل لمساندة الحكومة الشرعية.

 

 

 

 

 

 

 

 

التكاليف المالية

للحرب تكاليف باهظة ليس فقط في الأرواح. بل في المال والسلاح.

يعاني الحوثيون من أزمة مالية تتفاقم كلما استمرت المعارك. فمصادر تمويل جهود حربهم لم تعد كافية، حيث يعتمدون على عديد من المصادر أبرزها "الضرائب والجمارك والجبايات" على الشركات والمؤسسات التجارية في مناطق سيطرتهم. في عام 2019 تمكن الحوثيون من تحصيل ما يقارب من ملياري دولار- حسب تقارير دولية. كما يحصلون على عائدات من الأسواق السوداء التي ينشئونها في مناطق سيطرتهم بما في ذلك "سوق المشتقات النفطية". ساهم الحظر الجزئي لوصول المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة العام الماضي في منع حصول الحوثيين على عشرات الملايين من الدولارات لتمويل جهود الحرب[16].

يثير استمرار الحوثيين في فرض "جبايات" غضب التُجار ورجال الأعمال، والذين قد يجدون أنفسهم بين خيارين صعبين، إما الدفع للحوثيين أو سحب استثماراتهم خارج مناطق الحوثيين.

 

تعاني الحكومة الشرعية من ذات المشكلة، فعلى عكس الحوثيين-الذين يكادون ينفقون في القطاع الحكومي- فهي ملزمة بمصارعة الوضع الاقتصادي السيء في مناطقها ودفع رواتب الموظفين. إلى جانب وجود فساد في بعض دوائرها[17]. ولم تسلم رواتب الجنود في الألوية العسكرية التي تقاتل ضد الحوثيين في مأرب وباقي المحافظات منذ أكثر من عام .

إن المشاركة الفاعلة من السعودية في هذه المعركة، قد يدفعها لتسليم مرتبات القوات طوال المعركة.

 

 

 

 

التسليح

يقاتل الحوثيون مستخدمين أسلحة نوعية ورثوا بعضها من الجيش النظامي بعد سيطرتهم على المعسكرات عقب اقتحامهم العاصمة اليمنية صنعاء.

كما يحصلون على الأسلحة من "تجار الأسلحة" التي تصل إلى البلاد بطريقة معقدة حتى تتجاوز آلية مراقبة الأمم المتحدة للموانئ التي تعمل تحت إشراف التحالف العربي الذي تقوده السعودية.

أما تكنولوجيا الأسلحة النوعية، والأسلحة المتقدمة مثل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة فيحصلون عليها من إيران، وتنفي طهران المتكرر هذه الاتهامات لكن تقارير دولية تؤكد تزويد الحرس الثوري للحوثيين بتلك الأسلحة.

تقاتل القوات الحكومية والقبائل بأسلحة شخصية، وقليل من الأسلحة الثقيلة التي حصلوا عليها من السعودية، وتشكو القوات الحكومية  مراراً من "انعدام الذخيرة"  لكن القوات الحكومية تمتلك سيطرة جوية نوعية من خلال سلاح الجو السعودي.

 

 إن أبرز المعوقات التي تواجه الحوثيين في تحقيق تقدم نحو مأرب، هو "انعدام وجود حاضنة شعبية" للجماعة في مأرب، وحاولوا التغلب على تلك المعوقات من خلال تقديمهم اتفاقيات مع "قبائل مأرب"، تضمن فيه القبائل مروراً آمناً للحوثيين والوقوف على "الحياد" مقابل: حصولهم على 60% من إيرادات المحافظة، وتعيين المسؤولين الحكوميين المحليين من قِبلهم، ولا ينتشر الحوثيون في مناطق قبائلهم. لكن القبائل لم تعد تثق في سلوك الحوثيين معهم، خاصة بعد تعاملهم مع القبائل التي سمحت بمرورهم إلى صنعاء صيف 2014م، وكان مصير معظمهم القتل أو الاغتيال[18]، كما قاموا باحتلال مناطقهم وتعيين شيوخ موازين للشيوخ الشرعيين الذين وصلوا لـ"المشيخة" عبر الأعراف القبلية. ويعتبر ما حدث لشيوخ قبائل محافظتي البيضاء والجوف "المجاورتين" الذين يرتبطون معهم بالكثير من المشتركات "الدينية، والاجتماعية، والأعراف والتقاليد" شاهد قريب لما يمكن أن يرتكبه الحوثيون.

وتوضح "العمليات العسكرية" في مأرب خلال الشهرين الماضيين أن "المعركة صفرية" حيث يمكن ملاحظة التالي:

  • يتحرك الحوثيون في مجموعات قليلة العدد، ويشنون هجمات منفصلة، على أن تكون المعركة وخططها بيد القادة الميدانيين الذين يستمدون أوامرهم من قيادتهم العليا التي تشترك في غرفة عمليات مع مستشارين إيرانيين لإدارة المعركة والتخطيط لها، ويعتمدون على الطائرات الاستطلاعية لمعرفة مواقع القوات الحكومية قبل شن الهجمات.
  • تعتمد القوات الحكومية على الكمائن في اصطياد الحوثيين، والتمركز في مواقعها لصد الهجمات التي يشنها المقاتلون الحوثيون، ومنع تسللهم.
  • يدفع الحوثيون بالمقاتلين دون اكتراث بعدد القتلى والجرحى في صفوفهم.
  • يقدم "سلاح الجو السعودي" قدرة فائقة على ردع هجمات الحوثيين المنسقة، ويبدو أن التنسيق بين تحرك القوات البرية اليمنية وسلاح الجو الملكي عالي للغاية - للمرة الأولى خلال الحرب - وهو ما يتسبب بخسائر ثقيلة لجماعة الحوثي، ومنع حدوث غارات خاطئة على الجيش الوطني خلال الشهرين الأولين لهذه المعركة. كما أن المساحات الصحراوية التي توصل إلى مدينة مأرب مناطق مفتوحة تجعل من السهل للطيران اصطيادهم. لذلك جدد الحوثيون عرضهم بوقف استهداف الأراضي السعودية مقابل وقف الهجمات الجوية[19] التي تصاعدت بشكل كبير مع بدء المعركة في مأرب وإعلان "بايدن" رفع الحوثيين من قائمة الإرهاب[20].
  • تمكنت القوات الحكومية ورجال القبائل من امتصاص هجوم الحوثيين الذي بدأ عنيفاً للغاية، وخلال الأسابيع الأخيرة تباطأ الحوثيون أو فشلوا في تحقيق تقدم يذكر.
  • يرى الطرفان استمرار المعركة حتى الانتصار الكامل، رغم الكلفة البشرية والمادية. ويبدو أن الحوثيين يدفعون تكاليف باهظة.

 

تأثير "معركة مأرب" على مصير اليمن

إن تأثير نتائج "معركة مأرب" يتجاوز مسألة الوصول إلى "حل سياسي ينهي الصراع" إلى تأثير يمتد لمستقبل اليمن خلال السنوات القادمة. وتوجد ثلاثة سيناريوهات لنتيجة المعركة:

 الأول: دخول الحوثيين مدينة مأرب.

 الثاني: التصدي للحوثيين وإجبارهم ومنعهم من الوصول إلى مدينة مأرب.

 الثالث: اتفاق بين الحوثيين والحكومة الشرعية لوقف الحرب في مأرب.

 

الأول: سيطرة الحوثيين على مأرب

 وهو سيناريو بعيد المنال، لكن يمكن تحقيقه في حال أحدث الحوثيون خرقاً في العوامل المتغيّرة مع ضرورة حصول الجماعة المسلحة على حاضنةٍ قَبليةٍ تقبل اتفاق "الحياد القبلي" للمرور إلى مدينة مأرب. وعلى الرغم من ذلك فإن الحوثيين لن يكونوا قادرين على فرض سيطرتهم على المحافظة حيث سيتعرضون لهجمات مستمرة وربما معارك صغيرة من القبائل التي ترفض وجودهم، وقد يفجر القبائل منشآت النفط والغاز في المحافظة ويحرصون على عدم استقرار وجودهم فيها، وهو ما يكلف الحوثيين كثيراً.

بالسيطرة على مأرب سيتمكن الحوثيون من تأمين العاصمة صنعاء ومنع تواجد القوات الحكومية في مديرية "نهم" وسيقطع الحوثيون خطوط الإمداد إلى تلك القوات من الشمال. وبذلك تكون سيطرت على معظم المحافظات الشمالية، وفتحت الطريق باتجاه "شبوة" و"حضرموت" وقسمت جنوب اليمن إلى نصفين، لتبدأ معاركهم باتجاه مناطق سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي. وفي المناطق الخاضعة لسيطرة "القوات المشتركة" غرب البلاد.

وفي حال حدوث ذلك ستحدث أكبر أزمة نزوح عرفتها اليمن بخروج مليوني نازح معظمهم كانوا قد فروا من مناطق الحوثيين خلال سنوات الحرب، ولا يعرف إلى أين ستكون وجهتهم الجديدة.

كما إن خسارة مأرب ستكون ثقيلة للغاية على الحكومة الشرعية وعلى تمثيلها في أية مفاوضات مرتقبة، كما أن الكثير من الولاءات ستتبدل وستذهب الأطراف نحو اتفاقات فردية مع الحوثيين- كما أشار رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، ما تجعل هيمنة الحوثيين دائمة على مستقبل البلاد.

كما أن سيطرة الحوثيين على مأرب وهيمنتهم على اليمن، يجعل الوجود الإيراني عبر وكيله في اليمن دائماً، ولن تستطيع الرياض تجاوزه أو إيجاد حلول له في المستقبل القريب. وتريد السعودية تأمين أراضيها من صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيّرة المفخخة، وابتعادهم عن إيران. وفيما يمكن قياس الأول بوقف الهجمات، لا توجد أداة قياس لابتعاد الحوثيين عن إيران. إلا بتوقيع اتفاق عدم اعتداء وتفاهم بين طهران والرياض وهو أمرٌ بعيد المنال.

 

الثاني: فشل الحوثيين في مأرب

وهو السيناريو الممكن حدوثه، إذا استمرت العوامل المتغيّرة الخاصة بالحكومة الشرعية في الثبات، واستمرت التعزيزات العسكرية من المحافظات في الوصول إلى الخطوط الأمامية، والدعم المالي والتسليحي والغطاء الجوي من الرياض. وفي حال استمر ذلك ستبقى المعركة ثابتة في خطوط القِتال الحالية.

وإذا فشل الحوثيون في هذه "المعركة" فقد يغيّر ذلك خارطة الحرب في اليمن بسرعة، فالحوثيون اضطروا لإلقاء الكثير من مواردهم العسكرية والبشرية المهمة في معركة مأرب، ما يعني أن الجماعة تخسر مئات المقاتلين بمن فيهم المدربين جيداً، في الوقت الذي يواجهون فيه تحديات في جبهات مهمة أخرى، في تعز والجوف والضالع والحديدة وربما تفتح جبهات أخرى.

كما أنه إذا تمكنت القوات التي تواجه الحوثيين من التوحد تحت قيادة واحدة ودفن الخلافات عندها يمكن إضعاف سيطرة الحوثيين على تلك المناطق وفرض الحكومة الشرعية سيطرتها. لكن عقبة توحيد هذه القوات بما فيها التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي و"القوات المشتركة" صعبة.

كما أن فشل الحوثيين في هذه المعركة -رغم الأكلاف المادية والبشرية التي خسرتها الجماعة- قد يثير خلافات واسعة داخل قيادات الجماعة التي قد تؤدي إلى انقسامها، جراء ما ستعانيه من ضعف عقب انتهاء هذه المعركة. كما النفوذ داخل مؤسسات الدولة الحكومية الخاضعة لسيطرة هذه القيادات في صنعاء والمحافظات كان مصدراً لخلافات سابقة[21]. في ذات الوقت فإن فشل الحوثيين في هذه المعركة وحالة الضعف التي يعانون منها مع الخسائر سيدفع رجال القبائل في مناطق سيطرتهم للتفكير بـ"الانتفاضة" ضد سلطة الأمر الواقع للجماعة المسلحة.

تحرك جبهة محافظة تعز (وسط اليمن) أكد تأثير معركة مأرب على الحوثيين، حيث تمكن الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من السيطرة على مناطق شاسعة –ظلت محاصرة من الحوثيين منذ 2016- ، وتوضح المعركة في تعز إلى أن هناك مساندة مجتمعية كبيرة للجيش والمقاومة الشعبية، وظهر تلاحم شعبي كبير لم يحصل من قبل، أدى ذلك إلى أن كثيراً من مناطق سيطرة الحوثيين بدأت تتساقط ذاتيا بعد تسليم المقاتلين الذين ينتمون لتلك المناطق أنفسهم لقادة الوحدات العسكرية المنتمين إلى نفس المناطق[22].

قد يحاول قادة الحوثيين استباق حدوث تداعيات الهزيمة في معركة مأرب بالتصرف بطريقة برجماتية والانخراط مع رؤى المجتمع الدولي لتحقيق نهاية للحرب في اليمن، ويبدو أن انخراطهم مع التحركات الدبلوماسية الأمريكية في اليمن من أجل تحقيق ذلك. لكنهم سيكونون في موقف أضعف بكثير مما كانوا عليه قبل معركة مأرب الأخيرة.

وفي حال لم تحصل انتفاضة مجتمعية ضد الحوثيين واستمرت الجماعة في حربها على مأرب قد يسرع ذلك من خلق توازنات جديدة في المنطقة.

كما أن ردة فعل الحوثيين بشأن "الخطة الأمريكية" ورفض وقف الهجوم على مأرب رغم الأزمة الإنسانية المتوقعة. والصدام مع المجتمع الدولي في قضية "الناقلة صافر" والمراوغة الحوثية قد يذهب مجلس الأمن إلى استصدار قرار يسمح بتدخل محدود لإنقاذ ناقلة النفط الموجودة في البحر الأحمر[23].

 

الثالث: التوصل إلى اتفاق

 قبل المعركة الأخيرة قَدم الحوثيون اتفاقاً لمنع الهجوم على مدينة مأرب ورفضته الحكومة الشرعية والسلطة المحلية. ومن الملاحظ أن هذا الاتفاق عبارة عن "شروط استسلام" وليس اتفاق بين قوتين، المبادرة التي قُدمت إلى مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن "غريفيث" تقوم على "تسع نقاط" تتلخص في:  

 تقاسم إيرادات النفط والغاز في مأرب، وعدم استخدام مأرب للتحشيد العسكري أو لأية عمليات عسكرية، والإفراج عن أسرى الحوثيين في مأرب، وتوظيف الموالين للجماعة في المؤسسات الحكومية[24].

وبعد رفض الحكومة اليمنية، حاول الحوثيون عقد اتفاقات مع القبائل المحلية في مأرب لكنهم فشلواْ في إحداث تغيير كبير بسبب "انعدام وجود حاضنة شعبية" للجماعة.

 

تأثير "معركة مأرب" على الجهود الدولية لإنهاء الحرب

من دون أدنى شك فإن "معركة مأرب" تؤثر على الخطط والاندفاع الدولي لإنهاء الحرب في اليمن. وبغض النظر عن سيناريو نهايتها فإن الأمم المتحدة والدول المعنية بالمصالحة في اليمن معنية بتغيير الخطط التي يمضون في تنفيذها لإجبار الطرفين على تحقيق اتفاق سلام.

لذلك سيلجأ مبعوث الولايات المتحدة إلى اليمن "تيموثي ليندركينغ" ومبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن "مارتن غريفيث" إلى التركيز على وقف فوري لإطلاق النار في مأرب، قبل الشروع في الوصول إلى وقف إطلاق نار كامل في باقي اليمن. كما سيشجع المبعوثان استمرار المفاوضات الخلفية التي تجري بين السعودية والحوثيين، للوصول إلى اتفاق لوقف تبادل إطلاق النار بين الطرفين.

ويبدو أن "ليندركينغ" قطع شوطاً طويلاً وأنهى أربع سنوات من عزلة الحوثيين من قِبل واشنطن، بلقاء "سري" غير مثمر جمعه بكبير المفاوضين الحوثيين "محمد عبد السلام" في مسقط يوم 26 فبراير/شباط 2021م. وحددت جولة "ليندركينغ" في المنطقة ولقاء الحوثيين العديد من النقاط تشير إلى أن "ليندركينغ" ما يزال في "تكتيكات" ولم يضع استراتيجية معينة أو رؤية لإنهاء الحرب في اليمن. وأعلن "ليندركينغ" أنه قدم رؤية لقادة الحوثيين من أجل وقف إطلاق النار[25]. لكن رد الحوثيين جاء سريعاً برفضها[26]، فيما أعلنت الحكومة الشرعية أنها تتعاطى بإيجابية معها. إذ يرى الحوثيون أن "السيطرة على مأرب" يجب أن تسبق أية مفاوضات سلام. لذلك يرى "ليندركينغ" أن انعدام وجود نتيجة لـ"معركة مأرب" واستمرارية المعركة دون وجود طريقة يمكن من خلالها "قياس" من المنتصر فيها، يُعقد طرح أمريكا والأمم المتحدة خطة نهائية لإنهاء الحرب.

وتشير مبادرة الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة إلى "وقف إطلاق نار فوري" في اليمن، ورفع الحظر عن مطار صنعاء وميناء الحديدة والالتزام ببدء المشاورات. يعقبه ما يسميه "ليندركينغ" ب نهج "المسار المزدوج" في إشارة إلى المحادثات السياسية والإغاثة الإنسانية[27].

 

وهناك بعض الأمور التي يمكن ملاحظتها لمعرفة التعقيد الذي يصطدم بـ"ليندركينغ" و"غريفيث" في اليمن:

  • يضع هجوم الحوثيين على "مأرب" الإدارة الأمريكية الجديدة في موقف حرج للغاية، إذ أنه يأتي بعد إزالة الحوثيين من قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية الأجنبية. واعتبرت ذلك بادرة حسن نيّة تجاه الحوثيين. كما أنه وعقب قرار الإزالة صَعد الحوثيون من هجماتهم على السعودية وبلغ عدد الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية التي أطلقها الحوثيون على السعودية أكثر من "40" طائرة مسيّرة وصاروخا باليستيا[28]. ويضع هجوم الحوثيين "الأمم المتحدة" والمجتمع الدولي في "حرج" إذ سَعواْ بكل قوتهم إلى وقف هجوم التحالف العربي على الحديدة وتوصلوا إلى "اتفاق ستكهولم" عام 2018  بحجة المخاوف من أزمة إنسانية إذا سيطرت الحكومة والقوات الموالية لها على الميناء الحيوي. الأمر نفسه في "مأرب" حيث يهدد تصاعد القِتال في تهجير مليوني نازح يعيشون في المدينة بما فيها "124" مخيم نزوح، ولا يعرف إلى أين وجهتهم القادمة..!
  •  دعا "ليندركينغ" الحوثيين إلى تكثيف مشاوراتهم مع السعودية، عبر مشاورات افتراضية على الانترنت، وبالفعل رفعت السعودية تمثيلها في تلك المشاورات إلى مشاركة السفير السعودي "محمد آل جابر" في تلك المشاورات مع كبير المفاوضين الحوثيين "محمد عبدالسلام". وحسب وسائل الإعلام فإن السعودية تركز على أمن حدودها ووقف القصف المستمر للحوثيين على المملكة ومنشآت النفطية فيها. ومثّل هجوم السابع من مارس/آذار2021 على ميناء "رأس تنورة" ذروة المخاوف السعودية من احتمالية اشتراك إيران أو الميليشيات العراقية الموالية لها في القصف[29]، على الرغم من تبني الحوثيين للهجوم الذي تم بصواريخ باليستية وطائرات دون طيار "مفخخة". كما تريد المملكة منطقة عازلة على حدودها، وإعلان الحوثيين تخليهم عن إيران[30].  

ويريد الحوثيون وقف حملة القصف التي يقودها التحالف في اليمن – خاصة مع الخسائر الكبيرة التي سببها لهم خلال معركة مأرب- وفتح المجال للطائرات التجارية، ووقف ما يسمونه حصاراً على الموانئ الخاضعة لسيطرتهم[31].

تدفع أمريكا والأمم المتحدة والدول المؤثرة في الملف اليمني إلى إنجاح مشاورات الحوثيين والسعودية -التي بحسب الولايات المتحدة أكثر رغبة في حل سياسي مما كانت عليه قبل ستة أشهر[32]-. وقد يتوصل الطرفان إلى اتفاق يركز على "الحاجة" وليس المتطلبات. بحيث تضمن الولايات المتحدة استمرار دعم السعودية في الدفاع عن أراضيها وتدريب قواتها ونشر بطاريات "باتريوت" إلى جانب تعهد الحوثيين بعدم قصف الأراضي السعودية والتوغل فيها، مقابل وقف الهجمات الجوية. ثم الانتقال إلى مرحلة جديدة بإشراك الحكومة الشرعية في هذا الاتفاق[33] كما حدث في "اتفاق ظهران الجنوب" بين الحوثيين والسعودية عام 2016، الذي انهار بعد أشهر رغم التقدم الذي تم إحرازه[34].

 

  • أوراق الضغط:

تملك الولايات المتحدة والمجتمع الدولي أوراقاً للضغط على السعودية والحكومة اليمنية، لكن أوراق الضغط هذه منعدمة تجاه الحوثيين واتضح ذلك في "هجومهم على مأرب" و"التصعيد ضد السعودية". تراجعت إدارة بايدن عن أهم أوراق الضغط بإزالة الحوثيين من قوائم المنظمات الإرهابية الأجنبية، فيما لا تملك أوراق ضغط على إيران حليفة الحوثيين في المنطقة. على العكس تسعى "إدارة بايدن" إلى الاندفاع نحو إعادة التفاوض بشأن "الاتفاق النووي الإيراني" مستخدمة رفع الحوثيين من قوائم المنظمات الأجنبية كبادرة حسن نيّة، قابلتها جماعة الحوثي وإيران بشن هجوم على "مأرب" وتصعيد الهجمات على السعودية. ما يجعل من وضع آلية تنفيذ لأي اتفاق "سلام" تبدأ بوقف إطلاق النار في "مأرب" محل شك. إذ أثبتت التجربة الأممية بشأن تنفيذ "اتفاق الحديدة" محدودية التأثير الدولي والأممي على سلوك الحوثيين لتنفيذ أي من تعهداتهم، ما لم يسبقه تحقيق انتصار عسكري.

في محاولة منها لفرض ضغوط على الحوثيين، قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على اثنين من قيادات الحوثيين، رداً على استمرار الحوثيين في "الهجوم على مأرب" والتصعيد ضد السعودية[35]، لكن مثل هذه القرارات ذات تأثير ضعيف على الحوثيين.

كما أن فشل المجتمع الدولي في الضغط على الحوثيين للسماح لفِريق الأمم المتحدة لصيانة ناقلة النفط المنكوبة "صافر" قبالة السواحل اليمنية في البحر الأحمر[36]، يوضح انعدام وجود أوراق ضغط تجبر الحوثيين على وقف ممارسة لعبة "المراوغة" والاستجابة لوقف خطر تسرب أكثر من مليون برميل نفط في البحر.

أثبت هجوم الحوثيين على مأرب، أنهم لا يريدون تحقيق السلام، أو الوصول إلى اتفاق يُنهي الحرب، وهذا سيضاعف نقمة المجتمع اليمني، والمجتمع الدولي ضد الحوثيين. وربما تكون "معركة مأرب" نقطة تحول وفِهم لإدارة "بايدن" بتركيز الجهود الدبلوماسية الأمريكية على ضرورية تنفيذ المرجعيات الثلاث المعروفة وهي "المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية (2011)، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني (2014)، وقرار مجلس الأمن 2216 في العام (2015)".

  • الاستراتيجية الاقتصادية: إن نهج إدارة بايدن بشأن اليمن يخطئ في أهم طريقة للمضي قدمًا - وهي استراتيجية اقتصادية لتحسين القوة الشرائية لليمنيين وقطع الطريق أمام أمراء الحرب الذي يعيشون على "اقتصاد الحرب". على وجه التحديد، يمكن لإدارة بايدن المساعدة في تحسين القوة الشرائية من خلال[37]:

 (1) زيادة العرض وخفض تكاليف السلع الأساسية والوقود والأدوية من خلال السماح بزيادة الاستيراد وكسر احتكار القِلة على السوق ودعم المنتجات الزراعية التي يعمل فيها نصف السكان.

 و(2) تثبيت العملة وزيادة دخل الأسرة من خلال إصلاحات السياسة النقدية والمالية حيث فقد الريال اليمني أكثر من نصف قيمته مقابل الدولار الأمريكي.

 يؤدي ضعف العملة إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وقدرة السكان على شراء السلع الأساسية،وهو ما  يؤدي بدوره إلى لجوء المدنيين للقتال في صفوف الحوثيين والأطراف الأخرى لإبقاء عائلاتهم على قيد الحياة.  فعلى الرغم من أن المساعدة الإنسانية تنقذ الأرواح، فهي لا تغير الحسابات الاقتصادية والسياسية للمقاتلين.

باختصار.. يجب أن تتغير الحوافز الأساسية لاقتصاد الحرب، حتى يتوقف اعتماد الحوثيين عليها لجلب مقاتلين والاستثمار في مصائبهم.

 

تأثير "معركة مأرب" على الفاعلين:

إن النتائج التي تقدمها معركة مأرب لا تنعكس على اليمن وحدها بل على سياسات الدول تجاه الحرب في اليمن ودعم الأطراف المحلية، والذي سينعكس على الأطراف الدولية وتأثيرها في المنطقة، خاصة في شبه الجزيرة العربية.

-  السعودية:

قدمت المملكة العربية السعودية مبادرة لإنهاء الحرب في اليمن، تشبه إلى حد كبير في خطوطها الرئيسية المبادرة الأمريكية، وتقوم على التالي:

أ- وقف إطلاق النار على مستوى البلاد تحت إشراف الأمم المتحدة.

 ب- إعادة فتح مطار صنعاء الدولي، وميناء الحديدة أمام السفن النفطية شريطة تسليم الإيرادات للبنك المركزي في الحديدة وفق اتفاق استكهولم،

ج- بدء المفاوضات بين الأطراف اليمنية.

رحبت الحكومة اليمنية بالمبادرة، فيما قال الحوثيون إنها "لا تتضمن جديداً" لكنهم وبتدخل من سلطنة عمان أرسلوا متطلباتهم على هذه المبادرة ومبادرة الولايات المتحدة- الأمم المتحدة[38].

 يشترط الحوثيون وقف الحملة الجوية قبل المعارك البرية، كما لا يريدون شروطاً لإعادة فتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء. وفي الشرط الأول يعني وقف التفوق الجوي للحكومة اليمنية في محافظة مأرب ما يعجل بسرعة سيطرة الحوثيين على المدينة.

يعمل الحوثيون بالحكمة التي تقول "فاوض أثناء التقدم" وعلى عكسه تدخل الحكومة اليمنية والتحالف مع الحوثيين. وتحاول السعودية فرض توقف الحوثيين عن القِتال في محافظة مأرب بهذه المبادرة لكنها على العكس باتت تحاول إقناع أعداءها الحوثيين بإنهاء الحرب التي يعتقدون أنهم ينتصرون فيها.

لذلك إذا أوقف الحوثيون هجوم مأرب، والدخول في مفاوضات فسيكون بسبب عدم تحقق تقدم كبير على الأرض. وفي حال أوقفت السعودية الغارات الجوية قبل وقف الهجوم البري فستزيد فرصة الحوثيين في الوصول إلى مدينة مأرب والمنشآت النفطية والغازية فيها، وعندها ستكون السعودية قد خِسرت الحملة العسكرية التي دخلت عامها السابع.

-  إيران:

بالنسبة لإيران فإن تحقيق الحوثيين لانتصار في مأرب سيعني خسارة السعودية في أول معركة بالوكالة وجهاً لوجه في اليمن، وستزيد إيران من رصيدها وصورتها القوية في المنطقة خاصة مع اقتراب بدء إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي الإيراني. وفي حال دخل الحوثيون في مفاوضات بمقايضة وقف الهجوم على مأرب فستضمن وجود وكيل قوي ، وفي كل الحالات تحقق إيران انتصاراً وفقاً للحلول المطروحة.

-  سلطنة عمان:

السلطنة هي الوسيط الرئيس لإنهاء الحرب، ويبدو أنها ترى اقتراب نهاية الحرب في البلاد[39] وتحقيق تقدم في مبادرات السلام. وتحرص السلطنة على وجود طرف في اليمن قوي يستطيع وقف التدخلات السعودية والإماراتية التي تؤثر عليها من ناحية اليمن. وترى في الحوثيين وعدائهم للدولتين الخليجيتين طرفاً قادراً على عرقلة تلك التدخلات في ظل تشظي الأطراف الداعمة للحكومة الشرعية.

وترى سلطنة عمان في معركة مأرب محاولة أخيرة لمعرفة القوى الرئيسية في مستقبل اليمن السياسي، وتحاول الاحتفاظ بالقوى الرئيسية الحالية (الحوثيون-الحكومة الشرعية) لأن إضافة قوى محلية أخرى سيزيد من تعقيد المشهد اليمني إذ قد تنظم كيانات موالية للإمارات.

-  بريطانيا:

ترى بريطانيا في إنهاء الأزمة اليمنية –بأية طريقة كانت- فرصة لعلاقة أوسع في الخليج العربي وتأكيدها ضمان أمن حلفائها الخليجيين في وقت تقدم فيه الولايات المتحدة رسائل سلبية. تسعى المملكة المتحدة للحصول على استثمارات خليجية كبيرة خاصة في ظل تراجع الاقتصاد بسبب فيروس كورونا والخروج من الاتحاد الأوروبي. لذلك ليست لدى بريطانيا مشكلة في إرسال قوات إلى اليمن في حال تم التوصل إلى حل سلمي، وهو أمرٌ كانت قد عارضته في السابق[40]. وتحدد معركة مأرب طبيعة المفاوضات المتوقعة بشأن اليمن، كما أنها ستحدد القدرة البريطانية في تخفيف حدة الاحتقان في المنطقة ودعم مبادرات السلام لإبهار حلفائها في المنطقة العربية مع انسحاب الولايات المتحدة.

 

الولايات المتحدة:

مع مجيء بايدن إلى البيت الأبيض وتركيزه على الملف النووي الإيراني، تحول الملف اليمني بالنسبة لواشنطن لمجرد ورقة من أوراق التفاوض، وليست ورقة ضغط خاصة بعد رفع أمريكا جماعة الحوثي من قوائم المنظمات الإرهابية، بل ورقة إبداء حسن نوايا تجاه الإيرانيين دون اعتبار حتى لحلفائهم السعوديين الذين كان الملف اليمني من أهم الملفات الحساسة في العلاقة بين الرياض وواشنطن. ورغم تعيين مبعوث أمريكي خاص لليمن إلا إن إدارة بايدن لا تملك أية استراتيجية واضحة لإيقاف الحرب في اليمن كما وعدت، بل إنها فتحت شهية إيران في إرث كبير ستخلفه أمريكا في المنطقة.

 

خاتمة:

تعود الحوثيون خوض حروبهم تحت مبررات متعددة يتم صناعتها قبيل أي معركة محلية حسب الحاجة الملحة لهم تكتيكيا، وتتنوع هذه المبررات بين الأيدلوجي (نصرة الإسلام وتحرير القدس) أو الإجتماعي ( الشرف القبلي) أو الإقتصادي ( فك الحصار) أو مبررات أخرى ذات ارتباط بمشاعر اليمنيين وسيادة دولتهم مثل (إنهاء الوصاية )، وفي كل مرحلة من مراحل حروبهم لإخضاع المحافظات اليمنية يبحثون عن مبرر من تلك المبررات.

كما أن دغدغة المشاعر العربية بشعارات الموت لأمريكا وإسرائيل، لا تمنعهم من رفع شعارات لدغدغة الإعلام الدولي مثل (مكافحة الإرهاب) كما عملوا في البيضاء، أو شعارات لدغدغة الجماعات الحقوقية بكشف جانب من الأضرار الاقتصادية وتداعيات المجاعة التي تسببتها معاركهم، تغطية على حربهم على مأرب تحت شعار (فك حصار الوقود)، رغم أن مأرب تمدهم بالنفط والغاز بالسعر الرسمي، أو استغلال سخط اليمنيين المتزايد ضد أخطاء التحالف العربي تحت شعار (تحرير اليمن من الاحتلال السعودي الإماراتي) كما يخططون لمعاركهم في شبوة وحضرموت والمهرة مستقبلا.

وهذه المبررات والشعارات هي مكررة فقد سبق لهم أن طردوا اليمنيين من أتباع الديانة اليهودية ثم البهائيين وفتحوا معارك لطرد السلفيين في دماج بصعدة، كما قادوا معارك تحت مسمى "تحرير القبيلة" في عمران، ومعارك "محاربة الجرعة" في صنعاء.

لا تنتهي مبررات الحرب لدى جماعة مسلحة حلمها أبعد من حدود اليمن، حتى لو هزمت أو انتصرت في مأرب، ولذلك فهي ترى في مبادرات السلام فرصة لإعادة التموضع للإنطلاق إلى مرحلة جديدة وتحت مبررات جديدة لحرب جديدة، فالسلام المستدام لا يصلح لها، لأنه يقضي على فرص بقائها وتمددها، وهي رغبة إيرانية كما يبدو في بقاء المنطقة في فوضى طويلة.   

 

مراجع

[1] سارة تشارلز، المسؤولة في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ندوة عبر الانترنت في "المحيط الأطلسي" مصدر سابق.

[2] تقرير إدارة مخيمات النازحين (حكومي) صدر في مارس/آذار2021م.

[3] اليمن يخسر 700 مليون دولار سنوياً لتوقّف صادرات الغاز، العربي الجديد، تاريخ النشر 18/1/2018م، شوهد في 6/2/2021 على الرابط: https://bit.ly/3egAdBh

[4] تقرير البنك المركزي اليمني لصادرات النفط الخام عام 2013م.

[5] تراجع حصيلة صادرات النفط اليمنية 73% في ابريل، رويترز، تاريخ النشر 12/1/2014م وشوهد في 6/3/2022م على الرابط: https://www.reuters.com/article/oegbs-yemen-oil-ab6-idARAKBN0EN0Y220140612

[6] لمعرفة استراتيجية جماعة الحوثي تجاه القبائل اليمنية يمكن الاطلاع على دراسة: القبيلة والنفط في حرب اليمن.. معركة مأرب الأخيرة، مركز أبعاد للدراسات والبحوث، تاريخ النشر 10/10/2020، شوهد في 6/3/2021 على الرابط: https://abaadstudies.org/news-59852.html

[7] قاتلت القبائل اليمنية ضد "حكم الأئمة" في شمال البلاد، وهناك علاقة عداء قديمة بين الطرفين منذ أكثر من ألف عام من الصراع على السلطة. لكن قبائل (البيضاء، ومأرب، والجوف) كانت أكثر القبائل ثورية ضد حُكم الأئمة -من منطلقات مذهبية وإنسانية- ودارت معارك بينها وبين جيوش الأئمة خاصة في العقود الأخيرة قبل انتهاء الحكم الإمامي (1962) إذ أنها كانت ترفض الانقياد للحكم الإمامي وترفض "الظلم والجور" الذي كانت تتعرض له. يسود اعتقاد في اليمن أن الحوثيين يسعون لإعادة الحكم الإمامي إلى اليمن، والعودة للسيطرة على القبائل فيها. لذلك فإن القبائل تقاتل الحوثيين منعاً لعودة تلك الحقِبة.

[8] وينتور، باتريك، يقول الانفصاليون إن بإمكان "بايدن" المساعدة في إنهاء الحرب الأهلية في اليمن، الغارديان، تاريخ النشر 1/1/2021، وشوهد في 6/3/2021 على الرابط: https://www.theguardian.com/world/2021/mar/01/biden-can-help-end-yemen-civil-war-by-backing-referendum-say-separatists

[9] قافلة الساحل الغربي تصل إلى مدينة مأرب، المشهد اليمني، تاريخ النشر 21/2/2021، وشوهد في 6/3/2021 على الرابط: https://www.almashhad-alyemeni.com/195390

[10] وقف إطلاق النار بين الجانبين قائم وفق "اتفاق ستوكهولم" 2018 الذي رعته الأمم المتحدة، لكن منذ توقيع ذلك الاتفاق استمرت الاشتباكات وعمليات التسلل، والقنص والقصف المتبادل بين الطرفين، وقُتل واصيب الآلاف بينهم مدنيون جراء خروقات وقف إطلاق النار. الاتفاق الجديد الذي وقع بين الطرفين في السادس من فبراير/شباط2021 يشير إلى وقف "التسللات والقنص والضرب المدفعي والصاروخي وأعمال هجومية وزرع عبوات ناسفة، وتوقيف كامل للطيران المسير والمفخخ"، حصل "أبعاد" على صورة من الاتفاق الذي يعتبر سرياً وأكد ثلاثة قادة عسكريين في "القوات المشتركة" صحة الاتفاق.

[11] انسحبت القوات السعودية والإماراتية من محافظة مأرب بين (2018-2020) –حسب ما أفاد قادة عسكريون- إلى جانب بطاريات باتريوت –المملوكة للإمارات- التي تعترض الصواريخ الباليستية للحوثيين، وهو ما أدى إلى انعدام دفاعات المدينة أمام صواريخ الحوثيين.

[12] آبايان، رامين •      تقرير خاص ب"مهر".. جبهة مأرب؛ الأهمية الإستراتيجية ومصلحة الأطراف + الخريطة الميدانية، (وكالة مهر)، تاريخ النشر ۱۲ اسفند ۱۳۹۹ يوافق (02/3/2021)، وشوهد في 16/3/2021 على الرابط: https://bit.ly/3qU5Fbo

[13] محافظ مأرب: المدينة تُهاجم من ثلاثة محاور ومقاتلات التحالف أحدثت فارقًا في المعركة (يمن مونيتور) تاريخ النشر 9/3/2021، وشوهد في 9/3/2021 على الرابط: https://www.yemenmonitor.com/Details/ArtMID/908/ArticleID/50848

[14] تشير مصادر قبلية عديدة إلى أن الحوثيين اجتمعوا بزعماء القبائل بمن فيهم الموالين والتابعين للجماعة في صنعاء، وذمار والمحويت وعمران، والبيضاء والجوف، في محاولة لحشدهم إلى جبهات القتال في مأرب مستخدمة ميثاقاً كانت الجماعة قد دفعتهم للتوقيع عليه السنوات الماضية. لكن معظم زعماء القبائل وشيوخها رفضوا دفع رجال قبائلهم للقتال مع الحوثيين في مأرب باعتباره "اعتداءً" على قبائلها وسيدخلهم في ثأر معها. وأبلغوا الحوثيين أن بإمكانهم تحشيد مقاتلي القبائل بأنفسهم دون تدخل زعماء القبائل. في بعض القبائل منعت مقاتليها من القِتال في مأرب، وأبلغتهم أن المغادرين للقتال في مأرب "مهدور الدم" ولن تطالب بدمه القبيلة.

[15] لمعرفة "قبائل مأرب" ومحدداتها وصفاتها يمكن العودة إلى دراسة أبعاد، "القبيلة والنفط في حرب اليمن.. معركة مأرب الأخيرة،"، مصدر سابق.

[16] كانت الحكومة، وافقت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، على إدخال سفن الوقود إلى المناطق الخاضعة للحوثيين، عبر ميناء الحديدة، شريطة التزام الجماعة بدفع الرسوم الضريبية والجمركية إلى حساب خاص في البنك المركزي اليمني (فرع الحديدة)، وتخصيصها لصرف مرتبات المدنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثي. في مايو/آيار 2020 في خضم الهجوم الأول على محافظة مأرب سحب الحوثيون المبلغ (53 مليون دولار). يمكن الاطلاع على: غريفيث: الحوثيون يسحبون عائدات ميناء الحديدة المخصصة للموظفين، الأناضول، تاريخ النشر 16/7/2020 وشوهد في 6/3/2021م على الرابط: https://bit.ly/2MVHuvi

[17] التقرير النهائي لفريق الخبراء المكلفون من مجلس الأمن بمراقبة العقوبات المفروضة على اليمن، تاريخ النشر 22/1/2021 وشوهد في 23/1/2021، يمكن الاطلاع عليه على الرابط: https://undocs.org/en/S/2021/79

[18] قُتل خلال 2019و2020، 24 من شيوخ القبائل في مناطق سيطرة الحوثيين معظمهم من الموالين للجماعة –حسب إحصاء صحيفة الثورة التابعة للحكومة، معظم هؤلاء المشايخ دخلوا في اتفاق "الحياد القبلي".

الحوثيون يقتلون الزعامات الموالية لهم .. 12 جريمة تصفية جديدة طالت شيوخ قبائل خلال عام، الثورة نت، تاريخ النشر 2/3/2021 وشوهد في 6/3/2021 على الرابط: https://althawra-news.net/news115908.html

[19] مسؤول حوثي يعلن وقف الهجمات على السعودية حال إنهاء التحالف العربي ضرباته، روسيا اليوم، تاريخ النشر 9/2/2021، وشوهد في 6/3/2021 على الرابط: https://bit.ly/3eeBFnM

[20] لمعرفة هجمات الحوثيين على السعودية خلال فبراير/ شباط2021 يمكن الاطلاع على دراسة أبعاد للدراسات والبحوث بعنوان: تأثير استراتيجية بايدن على الحرب في اليمن، تاريخ النشر 25/2021، وشوهد في 6/3/2021 على الرابط: https://abaadstudies.org/news-59872.html

[21] تقرير خبراء الأمم المتحدة، مصدر سابق.

[22] قائد عسكري في تعز يشارك في العمليات العسكرية الأخيرة ضد الحوثيين تحدث ل"أبعاد" في (10/3/2021)

[23] خلص خبراء يتابعون أزمة صافر إلى ضرورة تدخل عسكري محدود من قِبل مجلس الأمن الدولي لوقف "مراوغة" الحوثيين بشأن الناقلة صافر يمكن الاطلاع عليه: يحتاج مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى الإذن لعمل عسكري يمنع انسكاب صافر، (المجلس الأطلسي) تاريخ النشر: 14/3/2021، وشوهد في 19/3/2021 على الرابط: https://www.atlanticcouncil.org/blogs/energysource/the-united-nations-security-council-needs-to-authorize-military-action-to-prevent-the-spill-of-the-fso-safer/

[24] حصل "أبعاد" في سبتمبر/أيلول 2020 على مضمون تلك المبادرة من قيادي في جماعة الحوثي، وأكدها قيادي آخر مطلع على تفاصيل المعركة.

[25] مقابلة مع "ليندركينغ" في مركز دراسات المحيط الأطلسي (يوتيوب) تاريخ النشر 12/3/2021، وشوهد في 15/3/2021 على الرابط: https://youtu.be/2gzclz0N_mc

[26] رئيس الوفد الوطني يعلق على مقترح المبعوث الأمريكي ويصفه بالمؤامرة على الشعب اليمني (المسيرة) تاريخ النشر 12/3/2021 وشوهد في 12/3/2021 على الرابط: https://bit.ly/30MwyDA

[27] المتمردون يصعدون الهجمات فيما بايدن يدفع من أجل السلام في اليمن (فايننشال تايمز)  تاريخ النشر 10/3/2021 وشوهد في 10/3/2021 على الرابط: https://www.ft.com/content/2a818a11-7200-4459-989f-449b8a966e41

[28] دي لوس، دان، المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن يكثفون هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ على السعودية (ان بي سي نيوز) تاريخ النشر 12/3/2021، وشوهد في 13/3/2021 على الرابط: https://www.nbcnews.com/news/world/iranian-backed-houthi-rebels-yemen-ramp-drone-missile-attacks-saudi-n1260488

[29] كالين، ستيفن، المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران يقولون إنهم استهدفوا ميناء نفط سعودي، (وول استريت جورنال)، تاريخ النشر 7/3/2021، وشوهد في 9/3/2021 على الرابط: https://www.wsj.com/articles/iran-backed-houthi-rebels-say-they-targeted-saudi-oil-port-11615157185

[30] اليعقوبي، عزيز، مسؤولون أمريكيون يجتمعون بالحوثيين مع سعي واشنطن لإنهاء حرب اليمن، (رويترز)، تاريخ النشر 3/3/2021، شوهد في 9/3/2021 على الرابط: https://www.reuters.com/article/us-yemen-security-usa-idUSKBN2AV1VH

[31] اليعقوبي، عزيز، مصدر سابق.

[32] مقابلة ليندركينغ (المحيط الأطلسي) مصدر سابق.

[33] المصدر السابق.

[34] اتفاق “ظهران الجنوب” كأرضية مشتركة.. السعودية تكثف مشاورتها السرية مع الحوثيين (اليمن نت)، تاريخ النشر 3/3/2021، وشوهد في 9/3/2021 على الرابط: https://bit.ly/3rwoCSI

[35] واشنطن: الهجوم على مأرب وقصف السعودية وراء فرض عقوبات على قياديين حوثيين، يمن مونيتور، تاريخ النشر 3/3/2021، وشوهد في 9/3/2021 على الرابط: https://www.yemenmonitor.com/Details/ArtMID/908/ArticleID/50492

[36] قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2564 (2021) يمكن الاطلاع عليه على الرابط: https://undocs.org/en/S/RES/2564(2021)

[37] ديفيد هاردن، عبدالرحمن الإرياني، القطعة المفقودة في اليمن، (ذا هيل)، تاريخ النشر 4/3/2021 وشوهد في 9/3/2021 على الرابط: https://thehill.com/opinion/international/541577-the-missing-piece-in-yemen

[38] مؤتمر صحافي لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان يوم 22مارس/آذار 2021م (واس) على الرابط التالي: https://www.spa.gov.sa/2205526

[39] امتثالا للأوامر السامية .. السلطنة مستمرّة في العمل للتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة القائمة في اليمن (وكالة الأنباء العُمانية) تاريخ النشر، 30/3/2021، وشوهد في 1/4/2021 على الرابط: https://omannews.gov.om/Arabic_NewsDescription/ArtMID/437/ArticleID/29861

[40] كوبورن، آشلي، بوريس جونسون لا يستبعد نشر قوات في اليمن لكن "الظروف يجب أن تكون مختلفة للغاية"، الاندبندت، تاريخ النشر 24/3/2021، وشوهد في 31/3/2021 على الرابط: https://www.independent.co.uk/news/uk/politics/boris-johnson-yemen-troops-defence-b1821894.html

نشر :