بين صراعاته المناطقية وتنافس الإقليم على عدن ما هو مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي؟

تقدير موقف | 3 أكتوبر 2021 00:00
بين صراعاته المناطقية وتنافس الإقليم على عدن ما هو مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي؟

ENGLISH

PDF

 

 ملخص

تتناول الدراسة بشيء من التفصيل المجلس الانتقالي الجنوبي وظروف نشأته والعوامل التي ساعدته ليصبح الفصيل الأكثر سطوة وحضورا في عدد من المحافظات الجنوبية، وتركز على أسباب توسعه وتمكينه من امتلاك قوة مسلحة وصلت حد مواجهة قوات الحكومة المعترف بها دولياً، وإجبارها على مغادرة العاصمة المؤقتة عدن وعدة مدن ومناطق.

ارتبط المجلس الانتقالي من حيث الامتداد والخطاب والأداء السياسي بالحراك الجنوبي الذي انطلق في العام 2007 مطالباً بتحسين أوضاع العسكريين والأمنيين الذين أقصاهم نظام صالح في أعقاب حرب 1994 التي حسمها الرئيس صالح وحلفاؤه على حساب الحزب الاشتراكي، وتطورت مطالب الحراك في وقت لاحق لتصبح ذات صبغة سياسية مضمونها الدعوة لانفصال جنوب اليمن عن شماله، والعودة إلى ما قبل الوحدة اليمنية التي تحققت بين الشمال والجنوب في العام 1990، غير أن ثمة ارتباط آخر للانتقالي الذي تشكل في العام 2017، وهو الارتباط بدولة الإمارات العربية المتحدة التي دخلت اليمن في العام 2015 ضمن دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وبعدما توترت العلاقة بين الحكومة وأبوظبي أقدمت الأخيرة على تشكيل ودعم المجلس الانتقالي الذي أصبح ورقتها القوية في مواجهة الحكومة، وفي الضغط على السعودية إذا لزم الأمر.

وتكشف الدراسة نقاط القوة والضعف في المجلس الانتقالي، وعلاقته بالصراع على السلطة في ماضي جنوب اليمن قبل الوحدة، وخارطة انتشاره ومناطق تأثيره، في مقابل مناطق بدت غير متفاعلة مع خطابه وممارساته، كما تحاول استشراف مستقبله بعد قراءة واقعه الراهن والظروف المحيطة داخلياً وخارجياً، وفي ضوء محددات رئيسية مرتبطة بالحرب مع الحوثيين وموقف التحالف العربي والمتغيرات الجديدة محلياً في الساحة المحلية والإقليمية والدولية.

 

تمهيد

الحراك الجنوبي.. الانطلاق من الشارع

في مايو/أيار 1990 أُعلنت الوحدة بين شمال اليمن وجنوبه في كيان واحد هو (الجمهورية اليمنية)، وسرعان ما بدأت الخلافات تظهر بين شريكي الوحدة (المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني)، وكان المتوقع أن إجراء الانتخابات النيابية في أبريل 1993 سيطوي الخلافات بينهما، لكن ما حدث هو العكس فقد تطورت الخلافات إلى أزمة سياسية استمرت نحو 9 أشهر أعقبتها حرب دامت شهرين حسمها الرئيس صالح وحلفاؤه، وبات هو المسيطر على السلطة بشكل مطلق، بينما أخذت تظهر بين حين وآخر مؤشرات احتجاج في جنوب البلاد تارة عبر تشكيلات عسكرية سرية وتارة أخرى في فعاليات احتجاجية مدنية ذات طابع سلمي.

 وفي العام 2007 ظهرت حركة احتجاجية في بعض مناطق جنوب اليمن، يقودها العسكريون الذين تعرضوا للتسريح القسري من أعمالهم بعد حرب 1994، وصارت تعرف باسم (الحراك الجنوبي) ومن أهم مطالبه إعادة المُسرّحين من عسكريين ومدنيين، ومع أن رد السلطات الحكومية كان عنيفاً وقاسياً ضد المحتجين إلا أن الحراك أخذ يتوسع خاصة في مناطق الضالع وردفان،  وصارت القاعدة الشعبية للحراك الجنوبي تشمل فئات مختلفة من الأكاديميين والمحامين والطلاب والصحفيين، ولم تعد حكراً على العسكريين المُسرّحين، وتحولت المطالب الحقوقية إلى مطالب سياسية عنوانها (القضية الجنوبية)، وشعارها (استعادة دولة الجنوب) التي دخلت في وحدة اندماجية مع شمال اليمن عام 1990.

وفي العامين 2008 و 2009 تشكل في إطار الحراك الجنوبي عدد من المكونات السياسية، منها (الهيئة الوطنية للتحرير والاستقلال) و(المجلس الوطني الأعلى لتحرير الجنوب)، و(حركة النضال السلمي الجنوبي) المعروفة باسم (نجاح)، و(هيئة النضال السلمي)، وبعد انضمام الشيخ القبلي/ طارق الفضلي للحراك منتصف العام 2009، وهو أحد أبرز حلفاء الرئيس صالح، أعلن تشكيل (المجلس الأعلى للثورة السلمية)، وهو المكون الذي توسع فيما بعد على حساب بقية المكونات خاصة بعد دعمه من قبل علي سالم البيض آخر رؤساء جنوب اليمن قبل الوحدة، وكان قد غادر  اليمن إلى الخارج عقب هزيمته في حرب 1994، واستقر في سلطنة عمان، لكنه غادرها فور إعلانه استئناف العمل السياسي، واستقر في العاصمة اللبنانية بيروت.

 بعد ثورة فبراير اليمنية عام 2011 وجدت إيران الفرصة مواتية لتحقيق أهدافها في اليمن، فاستغلت ضعف سيطرة الحكومة المركزية لتزيد من دعمها لجماعة الحوثيين في شمال البلاد، ولإيجاد موطئ قدم لها في جنوب اليمن استقطبت علي سالم البيض وأنصاره الذين يشكلون أكبر فصيل في الحراك الجنوبي، وشخصيات سياسية وإعلامية وناشطين من مختلف المحافظات، وعملوا ضمن الأجندة الإيرانية التي تركز جهودها على محاربة المملكة العربية السعودية، وذلك من خلال العمل على إفشال عملية الانتقال السياسي للسلطة عقب الثورة، التي انتظمت تحت اتفاقية عرفت باسم (المبادرة الخليجية)، ووقعها الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة في الرياض أواخر العام 2011.

الحرب تفرض واقعاً جديداً  

أدى الانقلاب الحوثي وسيطرته على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014 إلى إنهاء تحالف البيض مع إيران والحوثيين، حيث لم تعد طهران محتاجة للبيض بعدما سيطر حلفاؤها الحوثيون على السلطة وأغلب المحافظات اليمنية، فيما ظل أتباع البيض في الجنوب يعلنون أنهم لن يكونوا طرفاً في الحرب ضد الحوثيين الذين سارعوا لاجتياح بقية المحافظات. وبقي موقف الحراك الجنوبي في الغالب ملتزما الحياد، لكن بعض عناصره انخرطوا في مقاومة الحوثيين وشاركوا في القتال إلى جانب أفراد المقاومة التي ضمت مختلف المكونات السياسية والاجتماعية، خاصة في عدن والمحافظات المجاورة.

بعد تدخل السعودية لمواجهة الانقلاب الحوثي وانطلاق عملية عسكرية يقودها التحالف العربي لدعم الشرعية في مارس/أذار 2015، تغيرت مواقف كثير من أنصار الحراك الجنوبي من التبعية لإيران والتنسيق مع الحوثيين ضد السعودية والحكومة اليمنية إلى محاربة الحوثي حتى تم تحرير عدد من المحافظات وعلى رأسها العاصمة المؤقتة عدن.

وبعد التحرير أصبحت عدن تحت سيطرة دولة الإمارات التي تمتلك النفوذ الأكبر في التحالف العربي بعد السعودية، وبدأت كسب موالين لها من أنصار الحراك الجنوبي والتيار السلفي، وعملت –بطرق ووسائل مختلفة- على استبعاد قيادات المقاومة الموالين للحكومة الشرعية، وقامت بدعم أتباعها بالمال والسلاح، ومارست الضغط على الرئيس هادي ليتم استيعاب عدد منهم في مؤسسات الدولة، وتولى بعضهم مناصب عليا في الحكومة المركزية والسلطات المحلية، أمثال السلفي المتشدد/ هاني بن بريك الذي تم تعيينه وزير دولة بدون حقيبة، والقائد العسكري عيدروس الزبيدي الذي عُيـّن محافظاً لعدن في ديسمبر/كانون 2015، خلفاً للمحافظ جعفر محمد سعد الذي اغتيل بسيارة مفخخة.

ومنذ العام 2016 بدأت الإمارات بناء تشكيلات شبه عسكرية معظمها من السلفيين، وأطلقت على هذه القوة تسمية "الحزام الأمني" في محافظات عدن ولحج وأبين، والضالع، و"النخبة" في حضرموت وشبوة وسقطرى، وتعمل هذه التشكيلات خارج هيئة الأركان اليمنية، وبدأت تستخدمها في تحقيق أهدافها وتنفيذ الأعمال الانتقامية ضد خصومها، مثل حرق مقرات الأحزاب والصحف وملاحقة الناشطين واختطاف قادة المقاومة والأحزاب والمنظمات المدنية[1].

تشكيل المجلس الانتقالي ومواجهة الحكومة الشرعية

على الرغم من دخول الإمارات ضمن التحالف العربي الداعم للشرعية اليمنية، إلا أنه سرعان ما توترت العلاقة بين الطرفين، الحكومة اليمنية من جهتها التزمت الصمت تجاه ممارسات الإمارات والتشكيلات المسلحة التابعة لها، تارة لأنها تعطي الأولوية للمواجهة العسكرية مع الانقلاب الحوثي، وتارة أخرى تحت وطأة الضغط السعودي، أما أبوظبي فقد بدا واضحاً أنها تبنت سياسة انتقامية تجاه الرئيس هادي وحكومته، وأخذت تعمل على تقويض السلطة الشرعية بتهميشها وإضعاف تواجدها، وحتى إخراجها من عدن والمحافظات الجنوبية، وأوعزت إلى القوى المحلية الموالية لها بعدم الاعتراف بشرعية الرئيس هادي ورفض قراراته، ووصل الأمر حد منع طائرة الرئيس هادي من الهبوط في مطار عدن، بعد عودته من المملكة العربية السعودية في فبراير/شباط 2017، وهو ما اضطره إلى تغيير خط سير الطائرة إلى جزيرة سوقطرى.

وفي أواخر أبريل/نيسان 2017، أصدر رئيس الجمهورية قرارين قضى الأول بإقالة محافظ عدن عيدروس الزبيدي من منصبه، والثاني بإقالة وزير الدولة هاني بن بريك وإحالته للتحقيق، وهو ما أثار غضب الإماراتيين، فقامت بدعم أتباعها لتنظيم فعاليات احتجاجية في عدن بداية مايو/أيار 2017، أصدرت ما يسمى بـ (إعلان عدن التاريخي)، الذي رفض قرارات الرئيس هادي، وجدد المطالبة بانفصال الجنوب، وأعلن تفويض الزبيدي بإعلان قيادة سياسية (برئاسته) لإدارة وتمثيل الجنوب[2]، وبعدها بأسبوع صدر بيان يعلن تشكيل (المجلس الانتقالي الجنوبي) برئاسة عيدروس الزبيدي، وتضم هيئة رئاسته 26 من الشخصيات المدنية والعسكرية، أغلبهم من المسؤولين الذين أقيلوا من مناصبهم، وبينهم سلفيون من التيار المدخلي المتشدد، ممن احتوتهم الإمارات وباتوا يعملون لصالحها.

وأعلن المجلس الانتقالي في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، تشكيل "الجمعية الوطنية"، وهي بمثابة سلطة تشريعية للمجلس، ويرأسها محافظ حضرموت السابق/ أحمد سعيد بن بريك، وتوالت إعلانات تشكيل فروع الانتقالي في المحافظات والمديريات، ومنذ تشكيله مثلت مناطق الضالع- ردفان- يافع المعروفة باسم (المثلث) قاعدة شعبية للانتقالي، خاصة يافع التي ينتمي إليها غالبية القيادات العسكرية والسلفية المدعومة إماراتياً، سواء في التشكيلات المسلحة أو في الهياكل القيادية للمجلس الانتقالي.

السلفية الوظيفية في خدمة أبوظبي

ضم المجلس الانتقالي تكتلات سياسية عدة منها عناصر في الحراك الجنوبي الذي ظهر في العام 2007، وكذلك عناصر حزبية بعضها محسوب على الحزب الاشتراكي (الحاكم في الجنوب قبل الوحدة)، وبعضها الآخر محسوب على حزب رابطة الجنوب العربي، إضافة إلى بعض المحسوبين على حزب المؤتمر الشعبي، ومن التيارات الدينية يبرز التيار السلفي المدخلي الذي استمالته الإمارات بعد تحرير عدن، وعملت على استقطاب أتباعه وألحقتهم بمعسكرات أنشأتها وأشرفت عليها مثل "الحزام الأمني"، الذي أسندت قيادته إلى هاني بن بريك، وجعلت منه زعيماً للسلفية الوظيفية التي تقوم بخدمة مصالحها، وتم اختياره نائباً لرئيس المجلس الانتقالي.

وتشير تقارير حقوقية إلى أن قوات الحزام الأمني اقترفت الكثير من التجاوزات في حقوق الإنسان، ومارست انتهاكات تجاه الحريات العامة، فقد قامت بترحيل العمال اللذين ينتمون إلى المحافظات الشمالية وخاصة محافظة تعز من مدينة عدن، وباشرت الكثير من التنكيل بالمخالفين لتيار بن بريك، وبخاصة حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يتوفر له مخزون من العداء المركب من كل من الإمارات والحراك الانفصالي، والتيار السلفي المدخلي، فقد تم مداهمة الكثير من مقراته وإحراق بعضها، واعتقال عدد كبير من أنصاره والمحسوبين عليه، ووضع المئات من المناوئين لتيار بن بريك في سجون سرية تشرف عليها القوات الإماراتية[3]

وبخلاف بن بريك وتياره، لم يتوفر للسلفيين المعتدلين الحظوة ذاتها لدى الإماراتيين، مع أنه كان لهم (أي السلفيين المعتدلين) حضور معتبر أثناء الحرب والمواجهة العسكرية مع الحوثيين، وأكثر من ذلك فقد تعرض من يمتلك منهم قبولاً شعبياً للاغتيال والتصفية الجسدية أو محاولات الاغتيال، وبخاصة أئمة المساجد والخطباء، وبصورة ممنهجة، فقد أشارت تقارير متواترة إلى أنه منذ تحرير عدن تم اغتيال نحو 30 من أئمة المساجد، فيما اُضطرَ البقية منهم إلى مغادرة عدن والمحافظات الجنوبية إلى مناطق أخرى داخل وخارج اليمن.

 كما تشير تلك التقارير إلى قيام قوات الحزام الأمني بحملات اعتقالات واسعة في صفوف التيار السلفي الذي لم يُعلن ولاءه للإمارات، وغالبا ما يتم تبرير تلك الحملات بدعاوى محاربة الإرهاب والجماعات المتشددة.

وفي منتصف العام 2019، كشفت وثائق رسمية تسربت لوسائل الإعلام في عدن، عن محاضر تحقيقات النيابة العامة مع متهمين اعترفوا بقيامهم باغتيال الشيخ/ سمحان راوي، أحد أبرز رموز التيار السلفي، ومن قيادات المقاومة ضد الحوثيين، في يناير/كانون أول 2016، وأفادوا أنهم تلقوا التعليمات والدعم اللازم من هاني بن بريك وضابط إماراتي.

الانتقالي: التشكيل والمكونات والقوات الموالية

تقود المجلس الانتقالي هيئة رئاسة مؤلفة من 26 عضواً، وتعد أعلى هيئة قيادية في المجلس، وكان المتوقع أن يتولى الأعضاء مسؤولية الدوائر المختصة، كما هو ما متعارف عليه في التشكيلات الإدارية والتنظيمية باعتبارها الهيئة التنفيذية العليا، وعندما بدأ توزيع بعض الدوائر على الأعضاء كالدائرة السياسية التي اختير لرئاستها الدكتور/ناصر الخبجي (عضو البرلمان اليمني عن الحزب الاشتراكي)، والدائرة التنظيمية التي ترأسها عضو الهيئة أمين صالح، سرعان ما تم إيقاف تلك الإجراءات ببيان من القيادي السلفي هاني بن بريك الذي قرر حينها عدم جواز الجمع بين عضوية هيئة الرئاسة وتولي أي دائرة مختصة، ورأى مراقبون أن قرار بن بريك جاء بتوجيه إماراتي هدفه الحد من تغلغل التيار المحسوب على الاشتراكي داخل المجلس الانتقالي على حساب التيارين الأكثر ارتباطاً بالإمارات، تيار السلفيين الذي يمثله هاني بن بريك نفسه، وتيار المؤتمريين ويمثله أحمد بن بريك وأحمد لملس، يرأس الأول الجمعية الوطنية (برلمان الانتقالي)، ويتولى الثاني الأمانة العامة للمجلس، وهو المعيّن محافظاً لعدن منذ أغسطس/آب 2020، ومع ذلك فقد تم تعيين بعض رؤساء الدوائر من داخل الهيئة مثل أمين صالح رئيس الدائرة التنظيمية، ولطفي شطارة الذي ترأس الدائرة الإعلامية، وهي الدائرة التي تتعرض للتغييرات من وقت لآخر، وكذلك الناطق الرسمي للمجلس تغير أكثر من مرة، كان أول الناطقين سالم العولقي عضو هيئة الرئاسة، ثم استبدل بشخص من خارج الهيئة وهو نزار هيثم، ليعود الأمر إلى حاله السابق بتعيين ناطق من داخل الهيئة وهو علي الكثيري.

وتخضع قرارات التعيين في الغالب لاعتبارات مناطقية وجهوية، مع مراعاة الاعتبارات الشخصية ومدى ارتباط الأشخاص المعينين بالقيادات العليا في المجلس أو ذات النفوذ والسطوة، وتشكلت لجان وهيئات تابعة للمجلس، منها مركز دعم صناعة القرار، غير أن عدم قيامها بأي دور جعلها تظل هامشية وغير معروفة، ويبدو أن الغرض من تشكيلها استمالة بعض الشخصيات التي لم يتم استيعابها في هيئات المجلس وفروعه ودوائره المختلفة.

سبقت الإشارة إلى أن المجلس الانتقالي يضم تيارات سياسية عدة مثل الحراك الجنوبي وحزب الرابطة والمؤتمر الشعبي والحزب الاشتراكي، بالإضافة إلى فصيل من التيار السلفي الذي يسيطر على غالبية الدعم والتمويل لأنه الأكثر ولاءاً للداعمين في أبوظبي، ويليه تيار المؤتمر، خاصة بعد انفراط تحالف (الحوثي- صالح) أواخر العام 2017، وانسحاب قيادات عسكرية وسياسية وإعلامية مؤتمرية من صنعاء إلى المناطق المحررة وإلى خارج اليمن، وتقوية ارتباطهم بالإماراتيين.

ومع أن الخطاب العام للانتقالي يظهر موحداً في الغالب، فإن ثمة قضايا ومفردات تكشف عن الخلافات المرتبطة بالانتماءات السياسية والحزبية والخلفيات الجغرافية والفكرية والتاريخية، من ذلك أن تيار الرابطة يرفض وصف الجنوب باليمني، ويرى أن الجنوب لا علاقة له باليمن، وأن المحافظات الشمالية هي وحدها اليمنية، أما محافظات الجنوب فيطلق عليها اسم (الجنوب العربي)[4]، المعتمد في شعارات الانتقالي، بينما لا تزال بيانات وتصريحات صادرة عن الانتقالي تتحدث عن جنوب اليمن، وهو ما يثير انتقادات المحسوبين على الرابطة التي تتهم عدوها اللدود الحزب الاشتراكي بالعمل على ما تسميه (يمننة الجنوب)، أي ربطه باليمن، مع العلم أن الدولة التي كانت موجودة في الجنوب قبل الوحدة، ويطالب الانتقالي باستعادتها، تسمى (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية).

ومن الناحية الجغرافية عملت قيادة الانتقالي على أن يكون التوزيع شاملاً كل مناطق الجنوب، خاصة في هيئة الرئاسة والجمعية الوطنية، غير أن ظهور الكتل الجغرافية فيما بعد كشف عن تفوق بعض الكتل الجغرافية، وفي الطليعة كتلة يافع التي تعد أكبر كتلة في المجلس، تليها كتلة الضالع، والكتلتان تتقاسمان السيطرة على المجلس ومكوناته والتشكيلات العسكرية والأمنية الموالية له، مع وجود استثناءات قليلة، كما أن الأحداث التي وقعت في الفترة الماضية وسعت تلك الاختلالات، فانحسرت شعبية الانتقالي في مناطق ومحافظات جنوبية على قدر كبير من الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية مثل محافظات أبين وشبوة وحضرموت والمهرة ومنطقة الصبيحة بالإضافة إلى مدن وحواضر مهمة مثل عدن التي تراجع حضور أبنائها في الانتقالي وتشكيلاته مؤخراً بشكل ملحوظ، من ذلك أن العدني الوحيد الذي كان ضمن قيادات الحزام الأمني (وضاح عمر عبدالعزيز) تمت إقالته والاستغناء عن خدماته واستبداله بآخر من يافع، هو جلال الربيعي.  

المواجهات مع الحكومة

بعد شهور قليلة على تأسيسه، أصبح المجلس الانتقالي يُمثل دولة داخل الدولة، وبات يمتلك نفوذاً كبيراً بفعل الدعم المستمر من دولة الإمارات التي توجه قيادة المجلس وتشرف على حركته ونشاطه، وتضاعف دعمها للمجلس كلما توترت علاقتها مع الحكومة الشرعية، وهي في الغالب متوترة، وتبعاً لذلك أعلن الانتقالي في يناير/كانون الثاني 2018 حالة الطوارئ، وأنه يعتزم الإطاحة بالحكومة نفسها إذا لم يوافق الرئيس هادي على إقالتها، وكان هذا سبباً في الاشتباكات الدامية التي حدثت بعد ذلك الإعلان بأسبوع، بين قوات الانتقالي وقوات الحماية الرئاسية (الحكومية)، واستمرت ثلاثة أيام ولم تتوقف إلا بتدخل السعودية، وبعدها دخلت الأوضاع مرحلة من المناورة بين الطرفين، اتسمت بالاتهامات المتبادلة، ثم تطورت إلى توترات في شبوة وسقطرى، وبمستوى أقل في مناطق أخرى في الجنوب[5].

وبعد نحو شهرين من إعلان أبو ظبي انسحاب قواتها من اليمن في يونيو/حزيران 2019، نشبت مواجهات عنيفة بين القوات الحكومية وقوات تتبع المجلس الانتقالي، على خلفية مقتل القيادي في الحزام الأمني منير اليافعي (أبو اليمامة) بصاروخ استهدف حفلاً عسكرياً أقيم غرب عدن مطلع أغسطس/آب 2019، ومع أن الحوثيين تبنوا العملية، إلا أن المجلس الانتقالي اتهم الحكومة الشرعية باستهداف اليافعي[6]، وأعلن نائب رئيس المجلس هاني بن بريك النفير العام والزحف إلى القصر الرئاسي في عدن، ورفع شعار تطهير الجنوب من الشرعية التي يتهمها بالولاء والخضوع لحزب الإصلاح، وبعد ثلاثة أيام من المواجهات، تدخلت السعودية وسحبت وزير الداخلية أحمد الميسري، الذي كان يقود المواجهات ضد الانتقالي، ما أدى إلى سيطرة الأخير على عدن[7]. وبعدها تحركت قوات الانتقالي باتجاه مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين، وأسقطتها وطردت القوات الحكومية منها.

 ولم يقتصر الأمر على عدن وأبين، فبعد أيام من السيطرة عليهما بدأت قوات النخبة الشبوانية التابعة للإمارات العمل على إسقاط مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة، لكن النخبة قوبلت برد فعل قوي من القوات الحكومية، لتنتقل المعارك من عتق إلى بقية مناطق شبوة، ومُنيت قوات النخبة بهزائم متلاحقة أمام قوات الحكومة التي أعلنت تحرير محافظة شبوة بالكامل من قوات النخبة يوم 26أغسطس/آب2019[8].

في 29 أغسطس/آب 2019 كانت القوات الحكومية قد استعادت السيطرة على محافظة أبين وتوجهت إلى مداخل عدن تمهيداً لاستعادتها، لكنها فوجئت بقصف جوي من طائرات إماراتية ما أدى إلى مقتل وإصابة قرابة 300 من أفراد الجيش، ليضطر  بعدها  للانسحاب شرقاً، وسارعت قوات الانتقالي مجددا للسيطرة على الأجزاء الغربية من أبين، وأحكمت سيطرتها على عدن[9].

وبدورها اتهمت الحكومة اليمنية دولة الإمارات بالوقوف وراء "التمرد العسكري" للمجلس الانتقالي، وأسفر عن سيطرته على المعسكرات والمؤسسات الحكومية والعاصمة المؤقتة عدن، وما تلته من مواجهات في محافظات أبين وشبوة، وقصف الطران الحربي الإماراتي للقوات الحكومية في مدخل عدن، وتقدمت الحكومة بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي تستنكر قصف الإمارات لقواتها، وطالبت بعقد جلسة خاصة لمناقشة ما وصفتها بالاعتداءات والتدخلات الإماراتية في اليمن[10]

ويرجع مراقبون فشل المجلس الانتقالي في مواجهات شبوة لأسباب عدة منها:

* الطبيعة المجتمعية في شبوة، طبيعة قَبلية معقدة ومعظم القبائل ترفض الدور الإماراتي، كما أن عدداً كبيراً من أبناء القبائل المنخرطين ضمن النخبة الشبوانية، رفضوا قِتال أبناء القبائل الموجودين في القوات الحكومية خوفاً من "الثأرات"، ولعب المحافظ/ محمد صالح بن عديو والمسؤولون والقيادات المحلية في المحافظة دوراً كبيراً في تعزيز التسامح والتصالح، وعدم الانجرار للصراعات والحروب.

* وجود خطوط إمداد للقوات الحكومية من طريق بيحان والمنطقة العسكرية الثالثة التي تقع شبوة ضمن نطاقها، بعكس عدن التي حاصرتها القوات الموالية للإمارات.

* خطاب وتصرفات المجلس الانتقالي بدت عدائية وذات عنصرية مناطقية ضد أبناء المحافظات الشمالية، وبعض المحافظات الجنوبية، وهو ما لا يتناسب مع طبيعة القبائل في شبوة التي تملك تداخلاً مجتمعياً وترابطاً كبيراً مع محافظات شمالية كـالبيضاء ومأرب المجاورتين، ورفض أبناء القبائل الشبوانية للتصرفات العنصرية التي يمارسها الانتقالي ضد المواطنين الأبرياء.

* شبوة محافظة نفطية ويوجد فيها ميناء رئيسي لتصدير الغاز المسال، والسيطرة عليها تعطي إيرادات كبيرة للمجلس الانتقالي، ما يجعله مستمراً في القِتال ضد الحكومة الشرعية، وهو أمرٌ لا يريده الرئيس عبدربه منصور هادي، ولا السعودية التي ترى في شبوة بوابة المنطقة الشرقية (حضرموت والمهرة)، وتعتبرها امتداد نفوذ لها في اليمن.

اتفاق الرياض

في الـ5 من نوفمبر/تشرين ثان 2019، تم توقيع (اتفاق الرياض) بين الحكومة الشرعية، والمجلس الانتقالي بعد قرابة شهرين من الصراع بين الطرفين، وتضمن الاتفاق الترتيبات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، ومن أبرز بنوده تشكيل لجنة تحت إشراف التحالف تختص بمتابعة وتنفيذ وتحقيق أحكام الاتفاق، ومشاركة المجلس الانتقالي في وفد الحكومة لمشاورات الحل السياسي النهائي لإنهاء انقلاب الحوثيين، بالإضافة إلى تشكيل حكومة كفاءات سياسية تكون الحقائب فيها مناصفة بين المحافظات الشمالية والجنوبية.

فيما يتعلق بالترتيبات العسكرية نص الاتفاق على تجميع ونقل الأسلحة المتوسطة والثقيلة بأنواعها المختلفة من جميع القوات العسكرية والأمنية، ووضعها تحت إدارة وإشراف التحالف، ونقل جميع القوات العسكرية التابعة للحكومة والتشكيلات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي في عدن إلى خارجها، باستثناء اللواء الأول حماية رئاسية لحماية الرئيس، وتأمين الحماية الأمنية لقيادة المجلس الانتقالي، كما تضمن الاتفاق ضم قوات الطرفين وترقيمها في وزارة الدفاع، وفي الترتيبات الأمنية قضى الاتفاق بإعادة تنظيم القوات الحكومية والتشكيلات التابعة للمجلس الانتقالي وترقيمها تحت وزارة الداخلية، وتنظيم القوات الخاصة ومكافحة الإرهاب في عدن واختيار عناصر وقيادة جديدة لها من القوات الحكومية وتشكيلات الانتقالي.

ومع ذلك ظلت المحافظات الجنوبية تعيش حالة من التوتر والتصعيد المتبادل، ولم تنتقل بنود الاتفاق إلى حيز التنفيذ، باستثناء بعض الترتيبات السياسية التي بدأ تطبيقها بعد قرابة عام على توقيع الاتفاق كتشكيل الحكومة وتعيين محافظ ومدير أمن لعدن، بيد أن عدم تطبيق الترتيبات العسكرية والأمنية من الاتفاق أعاق تنفيذ بقية البنود، وظلت الأوضاع على حالها، خاصة أن الحكومة التي عادت إلى عدن أواخر العام 2020 وجدت نفسها عاجزة وضعيفة تحت سيطرة قوات الانتقالي، لتقرر المغادرة إلى الرياض بعد نحو ثلاثة أشهر من قدومها، وبقيت قوات الانتقالي تحكم سيطرتها على عدن في ظل التدهور الاقتصادي والمعيشي والتوتر السياسي وتبادل الاتهامات بين الحكومة والانتقالي بشأن المماطلة في تنفيذ اتفاق الرياض.

كان المجلس الانتقالي قد أعلن في أبريل/نيسان 2020 حالة الطوارئ و"الإدارة الذاتية" في عدن وبقية المحافظات الجنوبية، وتشكيل لجان رقابية على مؤسسات الدولة، الأمر الذي اعتبرته الحكومة "إعلاناً صريحاً بإنهاء اتفاق الرياض واستمرار للتمرد المسلح الذي بدأ في أغسطس/آب 2019"، ومن جهتها أعلنت السلطات المحلية في 6 محافظات جنوبية من أصل 8 محافظات، وولاءها للرئيس هادي والحكومة الشرعية ورفضها إعلان الإدارة الذاتية، فيما رأت الحكومة اليمنية في إعلان الإدارة الذاتية تمردا على اتفاق الرياض وانسحاب كامل من الاتفاق[11]، وعلى الصعيد الخارجي جاء بيان التحالف العربي الرافض للإعلان في مقدمة البيانات والتصريحات الصادرة عن عدد من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية التي أجمعت على رفض إعلان الادارة الذاتية، وشملت قائمة الرافضين حينها المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر ودولة الإمارات وبريطانيا والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي.

وقوبل الإعلان برفض شعبي ورسمي داخلي من المحافظات المستهدفة، رغم الدعاية الإعلامية والأموال التي أنفقها الانتقالي والوعود التي أطلقها حول العمل على تحسين الخدمات وتشغيل المؤسسات وصرف المرتبات وإنهاء الأزمات، غير أن الواقع كان على النقيض من كل الوعود والأماني التي تحدث عنها الانتقالي، وصادف ذلك وصول جائحة كورونا (كوفيد19) إلى عدن والمحافظات المحررة، مع تدهور مستمر في الخدمات الأساسية وفي مقدمتها الخدمات الصحية، ما أدى لإعلان عدن مدينة منكوبة، خاصة بعدما كشفت إحصائيات رسمية أن عدد الوفيات في المدينة بسبب كورونا وأمراض أخرى بلغ 623 حالة وفاة خلال النصف الأول من شهر مايو/أيار 2020، وإزاء ذلك التدهور لم تقدم سلطات الانتقالي أي معالجة سوى الاستيلاء على الموارد المالية ومنها الميناء والضرائب والبنوك وغيرها.

وخارجياً قوبل الإعلان برفض عربي ودولي، وصدرت بيانات عن السعودية ومصر والإمارات ودول أخرى تدين إعلان الانتقالي وتطالبه بإلغائه وتنفيذ اتفاق الرياض، كما أن السطو على الموارد وسع رقعة السخط من الانتقالي، وأوجد حالة من الصراع الداخلي وتبادل الاتهامات بين قيادات الانتقالي نفسه، ونتيجة لذلك قام الانتقالي، وبصورة سرية بتشكيل لجان للتحقيق الداخلي لم تكشف نتائجها، لكن المصادر أكدت وقوفها على أعمال نهب واسعة قام بها قيادات ومسؤولون تابعون للانتقالي مستندين على إعلان الإدارة الذاتية، ولا تزال حتى اللحظة تهمة الاختلاس تلاحق عدداً منهم، ولو خضعت جميع القيادات لمحاسبة وتحقيق شامل لانكشفت حقائق كثيرة في هذا الموضوع، خاصة وأن الانتقالي في فترة الإعلان اعتبر نفسه حكومة وشكل لجان لتسيير الأعمال ومراقبة القطاعات الحكومية المختلفة، كما شكل لجنة اقتصادية تضم مختلف التخصصات والمجالات الإدارية والخدمية وغيرها، فيما لم تكن هناك أي جهة رقابية تتولى مراقبة أعمال عناصره.

ومع أن الإمارات أعلنت رفضها اعلان الانتقالي إلا أن دعمها المستمر للانتقالي يكشف عن موقفها الحقيقي، فضلا عن أن إصدار بيان الإدارة الذاتية نفسه تم من قبل قيادات الانتقالي المقيمين في الإمارات، كما أن الإعلان جاء في ظل إخفاق واضح في تنفيذ اتفاق الرياض، وتوتر في العلاقة بين الانتقالي والقيادات العسكرية السعودية المكلفة بتنفيذ اتفاق الرياض، خاصة ما يتعلق بسحب السلاح الثقيل.  وهو ما أدركه أغلب الكتاب والسياسيين السعوديين الذين ظهروا على وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي مؤازرين لموقف بلادهم الرافض للإعلان باعتباره انقلاباً على اتفاق الرياض، ومضيفين إليه التنديد بالموقف الإماراتي الداعم للانتقالي، باعتباره عملاً يهدف إلى إفشال اتفاق الرياض، من قبل دولة تعد الحليف الأبرز للسعودية.

وبعد إعلان الانتقالي البدء في الإدارة الذاتية، سارعت القوات الأمنية والعسكرية الموالية له للسيطرة على بقية المؤسسات وفروع الوزارات والمنشئات الحكومية التي لم تكن تحت سيطرتها، ووضعت يدها على الموارد الرئيسية ومنها موارد ميناء عدن، وساءت الأوضاع العامة جراء تدهور الخدمات الأساسية وفي مقدمتها المياه والكهرباء، فضلا عن تردي الأوضاع الصحية بالتزامن مع وصول جائحة كورونا – كوفيد19 اليمن، لترتفع أرقام الوفيات والإصابات، فيما اكتفت عناصر الانتقالي بقمع الفعاليات الاحتجاجية التي ينفذها مواطنون تعبيراً عن استيائهم من تردي الأوضاع بشكل لم يشهدوا له مثيلاً من قبل.

ومرة أخرى تدخلت الجهود السعودية لدى الطرفين لتسفر تلك الجهود عن الاتفاق على آلية لتسريع تنفيذ اتفاق الرياض، وذلك أواخر يوليو/تموز 2020، وتجسد ذلك بإعلان المجلس الانتقالي التخلي بشكل نهائي عن (الإدارة الذاتية) كشرط وضعته الحكومة مقابل الموافقة على آلية التسريع.

تصعيد انتقالي ورفض دولي

خلافاً للمرات السابقة التي قوبلت فيها خطوات المجلس الانتقالي بالصمت من قبل التحالف العربي والدول الكبرى، لم يمر تصعيد الانتقالي خلال شهري مايو ويونيو/أيار وحزيران 2021 مرور الكرام، حيث قوبل بردود فعل رافضة ومحذرة للانتقالي من المواجهة مع المجتمع الدولي، بدأت هذه المواقف ببيان أصدرته خارجية المملكة العربية السعودية وأعلنت رفضها الخطوات التصعيدية من قبل الانتقالي، وشددت على الالتزام بتنفيذ اتفاق الرياض، ثم صدر بيان عن مجلس التعاون الخليجي يدعم موقف الرياض الذي عبرت عنه وزارة الخارجية، وتتابعت البيانات والتصريحات من قبل الخارجية الأمريكية ثم السفير البريطاني في اليمن، والفرنسيين، وأعلن الجميع الرفض لما قام به الانتقالي من خطوات وصفت بالاستفزازية.

ويتضح أن هناك رؤيتين من جانب الانتقالي للتعامل مع اتفاق الرياض، الرؤية الأولى تفضل التعامل معه بمرونة وإيجابية بحسب الضغوط السعودية خاصة في الجوانب السياسية والإعلامية، باعتباره مرحلة مؤقتة وضرورية لكسب السعودية والرأي العام الخارجي، ومن ثم التنصل من كل الالتزامات حين تكون الفرصة مواتية، والعودة إلى التصعيد والانقلاب على الاتفاق وعلى التحالف العربي، والنظرة الأخرى -ويتبناها تيار متشدد داخل المجلس- مضمونها الرفض المطلق للاتفاق باعتباره جاء تحت الضغط السعودي وربما يؤدي تطبيقه – خاصة بنود الشق الأمني والعسكري- إلى إضعاف المجلس وتجريده من قوته المسلحة.

وتشمل الخطوات التصعيدية من قبل الانتقالي تشكيل وحدات عسكرية وأمنية جديدة، في تأكيد صريح على رفض تنفيذ اتفاق الرياض، وإصدار قيادة الانتقالي قرارات بتعيين عناصره على رأس هيئات عسكرية وأمنية يفترض تبعيتها لوزارتي الداخلية والدفاع حسب بنود اتفاق الرياض، كما أصدر الانتقالي قرارا بتشكيل قوة لمكافحة الإرهاب، بينما تضمن الاتفاق أن يتم تشكيل هذه القوة بشكل رسمي عبر أجهزة الدولة حسب الاتفاق نفسه.

وأدى التصعيد إلى تعثر خطوات تنفيذ الاتفاق مرة أخرى، فعملت السعودية على جمع الطرفين في الرياض من أجل استئناف إجراءات التنفيذ، غير أن الانتقالي قام بالتصعيد نهاية يونيو/حزيران الماضي، من خلال الدفع بعناصره في محافظة شبوة للمواجهة مع الأجهزة الأمنية وإثارة الفوضى لكن السلطة المحلية وأجهزة الأمن تمكنت من إخماد تلك التحركات.

ويربط المراقبون بين محاولات الانتقالي تفجير الوضع في شبوة وهجوم الحوثيين على بيحان أنه جاء بعد مطالبة السلطة المحلية للقوات الإماراتية بمغادرة منشأة بلحاف الغازية، إذ تدعم أبوظبي أتباعها والحوثيين لاستهداف شبوة وسلطاتها كردة فعل على المطالبة بخروج قواتها من المنشأة التي باتت معطلة بفعل التواجد الإماراتي.

الانتقالي وإرث الصراع

وفقاً لمراقبين غربيين فإن تطورات المواجهات بين الحكومة والمجلس الانتقالي في السنوات (2017-2020)، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بظروف الاقتتال الداخلي الذي طبع فترة حكم جنوب اليمن قبل الوحدة، حيث نتجت الصراعات داخل الحزب الاشتراكي الحاكم عن الخلافات الأيديولوجية أو التنافسات الإقليمية أو القبلية التقليدية، وأدت الصراعات إلى الإطاحة غير الدستورية بكبار القادة في 1969 و 1978 وأبرزها 1986، وكان هذا الأخير هو الأطول والأكثر دموية. وفي صراع الوضع الراهن ينقسم الموقعون على اتفاق الرياض إلى حد كبير إلى نفس الفصيلين اللذين قاتلا بعضهما البعض في نزاع 1986. فالمجلس الانتقالي هو خليفة المجموعة التي استمرت في حكم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية للسنوات الأربع المتبقية من وجودها (يطلق عليها اسم الطغمة)، ومعظمهم من محافظتي لحج والضالع. على الجانب الآخر، يمتلك الرئيس هادي والعديد من وزرائه جذورًا في الفصيل الذي ينحدر أعضاؤه بشكل أساسي من محافظتي أبين وشبوة،(يطلق عليه اسم الزمرة)، ولجأوا إلى صنعاء بعد هزيمتهم في عام 1986[12].

 وتشير مصادر في الاتحاد الأوروبي إلى أن الدول الأوروبية حاولت، تشجيع الحركات الانفصالية المختلفة على إعادة تنظيمها في عدد يمكن إدارته من المنظمات ذات الأهداف الواضحة، ولكن دون جدوى. وقد اشتمل ذلك على سلسلة من الاجتماعات في أبو ظبي وعمان وبيروت والقاهرة وعواصم أوروبية، حضرها مجموعات مختلفة من القادة الجنوبيين وأتباعهم (عُقد آخرها في بروكسل في ديسمبر 2019). في أحسن الأحوال، يلتزم هؤلاء القادة بحضور اجتماعات المتابعة. لكنهم لم يتمكنوا باستمرار من الاتفاق حتى على برامج أو أهداف قصيرة المدى. بينما يدعون جميعهم إما إلى الحكم الذاتي للجنوب داخل اليمن الموحد أو العودة الكاملة إلى دولة جنوبية مستقلة على طول حدود ما قبل عام 1990، وما إن يصدر أي بيان عن تجمع من المنظمات الانفصالية إلا يصدر على الفور نفي من قبل بعض الموقعين. ويستنتج مراقبون أن هذه الفوضى ناتجة عن افتقارهم إلى السياسات الأساسية، ولم يقدم أي منهم أي برنامج اجتماعي أو اقتصادي أو أي برنامج آخر يتجاوز الدعوة إلى الانفصال. كما أنه ناتج عن أهدافهم الضيقة الأفق التي تخدم القادة - وتتجاهل احتياجات السكان، بما في ذلك أنصارهم، وجميعهم يعانون من عدم الاستقرار والمشاكل الاقتصادية العميقة[13].

وعلاوة على ارتباط الانتقالي بالصراعات السابقة يقوم في الوقت الراهن بتكريس مزيد من الصراعات، حيث تشن القوات المرتبطة بالمجلس الانتقالي - تماشياً مع رغبات رعاتهم الإماراتيين - هجمات متكررة على أفراد مرتبطين بالجماعات السياسية المتنافسة، ولا سيما حزب الإصلاح. وبمساعدة هذه القوات المحلية، تحتفظ الإمارات بسجون سرية، وقامت بتعذيب المعتقلين واحتجازهم دون محاكمة لفترات طويلة. واستأجرت مجموعات مرتزقة أجنبية لاغتيال أعضاء الإصلاح وغيرهم[14].

مرتكزات الانتقالي

يعتمد المجلس الانتقالي على مرتكزات أساسية في تعزيز وجوده ومحاولة التوسع، منها ادعاء شرعية التمثيل الجغرافي الشامل للجنوبيين وتبني القضية الجنوبية، واعتبار نفسه الممثل الوحيد والحصري في الحديث باسم المحافظات الجنوبية، واتهام خصومه بالعمالة والخيانة واعتبارهم أعداء ومتآمرين على الجنوب وقضيته، كما يستند على التشكيلات المسلحة التي تبسط سيطرتها على عدن ولحج والضالع وجزء من أبين، باعتبارها الذراع القوية التي تمكنه من توسيع مناطق سيطرته، ومن خلالها أيضاً يستطيع التلويح بشن الحرب على الحكومة الشرعية وإرباك مؤسساتها وعرقلة أعمالها، وتقويض وجودها إذا لزم الأمر، وهذه التهديدات يصدرها الانتقالي بين وقت وآخر بهدف الضغط على التحالف العربي والحكومة لتحقيق بعض المكاسب أو لتخفيف الضغوط التي يتعرض لها.

ويمتلك الانتقالي قاعدة شعبية عريضة طالما استخدمها في استعراض قوته خاصة في فترة التأسيس عندما نظم عدداً من الفعاليات الجماهيرية لكي يثبت أن لديه حاضنة شعبية قوية يصعب تجاوزها، ويمتلك الانتقالي نقاط قوة وعوامل مساعدة منها: 

  • القوات والتشكيلات المسلحة التي أنشأتها الإمارات في عدن وبقية المحافظات، وهي التي تبسط سيطرتها على مناطق نفوذ الانتقالي وتتلقى التوجيهات من مسؤولين إماراتيين، هم المشرفون فعلياً عليها، بينما التبعية الاسمية تبقى لقيادة المجلس الانتقالي التي تتلقى هي الأخرى تعليماتها من المسؤولين الإماراتيين، وهذه أبرز الوحدات والتشكيلات العسكرية والأمنية المحسوبة على الانتقالي:

-  قوات الحزام الأمني والدعم والإسناد (وتسيطر عليها منطقة يافع)، ويعتبر السلفي هاني بن بريك أحد مؤسسي هذه الوحدات، وهو المسؤول عن تجنيد أعضاء من تنظيم القاعدة ضمن قوات الحزام الأمني، وبحسب تقارير وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية فإن الإمارات أبرمت اتفاقاً مع قيادات في تنظيم القاعدة على ضم نحو 250 من مسلحي القاعدة إلى قوات الحزام[15].

-  اللواء الأول مشاة في جبل حديد، يقوده أبو عمر الضالعي (وأغلب عناصره من منطقة الضالع وتدرب بعضهم في إيران ولبنان).

-  الصاعقة 15 لواء- كان يقوده محمد قاسم الزبيدي شقيق عيدروس الزبيدي، قبل أن يتولى قيادته أبو أكرم الهمشري مدير مكتب الزبيدي (وأغلب قياداته وقواعده من الضالع وتدرب بعضهم في إيران ولبنان).

-  ألوية المقاومة، موجودة في الضالع، ويقودها شلال شايع، مدير أمن عدن السابق.

-  قوات العاصفة بقيادة أوسان العنشلي (الضالعي) (وتدرب بعضهم في إيران ولبنان)

-  قوات أمن عدن ومكافحة الإرهاب، ويبلغ عدد أفرادها نحو 5000 جندي، وتُتهم وحدة مكافحة الإرهاب التي يقودها يسران مقطري بانتهاكات حقوقية تشمل القتل العمد والاعتقال والتعذيب والاغتيالات[16].

-   قوات النخبة الشبوانية والحضرمية.

-   بعض وحدات المنطقة العسكرية الرابعة ومنها محور العند، محور الضالع

-   بعض وحدات ألوية العمالقة التي يقودها أبو زرعة المحرمي اليافعي.

  • الدعم والتمويل اللازم لاستمالة الشخصيات المؤثرة والفاعلة وتنظيم اللقاءات والزيارات والأنشطة المختلفة التي يقدم نفسه من خلالها كسلطة أمر واقع، فبالإضافة للمرتبات العالية التي يتقاضاها قيادات الانتقالي هناك ميزانية ضخمة للأنشطة وتسيير الأعمال[17].
  •   وسائل الإعلام: يمتلك الانتقالي في الوقت الراهن قناة فضائية تسمى قناة عدن المستقلة، وإذاعة محلية، وعشرات الصحف والمواقع الإليكترونية، ومئات الناشطين في صفحات التواصل الاجتماعي، وتوجد لدى المجلس هيئة وطنية للإعلام تضم العناصر الإعلامية الموثوق بها من قبل القيادات البارزة في المجلس الانتقالي.
  •  وفي سبيل تعزيز سلطته وإضعاف خصومه قام الانتقالي بإنشاء كيانات نقابية واتحادات مهنية في مجالات وقطاعات مختلفة، وهذه مهمتها تنفيذ أجندة الانتقالي (الإماراتية)، ومنها نادي القضاة الذي يعمل منذ فترة طويلة على تعطيل عمل مؤسسات القضاء وإغلاق المحاكم والنيابات،   ونقابة المعلمين الجنوبيين التي تقود هي الأخرى جهود تعطيل التعليم منذ نحو عامين باستغلال الأوضاع والظروف التي تعيشها المحافظات المحررة، وتحظى هذه المكونات بدعم مالي وتغطية إعلامية وإمكانات مادية بما في ذلك الأطقم العسكرية والحراسات الأمنية التي تستخدم لتحقيق أهدافها.
  • دائرة العلاقات الخارجية، وهي عبارة عن عدد من الأعضاء الممثلين للمجلس في عدد من الدول، مهمتهم الترويج للانتقالي والمشاريع الإماراتية ومهاجمة الخصوم في الحكومة الشرعية، وتحصل هذه الدائرة على دعم مادي كبير، باسم ميزانية مكاتب الانتقالي في الخارج، وتصل إلى نحو 30 ألف يورو شهرياً، ويتولى شخص أو اثنان مسؤولية كل مكتب من هذه المكاتب الموجودة في الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية وألمانيا وبريطانيا، وفرنسا، وبفعل الدعم الذي تحصل عليه هذه المكاتب وارتباطها بشركات علاقة عامة، تبدو دائرة العلاقات الخارجية الأكثر أهمية بين دوائر الانتقالي.

نقاط ضعف الانتقالي

ومع ما يمتلك المجلس الانتقالي من عوامل دعم رئيسية فإنه يعاني من نقاط ضعف كثيرة، بعضها مرتبط بطبيعة تكوينه وتشكيلته التي تضم خليطاً من التيارات المتناقضة التي لا يجمعها سوى الولاء لدولة الإمارات وتلقي الدعم والتوجيهات منها، وبعضها الآخر مرتبط بالممارسات اليومية لقياداته وعناصره وإخفاقاته المتتالية في مناطق سيطرته جنوب اليمن، وعلى رأسها العاصمة المؤقتة عدن، وأبرز نقاط الضعف:

  • التبعية للإمارات وارتهان قراره بيد الداعمين والموجهين في أبوظبي.
  • افتقاره لقاعدة شعبية حاضنة خاصة في عدن، وهذا ما كشفته الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها عدن في سبتمبر/أيلول 2021، حيث خرج آلاف المحتجين مطالبين بطرد الانتقالي وقواته، كما جاءت ردود الفعل من قبل قوات الانتقالي لتؤكد ضعفه وانحسار شعبيته التي اقتصرت في الفترة الأخيرة على التشكيلات المسلحة.
  • اختلال التوازن الجغرافي والمناطقي داخل المجلس لصالح منطقتين جغرافيتين هما يافع والضالع، وعلى حساب محافظات ذات وزن وثقل وموارد اقتصادية وأهمية سياسية واستراتيجية وبنية اجتماعية قوية ومتماسكة مثل حضرموت وشبوة وأبين والمهرة، إضافة إلى مدينة عدن ومنطقة الصبيحة، حيث تعاني هذه المناطق من تهميش الانتقالي ويتعرض أبناؤها لاعتداءات متواصلة من قبل القوى والتشكيلات المسلحة التابعة للإنتقالي، وهذا ما يدفع كثيراً من عناصر الإنتقالي في هذه المحافظات والمناطق لمغادرة المجلس وتقديم الاستقالات بصورة شبه يومية تؤكد وجود الاختلال وعدم التوازن رغم ادعاء الانتقالي أنه يمثل الجنوبيين كافة ويحمل قضيتهم.
  • اجترار عداوات وصراعات الماضي ومآسيه بشكل يثير المخاوف حول المستقبل، كما حدث في جولتي الصراع التي فجرها الانتقالي بعدن في يناير/كانون 2018 وأغسطس/آب 2019، وحرب أبين في مايو ويونيو/أيار وحزيران 2020، مضافاً إليها صراعات ومواجهات مسلحة في شبوة وسوقطرى وغيرهما.
  • نهب الممتلكات العامة والخاصة والسطو على الموارد بقوة السلاح وتحت مبررات ودعاوى مختلفة.
  • الانتهاكات المستمرة لحقوق المواطنين من قتل واقتحام منازل واختطاف واعتقال وإخفاء وتعذيب سجناء واعتداء على الحقوق والحريات وامتهان كرامة المواطنين في النقاط والحواجز الأمنية المختلفة. وقد ساهمت السجون السرية والاتهامات باغتيالات قيادات الرأي ورموز المجتمع، وحملات التمييز العنصري التي يقوم بها الانتقالي وتشكيلاته المسلحة، في زيادة سخط سكان المحافظات الجنوبية ضده بشكل ملحوظ.
  • سوء الإدارة وتقديم نماذج مشوهة وسلبية في المناصب والمواقع الإدارية المدنية والأمنية والعسكرية واستغلال الإمكانيات في تحقيق مكاسب شخصية.
  • التناقض في الخطاب السياسي والإعلامي والتخبط في القرارات، ويظهر هذا بوضوح في إعلان الإدارة الذاتية الذي صاحبه موجة من البيانات والتصريحات أنه لا رجعة عن الإعلان مهما كانت الضغوط والأوضاع، لكن ما حدث هو العكس حيث أعلن الانتقالي نفسه إنهاء الإدارة الذاتية مناقضا بياناته السابقة وتصريحات قياداته المختلفة.
  • الخلاف والعداء مع مؤسسي الحراك الجنوبي الأوائل، الذين يرون أن الانتقالي عبارة عن أداة ضغط إماراتية لا تملك قرارها، ومن هذه القيادات اللواء ناصر النوبة رئيس هيئة المتقاعدين والراحل العميد/ علي محمد السعدي القيادي والمؤسس البارز للحراك، والقيادي حسن باعوم رئيس المجلس الثوري الأعلى، وعبدالكريم السعدي رئيس تجمع القوى المدنية، إضافة إلى رؤساء وقيادات جنوبية سابقة أمثال علي ناصر محمد وحيدر العطاس ومحمد علي أحمد. 
  •  القوة العسكرية التي تتبع الانتقالي تعتمد على دعم الإمارات وتمويلها، وإذا ما أوقفت أبوظبي الدعم لسببٍ ما، فسيصبح المجلس الانتقالي بدون غطاء، وسيعجز عن مواجهة التزاماته نحو قواعده ومناصريه، وقد يلجأ للبحث عن داعم وممول آخر أو  يقبل بتلاشي قوته وذوبانها، وسيجد نفسه في وضع لا يقدر على لملمة أجزائه التي تجمعت تحت بريق الدراهم الإماراتية وسطوة نفوذها.
  •  ازدواجية الولاء لقادته فبعضهم ولاؤه للسعودية والبعض  الآخر للإمارات، ولازال البعض متواصل مع إيران حتى الآن، وهذا خلق قلقا إقليميا انعكس على أمن المحافظات المسيطر عليها الانتقالي، ما زاد من حدة التنافس والسباق والصراع الاقليمي على عدن وما جاورها، وكان لذلك أكبر الأثر في تفجر الأوضاع  هناك بين فريقين مع أول يوم في تشرين الأول/ أكتوبر 2021.   

 

مستقبل المجلس الانتقالي

يمكن استقراء واقع المجلس الانتقالي واستشراف مستقبله في ضوء عدد من المحددات كما يلي:

أولاً: اتفاق الرياض

منذ توقيع اتفاق الرياض بات مصير الانتقالي مرتبطاً إلى حد كبير  بنجاح أو فشل الاتفاق، ذلك الاتفاق الذي منح الانتقالي مشروعية متصلة بوجوده كأمر واقع، ألزمه بجملة من الأمور يأتي في مقدمتها ربط التشكيلات المسلحة ضمن وزارتي الداخلية والدفاع، وإخراج وحداته العسكرية والأسلحة المتوسطة والثقيلة، وقد اصطدمت جهود القيادات السعودية في الغالب برفض المجلس الانتقالي والقيادات العسكرية والأمنية الموالية المحسوبة عليه، فيما أبدت القوات الحكومية التزامها بالتنفيذ، وهذا الأمر وإن لم تكشف عنه القيادات السعودية إلا أنه لم يعد سراً، خاصة وأن ثمة تصرفات وبيانات صادرة عن الانتقالي عززت ذلك، وكشفت حقيقة موقفه الذي يرفض التطبيق الكامل لبنود الاتفاق.

ومع أن نجاح الاتفاق يمنح الانتقالي فرصة البقاء كقوة شبه مسلحة وشريكاً للحكومة في كثير من الملفات والقرارات المصيرية، إلا أن هناك مخاوف داخل الانتقالي من أن يؤدي تنفيذ الاتفاق – وإن بشكل غير ملحوظ في المدى القريب- إلى إضعاف قوات الانتقالي وتشتيتها وتغيير قياداتها وإدماجها في القوات الحكومية، وهو ما يعني إضعاف الانتقالي ذاته وتهميش منتسبيه بعد احتوائهم في مؤسسات الحكومة المختلفة.

أما إذا فشل الاتفاق، وهو ما يسعى إليه الانتقالي، فإن حرباً مناطقية تنتظر عدداً من المحافظات الجنوبية، كنتيجة متوقعة لما ظل الانتقالي يمارسه، وما يدعو إليه وما يحتويه خطابه من اتهامات وتحريض ضد محافظات ومناطق جنوبية معينة، فالمجلس الانتقالي الجنوبي فشل في إيجاد حضور له في شبوة وحضرموت والمهرة وأبين، وقد كشفت أحداث أغسطس 2019 التي شهدتها شبوة وأبين وعدن ضعف الانتقالي وهشاشة قوته، حيث هرب الآلاف من عناصره من معسكراتهم قبل أن تنشب المعركة، ولولا تدخل الطيران الإماراتي بقصف القوات الحكومية على مشارف عدن لتراجعت قوات الانتقالي وربما انهارت تماما.

وفي ضوء هذا المحدد (اتفاق الرياض)، يمكن استنتاج عدة سيناريوهات:

السيناريو الأول: ممارسة الضغوط من جانب الرياض على الحكومة والمجلس الانتقالي لأجل التنفيذ الجاد للاتفاق، وما يترتب عليه من استقرار الوضع في عدن والمحافظات الجنوبية المحررة، واستئناف عمل المؤسسات الحكومية في تلك المحافظات، وبما يؤدي إلى قيام الحكومة بدورها وواجباتها في المحافظات المحررة، وكذلك ما يتعين عليها عمله في الحرب مع جماعة الحوثي لتحقيق الهدف الرئيس المتمثل في استعادة الدولة والمؤسسات الوطنية على كامل تراب اليمن، وإنهاء الانقلاب الحوثي، بيد أن ثمة معوقات محلية وإقليمية وكذلك أطراف وقوى يمنية وغير يمنية تقف في طريق هذا السيناريو، خاصة وأن تلك القوى باتت تقتات على الصراع وتأزيم الوضع في المناطق المحررة، وليس من مصلحتها إنهاء التوتر وتطبيع الأوضاع.

السيناريو الثاني: انفجار الوضع العسكري بين الحكومة والمجلس الانتقالي، ويؤدي إلى استمرار الصراع بين الطرفين مع ما ينتج عنه من تداعيات وآثار منها استنزاف الطرفين ماديا وبشريا، وهذا يخدم جماعة الحوثي ويمنحها فرصا جديدة لتوسيع سيطرتها على حساب الحكومة والانتقالي في مناطق جنوبية يسعى الحوثيون للسيطرة عليها، خاصة في الضالع وأبين وشبوة.

السيناريو الثالث: بقاء حالة المراوحة في التنفيذ كماهي، بمعنى عدم وجود تنفيذ للاتفاق مع عدم الإعلان من أي طرف انتهاء الاتفاق، وهو ما يبقي حالة التوتر والتربص وتبادل الاتهامات مسيطرة على مواقف الطرفين، في ظل تراجع الاهتمام السعودي بالاتفاق الذي تم برعايتها، لصالح قضايا وملفات أكثر إلحاحا لدى الرياض، مع الحفاظ على الحضور السعودي جنوبا من خلال قيادة قوات التحالف العربي في عدن، أو عبر مراكز وبرامج الدعم التي أخذت تحتل حيزاً كبيرا في عدد من المحافظات المحررة، وفي مقدمتها عدن.

السيناريو الرابع: تقليص نفوذ الشرعية، مع بقاء الحالة المسلحة كأمر واقع، فبعد تزايد حالات التصعيد العسكري الحوثي جنوباً وشرقاً، مع تحقيق بعض أهدافه، بالسيطرة على مناطق جديدة كما في نهم شرق العاصمة صنعاء، والتوسع في محافظة الجوف على حساب القوات الحكومية، وتزامن ذلك مع حالات استهداف المؤسسات الحكومية والمنشئات الاقتصادية في المحافظات والمناطق المحررة من قبل الحوثيين، كل ذلك قد يكون مؤشراً على محاولات جدية لتقليص مساحة نفوذه الشرعية وبالتالي ممارسة المزيد من الضغوط عليها، تمهيداً للقبول بأنصاف حلول، إما بشكل جزئي على شاكلة اتفاق الرياض أو بشكل كلي في الوصول إلى اتفاق سلام شامل مع الحوثيين لوقف الحرب، مع بقاء التشكيلات المسلحة شمالاً (جماعة الحوثي)، وجنوباً (قوات الانتقالي) والقبول بها كأمر واقع. 

ثانياً: الدعم الإماراتي

ارتبط المجلس الانتقالي- تأسيساً وتمويلاً بالدعم المقدم من دولة الإمارات في ظل توتر العلاقة بين الحكومة الشرعية اليمنية والإمارات وفي إطار الضغط على الحكومة وابتزازها، ما يعني أن الانتقالي مجرد ورقة تحركها أبوظبي من أجل تحقيق مكاسب في جنوب اليمن، وبالتالي فإن مصير الانتقالي مرتبط بدرجة رئيسية بمستقبل الدعم الإماراتي، وسيكون لأي تغيير في سياسة أبو ظبي الخارجية نحو اليمن آثارها المباشرة على مستقبل المجلس الانتقالي، ولا يقتصر دعم الإمارات للانتقالي على الدعم المادي فحسب بل يشمل توفير الغطاء السياسي والإعلامي، وتوظيف إمكاناتها في تقديم قادة الانتقالي للسفراء والدبلوماسيين وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية في جولات ولقاءات خارجية

ثالثاً العلاقة بين الرياض وأبو ظبي

لا تزال الرياض أهم الفاعلين الإقليميين في المشهد اليمني، رغم التعثر والإخفاق الملازمين لتدخلها في الحرب اليمنية منذ سبع سنوات، وبضوء أخضر منها تمكنت أبوظبي من نسج علاقات قوية مع حلفاء محليين، حينما كانت الإمارات أهم حليف للسعودية في الملف اليمني، وفي حال غيرت الرياض موقفها تجاه أبوظبي فإن ذلك وبدون شك سيلقي بظلاله على وضع القوى اليمنية التابعة للإمارات وفي مقدمتها المجلس الانتقالي، قد لا يكون ذلك بالقضاء عليها بصورة نهائية، ولكن بسحب البساط من تحتها رويداً رويداً لصالح قوى وتشكيلات أخرى تنشئها السعودية أو تكون على وفاق معها.

استفادت الإمارات وأتباعها في المجلس الانتقالي من الأزمة الخليجية عندما أعلنت الرياض والمنامة وأبو ظبي منتصف العام 2017 قطع العلاقات مع دولة قطر، حيث توطدت العلاقة بين الرياض وأبوظبي على حساب الدوحة، غير أن ظهور بوادر تصالح بين السعودية وقطر مع فتور في علاقة الرياض بأبو ظبي ينعكس سلباً على الانتقالي كورقة إماراتية في جنوب اليمن، إذ ظل خطاب الانتقالي يقدم نفسه كحليف موثوق لدى السعودية كونه خصما لدودا لقطر، وبعودة العلاقات السعودية- القطرية إلى وضعها الطبيعي يفقد الانتقالي –تبعا لأبوظبي- كثيرا من عوامل قوته التي بناها في الفترة الماضية على ركام الخلافات الخليجية، وتصور أن الأزمة سوف تستمر إلى ما لا نهاية، ومن جهة ثانية فإن السعودية التي بدت في الآونة الأخيرة على خلاف مع الإمارات في قضايا كثيرة لن تكون أكثر حرصاً على الانتقالي وهو مجرد أداة وظيفية لأبوظبي، يؤدي دورا مرسوما في زمان ومكان محدودين.

رابعاً: مصير الحرب والاتفاق على التسوية

يحرص المجلس الانتقالي على أن يكون حاضرا في أي حوار قادم حول التسوية السياسية ووقف الحرب، وضمن ذلك في أحد بنود اتفاق الرياض، إذ يترتب على هذه الحوارات وضع اليمن كافة والجنوب على وجه الخصوص، والانتقالي تحديداً، ومع أنه يدعي تمثيل الجنوب كافة إلا أنه يدرك أن ثمة قوى وتيارات جنوبية موجودة وتسعى للمشاركة في أي حوار يحدد مستقبل البلاد، بيد أن استمرار الحرب وتراجع فرص السلام والتسوية تدفع الانتقالي لتكريس المزيد من السيطرة على المناطق ومنازعة الحكومة في مناطق سيطرتها حتى يعزز من حضوره ومشاركته في أي حوار قادم.

أما في حال التوافق على وقف الحرب والدخول في مفاوضات للتسوية فالمرجح اعتماد إحدى الصيغ المطروحة من قبل الأمم المتحدة ومبعوثيها إلى اليمن، وهي في الغالب رؤى وتصورات مبنية على وحدة اليمن، مع إتاحة مجال لنوع من الفيدرالية وتوسيع صلاحيات السلطات المحلية في المحافظات، ما يجعل الانتقالي مجبراً على السير في إحدى طريقين، إما المشاركة ضمن بقية القوى والأطراف السياسية أو البقاء خارج التسوية ملوحاً بما لديه من قوة لفرض السيطرة على بعض المناطق ومنها العاصمة المؤقتة عدن، والعمل على إثارة المشاكل في المناطق المجاورة وفق قدراته المادية والبشرية، سواء في شبوة وحضرموت أو في جنوب تعز  باعتبارها مناطق تابعة في الوقت الراهن للحكومة الشرعية.

 

 

خلاصة :

تظل حالة المجلس الانتقالي مرهونة بحالة القوى الإقليمية وصراعاتها وتنافسها، فقادة المجلس لم يمتلكوا القرار السيادي، ولم ينطلقوا من مصلحتهم الوطنية، وإلا لما اعتمدوا على القوى الإقليمية في كل ظروف نشأتهم، وقد تنقلوا بين أحضان إيران والإمارات والسعودية لجلب الدعم السياسي والمالي والعسكري، وبالتالي فالقوة الإقليمية الأكثر سيطرة وتأثيرا ؛ سترث عدن من خلال المجلس الانتقالي الذي قد يتفكك بفعل الصراعات البينية والانقسام المتزايد داخله. 

 

مراجع


[1]  عاصفة الحزم في عامها الرابع.. هل يريد الخليج الانتصار على إيران أم لديه أطماع في اليمن؟ تقرير صادر عن مركز أبعاد للدراسات والبحوث، (صنعاء: مارس 2018)، ص13.

[2]  نص (إعلان عدن التاريخي)، الصادر عن فعالية أقامها الحراك الجنوبي في مدينة عدن، مايو/أيار 2017، شوهد في (9 سبتمبر 2021) في الرابط: https://stcaden.com/news/7815 .

[3]  تحقيق وكالة اسوشيتد برس عن السجون السرية في العام 2018 http://cutt.us/z97q5

وبالإمكان الاطلاع على أحد تحقيقات الوكالة عن السجون السرية في 2017 http://cutt.us/Dqe9W .

[4] هو الاسم الذي أطلقته السلطات البريطانية على بعض المناطق الجنوبية، وذلك في السنوات الأخيرة من احتلالها للجنوب اليمني، وبعدما تصاعدت الحركة الشعبية الاحتجاجية المطالبة برحيل الاستعمار البريطاني بداية النصف الثاني من القرن العشرين.

[5]  أحمد ناجي، هل من صراع إماراتي- سعودي؟ تقرير نشره مركز كارنيغي للشرق الأوسط في أغسطس/آب 2019، على موقعه في الإنترنت، (شوهد في 10 سبتمبر 2021)، في الرابط https://carnegie-mec.org/diwan/79708 .

[6]  الصراع الصامت على النفوذ.. مستقبل التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، تقرير صادر عن مركز أبعاد للدراسات والبحوث، سبتمبر/أيلول 2019، شوهد في (10 سبتمبر 2021) في الرابط: https://abaadstudies.org/news-59818.html .

[7]  أحمد ناجي، هل من صراع إماراتي- سعودي، مرجع سابق.

[8]  الصراع الصامت على النفوذ، مرجع سابق.

[9] المرجع نفسه.

[10] الحكومة اليمنية في مواجهة انقلاب الحليف، تقرير صادر عن مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، سبتمبر/ايلول 2019، ص2.

[11]  What is the Southern Transitional Council?, al-jazeera website, 26 Apr 2020,

https://www.aljazeera.com/news/2020/4/26/yemen-what-is-the-southern-transitional-council

[12]   Helen lackner, Raiman alhamdany, War and pieces: Political divides in southern Yemen. 22 January 2020.

https://ecfr.eu/publication/war_and_pieces_political_divides_in_southern_yemen/

[13]  المرجع نفسه

[14]  المرجع نفسه.

[15] AP Investigation: US allies, al-Qaida battle rebels in Yemen https://apnews.com/f38788a561d74ca78c77cb43612d50da

[16] قائد مكافحة الإرهاب بعدن يعترف بقتل شاهد جريمة طفل المعلا https://yeniyemen.com/4320199/
مستقبل وطن | جرائم الاغتيالات في عدن ومن يقف وراءها؟ https://www.youtube.com/watch?v=exH7Vd5Nljw

[17]  مصادر في الانتقالي تحدثت لـ"أبعاد" أن الراتب الشهري لعضو هيئة رئاسة الانتقالي يصل إلى نحو عشرين ألف ريال سعودي، فيما تصل رواتب مسؤولي فروع الانتقالي في المحافظات إلى نحو خمسة آلاف ريال سعودي، وتتراوح رواتب مسؤولي المديريات بين ألفين وثلاثة آلاف ريال سعودي، بخلاف المبالغ المرصودة للفعاليات والأنشطة وتسيير الأعمال المختلفة.

 

نشر :