مقدمة
عندما سيطر المتمردون الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، قال مسؤولون في إيران إنه جرى السيطرة على العاصمة العربية الرابعة (بغداد، بيروت، دمشق، صنعاء)، وقال المسؤولون من الخليج العربي ومحللون غربيون إن إيران صدرت أيديولوجيتها الثورية بغرض إنشاء إمبراطورية في الشرق الأوسط، وربما يصبح الحوثيون أداتهم الرئيسية في شبه الجزيرة العربية. في ذلك الوقت كانت إيران في خضم محادثات بشأن برنامجها النووي، وهو الاتفاق الذي أُعلن عنه العام اللاحق (2015) بينما كانت السعودية وحلفائها العرب يشنون هجمات على الحوثيين دعماً للحكومة المُنقلب عليها في سبتمبر/أيلول2014.
منحت صفقة الاتفاق النووي إيران فرصة إعادة اندماج طهران في المجتمع الدولي بعد تخفيف العقوبات وإزالة بعض الحواجز، واعتبرت السعودية ودول أخرى في مجلس التعاون الخليجي تلك الصفقة نهاية "العزلة الإيرانية" بإصلاح طهران علاقتها مع العواصم الغربية وإعادة تأكيد نفسها كقوة إقليمية كبرى.
تصاعدت الخلافات منذ ذلك الحين حتى قطعت السعودية العلاقات مع إيران وإغلاق السفارة في طهران والقنصلية في مشهد عقب اقتحامهما من قبل متشددين تظاهروا ضد إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر في السعودية (يناير/كانون الثاني2016). في ذلك الوقت كان الحوثيون قد امتصوا صدمة الهجوم المفاجئ للتحالف العربي، واستمروا في إبقاء سيطرتهم على معظم المحافظات ذات الكثافة السكانية. تعاظمت قوة الحوثيين من خلال الأسلحة النوعية الإيرانية (طائرات مسيّرة وصواريخ باليستية، وقوارب دون ربان متفجرة) ، ما أن استهداف منشآت النفط السعودية ولاحقاً الأراضي الإماراتية، أدت إلى زيادة مخاوف معظم دول مجلس التعاون الخليجي من عدة أمور: الصورة المتخيلة حول انبعاث الإمبراطورية الفارسية من مجرى الأحداث في اليمن، واستلهام الحركات الشيعية في دول الخليج قدرات الحوثيين لاستهداف الاستقرار والأمن فيها. ويصور كثير من الخبراء دور إيران في اليمن على أنه دور رئيسي/ قائد لمحاصرة دول مجلس التعاون الخليجي بشكل استراتيجي وتشكيل تهديدً وجودي لها.
تعود الخلافات بين السعودية وإيران بشكل كبير إلى الثورة الخمينية 1979. أصبحت طهران تقدم نفسها وفق تعليمات قائد الثورة "روح الله الخميني" باعتبارها قوة تحدث تغييرات ثورية في العالم خاصة في المنطقة. واعتبارها القائد الذي يقود المضطهدين ضد الظالمين لتحقيق "الحرية والعدالة". وتصف الولايات المتحدة بـ"الشيطان الأكبر" وتصنف دول مجلس التعاون "كأتباع" للإمبريالية الأمريكية. وأدت خطابات "الخميني" والقادة الإيرانيين الأخرين بشأن "تصدير الثورة" و"حماية الأقليات الشيعية" إلى شعور المملكة العربية السعودية بالخطر من النوايا الإيرانية، وهي ما شكلت المعضلة الأمنية الرئيسية[1]. الأمر ذاته فيما يتعلق بالتفسير الإيراني لإجراءات السعودية ودول مجلس التعاون مع الوجود الغربي والتسلح الكبير. ويؤكد جون هيرز (1950) أن المعضلة الأمنية تنشأ من قيام الدُول بإجراءات لحماية أمنها القومي بسبب الخوف وعدم اليقين بشأن نوايا الدول الأخرى في ظل نظام دولي من الفوضى؛ وتفسر كل دولة إجراءاتها على أنها دفاعية وتدابير الآخرين على أنها تهديد محتمل[2].
وفي ابريل/نيسان2021 نشرت صحيفة فاينانشيال تايمز[3] تقريرا يشير إلى أن الخصمين القديمين، السعودية وإيران، فتحا خطاً مباشراً للحوار، سهله العراق، في محاولة للحد من التوترات بين الدولتين. منذ ذلك الوقت جرت خمس جولات مشاورات كانت الأخيرة بمشاركة من سلطنة عمان التي دائماً ما كانت مشاور خلفي بين إيران والعالم. كان الملف اليمني هو أبرز الملفات التي طُرحت للمشاورات بين الدولتين؛ وحققت تقدماً كبيراً حد أن الدولتين قررتا عقد مشاورات علنية على المستوى السياسي والدبلوماسي.
تضع هذه الورقة تساؤلاً عن إمكانية أن يكون الملف اليمني هو الملف الذي يحقق للسعودية وإيران تقدماً في المشاورات، فاليمن لها أهمية كبيرة للسعودية وضئيلة لإيران. كما تفترض أن أزمة وباء كورونا، ورؤى البلدين الاقتصادية، والتحولات الدولية، والرؤية الأمريكية للمنطقة، أدتا إلى تغيّر الأولويات بشأن الأمن القومي للدولتين، وتركزت في الاحتياجات المحلية بالذات الاقتصادية، إلى جانب المخاوف الدولية الجديدة من الانخراط في حرب باردة تبعاً لمحاور صراع عالمية جديدة تمثلها روسيا - الصين/ الولايات المتحدة.
كما تفترض الورقة أن سقف التفاوض بين طهران والرياض بشأن اليمن يتعلق بخطوط عريضة فيما سيترك تفاصيل التفاصيل لحلفائهم اليمنيين، تمثل الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة التي بدأت في ابريل/نيسان أساساً لتحقيق تقدم في الملف اليمني إضافة إلى التغييرات الأخيرة المدعومة من التحالف من تشكيل مجلس قيادة رئاسي إلى التفاوض السعودي مع الحوثيين برعاية عُمانية.
لماذا تذهب السعودية وإيران للتفاوض؟
تعتبر المشاورات محاولة لتخفيض منسوب الصراع في الخليج العربي وإزالة التوتر بين الضفتين. إذ يأتي أساس الكثير من هذا التوتر الجيو-سياسي من رؤية غير متناسقة لتنظيم الأمن في الخليج العربي (ونقصد بالخليج العربي دول مجلس التعاون وإيران والعراق). بالنسبة للمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الأخرى، يتم الحفاظ على الأمن في الخليج من خلال شبكة علاقات طويلة الأمد مع الولايات المتحدة. ومن وجهة نظر إيران، ينبغي الحفاظ على الأمن من قبل الدول الموجودة في المنطقة فقط. تفاقم هذا التناقض في السنوات التي أعقبت غزو العراق عام 2003، حيث حث المسؤولون السعوديون نظرائهم الأمريكيين على تقليص النفوذ الإيراني المتنامي في العراق ومواجهة البرنامج النووي الإيراني؛ وفي ذروة أعمال العنف الطائفي في العراق(2008)، حث الملك الراحل عبد الله الولايات المتحدة على "قطع رأس الأفعى"[4]. في الإشارة إلى إيران.
وفيما يرى الخليجيون التصريحات الإيرانية والتدخلات في شبه الجزيرة العربية -بما في ذلك دعم الحوثيين- تأكيداً لمخاوفهم بشأن احتمالية شن هجوم إيراني عليهم، يثير الوجود الغربي في منطقة الخليج مخاوف إيران بشأن استخدام أجواء دول مجلس التعاون في حال هجوم غربي على أراضيها، وعادة ما يثير المسؤولون الإيرانيون هذه المخاوف في اللقاءات وفي التصريحات وفي التهديدات ضد دول مجلس التعاون الخليجي.
يضيف الوجود الإسرائيلي مؤخراً في الإمارات والبحرين المخاوف الإيرانية التي تتهم الاحتلال الإسرائيلي بالاستعداد لقيادة حرب غربية ضد النظام في طهران. بالنسبة لصانع القرار في السعودية فإيران هي مصدر التهديد ولا يُـمكن الثقة فيما تطرحه، ونظامها السياسي الحالي يثير هواجس لا حدّ لها. وتعزز هجمات جماعة الحوثي على منشآت النفط السعودية ولاحقاً المنشآت الإماراتية هذه المخاوف لدى دول مجلس التعاون الخليجي.
خلال العامين الأخيرين وجِدت مخاوف أعلى للدولتين، في ما يبدو أنه تغيير لأولويات الأمن القومي بناءً على الظروف المحيطة بها والحاجة إلى تهدئة التوتر والتي عادة ما تأتي لوجود مخاوف أعلى منها قد تكون داخلية، واعتبارات جديدة في السياسة الإقليمية والدولية. حيث حفزت أزمة وباء كورونا، ورؤى الدولتين الاقتصادية، والاحساس بالحاجة إلى التحرك نحو تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط إلى دفع رؤى الدولتين الطموحة إلى أعلى الأولويات. كما أن التغيرات المتوقعة في النظام الدولي دفعتهما إلى تقليل التوتر والبحث عن نوع من التفاهم- قد لا يرقى إلى نظام أمني إقليمي- لكن يتجنب سلوك "الحرب الباردة" داخل المنطقة المشتعلة بالفعل في حرب باردة منذ أكثر من عقدين.
يحتاج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى تحقيق رؤيته 2030 للانتقال من عصر النفط إلى عصر الاقتصاد غير النفطي. لذلك فهو بحاجة إلى وقف الحرب اليمنية التي تستهلك من موارد وسمعة المملكة، لكن مع إبعاد تهديد إيران في شمال وجنوب المملكة، ويحتاج أيضاً للاستثمار الخارجي دون التأثر بتهديدات الحوثيين. بالمثل تملك إيران رؤية 20 عاماً (2025) والتي لها أهداف اقتصادية وسياسية[5]. وتؤثر العقوبات الدولية وحالة العزلة الإقليمية بشكل كبير على الاقتصاد الإيراني. ويعرف صانع القرار الإيراني أنه بحاجة ماسة لموافقة السعودية على الاتفاق النووي مع الغرب لتحسين اقتصاده، والخطاب الجيد للسعودية مع باقي دول العالم الإسلامي عن إيران لتحقيق تعاون معها[6].
كما يتفق السعوديون والإيرانيون أن السياسية الخارجية خلال الأعوام الماضية لم تحقق انتصاراً. وأن الكُلفة باهظة. بدأت الرياض في مراجعة تلك السياسة الخارجية خلال العامين الماضيين، زار الرئيس التركي السعودية للمرة الأولى منذ خمس سنوات بعد أن وقفت أنقرة إلى جانب قطر في الأزمة الخليجية (2017)، وقضية مقتل جمال خاشقجي (2018). كما قامت السعودية بإنهاء مقاطعة قطر. وبدأت السعودية في استعادة العلاقات مع باكستان بعد أن تأثرت بسبب رفض الحكومة الباكستانية ارسال قوات لحماية الحدود السعودية. بالمقابل أدركت طهران أن لغة "الحسم العسكري" للصراعات الإقليمية وحروب الوكالة لم تعد صالحة لهذا الزمان، فستصطدم بجدار في المستقبل القريب في اليمن، والعراق أو لبنان أو سوريا، فهذه الحروب تأتي في حالة عدم الاستقرار وهي حالة طارئة في الدول لا تدوم، فستجد جماعاتها في تلك الدول أن مصلحتها تأتي مع المصلحة الوطنية فستغيّر اتجاهها نحو الداخل بدلاً من خدمة إيران، ولن تظل ساحة نفوذ منفرد أو مهيمن لإيران وحرسها الثوري… بمعنى آخر، أن إيران قد تظل لاعباً وازناً في قوس الأزمات هذا، بيد أنها لن تتمتع بالهيمنة والتفرد بقيادة أية منظومة إقليمية[7]، بوجود السعودية ومصر وتركيا.
بما أن معظم الملفات معقدة ومتجذرة في الخلافات الداخلية فإن الدولتين بحاجة إلى بناء ثقة تمكنهما من الانتقال نحو مناقشة الملفات الأخرى. لذلك تأتي اليمن كاختبار لإمكانية صناعة نظام إقليمي جديد، وكأساس لبناء الثقة بينهما.
وهنا يأتي التساؤل كيف ترى السعودية وإيران الجمهورية اليمنية، من ناحية العلاقة التاريخية والنفوذ الاستراتيجي، وفي أدبيات الأمن القومي للدولتين؟
اليمن وجهة نظر سعودية وإيرانية
نظرة السعودية لليمن
علاقة الرياض وصنعاء علاقة مُعقدة كانعكاس لتعقيدات التأريخ والديموغرافيا والجيوسياسيا في اليمن. يرى السعوديون، اليمن كمشكلة فيها فقر وصراعات ومكتظة بالسكان ما يتطلب الحذر. واستخدمت المملكة خلال علاقتها مع اليمن سياسة "الاحتواء والمحافظة" احتواء البلد والمحافظة على مستواها من كل النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، عادة ما قدمت السعودية دعماً للنظام في صنعاء لمنع الانهيار. إذ تشعر الرياض بالقلق من تأثير انهيار الدولة في اليمن على المملكة، كما يشعرون بالقلق من تمدد الجماعات المسلحة إلى المملكة، خاصة جماعة الحوثي في أوساط مواطنيهم الشيعة. في الوقت ذاته يشعر صانعو القرار السعوديون منذ بدايات الجمهورية اليمنية من أن تؤدي الأزمة الاقتصادية في الدولة الأفقر في المنطقة ومن أكبر الدول في شبه الجزيرة العربية من حيث السكان إلى تدفق النازحين باتجاه المملكة. تفرض المملكة قيود عمل صارمة على اليمنيين، وعادة ما اُستخدمت العمالة اليمنية وسيلة ضغط على السلطة في اليمن كما حدث في التسعينات بسبب غزو صدام حسين للكويت. وفي 2013م مع ثورات الربيع العربي، ومؤخراً من أجل تمرير إصلاحات في الشرعية.
منذ الثمانينات استمرت السعودية في دفع مبالغ مالية لشيوخ القبائل لضمان الولاء فيما عُرفت باللجنة الخاصة التي توقفت جزئياً في (2007) وعاودت النشاط بعد 2015م. كما دعمت التيارات السلفية في المحافظات اليمنية لإيجاد توازن ايدلوجي وحاضنة لتوجهاتها في اليمن. وبعد 2001 ركزت السعودية على مواجهة تنظيم القاعدة، خاصة بعد 2009 عندما اندمج التنظيم في اليمن والسعودية وأعلن عن قيام تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب، وكانت اليمن مقراً له.
تعتبر الرياض وجودها في اليمن مصلحة رئيسية وحيوية، ولا يجرؤ أحد على تحدي هذه المصلحة والخروج منه بسهولة؛ حتى أن الموقف الأمريكي والغربي عموماً ينظر إلى السياسة في اليمن من نافذة السعودية، إلى جانب المتغيّر الأمني لما يمثله تنظيم القاعدة من خطورة على الأمن والسلم الدوليين. وقد أدى استيلاء الحوثيين على السلطة في اليمن والانقلاب على "المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية" بمساعدة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، إلى تحدي المملكة العربية السعودية خاصة مع قيام المسؤولين الحوثيين بإثارة إلغاء ترسيم الحدود والقيام بمناورات حدودية اعتبرتها السعودية "أجندة إيرانية" بالنظر إلى أن الحوثيين يتلقون دعماً من طهران ويقدمون أنفسهم "زيوداً" وهي واحدة من الفِرق الشيعية التي تعتبرها إيران هوية قومية.
نظرة إيران لليمن
تبدو إيران أقل ارتباطاً باليمن مقارنة بالسعودية، فلا حدود جغرافية ولا مشتركات قومية. كانت اليمن قبل الإسلام خاضعة للنفوذ الفارسي، وهو ما يثير المخاوف الخليجية بنيّة إيران استعادة مجد الإمبراطورية الفارسية. وكانت علاقة إيران باليمن متذبذبة، على سبيل المثال دعم نظام الشاه في ستينات القرن الماضي -إلى جانب السعودية- الإماميين ضد الجمهورية. إذ التقت مخاوف السعودية وإيران من جبهة القوميين العرب التي كانت تقودها مصر في تلك الفترة، إلى جانب مواجهة النفوذ الروسي والوقوف مع المحور الأمريكي الغربي وبناء سياسات مشتركة، لكن تغيرّ ذلك بعد الثورة الخمينية حيث تحولت إلى توتر. كما دعمت إيران في الحرب الأهلية 1986 في جنوب اليمن الطرف المنتصر في الحرب[8].
في تسعينات القرن الماضي كانت علاقة صنعاء بطهران جيدة، كان "نظام صالح" يحاول الاستفادة من العلاقات الخارجية مع محاولة العزلة التي فرضت عليه من الخليج. في نهاية التسعينات (1997) زار حسين الحوثي إيران، ودرس هناك، وعاد محملاً بالرؤية الخمينية ومعجباً بها، ورفعها في محافظة صعدة "معقل الهادوية/الزيدية" في اليمن. لتندلع بعدها ست حروب (2004-2009) توترت خلالها علاقة اليمن بإيران، وتعززت علاقة الحوثيين بالجمهورية الإيرانية وإن كان في إطار ضيق. بعد ثورة 2011م وإسقاط نظام صالح استغلت إيران حالة الانفتاح الديمقراطي وقامت بزيادة وجودها في اليمن، دعمت الحركات الانفصالية ودربتها، وأرسلت أسلحة للحوثيين ودربتهم، وأنشأت وسائل إعلام وأحزاب سياسية، واستقطبت شيوخاً محليين وقادة سياسيين وأعضاء من البرلمان. وبعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء اعتبرتها عاصمة رابعة في يدها، وبدأت باستخدام اليمن للضغط على السعودية، ومع قيام الحرب ضد الحوثيين في 2015م، زودت إيران تدريجياً الحوثيين بتكنلوجيا السلاح (من الطائرات المسيّرة إلى الصواريخ الباليستية والصواريخ الذكية والصواريخ البحرية)، إلى جانب خبراء تدريب وتسليح ووضع الخطط العسكرية والمشاركة كقادة ميدانيين.
وترى إيران في اليمن فرصة غير مكلفة، حيث يمثل الموقع الاستراتيجي لليمن على مضيق باب المندب قدرة أمنية لإيران على التأثير والضغط على دول الخليج والغرب بشأن احتمالية خنق وصول النفط من الخليج إلى الغرب. وتهدد إيران مضيق هرمز الحيوي-الذي تشرف عليه-، لكن قرار إغلاقه أو التأثير عليه يثير غضب الجميع على إيران، على عكس ذلك يمنحها مضيق باب المندب فرصة دون تلقي اللوم، إذا سيتلقى الحوثيون اللوم بدلاً عنها. وعقب زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للسعودية (يوليو/تموز2022) قال الحوثيون إن لهم اليد العليا على باب المندب واحتفت الصحافة الإيرانية بالتصريح[9].
على الرغم من ذلك استمرار تورط طهران في الصراع اليمني ليس أولوية بالنسبة لإيران. فعلى عكس استراتيجيتها في دول أخرى، فإن سياسة طهران تجاه اليمن لن تصل إلى حد نشر قوات النخبة كما فعلت في العراق وسوريا، إذ تعتبر طهران الوجود في محيطها "العراق" أولاً ثم "سوريا" مسألة تتعلق بالأمن القومي الإيراني؛ فيما وجودها في اليمن تأكيد على صفتها كقوة إقليمية تقابل السعودية وهو أمرٌ تؤكد عليه الرياض أنها القوة الإقليمية في المنطقة التي تتصدى "للدور الخبيث لإيران" وأكد عليه وزير خارجيتها السابق-آنذاك- عادل الجبير[10]. أما ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أشار إلى أن "المرشد الأعلى (الإيراني) هو هتلر جديد في منطقة الشرق الأوسط"[11].
اليمن كتوطئة لإدارة الصراع السعودي/الإيراني واحتوائه
منذ 2016 تدفع إيران، الملف اليمني كورقة مساومة تجاه السعودية لمناقشة بقية الملفات الإقليمية، ولم يكن أمام الرياض مع الحرب المكلفة والنصر غير الحاسم[12] إلا أن تبتلع الطعم. لذلك تمثل اليمن مدخلاً جيداً كتوطئة لاحتواء الصراع السعودي/الإيراني، ويعود ذلك إلى جملة من الأسباب:
أولاً: إن مكائد إيران في اليمن ودعمها للحوثيين في صراعهم مع التحالف الذي تقوده السعودية مختلفة تمامًا عن باقي التدخلات في باقي المنطقة، ما يعني أن حركة الحوثيين سبب الحرب الأوسع في اليمن لها أهمية جوهرية أقل بكثير بالنسبة لقادة طهران، وتكلفتها أقل بكثير عن باقي التدخلات في العراق وسوريا. لذلك فلا خسارة كبيرة لإيران في اليمن بقدر الخسارة التي ستسببها في بقية الملفات الأخرى، والعكس صحيح بالنسبة للرياض التي ترى في صراع اليمن جزء من أمنها القومي من الصعب التخلي عنه. ما يعني قضية ترى فيها السعودية أعلى درجات الأهمية، وترى فيها إيران "أهمية أقل بالنسبة لها".
يمنح الوجود الإيراني في الحرب اليمنية، نفوذاً كبيراً لطهران في أي مفاوضات سواءً من أجل نظام أمني إقليمي جديد، أو في ملف مفاوضات النووي الإيراني. تشير المناقشات الخلفية بين السعودية وإيران، على أن تقوم الرياض باستخدام أي نفوذ لديها لوقف تدفق الأموال أو الأسلحة إلى الجماعات في خوزستان بينما تشدد السعودية على أن تقوم إيران بالمثل بوقف تدفق الأموال والمواد إلى الحوثيين. ويعتبر ذلك واحداً من الخيارات المطروحة[13].
ثانياً، من المؤكد أن تجربة المملكة العربية السعودية في اليمن ستخفف من شهيتها للانخراط بشكل جوهري في أماكن أخرى في المنطقة. والثقة السعودية بإيران - بأي شكل من الأشكال - في أدنى مستوياتها على الإطلاق. وبالمثل، هناك مجموعات قوية في إيران ليس لديها حافز لمتابعة الحلول السلمية للصراعات التي تشارك فيها في جميع أنحاء المنطقة، وتريد أن يكون الثمن في دول مثل سوريا ولبنان، وفي دول إقليمية أخرى. لذلك من الضروري حل حرب اليمن من أجل تحقيق إطار أمني إقليمي وتهدئة للتوتر بين الدولتين[14]، وهو أمرٌ دائماً ما طالبت به إيران مقابل خروج القوات الأجنبية من المنطقة العربية. لكن يبدو أن ذلك سيكون صعب المنال فالقوات الأجنبية الموجودة جاءت خوفاً من الاستهداف الإيراني وفي ظل فقدان الثقة بإيران فإن الدول الخليج لن تتخلى عنها بهذه السهولة، لذلك يمثل الاتفاق حول اليمن اختباراً لمدى موثوقية الكلمة الإيرانية في شبه الجزيرة العربية.
ويمثل الاتفاق حول الهدنة الحالية في اليمن والتي بدأت في ابريل/نيسان (2022) مدخلاً مساعداً لتوافق الدولتين، اللتان تتفقان على أن وقف إطلاق النار في اليمن طريق حاسم لإنهاء الحرب، ويزيد من التفاوض. في واحدة من الإشارات، لجأت المخابرات السعودية للتواصل مع السلطات الإيرانية لضمان عدم نقض الحوثيين للهدنة وضرب المنشآت النفطية السعودية [15]، في أوقات لاحقة كانت المفاوضات تمضي بشكل جيد لذلك سيرفع التمثيل فيها.
ويبدو أن مشاورات بغداد تذهب إلى اتفاق يعترف بحق الحوثيين في تقاسم السلطة مقابل وقف الهجمات على السعودية. ويشير الخبراء إلى أن حدوث فرصة أفضل لتحقيق ذلك يتم عبر انضمام الإمارات والسعودية وقطر وعمان وإيران وحتى حزب الله اللبناني -الذي يدعم الحوثيين- إلى المحادثات. وفيما يمكن إشراك الدول سيكون من الصعب انضمام حزب الله إلى مسار المفاوضات الخاصة باليمن، لكن مشاركة إيران ستساعد في ضمان ارتباط الحزب اللبناني بالمناقشات السياسية[16]؛ وهذا يعني أن مصالح حزب الله ستؤخذ بعين الاعتبار، وأن فرصه في إفساد اتفاق نهائي ستتم إدارته بشكل أفضل عبر إيران. لكن يبدو أن حزب الله يريد تفاوضاً سعودياً معه بشكل خاص، أكد حسن نصر الله الأمين العام للحزب أنهم "طرف في حرب اليمن وليس وسطاء".[17] أما إضافة الدوحة ومسقط في هذه المشاورات حيث أنهما وسيطان في أي عملية سياسية قادمة في اليمن، حيث سيكون لديهما القدرة على الجمع بين جميع الأطراف، والمساعدة في التنفيذ، وكذلك تحمل بعض العبء الاقتصادي لإعادة الإعمار.
ثالثاً، تهدئة المخاوف السعودية بشأن "الاتفاق النووي": يرى جهاز المخابرات السعودي أن اليمن "الحلقة الأضعف في سلسلة أمن شبه الجزيرة العربية، وبالتالي فريسة سهلة لطهران لاختراقها والتلاعب بها"[18]. لذلك فإن قيام طهران بوقف دعم الحوثيين وتحقيق الأمن القومي للسعودية يخفض جزئياً التوتر بشأن العلاقات بين الدولتين بما في ذلك المخاوف السعودية بشأن الاتفاق النووي مع إيران.
ما يعني أن التقدم في مسرح، مثل اليمن، يمكن أن يبدأ في فتح التقدم في مسرح صراع آخر[19]. من المرجح أن تشارك طهران في المفاوضات للمساعدة في إنهاء الصراع اليمني إذا كانت السعودية على استعداد إما لكبح دعمها للجماعات المعارضة للنفوذ الإيراني في مسارح أخرى؛ أو سحب دعمها للعقوبات ضد طهران أو تقديم رأس المال الدبلوماسي بشكل إيجابي في البلدان التي تعتبرها إيران أولوية أعلى. ولتحقيق هذه الغاية، يمثل اليمن مسارًا حاسمًا لبدء إزالة الاحتقان.
رابعاً، التحولات العالمية: ترى السعودية وإيران في التحولات العالمية من حرب أوكرانيا، إلى النيّة الأمريكية للانسحاب، وتأثير النفط كأداة ضغط، إلى ضرورة إيجاد نظام إقليمي محدد يمنع انقسام سياسات المنطقة لصالح القوى الكبرى، حتى لا تتحول إلى حرب في الإقليم يُصرّ السعوديون والإيرانيون على تجنبها. كما أن تجفيف الصراعات المحلية في الدول الصغيرة يمنح الرياض وطهران أحقية قيادة المنطقة، لاحتواء أي تصعيد متبادل بين القوى العالمية؛ وهو أمر ترحب به الدولتين. تمثل اليمن نقطة التقاء جيدة بالنسبة للدولتين، حيث يتم تجزئة مشاكل المنطقة حسب الأهمية لكل دولة كمصلحة وطنية والعمل من أجلها حتى لا تستخدم في صراعاتها. ينبع ذلك أيضاً من الحاجة الاقتصادية والاجتماعية للدولتين للانتقال إلى عصر ما بعد النفط.
ومثلت زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن منتصف يوليو/تموز 2022 إلى الرياض، دافعاً لقوة أوراق المفاوضين السعوديين مع إيران، بأن حماية المنطقة مستمرة وأن تحالفهما على قيّد الحياة بعد أن تعرض للتجريف السنوات الأخيرة. لكن تعرف الرياض -كما تعلم طهران- أن هذه الزيارة لن تكون بديلاً عن إيجاد صيغة بينهما لنظام أمني إقليمي جديد في ظل التحولات العالمية الجديدة، حيث نفت السعودية الحديث عن "ناتو عربي" جديد في المنطقة مع الاحتلال الإسرائيلي قوبل الأمر بترحيب من إيران؛ كما أعلنت الرياض وطهران نيتهما إطلاق محادثات علنية على المستوى السياسي وهو تطور كبير للغاية يكشف حجم التقدم[20]. شعرت الرياض -كما أبوظبي وبقية عواصم مجلس التعاون- بتخلي الولايات المتحدة عن المنطقة منذ ولاية باراك أوباما الثانية. في عام 2019م بدأ الأمر يتطور إلى مشاورات بين السعودية وإيران عقب استهداف منشآت النفط السعودية في "أبقيق" و"خريص" كانت ردة الفعل الباردة من الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب أحد الأسباب. تكرر الأمر في يناير/كانون الثاني 2022 عندما أعلن الحوثيون استهداف منشآت نفطية أبوظبي بما في ذلك القاعدة العسكرية الأمريكية في "الظفرة الجوية"، إذ كانت ردة الفعل الأمريكية بطيئة ما ساهم في غضب دول مجلس التعاون الخليجي.
سقف التفاوض الإيراني-السعودي بشأن اليمن
تخرج المفاوضات الإيرانية السعودية بشأن الملف اليمني إلى وسائل الإعلام بالكثير من المخاوف في اليمن والمحللين السياسيين. يعتقد كثير من المحللين والمراقبين للشأن اليمني أن الحرب بالوكالة بين إيران والسعودية تتحكم بأدواتهم المحلية في الصراع. لكن ليس ذلك كل الحكاية فأسس الصراع محلية حيث فاقمت التدخلات الخارجية في استمراره وخاصة التدخل الإيراني الداعم لجماعة الحوثي وتفوقها بالأسلحة النوعية. وحتى لو حدث اتفاق سعودي- إيراني، أو سعودي مع الحوثيين، فإن كثير من الفصائل والأطراف المحلية ستقاتل ضد الحوثيين حتى دون دعم من التحالف العربي؛ ولذلك لابد أن تكون الفصائل والأطراف المحلية مشاركة في تلك الحوارات والمشاورات وصولاً للاتفاق مع الحوثيين كأمر محلي وليس كأداة خارجية.
لذلك، ما هو السقف الذي يمكن أن تدور حوله المشاورات بشأن الملف اليمني؟
في ابريل/نيسان (2022) ومع إعلان بدء الهدنة في اليمن[21]، تم الإعلان عن تشكيل مجلس قيادة رئاسي يمني برئاسة الدكتور رشاد العليمي وعضوية سبعة آخرين من عدة أطراف جميعها مناهضة للحوثيين، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً الذي يهدف لانفصال جنوب اليمن. لينهي بذلك حقبة الرئيس عبدربه منصور هادي -الرئيس المنتخب في فبراير/شباط2012 عقب إزاحة علي عبدالله صالح الرئيس اليمني السابق من السلطة- والذي اعتبرت شرعيته أبرز عوامل التوتر التي أسهمت في إفشال مشاورات سابقة بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والحوثيين (مشاورات الكويت2016). بدأت المملكة كذلك في إزالة الشخصيات والأفراد القادرين على إبقاء المعارك ضد الحوثيين حتى مع إعلان نهاية الحرب، مثل الجنرال علي محسن صالح نائب الرئيس والقيادات العسكرية الموالية جزئياً له. يشير ذلك إلى توجه السعودية لإنهاء الحرب، يمثل صمود وحدة المجلس الرئاسي المكون من أطراف متنوعة واحداً من أبرز التحديات التي تواجهه وتواجه التحالف العربي الذي تقوده السعودية[22].
تسعى السعودية والإمارات إلى وقف هجمات الحوثيين على المنشآت النفطية وتأمين الحدود مع اليمن. وتعتبر إيران فاعلاً رئيسياً في تلك الهجمات إذ تزود الحوثيين بالطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية والتقنيات العسكرية. لذلك فإن سقف السعودية في التفاوض مع الإيرانيين يبقى لتحييد الأسلحة الإيرانية عن الوصول إلى الحوثيين، ويفترض أن لا يعني الالتزام الإيراني السماح لأياً من ميليشياتها في المنطقة بتقديم الدعم للحوثيين. بالمقابل ترى إيران أن سقفها في اليمن ينخفض إلى إبقاء مفتاح لها في السياسة اليمنية وأن يكون الحوثيون قوة مؤثرة في مستقبل السلطة في اليمن. بعبارة أخرى، إبقاء موطئ قدم في اليمن يؤكد أهمية قدراتهم غير المتكافئة كجزء من استراتيجيتهم العسكرية للبقاء كقوة إقليمية. حيث سمح لهم الوجود في اليمن بتوسيع النفوذ بثمن بخس على الرغم من العقوبات ومنحهم ميزة على المنافسين الذين لديهم ميزة واضحة عندما يتعلق الأمر بالأسلحة التقليدية[23].
تذهب السعودية في الإطار ذاته إلى مفاوضات مع الحوثيين بسقف أكثر انفتاحاً متعلقاً بتأمين المناطق الحدودية بما فيها منطقة حدودية عازلة، وتأمين المنشآت النفطية في المملكة، ليس فقط حتى الوصول إلى حل في اليمن بل إلى مرحلة لاحقة من إنهاء الحرب. وهناك مفاوضات جادة بين الحوثيين والسعوديين تحت رعاية عمانية وإطِلاع من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي[24].
قد تذهب المخابرات السعودية إلى مفاوضات أخرى مع حزب الله اللبناني، لسحب خبراءه وتضييق العمل مع الحوثيين مقابل تنازلات سعودية للحزب في لبنان. ويندر الحديث عن النفوذ الكبير لحزب الله في صنعاء وداخل جماعة الحوثي، إذ أن حزب الله هو الأداة الإيرانية للتدخل في اليمن، وتشعر المخابرات في الرياض أن الحزب أكثر تغولاً وسيطرة داخل جماعة الحوثي ومن الصعب تجاهله. يرى البعض أن مشاورات السعودية مع إيران تعني بالضرورة أن طهران ستلتزم حزب الله بالنتائج، لكن المخابرات السعودية ترى أن ذلك ليس كافياً، فما يزال حزب الله يرى ضرورة تضمين اعتباراته المحلية مقابل وقف دعم الحوثيين في اليمن.
لا يعني ذلك بأي حال من الأحوال نهاية الحرب في اليمن، بل سيكون الأمر متعلق بتجميدها بين الدولتين وهي رؤية أمريكية كذلك. ولا يعني أن ذلك سيكون لصالح اليمنيين واستعادة مؤسسات الدولة على العكس من ذلك نادراً ما مثلت المفاوضات الخارجية بشأن اليمن دون إشراكهم مصلحة استراتيجية لبلادهم. كما لا يعني أن مفاوضات الرياض وطهران ستناقش تفاصيل التفاصيل للمرحلة الانتقالية اليمنية، بل ستكون تلك التفاصيل شأناً بين اليمنيين، وإذا ما قررت الدولتان التدخل في تلك التفاصيل فإن الشيطان عادة ما يكمن في التفاصيل، ويعني انجراف أكبر نحو هاوية فقدان الثقة التي يصعب استعادتها، وتزيد من مخاوف النوايا الشريرة بين صانعي القرار السعوديين والإيرانيين والتي تجعل الحرب بينهما أقرب من أي وقت مضى وهي حرب -تجنبتها الدولتين طويلاً- خاصة في ظل التحولات العالمية الحالية. ما يزيد من فرص استمرار الحرب في اليمن ودخولها دوامة جديدة من الحروب الصغيرة.
سيناريوهات حل الأزمة اليمنية في ضوء المشاورات الإيرانية-السعودية، والعوامل المؤثرة في النجاح والفشل.
الأول: سيناريو تحقيق توافق: في حال حدوث توافق في تلك المفاوضات فسينعكس على علاقة البلدين، لكن انعكاسه على اليمن سيبقى محصوراً بوقف الهجمات على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. سيكون الحوثيون أمام اختبار عصيب بين الموافقة لطلب إيران أو استمرار هجماتهم إذا لم يتوافقوا مع السعوديين من خلال المشاورات الخلفية في مسقط. في حال حدث رفض من الحوثيين، قد تدفع إيران بمعلومات مخابراتية للسعودية للرد على الحوثيين بما يضمن سريان الاتفاق بين الدولتين، وبقاء الحوثيين كطرف مؤثر في المستقبل اليمني؛ تشير الاتصالات الأخيرة بين المخابرات السعودية والحرس الثوري الإيراني إلى احتمالية التنسيق. تحتاج الأطراف المحلية اليمنية إلى التفاوض بشكل موازي لتحقيق تقدم في الملفات المحلية، لن يكون هناك إمكانية لإنهاء الحرب بإعلان إيراني/سعودي، معظم الأطراف التي تواجه الحوثيين تؤكد استمرارها في قِتال الجماعة حتى لو توقف الدعم السعودي لها.
إذا مضى الأمر بشكل جيد في اليمن، سيلاحظ بشكل لافت تغيّر في لهجة الخطاب بين الدولتين، في الحقيقة أن الخطاب الإعلامي تغيّر منذ 2019م، من استخدام لغة التهديدات إلى لغة أكثر تصالحية، زاد الأمر بعد الإعلان الرسمي عن المفاوضات مطلع 2021م. كما قد يؤدي لعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في أجل قريب. قد تدخل دول أخرى في المنطقة لزيادة التوافق، يمثل الوجود العُماني (الجولة الخامسة) نقطة التقاء لعدة ملفات منها "الملف اليمني" إذ لطالما كانت مسقط مفاوضاً خفياً بين إيران ودول أخرى. زاد الأمر مع وصول السلطان هيثم إلى السلطة وعلاقته التي تبدو جيدة مع ولي العهد السعودي.
يرتبط الأمر كذلك بنجاح مفاوضات النووي الإيراني، الذي تحتاجه إيران لتحقيق نهضة في الاقتصاد. وإذا ما فشل التوصل لاتفاق فإن الأمر سينعكس بالفعل على الوضع في اليمن الذي قد تستخدمه إيران لإرسال رسائل لتهديد الخليج والغرب. في حال حدوث توافق حول الاتفاق النووي الإيراني فمن الأفضل أن يشير إلى مادة فيه إلى ضرورة وجود مشاورات في الإقليم لنزع فتيل التوتر، تشارك فيه السعودية ودول المنطقة، وكذلك الغرب فالنفط مصلحة دولية.
الثاني : سيناريو الفشل في تحقيق توافق: في ظل المعطيات الحالية فإن احتمالية الفشل ضعيف، لكنه وحتى في حال حدوث ذلك فإنه سيحدث بعد توافق مؤقت في الملف اليمني وسينعكس على السلوك الحوثي تجاه السعودية والإمارات، وسنشهد تطوراً في الحرب باتجاه دول الخليج وباتجاه ترسيخ الحوثيين لقوتهم محلياً، لكن في الوقت ذاته ستدفع السعودية بثقلها دعماً للقوات المناهضة للحوثيين حتى لو أعلنت وقف حملتها الجوية ضدهم، في مسعى لإعلان الخروج من الحرب رغبة في انعاش الاقتصاد وتحسين صورتها الدولية كما فعلت قبلها الإمارات.
مراجع
[1] تشير ديباجة الدستور الإيراني إلى: بالنظر إلى محتوى الثورة الإسلامية في إيران، التي كانت حركة تهدف إلى نصرة جميع المستضعفين على المستكبرين، فإن الدستور يعدّ الظروف لاستمراريّة هذه الثورة داخل البلاد وخارجها، خصوصاً بالنسبة لتوسيع العلاقات الدولية مع سائر الحركات الإسلاميّة والشعبيّة حيث يسعى إلى بناء الأمة الواحدة في العالم "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" [21: 92] ويعمل على مواصلة الجهاد لإنقاذ الشعوب المحرومة والمضطهدة في جميع أنحاء العالم.
[2] J. Herz, ‘Idealist Internationalism and the Security Dilemma’, World Politics, 2:2. (Cambridge University Press, 1950), pp. 157-180.
[3] Saudi and Iranian officials hold talks to patch up relations/17/4/2021, Accessed, 25/6/2022
https://www.ft.com/content/852e94b8-ca97-4917-9cc4-e2faef4a69c8
[4] برقيات ويكليكس SAUDI KING ABDULLAH AND SENIOR PRINCES ON SAUDI POLICY TOWARD IRAQ
شوهدت في 22/6/2022 على الرابط: https://wikileaks.org/plusd/cables/08RIYADH649_a.html
[5] چشم انداز جمهوري اسلامي ايران در افق 1404 هجري شمسي
[6] Nasirzadeh, Samira, and Alrefai, Eyad . Saudi and Iran: How Our Two Countries Could Make Peace and Bring Stability to the Middle East. The Conversation, 14/6/2019. Accessed, 25/6/2022 https://theconversation.com/saudi-and-iran-how-our-two-countries-could-make-peace-and-bring-stability-to-the-middle-east-118696.
[7] الرنتاوي, عريب, الجولة الخامسة من الحوار السعودي-الإيراني.. إدارة الصراع توطئة لاحتوائه (الحرة) نشر 01/05/2022 وشوهد في 25/6/2022 على الرابط: https://tinyurl.com/28fke32w
[8] «علی ناصر محمد»؛ سیاستمداری برای روزهای سخت یمن +تصاویر و فیلم
[9] نشر الخبر في أكثر من وكالة أنباء إيرانية ومعظم وسائل الإعلام
سفر بایدن به منطقه ضعف امریکا را عیان ساخت
mehrnews.com/xY6Yn
صنعاء: اجازه نمیدهیم دریای سرخ به دریاچه اسرائیلی بدل شود
نخست وزیر یمن: اجازه تبدیل دریای سرخ به دریاچه اسرائیلی نمیدهیم
[10] الجبير: محمد بن سلمان يريد تحويل السعودية إلى دولة قوية، العربية، تاريخ النشر 12/1/2018، وشوهد في 20/6/2022 على الرابط: https://tinyurl.com/2xljy22h
[11] L. Friedman, Thomas: Saudi Arabia’s Arab Spring, at Last, New York Times,23/11/2017 , Accessed 22/6/2022https://www.nytimes.com/2017/11/23/opinion/saudi-prince-mbs-arab-spring.html
[12] Esfandiary, Dina, Tabatabai, Ariane (2016) The Washington Quarterly, Volume 39, - Issue 2, p 155-174
[13] Roberts, David, Saudi Arabia and Iran: Exploring Theoretical Pathways Towards Desecuritisation, book: STEPPING AWAY FROM THE ABYSS: A Gradual Approach Towards a New Security System in the Persian Gulf(2021) p95-106
[14]Vakil, Sanam, Quilliam, Neil (2021) Steps to enable a Middle East regional security process, Chatham House, April 2021, p5
[15] Intelligence Online, Saudi strategists sceptical of Yemen truce (April2022) . Accessed, 25/6/2022
[16] Sanam, Quilliam (2021) p42
[17] خاص الميادين | حوار الأربعين | 2022-07-25 وشوهد في 28/7/2022م
[18] Fattah, Khaled, “Yemen – Another Battlefield in Saudi–Iran Proxy War,” Middle East Voices, 21/11/2013 Accessed, 25/6/2022 https://tinyurl.com/27t2vmgj
[19] JUNEAU, THOMAS, "Iran's policy towards the Houthis in Yemen: a limited return on a modest investment"(2016) International Affairs, Volume 92, Issue 3, 2016, PP 647–663,
[20] اعلام آمادگی ایران و عربستان برای مذاکره در «سطح سیاسی و علنی» نشر في 23/7/2022 وشوهد في 28/7/2022م على الرابط: https://www.radiofarda.com/a/iran-saudi-talk-deplomatic/31954696.html
[21] رفض الحوثيون التمديد للهدنة في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول2022م، فإما يعتبر ناتجاً لتعقيد المشاورات السعودية/الإيرانية إذا اعتبرنا الحوثيين أداة بالكامل تابعة للنظام في طهران، أو يذهب لتعقيد المشاورات، إذا فرضنا أن الحوثيين لم يستجيبوا للضغط الإيراني.
[22] يمكن الاطلاع على دراسة مركز أبعاد حول المجلس الرئاسي اليمني: تحديات تواجه المجلس الرئاسي.. تعقيدات السلام وواقع الحرب في اليمن (مايو/أيار2022) على الرابط: https://abaadstudies.org/news-59902.html
[23] Rouhi, Mahsa, Responding to US-Iran Military Escalation, (2021) Book: STEPPING AWAY FROM THE ABYSS: A Gradual Approach Towards a New Security System in the Persian Gulf(2021) PP 106-122
[24] مسؤول في الرئاسة اليمنية تحدث لباحث مركز أبعاد عبر الهاتف يوم 22/6/2022.