ملخص
مما لاشك فيه أن روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي خسرت الكثير من إرثها الجيوسياسي، وقد كان اليمن يشكل محوراً مهماً لهذا الإرث في منطقة الخليج العربي ، بل كان البلد الوحيد في شبه الجزيرة العربية- قبل إعلان الوحدة اليمنية بين شمال اليمن وجنوبه في العام 1990- الذي تربطه علاقات وثيقة بموسكو سواءً جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب)، أو الجمهورية العربية اليمنية (الشمال)، إلا أن خسارة هذا الإرث سرعان ما تبددت، وعادت روسيا إلى الساحة الدولية كلاعب نشط في كثير من الملفات الإقليمية والدولية في ظل إدارة الرئيس فلاديمير بوتين، فمع اشتداد المواجهة الجيوسياسية بين روسيا والولايات المتحدة في الشرق الأوسط، نجد أن اليمن يكتسب أهمية جديدة للسياسة الخارجية الروسية، وهو ما بدا واضحاً من خلال الحراك الدبلوماسي النشط لموسكو حيال الملف اليمني في الآونة الأخيرة.
هذه الدراسة تسلط الضوء على دور روسيا وموقعها في الأزمة السياسية اليمنية، و ترجع أهمية الدراسة إلى حقيقة أن الصراع في اليمن لم يتم إنهاءه بعد، وعلى الرغم من أن عملية المصالحة الإقليمية بين طهران والرياض التي قادتها الصين في مارس/أذار الماضي (2023)، وبمساعدة نشطة من روسيا، أدّت إلى ما يمكن وصفه بتجميد المواجهات المسلحة بين الحوثيين وقوات الحكومة الشرعية اليمنية، لكن من دون إطلاق حوار سياسي يمني قائم على المرجعيات الثلاث المعترف بها دولياً سيكون من الصعب التنبؤ بما يمكن أن يحدث بالضبط، وبالتالي يمكن القول إن الحل القائم على مشروعية استعادة الدولة اليمنية وإنهاء أسباب الصراع من الممكن أن يكون وحده القادر على إيضاح حقيقية مسار المصالحات الإقليمية في منطقة تتسم بالتعقيد.
مقدمة
تحولت منطقة الشرق الأوسط منذ بداية الستينيات من القرن الماضي إلى أكثر الأماكن سخونة في العالم، وكان للجبارين الأمريكي والسوفياتي سياسة متعارضة فيها، فكل منهما كان يتطلع إليها كمكان استراتيجي، الهزيمة فيه أو التراجع يعني إخلالاً في سياسة التوازن الدولي.[1] فلم يكن الشرق الأوسط أبداً مستقرًا من الناحية الأمنية، على سبيل المثال: في الثمانينات اندلعت الحرب العراقية -الإيرانية في هذه المنطقة، وفي عام 2003، شن التحالف الأمريكي-البريطاني غزواً عسكريًا على العراق للإطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين، وبعد 8 سنوات من الغزو الأمريكي للعراق، بدأت المظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية في العالم العربي (ما يسمى بالربيع العربي)، وللمفارقة هنا نجد أن من المقبول عمومًا أن الربيع العربي بدأ في عام 2011 بسقوط نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، لكن بحسب كيريشينكو فلاديمير بافلوفيتش الباحث في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية فإن بداية "الربيع العربي" كانت في العام 2004، مع بداية التمرد المسلح لجماعة الحوثي، إذ كان عمل هذه الجماعة موجهًا ضد الحكومة السنية الشرعية في اليمن، وفي وقت لاحق من عام 2010م تم إبرام هدنة بين الطرفين، ولكن في العام التالي استمر الصراع وبقوة[2].
وأصبح اليمن مسرحاً للحرب "بالوكالة"، تشارك فيه المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية: إيران تدعم المتمردين الحوثيين الذين يقاتلون الحكومة الشرعية في اليمن[3] ويسعون إلى استعادة الإمامة الزيدية التي كانت قائمة قبل ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962، في شمال اليمن، وبنظرة أوسع في المنطقة من الواضح أن إيران انخرطت بشكل متزايد في الأحداث التي تجري في كل من سوريا والعراق واليمن ولبنان ؛ ما أدى إلى توتر في العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، العلاقات التي كانت دائمًا معقدة وحتى عدائية، حيث يدعي كلا البلدين دورًا رائداً في المنطقة، لكن المواجهة المفتوحة بين هاتين القوتين الإقليميتين يمكن ببساطة أن تؤدي إلى "تفجر المنطقة" برمتها.[4]
تتعامل روسيا بواقعية مع مواضيع شرق أوسطية لها أبعادها الدولية والإقليمية، وفقاً لمصالحها السياسية والاقتصادية، أما في حالة الأزمة اليمنية والدور الروسي في هذه الأزمة، فيجب أخذ مصالح روسيا في الخليج العربي بعين الاعتبار، إذ تستخدم روسيا التعاون العسكري والفني والعلاقات الاقتصادية لتأمين نفوذها الجيوسياسي المتزايد في هذه المنطقة، ففي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين جددت روسيا تقاربها مع دول الخليج العربي، وهذا التقارب كان قائماً في المقام الأول على المصالح الاقتصادية المتبادلة، وفي عام 2011 تم إطلاق ما يسمى بالحوار الاستراتيجي بين دول الخليج العربية وروسيا، ومنذ انطلاقته شهدت قممه - التي تعقد سنوياً - الكثير من النقاشات الساخنة، ففي المؤتمر الثاني الذي انعقد في الريا ض عام 2012 شهد هذا المؤتمر نقاشاً حاداً بسبب الملف السوري، وبسبب تقييمات دول الخليج العربي للمشكلة السورية؛ وعلى إثر ذلك لم ينعقد المؤتمر في العام التالي، وبحسب "إيلينا سوبونينا"، مستشارة مدير المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية والمتخصصة في آسيا والشرق الأوسط، فإنه رغم الخلافات التي كانت قائمة إلا أن هناك تفاهماً متبادلاً في كثير من القضايا، إذ يمكن للمرء أن يلاحظ أنه رغم العواصف وتباين وجهات النظر حول قضايا معينة، فإن الدول العربية قيمت وباحترام ثابت وزن روسيا في نظام العلاقات الدولية.[5] وكذلك مصالحها الاستراتيجية مع إيران وفي هذا الإطار من المهم الإشارة إلى معاهدة المبادئ الأساسية للتعاون بين الاتحاد الروسي وإيران التي وقعها رئيسا البلدين بوتين وخاتمي في مارس عام 2001في موسكو ودخلت حيز التنفيذ في 15 أبريل/نيسان 2002ومما جاء في هذه الوثيقة أن الحوار الروسي الإيراني يعتمد بدرجة أساسية على وجهات نظر متشابهة حول مفهوم نظام عالمي متعدد الأقطاب وترسيخ التعاون، وقد جاء في المادة السادسة من المعاهدة أن الطرفين سيعملان على تعزيز تنمية العلاقات طويلة الأمد والمتبادلة المنفعة من أجل تنفيذ مشاريع مشتركة في مجالي النقل والطاقة بما في ذلك الاستخدام السلمي للطاقة الذرية [6]، لكن موسكو وافقت في عام 2010، على قرار مجلس الأمن الدولي الذي فرض عقوبات على إيران مقابل إسقاط العقوبات السابقة على روسيا[7]، ومهدت واشنطن بعد ذلك لانضمام موسكو إلى منظمة التجارة العالمية.
وبالعودة إلى ما يخص اليمن فإن لروسيا مصالح مهمة فيها، فهي تسعى إلى تأمين تدفق النفط على الحدود الجنوبية فضلاً عن الأهمية الجيوسياسية لليمن، بالإضافة إلى الكثير من العقود التجارية التي كانت موقعة بين الحكومتين الروسية واليمنية في قطاعي التسليح والتعدين وغيرها من القطاعات قبل انقلاب جماعة الحوثي على السلطة الشرعية في سبتمبر/أيلول 2014، وتذكر "إيلينا سوبونينا " أنها تحدثت مع الرئيس اليمني السابق "عبدربه منصور هادي" أثناء زيارته إلى موسكو في عام 2013، وأن الرئيس اليمني أثنى على روسيا ودعمها للمبادرة الخليجية في خريف 2011 التي تنص على الانتقال السلمي للسلطة في اليمن، وكان من المهم أيضاً أن ذلك انعكس في العديد من قرارات مجلس الأمن الدولي التي تم تبنيها بالإجماع حيال الملف اليمني.[8] أو تلك القرارات التي سمحت روسيا بتمريرها في مجلس الأمن، وبالعودة إلى "إعلان مبادئ العلاقات الودية والتعاون" في عام 2002 بين صنعاء وموسكو، فإن هذه الاتفاقية شملت التعاون في مجالات الثقافة والعلوم والتعليم والرياضة والسياحة، بالإضافة إلى اتفاقية "الحماية المتبادلة للاستثمارات "، ونجد أن هذه الاتفاقيات أرست أساساً متيناً للتعاون بين البلدين [9]، ومما جاء في بيان الكرملين عقب انتهاء المحادثات بين الرئيسين علي صالح (رئيس اليمن الأسبق) وبوتين أن وثيقة "إعلان مبادئ العلاقات الودية والتعاون"، تعكس على وجه الخصوص التقارب بين توجهات البلدين في العديد من القضايا العالمية والإقليمية، من بينها عدم قبول النموذج أحادي القطب للنظام العالمي، ومكافحة التطرف الديني والإرهاب، ووجهات النظر الوثيقة حول تسوية النزاعات الإقليمية[10]، ويرى كثيرٌ من الباحثين في العلاقات الدولية أن موارد روسيا الضخمة وموقعها الجغرافي تجعل منها الوحيدة المؤهلة لخلق انبعاث سياسي جديد في مواجهة العولمة من خلال خلق حلف قاري أوراسي،[11] وهذا ما أكده الخبير الاستراتيجي الروسي"الكسندر دوغين" في كتابه مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي، فعامل القرب الجغرافي للمنطقة بالنسبة لروسيا يشكل واحداً من أهم دوافع الدور الروسي في المنطقة العربية.
الفصل الأول: الأزمة السياسية في اليمن
انقلاب جماعة الحوثي
في يناير/ كانون ثاني 2015، تصاعد الصراع في اليمن بشكل حاد، حيث استولى المتمردون الحوثيون على القصر الرئاسي في صنعاء، بعد ذلك أعلن الرئيس هادي وحكومته في عدن عن التعبئة العامة[12].
وفي مارس/أذار من العام نفسه، احتل الحوثيون تعز: ثالث أكبر مدن اليمن، وتقع في الجزء الأوسط منه ليتوجهوا بعد ذلك جنوباً في محاولة منهم للسيطرة على الشرعية اليمنية.
وإذا كان ثمة تعريف للأزمة سنجده عبارةً عن: موقف مفاجئ تتجه فيه العلاقات بين طرفين أو أكثر نحو المواجهة بشكل تصعيدي نتيجة لتعارض قائم بينهما في المصالح والأهداف، أو نتيجة لإقدام أحد الأطراف على عمل يعده الطرف الآخر تهديداً لمصالحه وقيمه الحيوية، الأمر الذي يستلزم تحركاً سريعاً مضادا[13].
وبالتالي يمكن تعريف الأزمة اليمنية على أنها: صراع سياسي وعسكري مستمر، ففي الـ 21سبتمبر من العام 2014 سقطت العاصمة اليمنية صنعاء تحت قبضة جماعة الحوثيين، وهي مجموعة طائفية وسلالية عسكرية متطرفة في شمال اليمن مدعومة من إيران، وتطلق على نفسها اسم "أنصار الله"، و معروفة باسم "الحوثيين" وفي مشهد متسارع لمحطات الصراع، أنشأ الحوثيون ما يسمى بالمجلس الثوري ووضعوا محافظات اليمن الشمالية تحت سيطرتهم وتحولوا بحكم الأمر الواقع إلى القوة المسيطرة في أغلب محافظات الشمال اليمني، ولم تستطع هذه الجماعة الحصول على الاعتراف لا على المستوى الدولي ممثلاً بالقوى العظمى، ولا على اعتراف الأمم المتحدة، ولا على المستوى الإقليمي باستثناء إيران[14].
بعد هذا الانقلاب طالب هادي الأمم المتحدة ودول الخليج العربي بـ "التدخل العاجل" من أجل "وقف العدوان بكل الوسائل الممكنة ودعم الحكومة الشرعية". ليعقب هذه المناشدة تدخل عدة دول بقيادة المملكة العربية السعودية، بإعلان تشكيل تحالف عسكري باسم (التحالف العربي لدعم الشرعية)، وإطلاق عملية عسكرية واسعة شملت الضربات الجوية على مواقع الحوثيين ومعسكراتهم.
وعند تناول التدخل السعودي في الصراع، نجد أن السعودية تتصرف بناءً على طلب الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي لتحقيق هدف هو "استعادة السلطة الشرعية" في الجمهورية اليمنية، ومع ذلك، ووفقًا لخبراء فإن للسعودية دوافع أخرى للانخراط في هذا الصراع، وأهمها:
أولاً: خشية المملكة العربية السعودية من تمرد مماثل على أراضيها من السعوديين الشيعة ؛ فتمرد الحوثيين أصبح مصدراً مباشراً لزيادة عدم الاستقرار في المملكة العربية السعودية نفسها وفقًا لـ"أليكسي فيننكو" -الباحث البارز في معهد مشاكل الأمن الدولي التابع لأكاديمية العلوم الروسية - فإن الرياض تخشى أن يحدث نفس السيناريو على أراضيها، ففيها ما يقارب من 14-15٪ من الشيعة الذين خرجوا فعلاً ضد الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز خلال ما يسمى بثورات "الربيع العربي".[15]
ولأن الشيعة في المملكة العربية السعودية ليس لديهم تمثيل قانوني في السلطة؛ فمن غير المحتمل أن يوافقوا على هذا الوضع القائم، بل سيحاولون خلق مشاكل لحكومتهم قدر الإمكان، وبالتالي تخشى الرياض من بدء اتصالهم بإيران التي كثيراً ما أشارت في السنوات الأخيرة، وبشكل متزايد إلى أن أسلحتها تتفوق على جيوش الدول الأخرى في المنطقة.[16]
ثانياً: نفط اليمن وموقعه؛ فاليمن يمتلك ميناء عدن النفطي وهو أحد أهم موانئ المنطقة، وكان هذا الميناء في قلب مبادرة الحزام والطريق الصينية، ويمثل مفتاح عبور الهيدروكربونات في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى ذلك، عدن هي الطريق إلى البحر الأحمر الذي تمر عبره إمدادات النفط جهة قناة السويس ولا ننسى حقول النفط في شمال اليمن وجنوبه، وبحسب "ديانا ماليشفيا"، أستاذة العلوم السياسية والباحثة الرئيسية في مركز مشاكل تحول النظم السياسية والثقافات في جامعة موسكو الحكومية، "فإن الثروة الطبيعية والموقع الاستراتيجي المميز لليمن - يوضح الاهتمام المتزايد بهذا البلد من جانب القوى الإقليمية والعالمية؛ فجميعهم - بدرجة أو بأخرى - يحاولون الاستفادة من الصراع اليمني الداخلي.[17]
ويؤكد ذلك المستشرق والخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية "كيريل سيميونوف" الذي يرى أن للمملكة العربية السعودية وجهات نظرها الخاصة حول حضرموت والمهرة؛ والتي يمكن من خلالها مد أنابيب النفط إلى موانئ المحيط الهندي وبحر العرب، متجاوزة مضيق هرمز وباب المندب غير الآمنين، مما يضمن تصدير النفط السعودي إلى الشرق الأقصى، وجنوب شرق آسيا.
وبالعودة إلى استعراض محطات الصراع بعد سقوط العاصمة اليمنية صنعاء بيد المتمردين الحوثيين ففي الـ 29من نوفمبر/تشرين ثان 2017، اندلعت اشتباكات بين المتمردين الحوثيين، وأنصار الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، باستخدام الرشاشات الثقيلة، وأعلن صالح في الـ 2من ديسمبر/ كانون الأول من نفس العام، إنهاء تحالفه مع الحوثيين، ليُقتل بعد ذلك في هجوم شنه الحوثيون على منزله في الـ 4 من ديسمبر، ونشرت وكالة فارس الإيرانية مقطع فيديو يظهر فيه الحوثيون وهم ينقلون جثة صالح في مؤخرة سيارة بملابس ملطخة بالدماء[18].
وبالاستنتاج من مجمل ما سبق ذكره من استعراض لمحطات الصراع ودوافعه، سنجد أن الصراع في جوهره مرتبط بالأجندة التوسعية لإيران في المنطقة، وهذا لا يعني أن السعودية والإمارات ليس لديهما أجندة في هذا الصراع، فهدف المملكة العربية السعودية كان إضعاف الحوثيين حتى لا يخلقوا مشاكل مستقبلية على حدودها الجنوبية، فضلاً عن سعي دولة الإمارات لإضعاف القوى التي ساندت الثورة الشبابية الشعبية في صنعاء في عام 2011، أما هدف إيران فمن الواضح أنه تشكيل حكومة شيعية موالية لها بشكل مطلق في الضفة الغربية لمنطقة الخليج العربي .
وبالنظر إلى مآلات الصراع ونتائجه، فقد كشفت سنوات الحرب الماضية أن "التحالف العربي" بقيادة السعودية عانى من ضياع صورته، وعلى الرغم من وعود الرياض وأبو ظبي بمواصلة القتال إلا أن تكلفة العملية العسكرية أحدثت فجوة خطيرة في ميزانياتهما خصوصاً في السنوات التي شهدت انخفاضاً حاداً في أسعار النفط، كما أن الحرب في اليمن جاءت بعيدة كل البعد عن السهولة التي توقعتها الرياض وأبو ظبي، لأسباب من بينها حجم التناقضات التي نشأت بين الدولتين بعد انطلاق "عاصفة الحزم"، بالإضافة إلى تعقيدات المشهد اليمني، وتغير تحالفاته و تشاباكاته مع كثير من الملفات الاقليمية والدولية، فضلاً عن أن الضربات الجوية والحصار البحري كانا لا يكفيان لهزيمة الحوثيين بشكل كامل، بقدر ما كانت ستحققه العملية البرية الواسعة من هزيمة الحوثيين على الأرض، ولو حدثت فهي الخيار الأنسب، بالنظر لحجم ونفوذ القوى المعارضة لسيطرة الحوثيين على صنعاء وانقلابهم على الدولة اليمنية، إلا أن حسابات طرفي التحالف وتقاطع أجندتهما حال دون ذلك؛ فالمتابع لما كان يكتب حول الحرب في اليمن في الفضاء الإلكتروني الروسي سيكتشف أن الكثير من هذه القراءات غالباً ما كانت تؤكد أن جيوش دول الخليج العربي لديها قدرة قتالية أقل بكثير مما كان متوقعًا.
ومن القراءات التي قد تبدو غريبة إلى حد ما خصوصاً في الجزء المتعلق بمشاركة إيران في هذا الصراع ما قاله "سيرجي سيريبروف"، الخبير في شؤون اليمن، والباحث في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية لموقع بوتين اليوم: "من الضروري معرفة أن إيران ليست طرفًا في الصراع في الأزمة اليمنية، وأن الحديث عن مشاركتها ليس إلا افتراء للتغطية على حقيقة العدوان على اليمن، وعلى الرغم من وجود انقسام داخلي بالفعل في اليمن ، إلا أن هناك فصائل متحاربة مختلفة ما بين "شمال" و "جنوب "، وتحاول السعودية تعميق هذا الانقسام من أجل تقسيم البلاد مرة أخرى لأغراضها الخاصة". "وأن أهم عامل من عوامل استمرار الصراع بحسب الخبير الروسي هو إمدادات الأسلحة الغربية التي تشكل وقوداً لهذا الصراع، فمصالح الأمريكيين والبريطانيين واضحة في هذه الحرب المستعرة؛ فاليمن بوابة البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، وهو المفتاح لأمن شبه الجزيرة العربية بأكملها، بالإضافة إلى ذلك من وجهة نظر ديموغرافية، فهو عملاق كبير في جنوب الجزيرة العربية، ويتمتع بثقل تأريخي وثقافي كبير في الحضارة العربية" حسب الباحث الروسي.[19]
الفصل الثاني: مكانة روسيا ودورها في الأزمة اليمنية
قبل الشروع في استكشاف مكانة ودور روسيا في الأزمة السياسية في اليمن، سيكون من الضروري أولاً النظر بإيجاز في العلاقات الروسية اليمنية في السياق التاريخي، ولعل زيارة العالم الروسي "بوغوما فيرنسكي " المرسل من قبل جامعة موسكو للقيام بأبحاث علمية في منطقة الجزيرة العربية كانت من أبرز المحطات في سياق العلاقات بين العرب والروس، حيث حظي باستقبال واحتضان بارزين في كل من اليمن ومسقط والبحرين والكويت والسعودية خلال شهري آذار ونيسان 1902[20] في العهد القيصري الروسي، أما بالنسبة للعهد السوفياتي فقد كانت نقطة الانطلاق في عملية إقامة اتصالات مباشرة بين الشعوب العربية والحكومة السوفيتية لروسيا هي لقاء جيريجوري فاسيليفيتش تشيتشيرين مع ممثل مملكة الحجاز، وكانت نتيجة ذلك إنشاء البعثة الدبلوماسية السوفيتية في المملكة العربية الهاشمية في جدة عام 1924[21].
ويعتقد أن هذه المهمة هي التي أصبحت أول المهمات لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية الرسمية في الدول العربية، وهناك عدة مراحل في تاريخ العلاقات بين الاتحاد السوفياتي واليمن بشطريه الشمالي والجنوبي قبل العام 1990، وعلاقة الجمهورية اليمنية والاتحاد الروسي بعد إعلان الوحدة اليمنية، وإعلان قيام الاتحاد الروسي بعدما تفكك الاتحاد السوفياتي في العام 1991.
وبنظرة أكثر تفصيلية للعلاقات الروسية اليمنية يمكن تتبع ما يلي:
أولاً: توصيف علاقات شمال اليمن مع الاتحاد السوفيتي
المرحلة الأولى: 1928- 1955
خلال هذه الفترة، أقيمت علاقات بين الاتحاد السوفيتي والمملكة المتوكلية اليمنية (شمال اليمن)، واتسمت هذه المرحلة في العلاقات بحالة العداء تجاه بريطانيا العظمى، وفي هذه الفترة تم توقيع أول معاهدة صداقة وتجارة سوفيتية يمنية[22]، رغم أنها مرحلة وصفها الدبلوماسي الروسي إستاخوف في كتابه "مذكرات دبلوماسي روسي"، بأنها مرحلة غياهب العصور الوسطى، تجمد فيها اليمن في المرحلة الإقطاعية، إذ كان اليمن محروماً من أي إمكانية للتطور بحكم سوء أوضاعه الداخلية، حيث كان الإمام هو البابا الإسلامي بالمقياس المحلي[23]. وقد كان استاخوف رئيس الجانب السوفياتي في المحادثات اليمنية السوفيتية في صنعاء في نوفمبر 1928.
المرحلة الثانية 1956 - 1964.
بدأت هذه المرحلة بتطوير العلاقات بين الاتحاد السوفياتي والمملكة المتوكلية اليمنية، حينما قام الأمير محمد البدر (ولي عهد والده حاكم اليمن الشمالي حينها)، بزيارة الاتحاد السوفيتي، و خلال هذه الفترة أصبحت العلاقات العسكرية السياسية ذات أهمية قصوى؛ إذ رفض الاتحاد السوفياتي في البداية مساعدة القوات الجمهورية في محاربة الملكيين، ويذكر المسؤول الروسي السابق "يفغيني بريماكوف" في كتابه "الكواليس السرية للشرق الأوسط"، أ[24]ن موسكو لم تكن تستهجن العلاقات مع الأنظمة الملكية العربية أبداً، ولم تسقط الحواجز الإيديولوجية فقط، كما أنه لم يحدث في أي مرة وبأي شكل من الأشكال أن شارك الاتحاد السوفياتي في أي أعمال من شأنها تغيير الأنظمة الملكية في العالم العربي، وكان الاتحاد السوفياتي يتبع منطق أن تغيير البناء الاجتماعي - السياسي ممكن أن يحدث فقط عندما يكون هناك انفجار داخلي وليس مستورد من الخارج: أي عند وجود حالة ثورية وهذه الحالة يحددها عدم إمكانية تعايش الجماهير مع النظام القديم، لكنه استدرك في الكتاب نفسه أن موسكو لم يكن بوسعها أن لا تكترث بأن التغير التقدمي في اليمن يتعرض لتهديد حقيقي من قوى يتم التنسيق معها ودعمها من الخارج، ودعمت مصر بسخاء ليس على المستوى السياسي فقط بل بوسائل نقل عسكرية، وظهر نوع من المنطق هو السعي لمساعدة مصر الناصرية التي استدارت أكثر باتجاه الاتحاد السوفياتي بعد انهيار دولة الوحدة مع سوريا.[25]
المرحلة الثالثة 1964 - 1970. (بعد الثورة ضد الإمام وقيام الجمهورية العربية اليمنية)
تم توقيع معاهدة صداقة وتعاون جديدة بين اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية والجمهورية العربية اليمنية. ففي عام 1964 قام الرئيس اليمني عبد الله السلال بزيارة الاتحاد السوفيتي لأول مرة بعد قيام ثورة سبتمبر 1962، و هنا يذكر "بريماكوف" كيف أن الزعيم اليمني السلال الذي تزعم الثورة ضد الملكية كان قائداً لحراسة ولي العهد، وكيف تم سجنه وتقييده بالسلاسل في حفرة عميقة وكانوا يلقون عليه بالطعام من أعلى الحفرة.[26]، ومما يذكره أيضاً أنه أُتيحت له الفرصة لزيارة اليمن بعد إسقاط الملكية بتكليف من صحيفة "البرافدا"، وكيف شاهد في اليمن كومة من التناقضات المدهشة، فاليمن لم يكن معزولاً تماماً أو منقطعاً عن العالم كله، فصدى الأحداث التي كانت تحدث في الدول الأخرى كان يصل إلى كل من تعز وصنعاء والحديدة، ومهد بدرجة كبيرة لإعلان الجمهورية، إذ أن ذلك ساهم في انسياب نُهيرات ضعيفة آخذة بدايات من فيضان تطور التقنية والثقافة، فأهم مثال يوضح هذه التناقضات هو الحياة الملكية اليمنية للإمام أحمد في قصر تعز، إذ تمكن "بريماكوف" من زيارة غرفة الإمام التي كان يحتفظ بها بمقتنياته والتي لم يمسسها أحد، يقول بريماكوف: "ومما شاهدت أن الإمام أحمد كان يحب الساعات جداً، فقد امتلأت الحوائط بالساعات المعلقة، لكن يبدو أن دقات الساعات لم تحمل إليه صدى الزمن!"، ومما رأى السياسي الروسي في القصر اثنين من المسدسات على طاولة في مكتب صغير تستخدم في إعطاء إشارة البدء للمسابقات الرياضية، فقد كان الإمام يطلق منها النار على نفسه في وجود حراسه، ليثبت لهم أن الرصاص لا يخترقه، وشاشة عرض سينمائي فقد كان الإمام يشاهد كل يوم فيلماً سينمائياً، بينما كان الإمام نفسه يحظر على رعاياه مشاهدة أفلام السينما.[27]
المرحلة الرابعة 1970-1978
شهدت هذه المرحة تدهور العلاقات خصوصاً مع تقارب الجمهورية العربية اليمنية مع المملكة العربية السعودية والدول الغربية.
المرحلة الخامسة 1978-1990
شهدت هذه المرحلة تحسن في العلاقات بين الاتحاد السوفياتي والجمهورية العربية اليمنية، مع وصول العقيد علي عبد الله صالح إلى السلطة في شمال اليمن، وفي هذه المر حلة وقّع الاتحاد السوفياتي مع الجمهورية العربية اليمنية اتفاقية عسكرية شملت تسلّم العربية اليمنية عام 1981 أسلحة سوفياتية بقيمة مليار روبل، بالرغم من العداء الذي كان قائماً مع جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية الموالية لموسكو.[28]
ثانياً: توصيف العلاقات بين الاتحاد السوفياتي وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي)
يمكن تقسيم العلاقات بين الاتحاد السوفياتي وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي) إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى 1967 - 1978.
أُقيمت العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية اليمن الديمقراطية (جنوب اليمن) والاتحاد السوفيتي، وقدم الجانب السوفياتي في هذه المرحلة الكثير من المساعدات الاقتصادية لجمهورية اليمن، وهي "المرحلة التي انتزع فيها استقلاله تحت قيادة ثورية منظمة وضعت لنفسها هدف إقامة مجتمع اشتراكي منذ البداية" - بحسب "بريماكوف"- أثناء النضال من أجل الاستقلال، وبعد ذلك في مرحلة بناء الدولة، فقد تكوّن حزب طليعي أعلن أن أيديولوجيته هي الاشتراكية العلمية، وهذا الثبات ولّد الأمل في أن دولة عربية ستظهر في المعسكر الاشتراكي الذي يقوده الاتحاد السوفياتي وهي جمهورية اليمن الديموقراطية، لكن مثل هذه الأحلام لم يكن مقدراً لها أن تتحقق؛ فلم تصمد طُرق البناء الاشتراكي، لا في موسكو ولا في عواصم الدول الأخرى المنتمية للنظام الاشتراكي أمام الصدام مع متطلبات المجتمع ومصالحه.[29]
المرحلة الثانية 1978-1986. تطورت العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية بين الدولتين.
المرحلة الثالثة 1986 - 1990. تباطأت العلاقات بين جنوب اليمن واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية لأسباب سياسية واقتصادية، خصوصاً مع بداية تفكك الاتحاد السوفياتي والثورات(الملونة) بحسب الوصف الروسي في دول الكتلة الاشتراكية في أوروبا الشرقية.
ثالثاً: توصيف العلاقات بين الاتحاد الروسي والجمهورية اليمنية
يبدأ تاريخ العلاقات الروسية اليمنية الحديثة مع تشكيل الاتحاد الروسي وانهيار الاتحاد السوفيتي في ديسمبر/كانون 1991، فقد تم الإعلان عن الجمهورية اليمنية التي تشكلت نتيجة الوحدة بين شمال اليمن وجنوبه في مايو 1990، والاعتراف الرسمي بالاتحاد الروسي كخلف قانوني لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية السابق[30].
وبناءً على كل ما سبق، يمكننا الاستنتاج بأن العلاقات الروسية اليمنية كانت راسخة ووثيقة، ولها تاريخ طويل من التعاون والشراكة، وفي المرحلة الحالية تظل العلاقات بين الدولتين واعدة وودية.
دور روسيا في حل الأزمة السياسية اليمنية
مع اندلاع الأزمة السياسية في اليمن، اتخذت موسكو موقفًا بعيداً عن جميع أطراف النزاع وظلت محايدة[31]؛ فلم توقف اتصالاتها مع السلطة الشرعية في اليمن، ممثلة بالرئيس "عبد ربه منصور هادي"، ومن المهم في هذا السياق ما ذكره وزير خارجية الحكومة الشرعية اليمنية السابق "عبدالملك المخلافي" أثناء زيارته لموسكو ولقاءه نظيره الروسي، من أن اليمن تثمن الموقف الروسي المتوازن فيما يتعلق بقضايا الصراع في المنطقة، وأن روسيا لا تتدخل في شؤوننا الداخلية، وتلتزم روسيا دائمًا بهذا الموقف في سياستها الخارجية، ونحن في اليمن نقدر ذلك، إن روسيا لاتزال ملتزمة بالقانون الدولي، وقال إن روسيا حافظت على علاقتها مع الحكومة اليمنية المنتخبة قانونياً، بالإضافة إلى ذلك أشار الوزير المخلافي إلى أن روسيا تدعم اليمن في القضايا السياسية والإنسانية، مضيفاً إلى أن هناك تغييرات على صعيد التفاعل السياسي والتعاون وفقًا للاتفاقياتالسابقة"،[32] كما أقامت الدبلوماسية الروسية علاقات وثيقة مع لاعبين رئيسيين آخرين في البلاد. في المقام الأول مع الرئيس السابق صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام، وكذلك مع الحوثيين، وعلى الرغم من هروب حكومة الرئيس هادي إلى المملكة العربية السعودية وبداية المرحلة الساخنة من الصراع، ظلت روسيا اللاعب الدولي الرئيسي الوحيد الذي احتفظ بسفارته في صنعاء، قبل أن تنتقل إلى الرياض بعد مقتل الرئيس السابق صالح على يد الحوثيين أواخر العام 2017، وأقامت السفارة الروسية في الرياض علاقات مع هادي وحكومته، كما أجرت روسيا مشاورات مع مختلف الأحزاب السياسية في اليمن، مثل الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي العام[33]. وأجرت مشاورات مع المجلس الانتقالي الجنوبي ومع الائتلاف الوطني الجنوبي، صحيح أنه لم يتم ترشيح روسيا للأدوار الأولى الرائدة للمساعدة الدولية لعملية السلام اليمنية؛ لحجم الدور والتأثير الغربي في اليمن إلا أنه قبل بدء الحرب والانقلاب على الدولة اليمنية عمل الدبلوماسيون الروس في صنعاء في إطار "مجموعة السفراء العشرة" التي اتسعت بعد ذلك لتصبح "مجموعة الثمانية عشر".
وبحسب "سيرجي سيربروف" الباحث في الشأن اليمني، وكبير الباحثين في أكاديمية العلوم الروسية، فإن روسيا كدولة أثبتت لليمنيين التزامها بالامتثال للقانون الدولي، واحترام السيادة ورفض سيناريوهات الاستعمار الجديد؛ وهذا يجعلها تفتح آفاقًا جيدة لإقامة اتصالات مع جميع الفاعلين المحليين الرئيسيين في اليمن دون استثناء، وهو ما يمكن أن يمثل مفتاحاً لحل الأزمة برمتها[34]، فمنذ بدء التدخل العسكري بقيادة السعودية في مارس 2015 لم تغير روسيا هذا النهج حتى في ظل تطورات شهدها الملف اليمني، من بينها مقتل الرئيس السابق صالح الذي كان قد وعد الروس في لقاء مع قناة روسيا 24 في عام 2016 بفتح المطارات والموانئ اليمنية في سبيل مكافحة الإرهاب، وهو ما فهمه الروس على أنه إشارة واضحة لإمكانية بناء قاعدة عسكرية روسية[35]؛ و لفهم حالة الحياد هذه من المهم الإشارة هنا إلى ما ذكره وزير خارجية روسيا ورئيس وزرائها السابق" يفغيني بريماكوف"، في كتابه الشهير "الشرق الأوسط المخفي والمعلوم"، وكان قد زار اليمن أكثر من مرة، أولى هذه الزيارات كانت أيام مباحثات حرض بين الجمهوريين والملكيين في ستينيات القرن العشرين، يقول بريماكوف: "لا أستطيع أن أمنع نفسي عن ذكر علاقة اليمنيين الطيبة مع الروس والسوفييت، فقد اصطدم بعض الجيولوجيين الروس الذين كانوا يعملون على بعد بضعة كيلومترات عن صنعاء، بعدد من رجال القبائل المسلحين الموالين للبدر وبمجرد أن عرفوا أنهم روس، لم يتركوهم فقط يمرون بسلام، بل تركوا حراسهم الجمهوريين الذين كانوا يرافقونهم أيضاً، قائلين لهم: سنحاسبكم إذا سقطت شعرة واحدة من رأس روسي.[36]
وبالنظر إلى طبيعة العلاقات الروسية بأطراف الصراع في اليمن في السنوات الأخيرة، سنجد تغيراً وحيداً، وهو الذي طرأ بعد مقتل الرئيس السابق صالح، هو وصف وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" أن ما قام به الحوثيون عمل متطرف ويساهم في ضرب إمكانية الاستقرار في اليمن، وأن اغتيال صالح كان هدفه عرقلة جهود التحرك نحو تسوية سلمية للوضع في البلاد.[37] ليتم بعد ذلك نقل عمل البعثة الدبلوماسية الروسية من صنعاء إلى الرياض.
وبحسب "رسلان محمدوف " الباحث في مركز الدارسات العربية والاسلامية في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فالدور الروسي يتمثل في أن موسكو خفضت إلى حدٍ ما التوترات مع المملكة العربية السعودية بشأن القضية اليمنية، مع الحفاظ على نهج متعدد النواقل، وواصلت العمل مع جميع الأطراف في الأزمة على مختلف المستويات، والدعوة إلى تكثيف الحوار السياسي، لكن يبدو أن موسكو لم تدعم مساعيها الدبلوماسية بأية إجراءات عملية على الأرض، بسبب محدودية الموارد وأولوية المجالات الأخرى في السياسة الخارجية.[38] غير أن مجلس الشؤون الدولية الروسي في تقرير له طالب حكومة بلادة بانتهاز الفرصة لتعزيز حضورها السياسي والدبلوماسي في اليمن؛ معللاً ذلك بتغير جميع المعالم الرئيسية للأزمة اليمنية منذ بداية الحرب وحتى الآن، فقد وضع التقرير ثلاثة سيناريوهات لمستقبل الصراع في اليمن، كلها تشير إلى استمراره وتدهور الحالة السياسية والإنسانية مالم يتدخل طرف خارجي قوي ومقبول من جميع الأطراف في إشارة إلى روسيا، في السيناريو الأول من السيناريوهات التي ذكرها المركز قبل 5 أعوام، أما فيما يخص السيناريو الثاني المحتمل، وهو إنهاء العملية العسكرية للتحالف بحجة معقولة دون اعتماد خطة لتسوية شاملة للأزمة تحت سيطرة دولية وفي هذه الحالة ، ستتحول الجهات الخارجية إلى استخدام أدوات نفوذها الداخلية، ويمكن أن يتحول الوضع في اليمن بسرعة من حرب مختلطة إلى حرب أهلية، محفوفة بعواقب خطيرة على المنطقة كلها،[39] وتدرك موسكو أنها اذا تمكنت من إعطاء المصداقية لهذه الطموحات من خلال تسهيل وإدارة حوار يمني- يمني، وحل النزاع في اليمن، فستتمكن من ترسيخ نفسها كموازنة دبلوماسية للولايات المتحدة الامريكية في المنطقة، ويتضح رغبة موسكو في الانخراط في الملف اليمني باعتباره منطقة نفوذ استراتيجية من خلال تصريحات لمسؤولين روس، منها ماقاله نائب مدير القسم الأفريقي في وزارة الخارجية الروسية "أوليج ازيروف" في مؤتمر "فالداي" بمدينة "سوتشي " الروسية، والذي حمل عنوان (روسيا في الشرق الاوسط لاعب في كل الساحات)، حيث قال: إن بإمكان روسيا ودول الغرب التعاون بشكل مثمر في حل الأزمة اليمنية لصالح الشعب اليمني الذي يستحق مستقبلاً أفضل، وأن حجم التناقضات بين روسيا والغرب أقل في الملف اليمني [40].
السؤال الذي يطرح نفسه هل لازالت هذه التناقضات قليلة في الملف اليمني بين الغرب وروسيا على ضوء تداعيات المبارزة الجيوسياسية بين الغرب وروسيا في الجبهة الأوكرانية؟ وفي جبهة الطاقة وفي جبهات النفوذ والسيطرة في أفريقيا؟
"كيريل سيمنوف" الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسي، كان أكثر وضوحاً عندما قال: "إن روسيا تسعى لتعزيز سمعتها في دور الوسيط في نزاعات عدة، ومن الممكن أن تمارس تأثيراً في اليمن لدفع الجانبين إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات في إطار مساعيها للحصول على قاعدة عسكرية دائمة في سواحل البحر الأحمر، على غرار بلدان عدة تملك قواعد عسكرية على مضيق باب المندب"[41]، وعليه يمكن القول "إن رغبة موسكو في العمل كوسيط في اليمن تتزايد نتيجة لمزيد من المصالح الاستراتيجية، وتطلعات الوضع الإقليمي، وتتعلق المصالح الاستراتيجية الرئيسية برغبة موسكو في الاستفادة من موقع اليمن، وتوسيع نطاق شركائها في الشرق الأوسط"، منطلقة من مبدأ البراغماتية الاقتصادية الذي اعتمدته في سياستها الخارجية مع بداية مرحلة حكم الرئيس فلاديمير بوتين، فلم تعد تنطلق في سياستها الخارجية من العامل أو المبدأ الأيديولوجي، فعلى الرغم من أن أهمية اليمن الاستراتيجية لروسيا تراجعت بعد انتهاء الحرب الباردة، إلا أن مكان اليمن في جنوب الجزيرة العربية وخصوصاً على طول مضيق باب المندب عند مدخل البحر الأحمر يؤكد أهمية ذلك بالنسبة لجهود موسكو في حسابات القوة في الشرق الأوسط.
في عام 2009 ذكرت وكالة أنباء تاس عن مسؤول عسكري روسي قوله إن روسيا قررت إنشاء قواعد بحرية في ليبيا وسورياواليمن.[42] ويعتقد صناع القرار الروس أن الوساطة الناجحة في الملف اليمني ستساعد على تعزيز الشراكات الاقتصادية مع منافسيها الخليجيين في سوق الطاقة كالسعودية وقطر، وأيضاً تعزيز علاقاتها مع إيران، كما أنها قد تفتح الطريق أمام تنفيذ مبادرتها للأمن الجماعي في منطقة الخليج العربي، وأيضاً رداً على البروبجاندا الغربية التي تصور روسيا كدولة مشاغبة تعمل على نشر الفوضى في الشرق الأوسط، فروسيا تصور نفسها قبل كل شيء كصاحب مصلحة ملتزم بالحفاظ على الأمن الجماعي في الشرق الأوسط، كما أن حلم روسيا في اليمن يتمثل في حكومة ائتلافية بقيادة رجل قوي، ويبدو أيضاً أن روسيا تعتبر الصراع اليمني فرصة لعرض مهارات الوساطة على المجتمع الدولي خصوصاً أن روسيا في مقارباتها لحل الأزمة اليمنية تدعو إلى مراعاة مصالح جميع أطراف النزاع[43]." ففي زيارة المبعوث الأممي السابق إلى اليمن، مارتن غريفيث لموسكو في يوليو/تموز 2019، وأثناء حديثه مع وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" دعا المبعوث إلى "النظر المتبادل في مصالح الأطراف المتنازعة"، وأكد لافروف دعمه لجهود المبعوث الأممي قائلاً: إننا لازلنا مقتنعين بأن هذه هي الطريقة الوحيدة لتحقيق السلام والاستقرار الذي طال انتظاره في اليمن[44]، نفس الموقف أعاد تكراره الوزير الروسي مع المبعوث الدولي الجديد إلى اليمن أثناء زيارته لموسكو مطلع العام الجاري (2023).
دخول روسيا في مرحلة لاحقة في جهود الوساطة الخارجية بشأن التسوية اليمنية كقوة دولية رائدة
إدراج روسيا في مرحلة لاحقة في جهود الوساطة الخارجية بشأن التسوية اليمنية كقوة دولية رائدة قد يكون مفيداً لها من عدة زوايا:
أولاً: سيعزز مكانة روسيا كلاعب عسكري سياسي نشط في المنطقة قادر على تقديم مساهمة حقيقية في تسوية أوضاع الأزمات من وجهة نظر وسيط محايد، ومما جاء في مفهوم السياسة الخارجية الروسية لعام 2016 أن روسيا تعمل جاهدة على تعزيز عمل المنظومة الدولية وحل الصراعات في إطار الأمم المتحدة والعمل على تعزيز دور القانون الدولي في حلالنزاعات[45].
ثانيًا: نجاح الجهود الدبلوماسية الروسية في أي تسوية سياسية يمنية قادمة بين الحكومة الشرعية والمتمردين الحوثيين سيسمح لروسيا بتصحيح صورة الحليف الشيعي الذي يظهر بين السكان العرب - بسبب نهج العلاقات الخاصة مع إيران، وأن روسيا وفي كثير من الأحيان تنظر إلى بعض قضايا المنطقة العربية من "خلال الكاميرا الإيرانية"، ومنها القضية اليمنية في بعض الأحيان.
ثالثاً: سيساعد هذا في تعزيز صورة روسيا كصانع سلام على الساحة الدولية، ويساهم في نسف الخط الغربي في تشويه سمعة الاتحاد الروسي.
رابعا: يمكن أن تتحول خدمة الوساطة التي ستقدمها روسيا والتفاعل الدبلوماسي الروسي النشط حيال الأزمة اليمنية إلى مورد ثمين من حيث بناء مزيد من العلاقات الروسية – السعودية، وتقارب المواقف في الشؤون الإقليمية خاصة على خلفية البرودة الملحوظة في العلاقة بين الرياض وواشنطن.
إذا لا بد من القول بأن الجانب الروسي يلعب دورًا مهمًا في حل الأزمة السياسية في اليمن المستمرة منذ نحو 9 سنوات حتى الآن، وتبين أن الاتحاد الروسي يضع مهمة مثل بناء تدابير بناءة لتجاوز الأزمة اليمنية، وتعتقد روسيا أنه من أجل التوقيع على معاهدة سلام بين الطرفين المتحاربين، من الضروري مراعاة مصالح كل أطراف الصراع، كما يمكن للاهتمام الروسي بالقضية اليمنية والدعوة لحوار يمني-يمني تراعى فيه مصالح كل الأطراف الفاعلة أن يحقق لموسكو أكثر من هدف.
أولا: يمكن لمثل هذا التعاون أن يعزز مكانة موسكو في بلد ينُظر إليه على أنه موقع استراتيجي منذ الحقبة السوفيتية، ولا داعي للحديث عن الأهمية الجيوسياسية لليمن، بل يكفي أن نذكر أن اليمن يقع على طريق الطرق التجارية الرئيسية من البحر الأحمر عبر خليج عدن إلى بحر العرب والمحيط الهندي، وتعتبر روسيا بسط الاستقرار في جنوب اليمن شرطاً مسبقاً لتحقيق هدفها المتمثل بالحصول على دائرة نفوذ في منطقة البحر الأحمر؛ فبعد استقلال جنوب اليمن عن الاحتلال البريطاني عام 1967، دَعَم الاتحاد السوفيتي اقتصاديًا وسياسيًا الدولة اليمنية الجديدة، وقد أتاح ذلك استخدام جزيرة سقطرى اليمنية الواقعة قبالة الساحل الصومالي عند مدخل خليج عدن لصالح السرب العملياتي الثامن "الهندي" التابع للبحرية السوفياتية، وتعوّل موسكو كثيراً أن تلك الأيام قد تعود، ووصف معهد الدراسات الشرقية في موسكو جزيرة سقطرى اليمنية بأنها المكان المثالي لبناء قاعدة روسية في اليمن، كما أن موسكو تراهن على أن قاعدة محتملة في جنوب اليمن هي بوابتها المهمة لممارسة نفوذ في القرن الافريقي[46]. ففي أكتوبر 2008 زار رئيس مجلس الاتحاد الروسي"سيرجي ميرونوف" اليمن، وجرت مباحثات مع القيادة اليمنية حول إنشاء قاعدة عسكرية على ساحل البحر الأحمر مستقبلاً، إلا أن عدم الاستقرار الذي أعقب الإطاحة بالرئيس اليمني علي عبد الله صالح في عام 2012، أدى إلى خروج هذه الخطة عن مسارها [47].
ثانيًا: يمكن أن يمنح روسيا بعض الضغط على المملكة العربية السعودية التي كانت العلاقات معها طوال عقدين - بعبارة ملطفة – باردة، ولأسباب قد تبدو وجيهة، وبالتالي تدرك موسكو جيدًاً أن السعوديين قلقون للغاية بشأن الوضع في بلادهم "القريبة من اليمن"48؛ وسيكون من المعقول بالنسبة لموسكو أن تنظر في الخيارات المحتملة لخلق أدوات ضغط على "الأصدقاء الجدد"، خصوصاً أن نهج الرياض مرتبط بنمط التغيير في سياسة واشنطن نفسها وتغير إداراتها، على الأقل هذه هي الطريقة التي شوهدت بها حسابات الحوثيين، وربما القوى الأكثر نفوذاً وراءهم.
خاتمة
في عالم متغير، ليس بالضرورة أن يكون حلفاء موسكو أعداء واشنطن، والعكس صحيح. إذ يعتمد التعاون بين كل من روسيا ودول الخليج العربي وإيران على مصالحهم المشتركة، لكن من غير المرجح مثلاً أن تغير موسكو أولوياتها الجيوسياسية، وأن تنهي التعاون الراسخ والناجح مع إيران العضو في منظمة شنغهاي للتعاون لصالح تقاربها مع دول الخليج العربي، لكنها في الوقت نفسه تنزعج بشدة من النزعة الإقليمية المبالغة لإيران في المنطقة، رغم ما بين الدولتين من توافقات ومن مشاكسات على حدٍ سواء في الملف السوري، كما أن اللحظة الدولية الراهنة بعد العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، أكسبت دول الخليج خصوصاً المملكة العربية السعودية القدرة على المناورة مع الغرب والتخفف من عبء التأثير الأمريكي الشديد على سياستها الخارجية التي كانت سائدة خلال العقود الماضية، فتنوع مصادر القوة في العالم مهم جداً؛ لأن ذلك يمنح هامشاً كبيراً من الاستقلال للحلفاء التقليدين لواشنطن في المنطقة، وهو ما تناضل من أجله روسيا بوتين، فالرؤية الروسية قائمة على ضرورة بناء عالم متعدد الأقطاب، كما أن هذه اللحظة، وفق المفكر والفيلسوف الروسي "الكسندر دوغين" حاسمة في تأريخ النظام الدولي، وإن ما بعدها من التحولات التي ستحدث ليست كما قبلها، وبالنظر إلى الأحداث التي أعقبت هذه العملية سنجد أيضاً أن دول الخليج العربية استفادت من مضاعفة مداخيلها من النفط، ومن زيادة محفظاتها من الأوراق المالية في الصناديق الاستثمارية، بسبب ارتفاع الأسعار ، فحافظت هذه الدول على سياسة متوازنة مع روسيا فيما يتعلق بخفض الإنتاج، واستفادت روسيا بالضرورة بالحفاظ على تفوقها في معركة جبهة الطاقة مع الغرب، الجبهة التي لا تقل أهمية عن معارك الجبهات العسكرية مع الناتو في الشرق والجنوب الأوكراني، في المقابل أدركت إيران حاجة الغرب لموارد الطاقة فلوحت بضرورة العودة للاتفاق النووي ورفع العقوبات عنها، ما يعني العودة لسوق الطاقة بتكلفة إنتاجية مرتفعة، الأمر الذي يعني إضعاف موقف روسيا في المواجهة مع الغرب في حرب الطاقة.
في هذا السياق من المهم الإشارة إلى تصريحات وزير الخارجية الروسي" سيرغي لافروف"، فقد صرح بعد أن تواترت الأنباء عن قرب اتفاق وشيك بين طهران وواشنطن في فيينا إن روسيا تريد ضماناً مكتوباً من الولايات المتحدة بأن التجارة والاستثمار والتعاون العسكري التقني الروسي مع إيران لن تعرقله العقوبات بأي شكل من الأشكال، ما دفع بمسؤولين ايرانيين إلى القول إن المطالب الروسية تهدف إلى ضمان مصالح موسكو في مجالات أخرى، وإنها "غير بناءة"، وقالت وكالة الأنباء الإيرانية تسنيم: دون أن تذكر مصدراً لهذا التقييم، إن روسيا تسعى من خلال تأجيل إحياء الاتفاق بين إيران والقوى الغربية وتأخير عودة طهران إلى سوق النفط العالمية إلى رفع أسعار الخام وزيادة عائداتها من الطاقة.[48]
كلما سبق ذكره في هذه الدراسة يضعنا أمام فكرة عامة للدور الروسي في اليمن، وهي أن روسيا تنظر للملف اليمني بعين مصالحها مع القوى الإقليمية في المنطقة، فالسياسة الخارجية الروسية لم تعد كما كانت في السابق تعتمد الخيار الأيديولوجي لمقارباتها وعلاقاتها بدول المنطقة، بل إن روسيا اليوم تنظر بحذر لدورها في الملف اليمني نظراً للخصائص الإقليمية التي ظهرت في المشهد اليمني، فسيتعيّن عليها بلا شك مراعاة شركائها في "أوبك" وفي الكثير من ملفات الاستثمار، وسيتعين عليها مراعاة مصالحها مع طهران، كما أنها تركز على أهمية تحقيق توازن بين مراكز القوة في اليمن، بما يدفع بالاتجاه نحو إنشاء منصات تفاوض مشتركة بين كل الأطراف اليمنية للوصول إلى إنشاء حكومة وحدة وطنية تستطيع روسيا بعدها العودة إلى تفعيل اتفاقيات التعاون بين البلدين وعقود التسليح والاستثمار التي لازالت قائمة بحكم القانون الدولي.
المراجع
[1] زيدان ناصر، دور روسيا في الشرق الاوسط وشمال افريقيا من بطرس الاكبر حتى فلاديمير بوتين، (الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الأولى، 2013)، ص 134.
[2] Кирпиченко В.П. Политический кризис в Йемене: социально-экономический, религиозный и племеннойфакторы/ В.П. Кирпиченко. Ислам на Ближнем и Среднем Востоке. №8, 2014 - с. 341-348.
[3] Аргументы и Факты. В чём суть конфликта в Йемене? . [Электронный ресурс]. – Электрон. дан. РежимДоступа: http://www.aif.ru/dontknows/actual/1475902 Дата обращения: 23.06.2023. 16:10. загл. с экрана.
[4] Кирпиченко В.П. Йемен: Факторы политической нестабильности/ В.П. Кирпиченко. Азия и Африка сегодня.№3, 2013 - с.57-61.
[5] Елена Супонина, Россия и Залив: Стратегия и перспективы : [Электронный ресурс]. Режим Доступа: https://goo.su/QYCcLo 13.07.2023.
[6] договор об основах взаимоотношений и принципах сотрудничества между российской федерацией и исламскойреспубликой иран : [Электронный ресурс]. МИД РОССИИ. Режим Доступа: https://goo.su/7U9IJa 23.07.2023.
[7] كاظم هاشم ﻧﻌﻤﺔ، روسيا والشرق الأوسط الأوسط بعد الحرب الباردة، فرص وتحديات. (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، لبنان 2016)، ص 53 -54.
[8] Там же.
[9] декларация о принципах дружественных отношений и сотрудничества между российской федерацией ийеменской республикой ;(принята в г. москве 17.12.2002) [Электронный ресурс]. Сейчас.ру: https://www.lawmix.ru/abro/2678 Дата обращения: 23.07.2023.
[10] Заявление для прессы по итогам переговоров с Президентом Йеменской Республики Али Абдаллой Салехом[Электронный ресурс] // МИД РФ – Режим доступа: http://kremlin.ru/events/president/transcripts/21815 (Датаобращения: 22.07.2023.
[11] ناصر زيدان، مرجع سابق.
[12] Йемен: причины и следствия: [Электронный ресурс]. – Электрон. дан. Режим Доступа: https://www.5-tv.ru/news/169993/( Дата обращения: 5.07.2023)
[13] ناصر زيدان، مرجع سابق.
[14] Иран признал правительство хуситов в Йемене // ИА Красная Весна, 19.06.2023. URL: https://rossaprimavera.ru/news/97393a59 .
[15] Сергей. Филатов. Саудия на пороге новой Эпохи / Международная жизнь, 10.02.2015. – Режим доступа: https://interaffairs.ru/news/show/12540 (Дата обращения: 22.07.2023.
[16] Там.же.
[17] Малышева Д.Б. Йемен как новая горячая точка/ Д.Б. Малышева. Север-Юг-Россия, 2010 - с. 108-112.
[18] Российский Совет по Международным Делам: Йеменская дилемма российской политики. [Электронныйресурс]. – Электрон. дан. Режим Доступа: https://russiancouncil.ru/analytics-and-comments/analytics/yemenskaya-dilemma-rossiyskoy-politiki/ Дата обращения: 24.06.2023. 01:34. загл. с экрана.
[19] Сергей Аксенов ,Остров Сокотра снова ждет наши корабли/ [Электронный ресурс] Режим доступа:. //https://goo.su/xoT4 (дата обращения:22.03.2023.
[20] دكتور ناصر زيدان، مرجع سابق، ص66.
[21] Малышева Д.Б. Йемен как новая горячая точка/ Д.Б. Малышева. Север-Юг-Россия, 2010 - с. 108-112.
[22] Касаев Э.О. Современные торгово-экономически отношения России с Йеменом / Э.О. Касаев // ИнститутБлижнего Востока [Электронный ресурс] Режим доступа: http://www.iimes.ru/?p=10597 .
[23] ج.انكارين، مذكرات دبلوماسي في اليمن، ترجمة: د. قائد محمد طربوش ومحمد اسماعيل سليمان, مكتبة مدبولي، الطبعة الاولى 1993 ص 12.
[24] يفغيني بريماكوف (1929- 2015)، رجل دولة ماهر عالم ومفكر لامع ساهم في بناء الدولة الروسية الجديدة، وتوجيه سياستها الخارجية في بيئة مضطربة للغاية. شغل منصب رئيس جهاز المخابرات المركزية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، ومدير جهاز المخابرات الخارجية للاتحاد الروسي. تولى عام 1996 منصب وزارة الخارجية الروسية خلفاً لأندريه كوزريف، ثم تولى رئاسة الوزراء في عام 1998، ينتمي للمدرسة الأوراسية الشرقية، وله خبرة طويلة في شؤون الشرق الأوسط، حاول أن يضخ دماء جديدة في السياسة الخارجية الروسية ومجالاتها، كي تبدو عازمة على الدفاع عن أمنها ومصالحها القومية، واستغلال فرص ومجالات تستطيع أن تعود إليها، لا كقوة هزمت في الحرب الباردة ميدانيا، وانكسرت نفسيا وتفتقر إلى النظرة الإستراتيجية، بعدما تخلت عن النهج الأيديولوجي السوفياتي، بل كقوة كبرى ذات مصداقية وعزم على أداء دور فاعل في السياسة الإقليمية والدولية، خصوصاً في الشرق الأوسط، واتسمت سياسته ب"بالبراغماتية العقلانية".
[25] يفغيني بريماكوف، الكواليس السرية للشرق الأوسط، ترجمة نبيل رشوان، (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2006)، ص118.
[26] المرجع السابق، ص119.
[27] المرجع السابق، ص119.
[28] دكتور ناصر زيدان، رجع سابق ص 135.
[29]يفغيني بريماكوف مرجع سابق ص 153
[30] Российский Совет по Международным Делам: Кризис в Йемене: перспективы для Российскойдипломатии? [Электронный ресурс]. – Электрон. дан. Режим Доступа: https://russiancouncil.ru/analytics-and-comments/analytics/krizis-v-yemene-perspektivy-dlya-rossiyskoy-diplomatii / Дата обращения: 15.06.23 01:34. загл. с экрана.
[31] Там.же.
[32] Россия и Йемен развивают двусторонние отношения // [Электронный ресурс]. – Электрон. дан. РежимДоступа: 4.01.2018 https://clck.ru/3583DF (Дата обращения: 20.07.2023).
[33] Российский Совет по Международным Делам: Кризис в Йемене: перспективы для Российскойдипломатии? [Электронный ресурс]. – Электрон. дан. Режим Доступа: https://russiancouncil.ru/analytics-and-comments/analytics/krizis-v-yemene-perspektivy-dlya-rossiyskoy-diplomatii / Дата обращения: 15.06.23 01:34. загл. сэкрана.;
[34] Там.же.
[35] Российский Совет по Международным Делам:Йемен после убийства Салеха: режим ожидания для Москвы: [Электронный ресурс]. – Электрон. дан. Режим Доступа: https://clck.ru/357xw2 (Дата обращения: 15.06.2023г).
[36] يفغيني بريماكوف / الشرق الأوسط المخفي والمعلوم/ ص 124.
[37] ТАСС Лавров рассчитывает, что стороны в Йемене перейдут от военных действий к переговорам: [Электронный ресурс]. – Электрон. дан. Режим Доступа: https://tass.ru/politika/4891666 (Дата обращения: 15.06.2023г)
[38] Российский Совет по Международным Делам:Йемен после убийства Салеха: режим ожидания для Москвы: [Электронный ресурс]. – Электрон. дан. Режим Доступа: https://clck.ru/357xw2 (Дата обращения: 15.06.2023г).
[39] Российский Совет по Международным Делам: Йеменский тупик: причины, угрозы, сценарии выхода: [Электронный ресурс]. – Электрон. дан. Режим Доступа: https://clck.ru/357ydQ (Дата обращения: 15.06.2023г).
[40] МИД РФ: Россия и Запад могут продуктивно сотрудничать по Йемену: ТАСС. 19 февраля 2018: [Электронный ресурс]. – Электрон. дан. Режим Доступа: https://tass.ru/politika/4972324 (Дата обращения: 30.06.2023г).
[41] المونيتور: روسيا تبحث سبل "انخراط اعمق" في حرب اليمن، ترجمة يمن شباب، 13 يونيو2021 يمن فيوتشر(تاريخ الدخول: 20 يوليو/ 2023):https://yemenfuture.net/news/2341 .
[42] Russia plans navy bases in Libya, Syria, Yemen: report: Posted Fri 16 Jan 2009: https://goo.su/n557K2K.
[43] Valday club. Expert opinion. How to resolve the Yemen Crisis. Электрон. дан. Режим Доступа: http://valdaiclub.com/a/highlights/how-to resolve-the-yemen-crisis/ Дата обращения: 26.06.2023. 19:46. загл. с экрана.
[44] Конфликт в Йемене и российские подходы: МИД. России. (17 декабря 2021 года) : [Электронный ресурс]. – Электрон. дан. Режим Доступа: https://clck.ru/3584RE (Дата обращения: 15.07.2023.).
[45] Указ Президента РФ от 30 ноября 2016 г. № 640 "Об утверждении Концепции внешней политики РоссийскойФедерации": [Электронный ресурс]. – Электрон. дан. Режим Доступа: https://clck.ru/3584Un (Дата обращения: 15.07.2023.)
[46] Сергей Аксенов ,Остров Сокотра снова ждет наши корабли/ 9-08-2017- [Электронный ресурс] Режимдоступа:. // https://vegchel.ru/index.php?newsid=33575 (Дата обращения: 20.05.2023.).
[47] Зачем России военно-морская база в Порт-Судане: взгляд западных экспертов // 9-08-2017[Электронныйресурс]. – Режим доступа: https://clck.ru/3584rE (Дата обращения: 15.07.2023.).
[48] طهران تنتقد "التدخل" الروسي في محادثات الملف النووي الإيراني، تاريخ الدخول: 20 يوليو 2023(https://clck.ru/353pLL .