
مدخل
دفعت الإمارات العربية المتحدة، القوة الثانية في التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين، بقوات عسكرية إلى جزيرة سقطرى في المحيط الهندي دون إذن من الحكومة المعترف بها دولياً، يوم (30 ابريل/نيسان2018). وسيطرت تلك القوات- التي تزيد عن 300 جندي ومدرعات ودبابات- فور وصولها على الميناء والمطار ونشرت القوات العسكرية لمحاصرة لواء عسكري بحري متمركز على الجزيرة، ومنعت المسؤولين اليمنيين من دخول المطار لاستقبال وفد سعودي وصل إلى الجزيرة من أجل حل الخلاف الذي أسس لمرحلة أكثر صعوبة للعلاقة داخل التحالف.
وهذا الخلاف هو أحدث خلاف من سلسلة خلافات بين سلطة الرئيس عبدربه منصور هادي المعترف بها دولياً، وأبوظبي منذ ظهورها في الربع الأول لعام 2016، وكانت أبرز تلك الخلافات في يناير/كانون الثاني الماضي عندما تقاتل الجيش الوطني مع ميليشيات شبه عسكرية تمولها وتدربها الإمارات وتخضع لسيطرتها في عدن (عاصمة البلاد المؤقتة) والتي انعكست على العلاقة داخل التحالف وظهوره بصورة أكثر هشاشة .
تملك جزيرة سقطرى طبيعة بيئية هي الأندر والأغرب في العالم، وثلثيّ الكائنات والأشجار على الجزيرة لا توجد في أي مكان آخر على الكوكب، وتم إضافتها لقائمة التراث العالمي في 2008م[1] وتتمتع الجزيرة بموقع استراتيجي يغري القوى العسكرية الاستعمارية، وعلى مرّ التاريخ الحديث كانت الجزيرة الاستراتيجية تتمكن من الخروج الدائم من نكسات محاولات تحولها إلى قاعدة عسكرية، من أجل احتلال "القرن الإفريقي" و"شبه الجزيرة العربية" وتقع الجزيرة بالقرب من قناة/ مضيق بحري استراتيجي (باب المندب) ما يجعل التمركز العسكري على الجزيرة مؤثراً بشكل كبير على شبه الجزيرة العربية ودول القرن الأفريقي، ومهدداً للتجارة العالمية.
الوجود الإماراتي في الجزيرة
بدأت الإمارات التواجد على الجزيرة عقب إعصارين ضربا الجزيرة في أكتوبر/تشرين الأول 2015، من أجل إغاثة السكان الذين يبلغ عددهم 60 ألف نسمة؛ واتخذت دولة الإمارات من الهلال الأحمر ومؤسسة الشيخ خليفة كغطاء لتمددها داخل جزيرة سقطرى والسيطرة عليها وإيجاد نفوذ وسط السكان الفقراء إذ يعتمدون على الصيد وتربية الحيوانات، والقليل من الزراعة.
واعتمدت الإمارات للسيطرة على الجزيرة بعديد من الطرق أبرزها:
أهداف الإمارات في سقطرى
يبدو ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد يرغب بالاحتفاظ بالجزيرة مهما كان الثمن، حسب ما تشير نشرة أنتليجينس أونلاين الفرنسية[10]، فالجزيرة الاستراتيجية تملك عديد من المقومات التي ترى أبوظبي أنها ستحقق طموحها كقوة إقليمية في المنطقة حتى لو أثار ذلك جيرانها الخليجيين والحكومة اليمنية.
ومن هذه الأهداف:
وخلال عقود الحرب الباردة، ترددت شائعات بأن اليمن -الجنوبي- البلد الوحيد الماركسي في العالم العربي، بعيداً عن التجاذبات بناءً على طلب الاتحاد السوفييتي الذي كان يخطط لاستخدامه كقاعدة عسكرية سرية[12].
في ابريل/نيسان 2017 كانت تسريبات تحدثت عن اتفاق بين ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد والرئيس الروسي حول منح قاعدة عسكرية لروسيا في اليمن -في سقطرى تحديداً-[13] بعد أن فشلت موسكو في الحصول على قاعدة في القرن الإفريقي لرفض دولها وجود قوة روسية في ظل وجود قواعد عسكرية لباقي دول العالم.
التداعيات
أثار الوجود العسكري الإماراتي الجديد في جزيرة سقطرى موجة من السخط الحكومي والشعبي، وقالت الحكومة اليمنية في رسالتها إلى مجلس الأمن أن " الحالة في جزيرة سقطرى بعد السيطرة على المطار والميناء هي في الواقع إنعكاساً لحالة الخلاف بين الشرعية والأشقاء في الإمارات ، وجوهرها الخلاف حول السيادة الوطنية ومن يحق له ممارستها[16]، وحاولت السعودية التوصل لحلول لكن المحاولات الأولى بإرسال وفد إلى الجزيرة مطلع مايو/أيار 2018 فشلت، تبعتها محاولات بإقناع أبوظبي بالانسحاب.
وفق لائحة لاهاي 1907 فإن وجود قوات لدولة في أرض دولة أجنبية بدون إذن رسمي يعتبر احتلال[17]؛ لتلك المنطقة بغض النظر عن سبب الوجود أو طريقته، ما دام أن أبوظبي سلبت القوة الشرعية لتمارس سلطتها ونفوذها.
ولعل أبرز التداعيات على الخطوة الإماراتية:
سيناريوهات لمستقبل جزيرة سقطرى:
السيناريو الأول : حل الأزمة بين الحكومة اليمنية والامارات دبلوماسيا بواساطة السعودية، وهذا يعني التفاوض حول حصول أبوظبي على ميزات اقتصادية مقابل الانسحاب العسكري وعودة الجزيرة لسيادة الدولة اليمنية، وإمكانيات تحقق هذا السيناريو ضعيفة إذا ما عدنا الى أهداف الامارات الرئيسية من تدخلها في اليمن لتحقيق النفوذ الاقليمي .
السيناريو الثاني: من منطلق أهداف الامارات الرئيسية التي من اجلها دخلت اليمن وهي أن تصبح ذات تأثير اقليمي ودولي وتسيطر وتتحكم في الموانيء ومصادر الطاقة[23] ، فإن السيناريو الأقرب للواقع هو سيطرة الامارات عسكريا واقتصاديا على جزيرة سقطرى والاسراع في استحداثات أهمها:
وهذا السيناريو هو المرجح إذا كان أداء الحكومة اليمنية ضعيفا وفرصها ضيقة وسينجح في حال كان موقف السعودية ضعيفا أو داعما أو متواطئا مع الإمارات، ومن عوامل تقوية هذا السيناريو هو اختيار أبوظبي لاحتلال سقطرى في مايو مع بدء موسم اغلاق الجزيرة بسبب هيجان البحر والأعاصير التي تستمر لستة أشهر من كل عام، بحيث لا تستطيع سوى الطائرات العملاقة الانتقال إلى الجزيرة فيما يتوقف الامداد العسكري والغذائي عبر البحر .
السيناريو الثالث:
سيناريو متوقع ، ففي حال بدأت الحكومة التحرك في خياراتها الدبلوماسية من خلال التصعيد أكثر في المجتمع الدولي وتحريك ورقة تحرير الجزيرة عسكريا من الاحتلال الاماراتي فإن ذلك سيدفع السعودية إلى ممارسة ضغوطها على الامارات منعا في حصول تصادم محرج لها بين حلفائها الميدانيين، لكن لا يعني اعادة الجزيرة لسيادة اليمن وإنما تستغل الرياض الأحداث وتستغل قلق اليمنيين وجيرانهم العمانيين من التصعيد الاماراتي لتضمها إلى نفوذها بعد حضرموت والمهرة [24]
الهوامش
[1] Socotra Archipelago https://whc.unesco.org/en/list/1263/
[2] بحاح يوقع مع الإمارات اتفاقية إعادة تأهيل جزيرة سقطرى، اليقين، 29 شباط/فبراير 2016 http://yaqeenonline.net/2013-10-31-22-27-22/898-بحاح-يوقع-مع-الإمارات-اتفاقية-إعادة-تأهيل-جزيرة-سقطرى
[3] وزير السياحة يؤكد ان جزيرة سقطرى ستكون هي الواجهة السياحية لليمن 22/01/2016http://www.sabanew.net/viewstory_1.php?id=4021
[4] حديث أحد ابناء سقطرى مع باحث مركز أبعاد للدراسات
[5] خبر نشرته صحيفة الإمارات اليوم في فبراير2016 يتحدث عن انتهاء تسجيل الملتحقين بالقوات المسلحة https://www.emaratalyoum.com/local-section/other/2016-02-06-1.866956
[6] تصريحات سكان ومسؤول حكومي لموقع "Verdict" البريطاني
The UAE appears to be building a Dubai-style resort on Yemen’s island of Socotra
https://www.verdict.co.uk/uae-building-dubai-style-resort-on-yemens-otherworldly-island-of-socotra-officials-and-islanders-say/
[7] يشار إلى أن حكومة الوفاق اليمنية كانت قد أقرت في العام 2013 إلغاء جميع عقود البيع أو التأجير لسواحل محافظة سقطرى الصادرة عن أي جهة. وأعادت الحكومة اليمنية في يناير2017 بقرار آخر تحظر فيه بيع أراضي سقطرى http://www.yemenmonitor.com/Details/ArtMID/908/ArticleID/14913
[8] نشر موقع محلي (اليمن نت) تقريراً حول النشاط الإماراتي في الجزيرة مدعماً بالصور في أغسطس/آب 2017 للاطلاع عليه https://theyemen.net/%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86-%D9%86%D8%AA-%D9%8A%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%B1-%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%81/
[9] يكشف تقرير لموقع "يمن شباب نت" الفرق بين الواقع والأرقام الإماراتية نشر في مايو/أيار2015 يمكن الاطلاع عليه: https://yemenshabab.net/news/35255
[10] Socotra island: the Emirates hold the wild card in Yemeni conflict ديسمبر2017 https://www.intelligenceonline.com/grey-areas/2017/12/27/socotra-island-the-emirates-hold-the-wild-card-in-yemeni-conflict,108287456-art
[12] Socotra and the benefits of obscurity https://blogs.economictimes.indiatimes.com/onmyplate/103390/
[13] Russia and the UAE: Friends with Benefits
http://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/russia-and-the-uae-friends-with-benefits
[14] موقع "Verdict" البريطاني، مصدر سابق.
[15] أظهرت صور بالقمر الصناعي انسحاب الإمارات من الجزيرة رغم أنها أوشكت على الانتهاء من عمل قاعدة عسكرية، جاينز: UAE stops work on Bab al-Mandab island base http://www.janes.com/article/78929/uae-stops-work-on-bab-al-mandab-island-base
[16] ) http://www.sabanew.net/viewstory/32788
[17] الاتفاقية الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية https://www.icrc.org/ara/resources/documents/misc/62tc8a.htm
[18] https://ye.usembassy.gov/ar/statement-by-heather-nauert-situation-on-the-yemeni-island-of-socotra-ar/
[19] بيان الخارجية الإماراتية يوم 7 مايو/أيار إضافة إلى تصريحات تناقلتها الصحافة الرسمية الإماراتية لـ"أنور قرقاش" وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات.
[20] بيان الخارجية التركية 10 مايو/أيار
[21] بريطانيا تلحق بأمريكا وتركيا وتوضح موقفها من الوجود العسكري الإماراتي بسقطرى https://yemenshabab.net/news/35254
[22] كانت هذه الأحداث محورية ونقطة جديدة للعلاقة بين التحالف والحكومة اليمنية حيث تقاتلت القوات الحكومية والقوات الموالية للإمارات وسط المدينة الجنوبية؛ وتمكنت القوات الموالية للإمارات وتخضع لسيطرتها من محاصرة الحكومة في قصر معاشيق، وتدخلت لجنة من التحالف العربي لوقف هذا الانقسام.
[23] تقييم حالة لمركز أبعاد للدراسات والبحوث في مارس 2018 حول مستقبل عاصفة الحزم في عامها الرابع (هل يريد الخليج الانتصار على إيران، أم لديه اطماع في اليمن؟"
[24] في المهرة أرسلت السعودية قوات خاصة للسيطرة على مطار الريان والتمركز في المحافظة مستغلة قلق عمان من التواجد الاماراتي