السلام الصعب لليمنيين.. هل يولد في مشاورات السويد؟

تقدير موقف | 10 ديسمبر 2018 00:00
  السلام الصعب لليمنيين.. هل يولد في مشاورات السويد؟

ENGLISH

PDF

 

 


 

مدخل

يعمل المبعوث الأممي مارتن غريفيث جاهداً من أجل تحقيق نجاحه الأول في ملف السلام اليمني منذ تعيينه في فبراير/شباط 2018. وتمثل مشاورات ديسمبر/كانون الأول 2018، وحضور الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة الحوثي إلى "استوكهولم" نجاحاً، بعد الفشل الأول لجهوده حين رفض الحوثيون حضور مشاورات جنيف التي كانت مقررة مطلع سبتمبر/أيلول 2018.

يأتي تحرك غريفيث محمولاً برغبة دولية لوقف الحرب في اليمن وإنهاء ما وصفته الأمم المتحدة بأكبر أزمة إنسانية من صنع الإنسان شهدها العالم في العصر الحديث.

بدأت الحرب في اليمن بشكل فعلي عندما قام الحوثيون وهم جماعة مسلحة متمردة مدعومة من إيران بتفجير الأوضاع في دماج بصعدة ثم السيطرة على محافظة عمران (شمال صنعاء) وقِتال وحدات من الجيش اليمني يقودها قائد اللواء 310 اللواء حميد القشيبي، والتي انتهت بمقتله وسيطرة الحوثيين على مدينة عمران في يوليو/تموز2014م، ثمّ بعدها انتقل الحوثيون إلى صنعاء من أجل السيطرة عليها وتم ذلك بتسهيل من قوات موالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح في سبتمبر/أيلول 2014[1].

،،

يأتي تحرك غريفيث محمولاً برغبة دولية لوقف الحرب في اليمن وإنهاء ما وصفته الأمم المتحدة بأكبر أزمة إنسانية من صنع الإنسان شهدها العالم في العصر الحديث

،،

كانت اليمن قد انتهت من مسودة الدستور الجديد الذي تم إقراره في مؤتمر الحوار الوطني[2]؛ ورفض الحوثيون شكل الدولة اليمنية الجديدة المكونة من ستة أقاليم، إذ لم يتضمن إقليم آزال الذي يتواجدون فيه منفذاً بحرياً.

فرض الحوثيون الحصار على منزل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ووضعه تحت الإقامة الجبرية، وقاموا بحل البرلمان وشكلوا لجنة ثورية عليا لإدارة البلاد بدلاً من الحكومة والرئاسة، وقد تمكن الرئيس هادي من الخروج إلى عدن (جنوبي البلاد) وطلب من الإقليم التدخل لاستعادة السلطة، وهو ما أعلنته السعودية بعد ذلك لقيادة تحالف عربي في مارس/آذار 2015 دعماً للرئيس هادي وسلطته ضد الانقلاب الذي قاده الحوثيون والرئيس السابق علي عبد الله صالح.

ومنذ بدء العمليات العسكرية للتحالف العربي لمساندة شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، رعت الأمم المتحدة ثلاث جولات من المشاورات، كانت اثنتان منها في سويسرا، وثالثة استمرت أكثر من تسعين يوما في الكويت؛ ومنذ أغسطس/آب2016 فشلت جهود الأمم المتحدة من أجل إحياء جولة جديدة للمشاورات. ومارتن غريفيث هو المبعوث الثالث للأمم المتحدة حيث تم تعيين جمال بنعمر (المغربي) للإشراف على المبادرة الخليجية بعد ثورة 2011م، أعقبه إسماعيل ولد الشيخ (الموريتاني) الذي انتهت فترته في فبراير/شباط 2018 وحل "غريفيث" البريطاني بديلاً عنه[3].

 

جهود غريفيث قبل المشاورات

 يعتمد غريفيث وهو بريطاني الجنسية، في جهوده على ارتباطه بالأطراف اليمنية منذ عام 2017م عندما كان يقود جهود خلفية لصالح الاتحاد الأوروبي بصفته رئيساً لمعهد السلام التابع للاتحاد، وشكل مجموعات عمل من كل الأطراف من باحثين وسياسيين وشخصيات اجتماعية لتكوين رؤية لما هو قادم عليه، واستند على ذلك في تحركاته، لكنه اصطدم في سبتمبر/أيلول2018 بأول عقبه في طريقه برفض الحوثيين الحضور إلى جنيف.

حصل "غريفيث" على دعم المجتمع الدولي بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ودول أخرى من أجل بدء المشاورات، واستغل غريفيث الضغط الدولي بشأن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في الضغط على المملكة العربية السعودية من أجل تحقيق تقدم في الرؤية التي يقترحها من أجل السلام.

بعد لقاءات ب"غريفيث" في أكتوبر/تشرين الأول 2018 دعا كل من مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، وجيمس ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي، إلى إنهاء القتال، وأعربا عن دعمهما العلني لمحادثات السلام التي اقترحتها الأمم المتحدة.

 وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت أيضا تحرك في جولات مكوكية من أجل دعم خطط غريفيث في اليمن شملت أبوظبي والرياض وطهران والأخيرة هي الداعم الرئيسي لجماعة الحوثي المسلحة.

تحدث بومبيو وماتيس في لقاءات وبيانات منفصلة عن سُبل وقف الحرب في اليمن وتصور بلادهما لحل الأزمة وإيقاف الحرب أبرز نقاطها:

  • يوقف الحوثيون إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة على السعودية والإمارات، بعد ذلك سيكون على التحالف وقف الغارات الجوية التي تستهدف الحوثيين في المناطق السكنية.
  • عمل منطقة حدودية منزوعة السلاح بين اليمن والسعودية.
  • سحب الأسلحة الكبيرة مثل الصواريخ الباليستية من اليمن “لن يغزو أحد اليمن-قال ماتيس”.
  • منطقة حكم ذاتي للحوثيين في شمال اليمن "من أجل أن يتأزروا ويتركوا إيران ويكون صوتهم مسموعاً".

وخلال العامين الماضيين لم تقل إدارة ترامب الكثير عن الصراع في اليمن، تاركة حلفاءها السعوديين ليأخذوا زمام المبادرة. لكن تصريحات ماتيس وبومبيو تظهر أن الولايات المتحدة تتدخل الآن بطريقة لم تحدث من قبل؛ على الرغم من دفاعهما الدائم عن حق السعودية في حماية حدودها وقتال الحوثيين ضمن مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.

الضغط المتزايد من الكونجرس الأمريكي قبل وبعد الانتخابات النصفية، وفوز الديمقراطيين بأغلبية في مجلس الشيوخ، يجعل إدارة ترامب تبحث عن كيفية تخفيف ذلك الضغط خاصة بشأن مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" مع تجنب اتخاذ موقف صدامي مع السعودية، وهذه الفرصة تراها من خلال إحداث تقدم في ملف السلام المتعلق في اليمن.

مثل القرار الأمريكي وقرار التحالف العربي بوقف الولايات المتحدة تزويد طائرات التحالف بالوقود في الجو، محاولة لتخفيف الاحتقان في الكونجرس ضد إدارة ترامب لكنه قد يزيد الأخطاء لطائرات التحالف في الغارات الجوية وإفلات أهداف يتم مراقبتها من أجل العودة للتزود بالوقود، إلا إذا كان التحالف يملك فعلاً أسطولا لتزويد طائراته في الجو.

 على الرغم من ذلك لن تتخلى "واشنطن"، عن دعم السعودية والعمليات العسكرية وبذل الجهد كقوة دولية داعمة للتحالف العربي. يظهر ذلك في وقت لاحق حين أوقفت واشنطن مشروع قرار بريطاني في مجلس الأمن يدعو لوقف إطلاق النار في مدينة وميناء الحديدة.

تمثل معركة الحديدة، غربي البلاد، حيث يوجد ميناء حيوي مسؤول عن إدخال 70% من احتياجات اليمنيين الغذائية، الحدث الأبرز الذي كان سيمثل إطاحة بجدول المشاورات في ديسمبر/كانون الأول بالسويد، واشترط "غريفيث" وقف معركة الحديدة من أجل البدء بالمشاورات وقد يكون ذلك سبباً لتأجيل المشاورات من نوفمبر/تشرين الثاني إلى الشهر التالي.

 

،،

يسعى غريفيث إلى بناء الثقة من خلال خطوات مثل تبادل الأسرى، وهو يقود محادثات سياسية تتناول الترتيبات الانتقالية وسط تهديدات متزايدة بفصل جنوب اليمن عن شماله

،،

أعلن الحوثيون في نوفمبر/تشرين الثاني عن وقف إطلاق الصواريخ الباليستية وطائرات دون طيار على السعودية والإمارات، بعد انتهاء زيارة قام بها "هانت" إلى الرياض والتقى خلالها ولي العهد السعودي. وعرض هانت رؤية المجتمع الدولي وبريطانيا لوقف الحرب، وهو ما أغضب الأمير محمد بن سلمان حسب ما أفادت (CNN)[4].

لم يوقف التحالف العربي غاراته على مواقع الحوثيين؛ ويسعى غريفيث إلى إقناع التحالف بالامتناع عن توجيه ضربات جوية مقابل التزام الحوثيين بوقف اطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة. ويعمل المبعوث على بناء الثقة من الجانبين من خلال خطوات مثل تبادل الأسرى، وهو يقود محادثات سياسية تتناول الترتيبات الانتقالية وسط تهديدات متزايدة بفصل جنوب البلاد عن شماله.

تبدو استراتيجية "غريفيث" التي تقوم خطوة تتبعها خطوة، معقولة، لكن المشكلة أن الأمر سيستغرق وقتا طويلا. ففي اليمن تدور حرب كارثية، ويواجه حوالي نصف السكان مجاعة محتملة، ما يعني أن هذا ليس وقت التشاحن، لكن استراتيجية موائمة بين منتصرين أو لا منتصر، توضح أن التشاحن هو بالضبط ما ستنتجه عملية غريفيث. ويرجع ذلك جزئيا إلى أن أي من المتحاربين يمكن أن يجعل المفاوضات رهينة لمطالب غير معقولة. ومحاولات التفاوض على وقف إطلاق النار يمكن أن تتشابك بسهولة مع رؤية من يملك القيادة الانتقالية، فالقيام بالجانب السياسي قبل الجانب الأمني والعسكري يعني أن الحرب القادمة ستحتاج أشهراً من المفاوضات قبل أن تتجدد بشكل أكثر عنفاً.

 

 

 

المشاورات في ستوكهولم

ولأول مرة منذ عامين، حضر وفدا الطرفين إلى السويد، وبدأت المشاورات يوم الخميس السادس من ديسمبر/كانون الأول، في قلعة هادئة تبعد عن "استوكهولم" 60 كم. كل وفد يتكون من 12 شخصاً، يرأس وفد الحكومة المعترف بها دولياً وزير الخارجية خالد اليماني، ويرأس وفد الحوثيين محمد عبدالسلام المتحدث باسم الجماعة المسلحة.
 أُعلن في اليوم الأول عن توقيع اتفاق للإفراج عن الأسرى والمعتقلين من الطرفين، تقول الصليب الأحمر إن العدد يصل إلى 5000 أسير ومعتقل، وستشارك فيه اللجنة.

أيضا هناك تقدم في ملف الأسرى والمعتقلين وهو ما يعني أن هناك تقدماً في إجراءات بناء الثقة التي يجري النقاش حولها في هذه المشاورات؛ لكن ذلك مقرون أيضاً بالتقدم في المجالات الأخرى.

لن تكون هناك مشاورات مباشرة، وسيتنقل مكتب المبعوث الأممي بين الوفدين ضمن ستة ملفات رئيسية: الملف السياسي والأمني والعسكري، وملف ميناء ومدينة الحديدة، ملف مطار صنعاء، ملف الأسرى والمعتقلين، ملف توحيد البنك المركزي ودفع الرواتب (الملف الاقتصادي)، ملف الهدنة ووقف إطلاق النار.

 

أ‌.       الأمني أم السياسي ؟

معضلة أيهما أولاً: الأمني أم السياسي تبدو واضحة في المشاورات وكل المشاورات السابقة، حيث ترى الحكومة الشرعية الإلتزام بالمرجعيات الثلاث "المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن أهمها القرار 2216" ، وقد كان الحوثيون في مشاورات جنيف1 (2015) قد وافقوا تحت ضغط أممي على الاعتراف بالقرار الأممي 2216، والذي يطلب من الحوثيين الانسحاب من المدن وتسليم السلاح الذي تم نهبه من مخازن الجيش اليمني للحكومة اليمنية.

لم يعترف الحوثيون بالمبادرة الخليجية التي أوصلت الرئيس عبدربه منصور هادي إلى السلطة (2011-2012)، رغم أنهم شاركوا في مؤتمر الحوار الوطني (2013-2014) ضمن كل المكونات اليمنية الأخرى وهو ضمن آلية الانتقال التي نصت عليها المبادرة، لكن في النهاية انقلبوا على مخرجاته.

في المشاورات الحالية يرفض الحوثيون الاعتراف بالمرجعيات الثلاث، ويريدون قرارا جديدا من مجلس الأمن يستوعب التطورات الجديدة، يعني استمرار سيطرتهم على المدن، ويضمن بقاء الأسلحة في أيديهم، ويرفضون الاعتراف بضرورة عودة السلطة الشرعية للبلاد.

تدور هذه المعضلة الرئيسية في إطار من الاختلاف الحاد الذي قد يُفشل أي تقدم في الملفات الأخرى المتبقية، إذ أن الحوثيين يشترطون سلطة انتقالية جديدة لا تتضمن الرئيس: "هادي انتهى" -حسب تعبير أحد أعضاء وفدهم. وتكون لهذه السلطة الانتقالية التي يقترح الحوثيون أن تكون بين عامين وثلاثة أعوام القدرة على استلام السلاح من جميع الأطراف، يقصد حتى سلاح الحكومة نفسها أو الجيش الوطني، وتمثل مشكلة الميليشيات التي تعمل خارج إطار الحكومة والمدعومة من بعض أطراف التحالف العربي مبرراً للحوثيين، كما أن ضعف سيطرة الحكومة الشرعية على المناطق الخاضعة لإدارتها مبرراً آخر للجماعة في محاولة فرض رؤيتهم على الحكومة والدول العشر الراعية والتي يتواجد سفراءها ضمن جهود خلفية للضغط على الأطراف في السويد.

لكن ذلك يعود للسبب الرئيسي للوصول إلى هذه النقطة، وهو انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية في اليمن، واحتلال المؤسسات وبناء سلطات موازية لسلطة الدولة منذ 2014. وبدون حل هذه المعضلة بدون بقاء رمز للشرعية والانتخابات في البلاد ممثلة بانتخاب هادي رئيساً فإن البلاد ستدخل في دورة جديدة من العنف والخلافات التي لا نهاية لها.

تطرح الحكومة اليمنية مقترحاً يتمثل في تسليم الأسلحة والانسحاب من المُدن ثمَّ تشكيل حكومة ائتلافية يكون الحوثيون طرفاً فيها، لكن الحوثيين يرفضون ذلك ويرون الموائمة بين السياسي والأمني والبدء بالجانب السياسي المتمثل بحكومة انتقالية.

 يستقبل "غريفيث" رؤى الأطراف منذ فبراير/شباط2018 وقبله المبعوث "ولد الشيخ" بخصوص هذه المعضلة ولم تظهر أفكار جديدة من أجل الحل، وبدون إحداث انفراجه في هذا الملف فإن الحديث عن وقف إطلاق النار يبدو مستحيلاً.

 

ب‌.   ميناء الحديدة

تنجرف المدينة والميناء إلى حرب دموية يتوقع أن تكون الأوسع والأكثر تدميراً، وقد توقفت المعارك مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2018 بسبب ضغط كبير من المجتمع الدولي على التحالف.

يعي التحالف خطورة خوض معركة برية في شوارع وأزقة المدينة، فالعملية العسكرية المخطط لها كي تستمر 4 أسابيع قد تستمر أشهر عديدة، فلا يمكن التنبؤ بدرجة الاستعداد ولا بطريقة حرب العصابات في المدن التي قد تتحول إلى استنزاف طويل، فالحوثيون يحاولون أن يكون جهدهم منصب على عدم فقدان الميناء وبالتالي يعتبرونها معركة مصيرية. بعكس الحكومة الشرعية التي من المفترض أن ترى في معركة "صنعاء" وتحريرها من الحوثيين معركة مصيرية يمكن من خلالها إعلان انتصار على الجماعة تعود من خلاله لممارسة سلطتها من عاصمة البلاد الأصلية.

تجنباً لذلك تدفع الأمم المتحدة نحو اتفاق في ميناء الحديدة، يرى الحوثيون أن إشرافاً أممياً على الميناء ووارداته مقبولا، لكن الحكومة قد تقبل بشأن إشراف الأمم المتحدة على الميناء شريطة أن تكون بنفس الكادر الذي عمل في الميناء قبل (سبتمبر/أيلول2014) وتسليم الإيرادات للبنك المركزي اليمني في عدن، إلا أنها ترى وجود الحوثيين في المدينة أمراً لا يمكن السماح به وتطلب تسليم المدينة وبقية الموانئ للحكومة الشرعية. الولايات المتحدة والأمم المتحدة تعتقدان أن تسليم الميناء والمدينة لطرف محايد هو الأسلم.

لكن خارطة طريق تسربت أثناء المشاورات تبحث عن قبول الطرفين تشير إلى ضرورة إيقاف أي تصعيد عسكري، وانسحاب كل الوحدات العسكرية والميلشيات المسلحة من المدينة وموانيء الحديدة والصليف ورأس عيسى ، على أن يسلم الأمن لخفر السواحل وأمن المنشئات ويسلم إدارة الميناء للجمارك وكلها من المعينين قبل 2014م ونشر مراقبين أمميين، وتسلم المدينة للأمن المحلي وموظفي الخدمة المدنية والمنتخبين في السلطة المحلية سابقا لتسيير شؤون الحياة، فيما تسلم الإيرادات لفروع البنك المركزي في الحديدة بغرض تسليم رواتب موظفي الدولة إضافة إلى تسليم خرائط الألغام في المدينة وموانيئ الحديدية والصليف ورأس عيسى.

وإذا كانت مثل هذه الخارطة لم تنجح في نزع فتيل الحرب وتطبيع الأوضاع في الحديدة ، فإن تشكيل إدارة جديدة وطرف ثالث -كما كانت تنص مبادرة لولد الشيخ- تحتاج إلى وقت طويل تبعاً للآليات البيروقراطية في أجهزة الأمم المتحدة، ومن الصعب الحصول على فريق جاهز في غضون أسابيع، ما يعني إشعال توترقد يثير الحرب من جديد، والوقت ليس في صالح "غريفيث" وخطط الخطوة تتلوها خطوة أخرى.

،،

خارطة طريق تسربت تشير إلى ضرورة إيقاف أي تصعيد عسكري، وانسحاب كل الوحدات العسكرية والميلشيات المسلحة من المدينة وموانيء الحديدة والصليف ورأس عيسى

،،

 

ج. مطار صنعاء الدولي

توقف مطار صنعاء في أغسطس/آب2016 إلا من رحلات نادرة للأمم المتحدة؛ ذهب الحوثيون إلى مشاورات السويد طالبين فتحاً كاملاً للمطار وعودته كما كان قبل مارس/آذار 2015. بالمقابل ترى الحكومة اليمنية أنه بالإمكان رفع الحظر الجوي عن المطار لكن شريطة أن يتم تفتيش الطائرات في مطاري عدن وسيئون، وأن يتحول المطار إلى مطار داخلي.
 يرفض الحوثيون هذا المقترح ويتمسكون بمطلبهم. خلال الفترة بين مارس/آذار 2015 و أغسطس/آب2016 كانت الطائرات التي تقلع وتعود إلى مطار صنعاء تخضع للتفتيش في مطار بيشة السعودي.

يبرر الحوثيون رفض التفتيش في عدن وسيئون أن المطارين لا يخضعان لسلطات يمنية خالصة، وهو ما يوحي بأن سياسة التحالف خارج الهدف العام للتدخل العسكري الداعم للشرعية، أعطى الحوثيين موطئ قدم للانتقاص من شرعية الحكومة.

 

د. وضع البنك المركزي

يقف البنك المركزي عاجزاً عن مواجهة الانقسام الحاصل، وعاجزاً عن مواجهة مسؤولياته، حتى أن الوديعة السعودية المقدرة ملياري دولار لم توضع في أرصدة البنك بل في حساب للبنك المركزي اليمني في البنك الأهلي السعودي.

 لم يتسلم موظفو الحكومة في مناطق سيطرة الحوثيين رواتبهم منذ أكثر من عامين؛ وتصرف رواتب مناطق الحكومة الشرعية بشكل دوري؛ تقول الحكومة إن الحوثيين لا يسلمون الإيرادات للبنك المركزي في عدن وعليهم تحمل التبعات.

وضعت الأمم المتحدة البنك المركزي في أجندة المشاورات من أجل معالجة الانقسام الحاصل، لدفع رواتب الموظفين، وحتى تجد هيئة يمكنها تسلم إيرادات ميناء الحديدة وتسليمها لموظفي الحكومة. هناك 1.2 مليون موظف لم يستلموا مرتباتهم، وهي كارثة أخرى تضاف إلى الكارثة الإنسانية، كما أن انهيار العملة اليمنية بفعل انقسام البنك والمضاربة التي تبدو في جزء منها فِعلاً سياسياً وحربياً، يفرض على المتحاورين إيجاد حل لهذه الأزمة. ومع ذلك فإن الاتفاق السياسي مرتبط بكل ذلك.

 

هـ. الأسرى والمعتقلين والإغاثة الإنسانية

يبدو هذا الملف الأكثر تحركاً، فعلاوة على كونه ملفاً إنسانياً مهماً، إلا أنه سيخضع أيضاً للاتفاق السياسي لاحقاً. حقق الطرفان تقدماً في الاتفاق على "الإفراج عن الأسرى والمعتقلين" لدى الطرفين "الكل مقابل الكل". وفي التاسع من ديسمبر/كانون الأول، سلّم وفد الحوثيين قوائم  بأسماء أسراه، لكن الوفد الحكومي طلب مهلة للحصول على الأسماء من جبهات القتال.

سيبذل الطرفان جهوداً لتحقيق نجاح في هذا الملف، من أجل تطمين اليمنيين أنهم بدأوا في الالتئام والخروج من دائرة الحرب إلى الاتفاق.

بالنسبة للأرقام، هناك آلاف المقاتلين الحوثيين الأسرى في السجون التابعة للحكومة الشرعية وفي الأراضي السعودية ضمنهم قيادات في الصف الأول والثاني. كما أن هناك أكثر من 19 ألف معتقل سياسي في سجون الحوثيين، هؤلاء اختطفوا من منازلهم، لنشاطهم السياسي أو بدون نشاط فقط لأنهم يوالون الحكومة الشرعية.

في هذا الملف سيتحدث الطرفان عن انتشال الجثث من مواقع القتال، وتشكيل لجان تحت إشراف الصليب الأحمر.

 

مستقبل المشاورات

لا يمكن التعويل على المشاورات الحالية في إيجاد نهاية للحرب أو إيقافها، ستنتهي المشاورات يوم 14 ديسمبر/كانون الأول وستكون هناك جولة جديدة في يناير/كانون الثاني في دولة أخرى ربما تكون الكويت.

قد يحقق الطرفان اتفاقاً بشان مطار صنعاء إذا قبل الحوثيون بالتفتيش في المطارات اليمنية، كما أن إحداث تقدم في ملف الأسرى والمعتقلين مصلحة مشتركة للطرفين، لكن إحداث تقدم في ميناء الحديدة والبنك المركزي سيكون صعباً، ومع التزام الحكومة بتسليم رواتب الموظفين في صنعاء ووقف انهيار الريال كما حدث في نوفمبر/ تشرين الثاني فإن الحوثيين سيخسرون جانبا من سيطرتهم الاقتصادية. أما بالنسبة لمعضلة أيهما أولاً: السياسي أم الأمني فلا يبدو أن الطرفين سيتمكنان من إحداث تقدم.

،،

لا يمكن التعويل على المشاورات الحالية في إيجاد نهاية للحرب أو إيقافها، ففي نهم تستعد ثلاث مناطق عسكرية لخوض معركة صنعاء بأكثر من 25 لواء ووحدة عسكرية إلى جانب كتائب المهمات الخاصة 

،،

في حال انتهت المشاورات دون اقتناع الحوثيين بعودة الشرعية كسلطة انتقالية يشاركون فيها وتقديم الأمني على السياسي، قد يعاود التحالف في دعم الشرعية وخوض حرب السيطرة على ميناء الحديدة، وإن كان ذلك مكلفا وقد تحصل ضغوط دولية لمنع حدوث مثل هذا الأمر لتبعاته الإنسانية، لكن ستبقى معركة الحديدة جبهة استنزاف على طول 70 كم، وقد يبدأ التحرك العسكري الفعلي في منطقة "نهم" شرقي صنعاء باتجاه مديرية أرحب، خلال الفترة بين ديسمبر/كانون الأول2018 ويناير/كانون الثاني2019.

 ويبدو أن تحرك جبهة نهم هذه المرة بدافع شعبي (قبلي) عسكري ، أكثر من كونه توجها للتحالف الذي قد يقدم خدمات لوجستية وبعض طلعات الطيران الجوية، لكن لن يستطيع منع هذه المعركة .

في نهم تستعد ثلاث مناطق عسكرية لخوض معركة صنعاء بأكثر من 25 لواء ووحدة عسكرية إلى جانب كتائب المهمات الخاصة التي تدربت طوال الفترة الماضية على الحرب مع العصابات المسلحة واقتحام المدن.

في معركة نهم تتموضع المنطقة العسكرية الثالثة على يسار جبهة نهم، فيما المنطقة السادسة على يمين الجبهة ، والسابعة في قلب الجبهة، ويسعى الجيش الوطني والمقاومة في معركة نهم الجارية التقدم باتجاه صنعاء والوصول إلى البوابة الشمالية لأمانة العاصمة في أرحب، وقطع إمدادات الحوثيين باتجاه صنعاء ، وبذلك ستكون صنعاء محاصرة على الخط من الجنوب في "صرواح" إلى الشرق في نهم وصولاً إلى أرحب في خط اشتباكات يصل إلى 60كم. ما يعني السيطرة على مطار صنعاء فعليا حتى لو بقت الجهة الغربية للعاصمة خارج الحسابات كمنفذ للحوثيين، وبالسيطرة على المطار يمكن اعلان انتهاء الحرب وهزيمة المتمردين الحوثيين وبدء تفكيك الانقلاب عمليا على الأرض.

إذن يمكن للأمم المتحدة والرعاة الغربيين وجماعة الحوثي والحكومة الشرعية أن يتحدثوا عن طموحات بشأن المشاورات لكن الحديث عن أمل في وقف الحرب يبدو مستحيلاً، فطريق السلام في البلاد مايزال طويلاً وصعبا وهناك أطراف عدة دخلت على الحرب لم تكن موجودة في مارس/آذار 2015م.

 

خلاصة:

ليس أمام المتحاورين في السويد إلا الوصول إلى اتفاق يوقف الحرب ويعيد مؤسسات الدولة، ويجعل السلاح حق حصري للجيش الذي سيتشكل تحت اشراف محلي واقليمي ودولي بحيث تكون نواته الجيش الوطني التابع للرئيس الشرعي، وبدون تحقيق ذلك ستظل البلاد في دورات عنف متجددة حتى لو حدث اتفاق شكلي بضغوط خارجية.

 استعادة مؤسسات الدولة أولاً، وبناء المؤسسات التي تعرَّضت للهدم هو ما يكفل عودة وطن آمن مستقر، بنظام الدولة الجمهورية ووفقاً لما اتفق عليه اليمنيون في مخرجات الحوار الوطني، ضمن مرحلة انتقالية قصيرة تضمن التصويت على مسودة الدستور وتنتخب المؤسسات التمثيلية المعبرة عن الشعب من جديد، فكلما طالت المرحلة الانتقالية زادت الخلافات على المحاصصة.

ومالم يحصل الاتفاق أو انتصار طرف على طرف، فإننا أمام حرب طويلة تؤسس لفوضى في اليمن سرعان ما تخترق جدار الأمن الاقليمي وتهدد أمن دول الخليج بالذات وتضع ممرات التجارة الدولية في قلب تلك الفوضى.

 


هوامش

[1] قُتل صالح على يد الحوثيين في ديسمبر/كانون الأول 2017م بعد تحالف طويل أعلن عنه في 2014، لكن ملامحه ذلك التحالف يعود إلى تأريخ تسليمه للسلطة في 23 نوفمبر 2011م .

[2] مؤتمر يضم كل أطياف اليمن السياسية والاجتماعية والمناطق واستمر قرابة العام، وشارك فيه الحوثيون كذلك، وخلص إلى مخرجات الحوار الوطني التي كانت ثمرة مرحلة انتقالية كبيرة وناجحة استمرت بعد تعيين الرئيس عبدربه منصور هادي رئيساً توافقياً لليمن ضمن ما يعرف بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.

[3] أصبح وزير خارجية موريتانيا

[4] Jamal Khashoggi's murder could be a game-changer for the Yemen war https://edition.cnn.com/2018/11/19/middleeast/khashoggi-yemen-saudi-arabia-analysis-intl/index.html

نشر :