مدخل
دعا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لدورة انعقاد غير اعتيادية للبرلمان، وعقدت فعليا في 13 من ابريل/نيسان 2019 بسيؤون حضرموت، وتعد الجلسة الأولى لمجلس النواب منذ أن توقف بعد انقلاب تحالف جماعة الحوثي وصالح وسيطرتهم على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014م. |
،، قام الحوثيون في 2015 بحلّ مجلسي النواب والشورى، لكنهم أعادوهما عام 2016 بالتوافق مع صالح قبل أن يقتلوه وينتهي التحالف ويغادر معظم النواب صنعاء ،، |
حدثت أخر انتخابات للبرلمان عام 2003م، وسيطر حزب المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم) بـ238 مقعد في أغلبية كبيرة، وحزب التجمع اليمني للإصلاح (46) والحزب الاشتراكي (8) والحزب الناصري (3) واثنان لحزب البعث و(4) مستقلون؛ وتم التمديد للمجلس أكثر مرة عبر توافق سياسي، حتى 2011 عبر المبادرة الخليجية الذي جعلت قرارات المجلس تُتخذ عبر التوافق وليس الأغلبية.
قام الحوثيون في فبراير/شباط 2015 بحلّ مجلسي النواب والشورى، لكنهم أعادوا عمل المجلس عام 2016 بالتوافق مع علي عبدالله صالح رئيس الحزب الذي كان متحالف معهم قبل أن يقتلوه في ديسمبر/كانون الأول2017م لينهي ذلك التحالف. وغادر معظم أعضاء المجلس الموالين لصالح البلاد، مع بقاء بعضهم في صنعاء تحت سلطة الحوثيين وهم بضع عشرات.
الأغلبية الكبيرة لحزب المؤتمر الذي ظل منقسماً منذ انقلاب الحوثيين على السلطة في سبتمبر/أيلول2014، كانت واحداً من الأسباب التي عرقلت عودة جلسات المجلس رغم الدعوات المستمرة لانعقاده في مناطق الحكومة الشرعية.
دعا الحوثيون لانتخابات في 33 دائرة انتخابية، 24 منها فقط في مناطق سيطرتهم، في محاولة لرفع أعداد أعضاء البرلمان الموالون لهم ويعقدون اجتماعهم في صنعاء، والعدد لا يتجاوز 50 عضواً.
عقد مجلس النواب دورته انعقاد غير اعتيادية في مدينة سيئون (شرقي اليمن) يوم السبت 13 إبريل/نيسان 2019م، بحضور الرئيس اليمني ونائبه وحكومته ودبلوماسيون خليجيون وأجانب.
الجلسة الافتتاحية
في خارج الاجتماع، كانت القوات السعودية واليمنية تفرض طوقاً أمنياً واسعاً في محيط مقر الاجتماع. كانت السعودية أرسلت وحدات عسكرية وبطاريات باتريوت، إلى المدينة قبل أيام من الجلسة، وأسقطت طائرتين دون طيار في سماء المدينة ولم تتبن أي جهة مسؤوليتها أو امتلاكها لتلك الطائرتين فيما نفى الحوثيون مسؤوليتهم.
وافتتح المجلس دورته، بانتخاب هيئة رئاسة - باعتبار هيئة رئاسة المجلس التي يرأسها يحيى الراعي موجودة في صنعاء- كانت الكُتل البرلمانية والحزبية مع
،، افتتح البرلمان جلساته في ظل حماية سعودية يمنية بعد توافق الكتل البرلمانية مع مؤسسة الرئاسة على اختيار البركاني رئيسا والشدادي وباصرة وجباري نوابا ،، |
مؤسسة الرئاسة قد اتفقت على أن يكون سلطان البركاني رئيساً للمجلس (رئيس كتلة حزب المؤتمر الشعبي العام) إضافة إلى ثلاثة نواب هم: محمد الشدادي (مؤتمر) ومحسن باصرة (إصلاح) وعبدالعزيز جباري (مستقل).
حضر الجلسة 138 نائباً، ما يزيد بقليل عن النِصاب القانوني (النصف+1)، حيث أن أعضاء المجلس الحاليين 267 نائباً من أصل 301 نائب، 34 نائبا قد فارقوا الحياة، ما يجعل النِصاب (135 نائباً)، ما يعني أن الجلسة وفقاً للدستور والقانون مشروعة بالكامل، وهو ما يعيد الحياة لأطول البرلمانا عمرا كمجلس منتخب من قِبل الشعب وهيئة شرعية جديدة تستمد وجودها من مشروعية عبدربه منصور هادي رئيس المرحلة الانتقالية لليمن منذ 2012 وحتى انتهائها وفق المبادرة الخليجية التي أخرجت علي عبدالله صالح من السلطة ووضعت خارطة انتقال.
خلال الفترة القادمة سيقوم المجلس بتحضير الدوائر الداخلية الخاصة به ثمَّ سيناقش الموازنة العامة للدولة التي قدمتها الحكومة، عقب ذلك سيبدأ بجدول الأعمال.
الرافضون والمتغيبون
على الرغم من أهمية عقد جلسة البرلمان باعتباره سلطة متوافق على شرعيتها من الجميع -بما في ذلك الحوثيين- لكن هناك ارتباطات ومصالح ومخاوف من عودة البرلمان الذي يعزز الحكومة المعترف بها دولياً.
- الحوثيون: أعلن الحوثيون بدء انتخابات في 24 دائرة، وهاجموا انعقاد المجلس في سيئون، وتوعدوا بتنفيذ المادة 125 من قانون الجزاءات التي تنص على الإعدام ومصادرة الأملاك والأموال في جرائم "الخيانة العظمى". وقامت بالفعل بمداهمة منازل عدد من أعضاء المجلس قبل انعقاده بأيام.
اكتمال النِصاب في جلسة البرلمان في سيئون يجعل انتخابات الحوثيين إجراء شكلي غير قانوني ، لكن الحوثيين يأملون في استثمار هذه الخطوة مستقبلا في حال الوصول لاتفاق سياسي.
- المجلس الانتقالي الجنوبي: وهو هيئة مدعومة من الإمارات يقدم نفسه كسلطة أمر واقع عسكري وأمني في المحافظات الجنوبية وقد رفض مراراانعقاد البرلمان في عدن وسبق أن أكد أنه سيمنع بالقوة انعقاد جلسة البرلمان في المحافظات الجنوبية، لكن توجه السعودية وإرسالها لقوات عسكرية إلى سيؤون وتشديد الأمن في المدينة والتنسيق مع الإماراتيين حد من تنفيذ الانتقالي لتهديداته . ويخشى المجلس -ومعه أبوظبي- من أن عَقد جلسات البرلمان يضعف ادعاءاتهم كممثلين لتيار واسع من سكان المحافظات الجنوبية.
- موالون لـ"عائلة صالح": رفض عدد من النواب الحضور إلى جلسة البرلمان في سيئون مطالبين برفع العقوبات الدولية عن "أحمد" نجل "علي عبدالله صالح" المقيم في أبوظبي كشرط قبل حضورهم الجلسة.
- تُجار ورجال أعمال: لم يستطع أعضاء برلمان من رجال الأعمال والتُجار اليمنيين حضور جلسة "سيئون" بسبب مخاوف من انتقام الحوثيين وتأثر مصالحهم.
مرحلة جديدة
تعتبر عودة المجلس، الأطول عمراً بين كل برلمانات العالم، متأخرة لكنها مهمة للغاية في ظل محاولات استهداف الحكومة الشرعية وإسقاط مشروعيتها من عدوها -جماعة الحوثيين- أو حلفاءها مثل المجلس الانتقالي الجنوبي والإمارات العربية المتحدة.
من المتوقع أن الدور المناط بالمجلس خلال المرحلة القادمة، يأتي "من أجل التخاطب مع العالم وأيضا الرقابة على الحكومة والقيام بالدور المنصوص عليه في الدستور"[1]، ما يجعلهم جهة ممثلة لصوت الشعب. كما "سيعمل المجلس مع الحكومة والرئاسة، ويكون داعم للحكومة في أي من ملفات التفاوض القادمة مع الحوثيين"[2].
إن عودة البرلمان اليمني إلى ممارسة عمله الدستوري والقانوني والمهام المناطة به يعيد تعريف أطراف الحرب كانقلاب وشرعية بعد أن أصبح مصطلح الشرعية يضعف مؤخرا، وبالتالي فإن شرعية الرئيس هادي والحكومة المعترف بها دولياً وجدت مشروعية إضافية لها بدعم من يمثلون الشعب اليمني إضافة إلى تكوينات البرلمان السياسية والاجتماعية التي تزيد من قوة ومشروعية الرئيس هادي وحكومته، وهي رسالة أن الفاعلين الأخرين الذين نشأوا خلال سنوات الحرب -مع عدم التقليل من دورهم في المراحل القادمة سلباً وإيجاباً- يمكن احتواء طموحاتهم وإعطائها الحجم الحقيقي كفروع بعد أن حاولت دول وهيئات تقديمهم كأطراف رئيسية.
يمكن الإشارة إلى بعض القضايا التي ستتأثر بعودة الحياة البرلمانية:
- الحوثيون: انعقاد البرلمان ب"نِصاب" كامل يجعل من انتخاباتهم التكميلية دون قيمة، كما أنه قد يدفعهم لتشكيل برلمان خاص بهم. في نفس الوقت فإن محدودية فعالية ما تبقى من برلمانيين في صنعاء وإغلاق نافذة اتصال مهمة للحوثيين بالعالم الخارجي يجعل من شراكة الحوثيين مع "بقايا حزب المؤتمر" المتحالف معهم في صنعاء دون فائدة ترجى، ما يجعل الإطاحة بتلك الشراكة مسألة وقت.
في نفس الوقت يمكن للحوثيين اقتناص فرصة وقف الحرب بدعم تفعيل البرلمان ليكون سلطة متوافق عليها في خطط السلام التي تقدمها الأمم المتحدة.
لكن الجماعة ستكون أمام معضلة محدودية تمثيلها في البرلمان، فحتى الأعضاء الذين يعقدون جلسة -غير مكتملة النِصاب في صنعاء- معظمهم أعضاء في حزب المؤتمر ولا تضمن الجماعة ولائهم.
- حزب المؤتمر: أظهرت الجلسة ومحدودية المقاطعين من أعضاء مجلس النواب الداعمين ل"عائلة صالح" أن تأثير العائلة على الحزب تلاشت وأن الداعمين لسيطرتها على الحزب- كما تطمح للعودة إلى السلطة- أقل بكثير مما تأمل العائلة وداعموها. يمكن للمؤتمر استخدام البرلمان لتوحيد قواعده تحت قيادة موحدة وجديدة.
- الحكومة اليمنية: علاوة على دعم خطط الحكومة ومساعدتها خارجياً، يمكن للمجلس أن يستخدم كغطاء لمواجهة حالة الاختراق في ما يتعلق بالسيادة وحالة الانفلات والاستهداف الذي تقوده المليشيات المحلية والأطر السياسية التي تواجه الحكومة وعملية الانتقال السياسي وبدء التأسيس لمشروع الاتحاد الفيدرالي في المناطق المحررة، كما أنه يمكن أن يكون البرلمان واجهة لعملية عسكرية للحكومة اليمنية ضد الحوثيين باتجاه العاصمة صنعاء في حال دعمها التحالف .
- ملف السلام: دَعَم بعض الدول الكبرى والسفراء المعتمدون لدى اليمن عودة البرلمان، كجزء من دعم عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، لأن البرلمان هو المؤسسة الوحيدة المتبقية والمتوافق عليها وما يزال شرعياً بشرعية الرئيس والمبادرة الخليجية ووفقاً للدستور والقانون النافذ فإن أعضاء المجلس سيكونون قادرين على التأثير في الحكومة اليمنية من جهة وعلى الحوثيين، إذ يمكن للبرلمان أن يلعب دوراً كبيراً في مرحلة انتقالية -تطمح لها الأمم المتحدة- في تثبيت وقف إطلاق النار، أو مراقبته كلجان محلية باعتبار الأعضاء مؤثرين في مناطقهم في محافظات البلاد. فمعظم أعضاء المجلس هم من شيوخ القبائل أو على أقل أعطتهم المدة الطويلة في البرلمان جماهيرية وتأثير في مناطقهم، وقد تحول بعض أعضاء المجلس إلى مصلحين في القضايا والخلافات بين أبناء المناطق التي يمثلونها بعد انهيار النظام القضائي والنيابي للبلاد، وبتفعيل الحياة في المجلس، فإن ذلك سيمثل دفعة قوية كقوة ضغط شبه متجانسة.
قد تلجأ بعض دول التحالف إلى انتقاص شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي لصالح البرلمان، كما ستدعم دول هذه الخطوة للتقارب مع الحوثيين. وسيكون ذلك تحت ضغط أمريكي وأوروبي على الرياض الذي تزايد مؤخراً إلى جانب الضغط العسكري من الحوثيين الذين يكثفون هجماتهم على الحدود السعودية برياً وعبر طائرات دون طيار (انتحارية) وصواريخ باليستية.
- المجلس الانتقالي الجنوبي: بانعقاد البرلمان يفقد المجلس غطاء مهماً إذ أنه دائماً ما يقدم نفسه بهيئة حصلت على "تفويض شعبي"[3]، وهو ما يعبر عنه المجلس المدعوم من أبوظبي بأنه مخاوف من عودة هيمنة "القوى الشمالية"، مع أن انعقاد المجلس في منطقة جنوبية وحضور معظم أعضاء البرلمان الذين ينتمون للمحافظات الجنوبية يضع المجلس وهيئاته -المُلحقة- في عزلة محلية ودولية مجدداً بعد زيارات قام بها وفد من المجلس لعواصم أوروبية إلى جانب موسكو.
- النفوذ الإقليميّ: من المتوقع أن تستخدم الحكومة والرياض، المجلس لمواجهة النفوذ الإماراتي المتعاظم جنوبي اليمن، لذلك تعتبر أبوظبي عودة عمل المجلس استهدفاً لها. في نفس الوقت يمكن للرياض استخدام المجلس لتثبيت نفوذها ووجودها العسكري وخططها الاقتصادية في المحافظات الجنوبية (المهرة/سقطرى/ حضرموت) على وجهة التحديد.
خلاصة: بانعقاد البرلمان في سيؤون حضرموت كسبت حكومة الرئيس هادي الورقة السياسية الأهم وهو ما يتيح لها المناورة اكثر أمام الحوثيين والمجلس الانتقالي محليا وأمام التحالف اقليميا والأمم المتحدة دوليا. أمام البرلمان ملفات كبيرة أهمها الجانب الاقتصادي مثل إقرار الموازنة والاشراف على الادارة الاقتصادية وأداء البنك المركزي ومصادر الدخل القومي وإعادة الحياة لمؤسسات الدولة وصرف الرواتب والرقابة على أداء الموانيء والمطارات والمنافذ وتطبيع عودة الحياة في المناطق المحررة بالذات ما يتعلق بالخدمات الأساسية الصحة والتعليم والطرقات والاتصالات والكهرباء والماء واستعادة نشاط التجارة الاستيراد والتصدير. كما أن أمام البرلمان ملفات سياسية منها إعادة الثقة في العمل السياسي والأحزاب ودعم تحالفات سياسية واسعة لاستعادة الدولة ومراقبة أداء الرئاسة والحكومة وإعادة تعريف العلاقة بين الحكومة اليمنية والتحالف العربي وفق التفاهمات والاتفاقيات والحد من انتهاكات السيادة وإيقاف دعم الميلشيات خارج الدولة والنظر في أي اتفاقيات سياسية أو اقتصادية أوعسكرية أوأمنية جديدة مع اي دولة حسب ما تحددها المصالح التكتيكية والاستراتيجية للجمهورية اليمنية. كما أن البرلمان يمكن أن يلعب دورا كبيرا في عملية السلام وإنهاء حالة الحرب إذا أتيح له كمنظومة تشريعية رقابية معترف بها من كل الأطراف . |
[1] مقابلة عبدالعزيز جباري نائب رئيس المجلس مع وكالة سبوتنيك الروسية يوم 13 ابريل/نيسان 2019 https://arabic.sputniknews.com/interview/201904131040444916
[2] المصدر السابق
[3] يعود ذلك إلى تظاهرة في مايو/أيار 2017 حين تم الإعلان عن المجلس الانتقالي الجنوبي بعد طرد اثنين من المسؤولين الحكوميين هما محافظ عدن عيدروس الزُبيدي وهاني بن بريك وزير الدولة وتبعهم مسؤولين أخرين من مناصبهم الحكومية، فدعمت الإمارات إنشاء المجلس بالمال والسياسة، وخلال التظاهرة في عدن أعلن المجلس حصوله على "تفويض شعبي" لاستعادة الدولة الجنوبية التي كانت موجودة قبل عام 1990م.