دراسة جديدة لمركز أبعاد تتبع فشل السلام في اليمن.. تاريخ الحوثيين مع الاتفاقات يقلل من توقعات نجاح اتفاق وقف إطلاق النار الذي ترعاه الأمم المتحدة
أعلنت الأمم المتحدة عن هدنة لوقف إطلاق النار بين جميع الأطراف في اليمن بدأت يوم السبت الثاني من ابريل/نيسان، تستمر لمدة شهرين، لكن تاريخ الحوثيين مع الاتفاقات منذ 2004 وحتى الآن يقلص التفاؤل باحتمال نجاح وقف إطلاق النار وإمكانية أن يؤدي إلى هدنة مستمرة توصل لإنهاء الحرب التي بدأت في سبتمبر/أيلول2014م.
تشير دراسة حديثة لمركز أبعاد للدراسات والبحوث إلى تاريخ الحوثيين في الهُدن والاتفاقيات التي استخدمتها الجماعة لزيادة نفوذها وتمددها عبر البلاد منذ بداية تمرد الجماعة في 2004. في أكثر من 100 دراسة وموقف. وخلصت إلى أن الحوثيين يلجأون للاتفاقيات في حالة تعرضهم للضغط الذي يهدد وجود الجماعة، أو في حالة التحوّل في القيادة، أو الحاجة الملحة لاتفاق يحمي عناصرها وتقدمهم، ويؤمن إمدادات السلاح إلى الجماعة.
وتستخدم جماعة الحوثي: الإرهاب الممنهج وإشاعة الخوف، والنُظم القَبلية، والمراوغة السياسية، والوقت للحصول على تلك الاتفاقات. لكنها تقوم بالانقلاب عليها ونقضها: مستخدمة القوة المفرطة والضخمة والدفع بقوات كثيفة لتحقيق الهدف الذي من أجل تنقض الاتفاق، والتفسيرات المتضاربة لنصوص الاتفاقيات للتهرب منها، والسلوك الإيراني في المماطلة بالوصول، وإجبار الأطراف الأخرى على انتظاره.
تُقدم الدراسة بيانات للاتفاقات المهمة التي قام بها الحوثيون خلال الفترة من (2004-2021) وسلوك الجماعة خلال المفاوضات وتجاه المبادرات بين (2011-2022)، والتي تؤكد فرضية قامت عليها بأن الحوثيين ينقلبون بسرعة على أي اتفاق لا يضمن أهدافهم بالهيمنة والسيطرة على كل اليمن.
ولفتت الدراسة المعنونة " الإتفاقيات الهشة مع الحوثيين وفشل مبادرات السلام في اليمن " إلى أن سلوك الحوثيين خلال المشاورات يشير إلى أن الجماعة تنظر إليها لتحقيق: ضمان لإعلان انتصار كامل للجماعة والحصول على ثلث معطل في أي حكومة انتقالية، مع تنفيذه بشكل صوري لبنود الاتفاق المتعلقة به، برز ذلك بشكل واضح في "اتفاق السلم والشراكة" و"اتفاق ستوكهولم". كما يتضح أن إيران أصبحت ذات تأثير كبير على الحوثيين وفي قراراته، تشير مشاورات مسقط الخلفية في 2021 إلى حجم هذا التأثير، كما يوضح وجود إيرانيين خارج مشاورات جنيف 2015 لتقديم الاستشارات للحوثيين جزء من ذلك التأثير.
يستخدم الحوثيون الأحداث الإقليمية والدولية في معاركهم، وفي طريقة تنفيذهم للاتفاقات، كما يستغل الحوثيون عدم فِهم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لهم إلى فرض أجندتهم، ومضي "مراوغتهم السياسية" دون محاسبة أو عِقاب، ظهر ذلك بوضوح خلال تحرك الحوثيين من صعدة إلى صنعاء، وفي أزمة "الناقلة صافر"، وفي تنفيذ اتفاق الحديدة.
تعاملها في الاتفاقيات مع الحكومة
وتشير دراسة "أبعاد" إلى ثلاث مراحل متعلقة بالاتفاقات مرت خلالها الجماعة تغيرت خلالها سلوكها تجاه تلك الاتفاقات، الأولى خلال الحروب الست، وفيها استخدم الحوثيون تكتيكات متعددة في تلك الاتفاقات لتتكيف مع التحوّل الذي كانت تعيشه الجماعة مع التأسيس ثم التحضير لقيادة جديدة، ثم تأمين نفسها من هجمات الجيش والقبائل الموالية له، وتأمين مصادر وصول السلاح. استخدم الحوثيون الحالة السياسية اليمنية وخلافات المعارضة والسلطة كوسيلة لإدامة وجودها تحت الضغط كجماعة تمرّد، ولبث غضب السكان المحليين ضد السلطة والحصول على مزيد من المقاتلين. استخدمت الاتفاقات في تلك المرحلة لبناء المتارس وحفر الخنادق، والتجنيد للمزيد من المقاتلين من المحافظات الأخرى. أدى ذلك بطبيعة الحال إلى ظهور علامات تمرّد في المناطق القريبة من صنعاء. ثم مهاجمة السعودية بهدف تطمين الإيرانيين أنهم يواجهون خصمهم الإقليمي، وإثارة تعاطف السكان المحليين أنهم يتعرضون للاعتداء!
تمدد الحوثيين بين 2011-2014
تطرق دراسة" الإتفاقيات الهشة مع الحوثيين وفشل مبادرات السلام في اليمن" إلى المرحلة الثانية، خلال 2011-2014م، استخدمت الجماعة تكتيكات متنوعة بين اتفاقات ل"عدم الاعتداء" بينها والقبائل، خاصة قبل سقوط صنعاء، وعزّل القبائل القوية لضربها بشدة دون نصرة من القبائل الأخرى. كما توضح استغلال الحوثيين لأحداث 2011 للسيطرة على صعدة وعزلها. وخلال العامين اللاحقين قامت بتأمين وصول السلاح من ميناء ميدي في حجة إلى صعدة، واستغلت الانفتاح الديمقراطي في تلك الفترة للتجنيد وتقديم نفسها كمتضرر من النظام؛ والحصول على الأسلحة من إيران حيث استولت الحكومة على السفينة "جيهان1" التي كانت في طريقها من إيران إلى الحوثيين.
تميّزت هذه المرحلة بمراوغة الحوثيين، وعدم إشارتهم إلى الأهداف الرئيسية وأكدت مراراً أن هدفها ليس السلطة أو الحكومة أو الدولة أو القبيلة حتى تعزل أهدافها اتباعاً فبدأت: إنهم يواجهون فقط السلفيين الأجانب في دماج، ثم القبائل التي تهددهم، ثم أن الهدف هو "عائلة الأحمر" وليس قبيلة حاشد، ثم أن الهدف ليس عمران بل تغيير المحافظ وقيادة اللواء 310 مدرع وليس حزب التجمع اليمني للإصلاح أو قبائل عمران. وقامت معظم هذه الاتفاقيات على أساس هذه المبررات لكن سرعان ما نقضها الحوثيون مع تلك القبائل وبدأت مهاجمة مناطقها بسرعة.
وتشير معظم الاتفاقات التي عقدها الحوثيون مع القبائل إلى "الخط الإسفلتي" وعدم الاعتداء عليه وهذا الاتفاق منح قوات الجماعة التحرك من معقلها في صعدة إلى أي عمران وصنعاء ثم باقي المحافظات دون اعتداء. خلال هذه المرحلة استفاد الحوثيون بشدة من شبكة علي عبدالله صالح (الرئيس اليمني السابق) التي كونها خلال فترة حكمه 33 عاماً، إذ تحالف الحوثيون مع "صالح" الذي كان يحاول الانتقام من المعارضة التي ساهمت في إسقاطه من السلطة. كما استفادت الجماعة كثيراً من عدم فِهم الأمم المتحدة لطبيعة الجماعة كميليشيا مسلحة تسعى للسيطرة على البلاد. وقدمت نفسها كضحية تعرضت لهجمات وحروب بسبب كونها تمثل الأقلية الزيدية/الهاشمية على الرغم من أنها ادعاءات للحصول على مكاسب سياسية.
الحوار الوطني واستغلال المرحلة الانتقالية
وتشير دراسة مركز أبعاد للدراسات والبحوث إلى أن الحوثيين استخدموا المشاركة في الحوار الوطني للحصول على اعتراف دولي بكونهم مكون أساسي في البلاد، رغم رفضهم للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. وللتغطية على تقدمهم في المناطق المجاورة لمعاقلهم، وتحويل محافظة صعدة إلى محافظة خارج سيطرة الدولة وبناء منطقة مذهبية خالصة للجماعة، مستغلة المرحلة الانتقالية وإعادة هيكلة القوات المسلحة للسيطرة على تلك المناطق. ضمنت تلك المشاركة تفاعلاً وتأثيراً على الأمم المتحدة ومبعوثها جمال بنعمر الذي ظل يصف تقدم الحوثيين بين 2013-2014 بكونه بينها معارك بين جماعات مسلحة! حتى لاح خطر إسقاط الحوثيين للعاصمة صنعاء، أشار إلى الحوثيين بشكل مباشر. وافق الحوثيون على مخرجات الحوار التي تمثل إجماعاً يمنياً، لكنهم انقلبوا على ذلك ورفضوا مخرجات الحوار في "شكل الدولة"، واستخدموها كمبرر لإسقاط الحكومة والدولة في البلاد. لكن مبرراتهم كانت مطلبية بتغيير الحكومة وإيقاف قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية الذي قامت به الحكومة. فاعتصمت الجماعة في مداخل العاصمة صنعاء ووقعت اتفاقات مع القبائل على عدم الاعتداء، لكنها نقضت معظم تلك الاتفاقات وتوغلت في مناطقهم وسيطرت على الجبال والتلال الاستراتيجية.
اجتاح الحوثيون صنعاء وتوصلوا إلى اتفاق السلم والشراكة، الذي فرضوه على الأطراف السياسية والرئيس اليمني لكنهم سرعان ما نقضوا بنوده مجتمعة، وأرادوا إدارة البلاد من خلف الرئيس عبدربه منصور هادي. بعد سيطرتهم على صنعاء نقض الحوثيون معظم اتفاقاتهم مع القبائل التي كانت تقوم على أساس عدم دخولهم مناطق القبيلة، وشن الحوثيون حملات اعتداء على القبائل والسيطرة على مناطقهم وتفجير منازلهم ومساجدهم والبنية التحتية وتدمير أملاكهم وتهجير عائلاتهم وإعدام قادة القبائل تلك. مستغلاً حياد الجيش وسيطرتهم على أسلحته ومعداته ونقلها إلى صعدة.
تكتيكات الحرب الأخيرة
في المرحلة الثالثة تشير دراسة " الإتفاقيات الهشة مع الحوثيين وفشل مبادرات السلام في اليمن " إلى طبيعة الاتفاقات التي قام بها الحوثيون وبقية الأطراف والقبائل وسلوكهم تجاهها وطبيعة نقضهم لها، بعد عمليات عاصفة الحزم في مارس/آذار2015، حيث استخدم الحوثيون تكتيكات متعددة، تضمن تمددهم في تلك القبائل لصالحهم. وعززوا اتفاقيات أخرى تضمن انتقال قواتهم من صنعاء وصعدة إلى جبهات القِتال دون اعتداء من القبائل ويضمن الحوثيون عدم دخول أراضيهم والتمترس فيها. لكن الحوثيين نقضوا هذه الاتفاقات وشنوا حملات لاجتياح مناطقهم وتدميرها وسحل شيوخها وتفجير منازلهم، وتدمير أملاكهم، كما حدث مع قبائل "حجور" في حجة، وقبائل عنس في محافظة ذمار، ومناطق أخرى، وتم تنفيذ عمليات اعدام لعدد من زعماء هذه القبائل كما حدث في البيضاء.
خلال هذه المرحلة عملت جماعة الحوثي على منهجية إلغاء دور شيوخ القبائل وقامت ببناء كيانات موازية، بين ذلك "ميثاق الشرف القبلي" الذي بدأ في جمع توقيعات منذ 2015 وبدء تنفيذ إجراءاته في 2019، بدلاً من أي اتفاقات أخرى مع القبائل. ويبرر للجماعة عزل شيوخ القبائل الذين لا يريدونهم واتهامهم بالخيانة وتفرض عليهم إرفاد جبهات القِتال بالمزيد من المقاتلين. وهو ما ينقض الاتفاقات السابقة مع شيوخ قبائل بأن يديروا مناطقهم دون تدخل الحوثيين ولا تقوم القبيلة ككيان بالتجنيد. إضافة إلى إجبارهم على دفع تكاليف جبهاتهم إذا رفضوا دفع المزيد من المقاتلين.
خلال هذه المرحلة انفرط عقد تحالف الحوثيين مع "صالح" الذي قُتل في نهاية 2017م، واستهدف الحوثيون أنصار صالح وأعضاء حزب المؤتمر، بما يعني حرفياً "تطهيرهم من المؤسسات". لتكشف الجماعة عن الدرجة التي يمكن أن يوصلها الانتقام.
وخلال هذه الفترة خاض الحوثيون جولات مفاوضات ومشاورات بين جنيف وظهران الجنوب، والكويت واستكهولم، ومشاورات أخرى خليفة في مسقط، وتوصلت إلى اتفاقين "ظهران الجنوب" و"ستوكهولم"، وهي اتفاقات في قضايا فرعية وليست حلاً شاملاً ينهي الحرب، لكن الجماعة نقضت كل تلك الاتفاقات بالصواريخ و"المراوغة السياسية"، والتي تتزامن عادة مع أحداث إقليمية ودولية، وخروجها من حالة الضغط العسكري الموجه ضد الجماعة.
في مارس/آذار2022 قدم مجلس التعاون الخليجي دعوته للأطراف اليمنية إلى حوار يمني-يمني في الرياض، وفيما استجابت الأطراف اليمنية رفض الحوثيون. فيما يبدو أنه استجابة لإيران التي تعوّل على مشاوراتها الخاصة مع الرياض في مقايضة الملف اليمني بملفات أخرى. وقامت جماعة الحوثي بمهاجمة المملكة العربية السعودية بالعديد من الصواريخ والطائرات المسيرة بعد أسابيع من مهاجمة الحوثيين لمنشآت إماراتية إلى جانب قاعدة الظفرة الجوية الأمريكية في أبوظبي. على الرغم من أن وجود مبادرة من دول مجلس التعاون يساعد اليمن بشكل كبير، مع وجود ضامن الحوثيين ممثل بسلطنة عمان.
كما خلصت دراسة مركز أبعاد إلى أنه دون وجود ضغط عسكري على الحوثيين وتجريده من عوامل القوة والأسلحة والدعم والتأثير الخارجي فإن الجماعة لن تذهب إلى مشاورات لصناعة سلام في اليمن، وتندفع إلى تنفيذ أي اتفاق. وبدون ذلك ستستمر طويلاً في اليمن مدججة بأسلحتها مؤثرة على المنطقة والأقليم والتجارة الدولية.
وتشير الأيام الثلاثة الأولى من الهدنة إلى قيام الحوثيين بالاستعداد لمعارك قادمة حيث قام الحوثيون: بخرق الهدنة عشرات المرات، إضافة إلى زيادة التعزيزات مستغلين غياب طيران التحالف، كما تقوم الجماعة بحفر الخنادق وبناء المتارس.
وهو ما يؤكد أن الحوثيين لا يريدون المضي قُدماً في اتفاق سلام لا يضمن انتصارهم الكامل وينظرون إلى الحرب كأداة قادرة على تحقيق أهداف الجماعة بالاستحواذ على اليمن دون مشاركة بقية اليمنيين.