مقدمة
اختتم المجلس الانتقالي الجنوبي، يوم الإثنين (الثامن من مايو/آيار2023)، فعاليات لقاء التشاور والحوار الجنوبي بمشاركة مكونات في الحراك الجنوبي ومنظمات المجتمع المدني وقادة عسكريين وقبليين في محافظات جنوب البلاد؛ أصدر خلالها ميثاقاً وطنياً، وأعقبه إعادة هيكلة شبه كاملة للهيئات القيادية للمجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات وهي الهيكلة الكاملة الأولى منذ تأسيس المجلس عام 2017.
وجرى تنفيذ المؤتمر (اللقاء التشاوري) الذي استمر بين 4و8 مايو/آيار 2023، تحت شعار (من أجل جنوب جديد يجسد تطلعات شعب الجنوب في الاستقلال واستعادة دولة الجنوب الفيدرالية المستقلة) في محاولة لإرسال رسائل أن النظام القادم في الجنوب سيكون مختلفاً عن النظام الذي حكم اليمن الجنوبي 1967و1990، الذي كان مركزياً للغاية. لكن عدداً من المكونات والكيانات الجنوبية قابلته بالكثير من التشكيك، وهو ما كان متوقعاً في ظل السلوك الذي قدمه المجلس الانتقالي منذ تأسيسه، وحتى العام الماضي بعد السيطرة على محافظة شبوة الاستراتيجية الغنية بالنفط، كونه يذكر المحافظات الجنوبية والشرقية بالجرائم التي رافقت حكم الحزب الاشتراكي.
تكمن أهمية هذا المؤتمر في أنه يأتي في وقت يبدو أنه لا يوجد منتصر في الحرب اليمنية المستمرة منذ 2014، وفي تدخل إقليمي عربي في 2015. وبداية شهر أبريل/نيسان الماضي زار وفد سعودي برئاسة سفير المملكة لدى اليمن محمد آل جابر، العاصمة صنعاء للتفاوض مع الحوثيين بشأن اتفاق سلام في اليمن بعد مشاورات استمرت أشهر في العاصمة العُمانية "مسقط" بين الطرفين؛ وهي مشاورات اتهم فيها المجلس الانتقالي الجنوبي الرياض بإقصاء أصحاب "المصلحة الرئيسيين"[1].
انعدام الاجماع الجنوبي:
المجلس الانتقالي الجنوبي هو واحد من حوالي 20 منظمة وتكتل يتشكل منها الحراك الجنوبي، وهو الحراك الذي بدأ في 2007، بشأن القضية الجنوبية التي تشير إلى مظالم حدثت بعد الحرب الأهلية في 1994. ولا تقبل جميع هذه التكتلات بأي حال مطالبة المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة القضية الجنوبية أو باعتباره ممثلاً للمحافظات الجنوبية. لذلك من المهم في اللقاءات التشاورية الجنوبية أن يشمل معظم الكيانات الفاعلة في المحافظات الجنوبية من الحركات السياسية النضالية، إلى الشخصيات المؤثرة والفاعلة من كل المناطق والخلفيات الفكرية والسياسية بما فيها الموجودة في المهجر؛ وهو أمرٌ كان في حسبان قيادة المجلس الانتقالي، التي بذلت خلال عام ونصف جهوداً متواصلة لعقد لقاءات مع عدة مكونات تمهيداً لعقد هذا اللقاء التشاوري الذي حضره (330 شخصاً).
ومن الصعب تقييم عدد الجهات الفاعلة والمنظمات في الحراك الجنوبي التي تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي فعليًا أو رسميًا اليوم؛ لكن من الأسهل فهم الأسباب التي تعارض تمثيل المجلس الانتقالي للقضية الجنوبية أو للجنوب. فهناك هويات مناطقية واضحة ومستمرة في المجلس الانتقالي، إلى جانب أن الصراعات داخل النخبة الجنوبية مستمرة في التأثير على التطورات في جنوب اليمن حتى اليوم. على سبيل المثال تبرز قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي بشكل أساسي من محافظتي الضالع ولحج، في حين أن كثيرين من دعاة الفيدرالية أو الحكم الذاتي ينحدرون من أبين التي ينتمي لها الرئيس السابق عبدربه منصور هادي والرئيس الأسبق على ناصر محمد؛ وهما ضمن طرف المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الذي خسر حرب يناير1986، وهربوا إلى شمال اليمن. ولا تزال الأطراف اليمنية في الجنوب تُعرِّف الطرفين باسم (زمرة) و(طغمة)، حيث تطلق صفة (الزمرة) على الطرف الذي خسر في حرب يناير 1986، فيما يُطلق على الطرف المنتصر وصف (الطغمة). وعلى الرغم من أن هناك العديد من الشخصيات الرئيسية في الجنوب تعلن تأييدها للانفصال، لكنها تخشى سيطرة المجلس الانتقالي الذي قدم سلوكاً اقصائياً وتهميشاً لمعظم الكيانات والمناطق خلال الفترة الماضية؛ إلى جانب أنه وعلى الرغم من الاختلافات السياسية بين الكيانات في المحافظات الشرقية إلا أنها تتفق أن تبقى جزءاً من اليمن شريطة أن تتمتع بالحكم الذاتي، ولا تريد الدخول في الدولة الجنوبية؛ حتى أن المطالبة بالانفصال ككيانات منفصلة لتكوين دولة مستقلة تأتي لتوسيع المناورة السياسية بهدف تحقيق الحكم الذاتي، لا سيما بالنظر إلى مستقبل اليمن كدولة لامركزية. كما تخشى هذه المحافظات (الشرقية) من شبح عودة دولة الجنوب السابقة حيث عانت تهميشاً واقصاءً لأدوارها التاريخية والثقافية، وصارت تابعة للمركز في عدن، وهو أمر لم يكونوا ليتوقعوه مع سيطرة الجبهة القومية وإعلان استقلال الدولة في 1967. فعلى سبيل المثال لم تكن حضرموت -حتى ذلك التاريخ- تابعة لمركز آخر، على العكس من ذلك، كانت مركزًا بحد ذاته. ولم يكن هناك ما يشير إلى أن هذا سيتغير عندما غادر البريطانيون جنوب اليمن في نوفمبر 1967 وولدت دولة جديدة. ومع ذلك، ألغت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (PDRY)، المعروفة باسم اليمن الجنوبي، على الفور جميع السلطنات والمشيخات التي كانت مرتبطة بالبريطانيين، بما في ذلك سلطنة القعيطي والكثيري[2].
وبالتالي، فإن حدوث لقاء تشاوري لتحديد رؤية موحدة للقضية الجنوبية أو للدولة الجنوبية الجديدة بحاجة إلى تجاوز هذا الإرث من الخلافات والتعقيدات؛ وبالنظر إلى المكونات الحاضرة في هذا المؤتمر نلاحظ أن المجلس الانتقالي حرص على وجود ممثلين عن المحافظات الشرقية (حضرموت وشبوة والمهرة وسقطرى) لتأكيد تمثيله لجنوب اليمن وليس فقط الضالع ولحج. لكن أهم مكونات الشرق رفضت المشاركة في اللقاء التشاوري مثل: مؤتمر حضرموت الجامع، ومرجعية حلف وقبائل حضرموت، وكتلة حضرموت النيابية وقيادة الهبة الحضرمية، ولجنة اعتصام المهرة وغيرها. وهي مكونات لها وجود فاعل ومؤثر في تلك المحافظات، وأكثرها تشكلت قبل سنوات من تأسيس المجلس الانتقالي. كما صدرت بيانات الرفض من تيارات وقوى وشخصيات سياسية مؤثرة، كما هو الائتلاف الوطني الجنوبي، بقيادة رجل الأعمال أحمد صالح العيسي، والمؤتمر الوطني لشعب الجنوب بقيادة محمد علي أحمد، والمؤتمر الشعبي الجنوبي بقيادة المهندس أحمد الميسري، والاسماء الآنفة تنتمي إلى محافظة أبين، التي لم ينجح الانتقالي في تجاوز عقدتها التاريخية عبر تمثيل وازن ضمن مشروع المجلس ورؤيته[3]. فيما احتفظ الرئيس الأسبق على ناصر محمد بمسافته بعيداً عن تأييد المجلس الانتقالي الجنوبي. إضافة إلى رفض السفير أحمد عبدالله الحسني وهو أحد أبرز القيادات الجنوبية في الخارج المشاركة في اللقاء.
بالإضافة إلى ذلك لم يؤيد أو يشارك في هذا المؤتمر أعضاء الفريق التفاوضي من الحراك الجنوبي والقيادات الجنوبية الذين شاركوا في مؤتمر الحوار الوطني الشامل (NDC) في صنعاء بين مارس / آذار 2013 ويناير / كانون الثاني 2014، وجمع 565 مشاركاً من مختلف الأطراف السياسية والخلفيات الجغرافية. وهو المؤتمر الذي كان فرصة جيدة للتعبير عن المظالم وتقديم رؤى مناسبة لحل مختلف القضايا، بما فيها القضية الجنوبية التي عززت الحكم الذاتي، وتمكنت من معالجة كثير من مظالمها، وتقديم اعتذار من الحكومة اليمنية-آنذاك- عن تلك المظالم[4].
صوت الرفض الأعلى كان من محافظة حضرموت، خاصة وأن الرفض جاء من أبرز القوى والتكتلات ذات الوزن السياسي والقاعدة الجماهيرية، وفي مقدمتها مؤتمر حضرموت الجامع، وقيادة الهبة الحضرمية، ومرجعية حلف وقبائل حضرموت، والعصبة الحضرمية، وكتلة حضرموت النيابية، وتجمع آل باكثير، وكذلك الحال مع محافظة المهرة المجاورة لحضرموت، حيث ظهرت مواقف الرفض من مكونات المهرة، وعلى رأسها المجلس العام لأبناء المهرة، ولجنة اعتصام المهرة. الأمر الذي حرم الانتقالي من امتياز كان يسعى للحصول عليه، سيما مع ما تمثله محافظات الإقليم الشرقي التي تشمل حضرموت والمهرة وشبوة وسقطرى من أهمية استراتيجية واقتصادية، وبالنظر لوجود صراع إقليمي ودولي على النفوذ في تلك المحافظات؛ ودور تلك المحافظات الطرفية في اليمن، كما أن حضرموت بدأت تستعيد وجودها الثقافي والاقتصادي التاريخي كمركز للمحافظات المجاورة وربما كل اليمن، ولن تقبل أن يضحى بعض أبنائها بالمكاسب التي حصلت عليها في سبيل الوصول إلى الحكم الذاتي، مقابل الدخول في مشروع العودة إلى دولة اليمن الجنوبي حيث تعرضت المحافظة للتهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
كان واضحاً للغاية غياب شخصيات وازنة في المجلس الانتقالي منذ التأسيس على سبيل المثال غاب الشيخ القبلي صالح بن فريد العولقي وهو أحد الأسماء التي برزت في هيئة رئاسة الانتقالي عند تأسيسه وأحد أبرز مشائخ شبوة. كما جاء "اللقاء التشاوري" في وقت يبدو فيه ضعف المجلس الانتقالي في محافظة لحج واضحاً، حيث تمثل قبائل الصبيحة ومقاومتها أحد مراكز القوة الكبيرة للمجلس الانتقالي، وبعد تأسيس قوة درع الوطن (الموالية للسعودية) التي ينتمي معظم قادتها إلى هذه القبيلة ، تزايدت المعارضة للمجلس الانتقالي، واندلعت الاشتباكات في ديسمبر/كانون الأول2022 بين رجال قبيلة الصبيحة ضد وحدات الحزام الأمني (القوة الفاعلة للمجلس الانتقالي) على الطريق الذي يربط لحج الساحلية بمنطقة مضيق باب المندب؛ وأُجبرت قوات الحزام الأمني في وقت لاحق على الانسحاب من مواقعها السابقة[5].
كما وتسيطر قوة درع الوطن أيضا على قاعدة العند الجوية الإستراتيجية بعد انسحاب قوات المجلس الانتقالي والجنود السودانيين. أما حمدي شكري الصبيحي وهو قائد سلفي وعسكري بارز، وقائد اللواء الثاني عمالقة وهي مجموعة أسستها الإمارات وترعاها على نطاق واسع وأقرب حلفاء الانتقالي، فعلى الرغم من تعاون المجلس الانتقالي الجنوبي والصبيحي على مراحل، إلا أنه لم يخضع أبدًا لقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي؛ ومن الصعب أن تضمن استمرار ولائه حيث تثبت قبيلة الصبيحة تحالف قادتها حتى لو كانوا في كيانات مختلفة. كما لم تبرز أي قيادة أو كيان من محافظة عدن وهي العاصمة المؤقتة والرئيسية للبلاد، وهو تكرار لطريقة الحكم والسلطة في عهد الجبهة القومية التي همشت الكوادر الإدارية من أبناء عدن لحساب أبناء المناطق الأخرى الذين طالما تقاتلوا في عدن وظلوا يديرون صراعاتهم السياسية والعسكرية فيها.
كان أبرز تقدم حققه المجلس الانتقالي الجنوبي في جمع الكيانات المختلفة هو ضم القيادي في الحراك الجنوبي فادي حسن باعوم، الذي يقود مكوناً يطلق عليه مجلس الحراك الثوري، رغم أن المجلس نفسه عقد مؤتمراً تنظيمياً أعلن فيه تشكيل قيادة جديدة استبعدت فادي باعوم بعدما تبين احتواؤه من المجلس الانتقالي، ومع ذلك فقد شارك باعوم ممثلا عن هذا المكون، معلناً باسمه أيضا الانضمام للمجلس الانتقالي. كما استطاع الانتقالي تشجيع عدد من النشطاء الموالين له لإعلان انشقاق عن مكون آخر يحمل الاسم نفسه، بعدما عجز الانتقالي عن احتواء رئيسه فؤاد راشد، وخلال فعالية دعمها الانتقالي أعلن عن اختيار قيادة جديدة أعلنت هي الأخرى مشاركتها في اللقاء ثم الانضمام إلى الانتقالي.
الاختراقان الجديدان الذي حققهما الانتقالي قبيل عقد لقائه الأخير تمثلا في احتواء القياديين في الحراك علي هيثم الغريب وعيدروس اليهري، يتزعم الأول مجلس الحراك الجنوبي، ويقود الثاني مجلس الحراك الثوري، وهي مكونات لا تمتلك قاعدة شعبية وليس لها حضور في الواقع. ويضاف إلى المكونات التي احتواها الانتقالي عبر هذا اللقاء تجمع (تاج)، وهو مكون سياسي كان له نشاط في لندن قبل نحو 20 سنة، غير أنه تراجع في السنوات الأخيرة، وأصبح كثير من عناصره تابعين للمجلس الانتقالي، ومع ذلك فقد أعلن عن نفسه هذه المرة من خلال عدد من النشطاء.
ورغم إعلان المجلس الأعلى للحراك السلمي بقيادة سراج أبو مدرم، رفضه المشاركة فقد شارك فادي باعوم ممثلاً عن المجلس نفسه، وكذلك الحال مع المجلس الذي يقوده "فؤاد راشد"، تمكن الانتقالي من تنصيب قيادة جديدة موالية له[6]. ومن ثم أعلن المجلسان انضمامها للانتقالي بشكل رسمي، ورغم اعتبار المجلس الانتقالي هذا تقدماً جديداً له إلا أن هذه الكيانات ليست وازنة في المحافظات الجنوبية ولا تمتلك قاعدة شعبية ولدى بعضها أكثر من قائد معلن.
الميثاق الجنوبي قراءة في خفايا الصراع
وقعت 33 شخصية من المكونات والهيئات ومنظمات المجتمع المدني على الوثيقة التي أطلق عليها "الميثاق الوطني الجنوبي" في اليوم الختامي للقاء التشاوري، وتضمنت الوثيقة مقدمة وثلاثة محاور: المحور الأول، مبادئ وأسس عامة؛ والثاني قضية الجنوب؛ وتضمن الثالث أحكاماً عامة تخص الوثيقة والموقعين عليها. وفي الميثاق نشير إلى الآتي:
أولاً: مسؤوليات الدولة المتخيلة وشكلها
1) يشير الميثاق الوطني الظاهر إلى مجموعة سائدة من الأسس الحاكمة التي تصاغ في معظم بيانات الميثاق في الحالة التي تهدف لجمع الناس وتوحيد الكيانات المنقسمة بينها: "لا يحق لأحد أن ينتهك حقوق المواطنة المتساوية لأي مواطن جنوبي أو ينتقص منها أو يسلبها منه، أو ينسب إليه تهمة الخيانة الوطنية أو يمارس عليه الاقصاء والتهميش السياسي". ويشير الميثاق إلى "احترام الهويات والخصوصيات الثقافية والتاريخية وصيانتها في إطار الهوية الوطنية الجنوبية الجامعة"، في محاولة لتقريب المحافظات التي تتهم المجلس الانتقالي والنظام الماركسي في دولة جنوب اليمن بإلغاء خصوصياتها التاريخية والثقافية.
استمر الميثاق في الحديث عن الهوية الوطنية الجامعة لكل المواطنين "الجنوبيين"، وهي إشكالية مهمة للغاية في إطارها البنيوي لأي دولة، حيث سيطرت المناطقية في عهد الدولة الجنوبية السابقة. ويخشى سكان المحافظات الشرقية من تعامل مماثل. ولم يكن الحضارم اليمنيين الجنوبيين الوحيدين غير الراضين عن الوضع في بلادهم. حيث كان النظام الشيوعي مدركًا لإرث الهويات الإقليمية التي تجاوزت حكم البريطانيين وتمنى إخضاعهم إلى هوية يمنية جنوبية واحدة. وتحقيقاً لهذه الغاية، قررت عدن في عام 1967 إصدار مرسوم يستبدل أسماء محافظات البلاد بأرقام متسلسلة. (كان رمز حضرموت الرقم 5) ولكن بعيدًا عن حل الهويات الإقليمية ودمج المجتمعات المتميزة في واحدة، جاءت هذه الخطوة بنتائج عكسية، وشهد الجنوب تظاهرات ضد إعادة تسمية وطنهم برقم فتم إلغاء المرسوم في عام 1979.[7]
2) وعود بشكل الدولة: تقدم الوثيقة وعداً بأن لا تكون "الدولة الجنوبية" كتلك التي كانت قبل 1990، التي هيمن فيها المركز "عدن" على كل المحافظات، على الرغم من التأكيد على أنها ستقام على الحدود التي كانت عليها (1967-1990) وتقول: "تبنى الدولة الجنوبية على أساس الدولة الاتحادية الفيدرالية، والمدنية الديمقراطية، العربية الإسلامية المستقلة ذات سيادة، تقوم وتتأسس على الإرادة الشعبية والمواطنة المتساوية وسيادة القانون، وضمان حق الأقاليم في الإدارة المحلية كاملة الصلاحيات بعيداً عن هيمنة السلطة المركزية، ومنحها سيطرة كاملة على مواردها وسياساتها مع المحافظة على الوحدة الوطنية". وهو أمرٌ يتكرر مع عام 1967، عندما تم إلحاق المحافظات الأخرى بالمركز عدن وهو ما أغضب سكان هذه المحافظات. على سبيل المثال كان يتوقع مناضلو جبهة التحرير الوطنية في حضرموت أنه بعد خروج الاحتلال البريطاني أن تعطى المحافظة -والأمر ذاته في المحافظات الأخرى- شكلاً من أشكال الحكم الذاتي على الأقل بناءً على تاريخها وقوتها الاقتصادية والاجتماعية، وهو الذي لم يحدث. بدلاً من ذلك، أدى شكل الحكم الذي اتبعه النظام في العاصمة عدن إلى تقليص مكانة حضرموت؛ حيث أصبحت حضرموت ببساطة واحدة من عدة محافظات في الدولة الجديدة. علاوة على ذلك، تبنى النظام نظامًا اشتراكيًا دعا إلى المركزية الصارمة للإدارة بجميع أشكالها. وحوّل هذا جميع المحافظات إلى أقمار تابعة لمحافظة عدن[8].
يؤجل الميثاق اسم "الدولة الجنوبية" الموعودة حتى الاستفتاء على الدستور. كما يؤكد على أن النظام السياسي سيقوم على أساس مبدأ الفصل بين السلطات والتعددية السياسية؛ لكنه "يحرم ويجرم" تكوين الأحزاب السياسية على أساس ديني أو مذهبي أو طائفي أو عرقي أو سلالي أو جهوي أو مناطقي، ولم يكن هناك أحزاب معروفة في اللقاء التشاوري عدا ممثلين عن الحزب الاشتراكي. كما يوجد ممثلين عن حزب جبهة التحرير، (نفى الحزب علاقة المشاركين به)، ولا يوجد أي وزن لهذا الحزب في البلاد. وسبق أن خاض المجلس الانتقالي والإمارات معارك واستهداف -يشمل القتل- لقيادة وأعضاء الأحزاب الرئيسية في البلاد بينها حزب الرشاد السلفي وحزب التجمع اليمني للإصلاح[9].
3) حرية الفكر والعبادة: يؤكد الميثاق على حرية الفكر، لكنه يشير إلى "تحريم وتجريم كل أشكال الغلو والتعصب والتطرف الديني والمذهبي والطائفي، وتجفيف كل منابعه المباشرة وغير المباشرة"، ويمكن أن يستخدم هذا البند الوارد في الميثاق كأداة لمطاردة أعضاء الأحزاب التي تنتهج أي فكر مخالف. كما يمنح الميثاق "الدولة الجنوبية" الحق في بناء ما أسماها "الشخصية المسلمة السوية" عقلاً وفكراً وسلوكاً، وهو أمر يتنافى مع حرية الفكر والانتماء.
يمنح الميثاق السلطة القيام بإدارة شؤون المساجد "وموارد أوقافها ودعمها وتعيين ومحاسبة أئمتها والعاملين فيها ومضامين الخطب والمحاضرات والتدريس فيها، ومنع استخدام المساجد لخدمة أي أهداف، أو أجندات أو مشاريع سياسية أو تحريضية هدامة تضر بالسلم والأمن الاجتماعي والوطني". ومصطلح السلم والأمن الاجتماعي والوطني مصطلحات فضفاضة يمكن أن تستخدم لاستهداف المعارضين للمجلس الانتقالي أو لأيٍ من سلطاته.
4) حظر اتخاذ القرار: يحظر الميثاق اتخاذ قرار يخالف ما أسماها "إرادة شعب الجنوب": لا يحق لأي أحد اتخاذ سلطة أو قرار مصيري، خلافاً لإرادة شعب الجنوب، دون أن يحدد الآليات الممكنة لمعرفة إرادة المواطنين اليمنيين الجنوبيين، ويمكن أن يُستخدم ذلك كأداة لاحتكار المجلس الانتقالي - أو السلطة الحاكمة في الدولة الموعودة- هذه "الإرادة"، والميثاق باعتباره دستوراً يواجه الأشخاص المخالفين له بعقوبة الخيانة. كما أن بالإمكان استخدامه لاستهداف الكيانات التي ترى في الحكم الذاتي أو الفيدرالية ضمن دولة اليمن خياراً مناسباً.
5) فتح باب التهجير: بدأ المجلس الانتقالي الجنوبي منذ 2017 شن حملات طرد اليمنيين المنتمين للمحافظات الشمالية من المحافظات الجنوبية التي تخضع لسيطرته[10]؛ على الرغم من أن كثيرين من قادة المجلس الانتقالي يقولون للمبعوثين والدبلوماسيين الغربيين إنها إجراءات فردية. يشير الميثاق إلى خلاف ذلك في حديثه عن الديمغرافيا: حماية الديمغرافيا الجنوبية وحفظ وتوثيق السجل المدني قبل 1990 ومراجعته عقب ذلك. فإلى جانب مخاطر حدوث حملات تهجير واسعة، وتجريم "إخفاء اليمنيين الشماليين"، كان تغيير الديمغرافيا والقتل على الهوية أمراً شائعاً في حكم النظام الماركسي جنوبي اليمن، والتي أوصلت إلى الحرب الأهلية في 1986م.
6) طي صفحات العنف السياسي: يعلن الميثاق " طي صفحات دورات العنف السياسي المؤلمة وإهالة التراب عليها وتوطين النفس على الحوار في القضايا الخلافية وفتح صفحة جديدة من التوافق والتعايش والوئام الجنوبي لمواجهة الأخطار والتحديات". وفي الفقرة التي سبقتها يقول الميثاق: تتولى دولة الجنوب المنشودة عقب استعادتها تنفيذ معالجة شاملة لجميع تداعيات واخطاء ومشكلات الماضي الجنوبي، وفق مفاهيم وتجارب التصالح والتسامح والعدالة الانتقالية، وبما يتوافق وطبيعة تلك المشكلات وظروف ومعطيات الواقع الجنوبي".
وهي إشارة للنظام الحاكم لليمن الجنوبي (1967-1990) والأحداث المؤلمة التي تسببت بها بين "الطغمة" و"الزمرة" واستمرار تأثيرها حتى اليوم، والمخاوف من أن تؤدي تلك المظالم إلى حدوث انفجار كبير مستندة إلى جراح الحرب، والإقصاء والتهميش لتلك الفترة؛ وبالتالي الإضرار بالمصالحة الوطنية وبتمثيل المجلس الانتقالي للمحافظات الجنوبية؛ وهو أمرٌ كان ثابتاً منذ تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي بدعم من الإمارات حيث سيطرت القيادات من منطقة المثلث (الضالع ويافع وردفان) على المجلس إضافة إلى المجندين[11]؛ يشعر سكان المحافظات الشرقية خاصة شبوة أنهم يتعرضون للتنكيل من قبل القوات التابعة للمجلس الانتقالي الموجودة في المحافظة وهم من محافظة الضالع التي ينتمي لها رئيس الانتقالي عيدروس الزُبيدي وأغلب قيادات المجلس الانتقالي.
ثانياً: قضية الجنوب
7) دفع المواطنين إلى الإقرار: قدم الميثاق تعريفه للقضية الجنوبية والتي يقول: إن قضية شعب الجنوب الراهنة مع قوى الاحتلال في الجمهورية العربية اليمنية وفق جذورها وأبعادها وتداعياتها هي قضية أرض وانسان ودولة وسيادة وهوية أنتجها فشل انهيار مشروع دولة الوحدة واستبداله بضم والحاق قسري (احتلال) للجنوب أرضاً وانساناً ودولة إلى منظومة حكم في صنعاء بحرب صيف 1994م"، وبناءً على التعريف -يقول الميثاق"على أبناء الجنوب الإقرار والالتزام باستعادة الوطن الجنوب والسيادة والدولة المستقلة ومسؤولية وطنية تشاركية" بين جميع قوى ومكونات شعب الجنوب السياسية والاجتماعية والمدنية ويلزم كل منها العمل على تذليل كل المعوقات والصعوبات وتوفير كل المقتضيات اللازمة لتوسيع دائرة الشراكة الوطنية لتشمل جميع المكونات والشخصيات والنخب الجنوبية بما يحفظ للجنوب حقه ويضمن حضوره الفاعل في أي تسوية قادمة وبمشروع واحد وقيادة واحدة".
إن مخالفة الإقرار والالتزام يمكن أن يعرض النخب الجنوبية التي لا تعمل وفق مقتضيات هذا الاتفاق للاتهام بـ"الخيانة"؛ كما أن الميثاق يفرض عليها "العمل على تذليل كل المعوقات والصعوبات لكي يضمن الحضور الفاعل "للتسوية القادمة بمشروع واحد وقيادة واحدة"، وهو يدفع إجباراً النخب إلى عدم معارضة قرارات المجلس الانتقالي في أن يكون ممثلاً وحيداً للمحافظات الجنوبية، ويقع عليه تعيين المسؤولين عن ملف التفاوض لتحقيق هدف الميثاق الرئيس وما يراه "استعادة الدولة" وقيادتها.
8) حل القضية الجنوبية: لا تقدم الوثيقة اتفاقاً حول صيغة الحل النهائي للقضية الجنوبية، لكن يبدو من صياغة الميثاق أنه يدفع نحو حل واحد فقط وهو تحقيق الانفصال. لذلك يشير إلى أن " أية حلول لقضية شعب الجنوب دون استعادة دولته كاملة السيادة يجب أن تخضع لإقرار إرادة شعب الجنوب الحرة المستقلة".
وكما أشرنا لم يقدم الميثاق تعريفاً أو قياساً لمعرفة "إرادة شعب الجنوب"، وعادة ما يستخدم المجلس الانتقالي الجنوبي هذا المصطلح كمرادف لما يصفه بـ"التفويض الشعبي" والذي يقوم على خروج تظاهرات لمؤيدي وأنصار المجلس (معظمهم من الضالع ويافع) إلى عدن وتقديم مطالبات يقدمها المجلس الانتقالي لاحقاً على هيئة قرارات مثل تلك القرارات التي أعلنها فيما يعرف ب"إعلان عدن التاريخي" في مايو/ايار (2017).
9) تمثيل جنوب اليمن في المشاورات المرتقبة: يشير الميثاق إلى هدف عقد اللقاء التشاوري الرئيس وهو "استحقاق المجلس الانتقالي الجنوبي لتمثيل جنوب اليمن" ويحدد شكلاً لهذا التمثيل: "تمثيل الجنوب وقضيته في عملية التسوية التي ترعاها الأمم المتحدة، ويكون في إطار مستقل تكون بموجبه قضية شعب الجنوب أولوية في الحل وفق مفاوضات ندية وثنائية شمال وجنوب، ليس لقوى وأحزاب الشمال التدخل أو التأثير على تشكيل فريق التفاوض الجنوبي، ويكون مكان التفاوض في دولة خارجية يحددها رعاة التسوية ويتم التوقيع على الاتفاق بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة والدول الخمس دائمة العضوية والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي وبضمانات منهم لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه."
على الرغم من أن البُعد المتعلق بالشمال والجنوب يسيطر على الحكومات والمفاوضات منذ مؤتمر الحوار الوطني، وأن مشاركة ممثلي الحراك الجنوبي في المفاوضات القادمة ليست فقط مستحسنة ولكنها ضرورية للغاية. لأن اتفاقية سلام بدون مشاركتهم ستكون بلا شك قصيرة الأجل، وستزيد المظالم والتشظي جنوباً إلا أن الميثاق يفرض الطريقة والنتائج، ويفرض على أي ممثلين عن القضية الجنوبية تنفيذ رؤية المجلس الانتقالي لتحقيق الانفصال، بما في ذلك حضور ممثلين عن مؤتمر حضرموت الجامع أو ممثلين آخرين. كما أنه يفرض أن يكون وفد منفصل لجنوب اليمن وهو أمر جرى رفضه مراراً من الحكومة المعترف بها دولياً ومجلس القيادة الرئاسي والفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين وحتى الأمم المتحدة، ويشير إلى أن المجلس الانتقالي يضع عقبة جديدة أمام تحقيق اتفاق سلام. كما أن ذلك يطرح تساؤل عن الجهة التي ستقوم بتعيين هذا الوفد، هل هيئة المجلس الانتقالي الجديدة ستقوم بذلك ومن أعطاها هذا الحق؟
يُخلّ التدخل الجديد الذي أقدم عليه المجلس الانتقالي الجنوبي، بجهود المملكة العربية السعودية لإنهاء الحرب والدخول في هدنة طويلة الأمد، ودفع الأطراف اليمنية إلى المشاورات. إذ يجعل موقف الحكومة المعترف بها دولياً ضعيفاً وممزقاً أمام الحوثيين. كما أنه يخلّ بشكل واضح باتفاق الرياض (2019) الذي يؤكد على أن الوفد المفاوض للحكومة اليمنية يشمل جميع الأطراف، وهو اتفاق وافق عليه المجلس الانتقالي.
عقيدة التفويض الشعبي
أسس المجلس الانتقالي الجنوبي في 11 مايو/أيار 2017 بعد تظاهر المئات في عدن يوم 4 مايو/أيار 2017 وتمخض عن ما سمي بإعلان عدن التاريخي "الذي فوض اللواء عيدروس الزبيدي بإنشاء مجلس سياسي جنوبي استجابة لتطلعات الجنوبيين"، والذي قامت هيئته الرئاسية بموجب هذا "التفويض الشعبي" الذي يحتفي به المجلس الانتقالي كل عام[12]والذي ضمّ معظم المسؤولين اليمنيين الموالين للإمارات الذين أقالهم الرئيس اليمني آنذاك عبدربه منصور هادي.
في العام 2018 بدأ المجلس الانتقالي يدرك أن حكاية التفويض والتمثيل التي يحتكرها غير حقيقية فأطلق الجولة الأولى من الحوار، ولم يستجب له سوى المؤيدين له، ومع ذلك استمرت تلك الحوارات، وادعى بعض المشاركين فيها تمثيلهم لمكونات وقوى مناهضة للانتقالي، ليتجدد الأمر نفسه مع إطلاق الانتقالي ما أسماها (الجولة الثانية من الحوار)، وكان ذلك في مايو 2019، واعتبر الانتقالي تلك اللقاءات انتصارات جديدة في طريق توسيع قاعدته الشعبية واحتواء المخالفين له، مع أن الحوار حينها – مثل سابقاته- لم تشمل سوى أتباعه والموالين له.
وبعدها دخل الانتقالي في صراعات سياسية ومواجهات عسكرية جديدة، منذ أغسطس 2019، في عدن ولحج وأبين وشبوة، ثم مواجهات مايو 2020، وما تبعها من أحداث وتطورات سياسية شغلت الانتقالي عن موضوع الحوار. لكنه استأنف جهوده في الحوار منذ نحو عام، بعد تشكيله فريقين للحوار، أحدهما للحوار الداخلي وآخر للحوار الخارجي، وتمثلت ومهمة الفريقين في مقابلة القوى والأطراف والشخصيات السياسية والاجتماعية الجنوبية، لربطها بالمجلس الانتقالي أو على الأقل إبقائها بالقرب منه. واستمرت اللقاءات في الداخل وفي الخارج، مع أن فريق الداخل بدا أكثر نشاطا وفاعلية من خلال زيارة المديريات والمحافظات ومقابلة الفئات والشخصيات، وإجمالاً بدت الاستجابة محدودة لأن اللقاءات كانت في الغالب تضم الموالين للانتقالي فقط.
وعاد التفويض الشعبي مراراً خلال سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، عندما سيطروا على مقرات الحكومة في عدن للمطالبة بتغيير حكومة أحمد بن دغر (2018)، وعندما تحركوا للسيطرة على عدن والمحافظات الأخرى في (2019)، وعند إعلان الإدارة الذاتية في أبريل/نيسان 2020، التي تراجع عنها لاحقاً، كان بدعوى الحصول على "تفويض شعبي".
وكان توقيت بدء اللقاء التشاوري يوم الرابع من مايو/أيار الجاري، محاولة لكسب تأييد التفويض الشعبي الذي يعتبره المجلس الانتقالي "إرادة شعب الجنوب الحرة المستقلة"[13] والتي أشير إليها في الميثاق مراراً؛ وأكده المسؤولون في المجلس الانتقالي والمشاركون في اللقاء التشاوري[14].
وتشير القرارات التي صدرت بعد اللقاء التشاوري إلى أن المجلس الانتقالي بالفعل يعتبر ذلك اللقاء كافياً للسيطرة على قرار تمثيل جنوب اليمن في المشاورات القادمة، حيث جرى الإعلان عن إعادة هيكلة رئاسة الانتقالي والهيئات التنفيذية الأخرى، ليضم الممثلين الجنوبيين في مجلس القيادة الرئاسي- باستثناء عبدالله العليمي- ليكونوا ضمن أعضاء المجلس الانتقالي حيث عيّن الزبيدي "أبو زرعة المحرمي" و"فرج سالمين البحسني" نائبين له، إلى جانب رئيس جمعية المجلس الوطنية (البرلمان الموازي) أحمد بن بريك. وعيّن (22) عضواً من الموالين للمجلس في المحافظات الجنوبية والشرقية.
يشير هذا التعيين الذي لم يكن متوقعاً، إلى حالة فوضوية داخل المجلس الرئاسي اليمني والذي يؤثر على صورته كحكومة يمنية معترف بها دولياً، ويجعله أضعف بكثير في حال حدوث تسوية سياسية مع الحوثيين. ويهدد تصور السعودية للاتفاق المتوقع مع الحوثيين على أساس طرفيين نديين (حوثيين وحكومة معترف بها دولياً) وبحدوث هذا الانقسام الأكبر داخل المجلس الرئاسي فهو لا يهدد فقط التسوية مع الحوثيين بل استقرار المجلس الرئاسي كحاكم على كل المحافظات الشمالية والجنوبية والشرقية والذي قد يؤدي لبروز حركات تمرد في تلك المحافظات رفضاً للانضمام إلى تسوية تظلم حقوق مناطقهم.
خاتمة
سبق أن بذل الاتحاد الأوروبي، والمجتمع الدولي جهوداً مضنية لإحداث لقاء تشاوري بين المكونات والكيانات الجنوبية منذ بدء الحرب، لكن في كل مرة يفشلون في الوصول إلى تحقيق اجتماع يشمل الجميع. وحدوث مثل هذا الاجتماع كان مهماً للغاية من أجل تحديد أولويات القضية الجنوبية في المرحلة المقبلة، لكن لا يبدو أنه حقق هذا الهدف المهم للغاية، وبدلاً من ذلك جرى استخدامه كورقة للضغط على الكيانات في الداخل والخارج لتملك الحقوق الحصرية لتمثيل "جنوب اليمن" والقضية الجنوبية لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي؛ ولا يمكن أن يمر ذلك دون عواقب على مستقبل التسوية السياسية التي تسعى الأمم المتحدة والمملكة العربية السعودية للوصول إليها، وعلى مستقبل اليمن على المدى القريب والمتوسط، حيث يزيد هذا السلوك من احتمالية نشوء حروب صغيرة تزيد من حركات التمرد الوطنية على سلطة ما بعد الحرب.
على المستوى الإقليمي، فإن الإمارات هي المستفيد الوحيد، وحقيقة أن المجلس الانتقالي الجنوبي هو المنظمة المهيمنة حاليًا في الحراك الجنوبي يرجع إلى حد كبير إلى دعم الإمارات العربية المتحدة. ونتيجة لذلك فإن الموقف الحالي يعتمد بشكل كبير على مصالح أبوظبي، التي ترى أن تجاهل المملكة العربية السعودية وعدم إشراكها في المفاوضات مع الحوثيين وتضمين مصالحها ضمن خطط التسوية القادمة يدفعها لتمثيل هذه المصالح عبر المجلس الانتقالي، ما يجعل من هذه الخطوة تصعيداً خطيراً من أبوظبي البعيدة ضد مصالح ونفوذ الرياض في اليمن المجاور، وإشعالاً للحرائق التي تحاول السعودية إطفاءها كمقدمة لخلق حالة استقرار شاملة في المنطقة.
مراجع
[1] A Saudi-Iran reconciliation may not end the war in Yemen just yet(CNN) 22/3/2023 See: 9/5/2023
https://edition.cnn.com/2023/03/22/middleeast/yemen-war-saudi-iran-mime-intl/index.html
[2]Nagi, Ahmed, Hadramawt’s Emergence as a Center: A Confluence of Yemeni Circumstances and Hadrami Resourcefulness (Book: How Border Peripheries are Changing the Nature of Arab States, Maha Yahya) p131-152 Palgrave Macmillan (2023)
[3] الحاضرون والغائبون.. قراءة في مشهد افتتاح اللقاء التشاوري للانتقالي بعدن (المصدر أونلاين) تاريخ النشر 6/5/2023 وشوهد في 8/5/2023 على الرابط: https://almasdaronline.com/articles/273671
[4] وثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل، https://is.gd/sqLV55
[5] السعودية تسعى لتحقيق نفوذ سياسي وعسكري جنوب اليمن (صحيفة المرصد) تاريخ النشر 9/2/2023 وشوهد في 8/5/2023 على الرابط: https://www.marsad.news/news/163785
[6] تمكين للمجلس الإنتقالي أم خطوة استباقية لمرحلة ما بعد الحرب.. اللقاء التشاوري في عدن ينهي أعماله بـ"ميثاق وطني" ووعود بدولة فيدرالية (المصدر اونلاين) نشر في 8/5/2023 وشوهد في 8/5/2023 على الرابط: https://almasdaronline.com/articles/273803
[7] Nagi, Ahmed
[8] المصدر السابق
[9] A Middle East Monarchy Hired American Ex-Soldiers To Kill Its Political Enemies. This Could Be The Future Of War.( BuzzFeed) 16/10/2018, See: 9/5/2023
https://www.buzzfeed.com/aramroston/mercenaries-assassination-us-yemen-uae-spear-golan-dahlan
[10] حسين، شكري, ترحيل أبناء الشمال من عدن.. "حلول" تكرس انقسام اليمن (الأناضول) نشر في 7/8/2019 وشوهد في 9/5/2023 على الرابط: https://is.gd/2go8Ke
[11] جنوب اليمن: الانفصال يأكل أبناءه (العربي الجديد) نشر في 4/7/2021 وشوهد في 9/5/2023 على الرابط: https://is.gd/cGLFK7
[12] ذكرى 4 مايو.. تفويض شعبي تدعمه نجاحات الزُبيدي (المشهد العربي) نشر يوم 4/5/2022 وشوهد في 8/5/2023 على الرابط: https://almashhadalaraby.com/news/345589
[13] اللقاء التشاوري قفزة نوعية متقدمة نحو استعادة الدولة الجنوبية ويؤسس لسلام شامل بالمنطقة (صحيفة 4 مايو)، نشر في 6/5/2023 وشوهد في 8/5/2023 على الرابط: https://www.4may.net/news/93344
[14] الجفري: التفويض الشعبي الكبير للمجلس الانتقالي نتاج ما وجد فيه من الصدق والجدية، يوتيوب، نشر في 8/5/2023 وشوهد في 8/5/2023 على الرابط: https://youtu.be/vWbmXFt0ULA