هل سيلهم هجوم الحوثيين في البحر الأحمر الجماعات المسلحة؟

مقدمة:

     منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني شن الحوثيون عشرات الهجمات على السفن التجارية والحربية في البحر الأحمر وخليج عدن فيما يقولون إنه دعم للفلسطينيين الذين يواجهون حرباً وحشية من الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة منذ أربعة أشهر.

 ولمواجهة ذلك دفعت الولايات المتحدة وحلفائها بقوات بحرية إلى الممر الدولي، كما أعلن الاتحاد الأوروبي بدء عملية منفصلة لحماية سفن الشحن من الهجمات. في ظل توتر تتخوف واشنطن من أن ينقل الحرب في قطاع غزة إلى حرب إقليمية.

تتسبب هجمات الحوثيين في مشاكل اقتصادية وأمنية كبيرة للأمن البحري، وتؤثر على الاقتصاد العالمي إذ أدى إلى اضطرابات في سلاسل التوريد عبر الممر الهام الذي يشرف على مرور 19% من التجارة العالمية. وأدى البحث عن طرق جديدة إلى تكاليف كبيرة. فمن ناحية تؤدي المخاطر العالية إلى ارتفاع أقساط التأمين، ومن ناحية أخرى، تزيد تكاليف النقل بالنسبة للشركات التي لا ترغب في المخاطرة بالتعرض للهجوم أو الإتاوات واتخاذ طريق أطول لتجنب الفوضى وقلق الأمن الذي تبعثه أنظمة الأسلحة غير المأهولة.

فوضى أنظمة الأسلحة غير المأهولة:

لقد باتت أنظمة الأسلحة غير المأهولة تلعب دورًا متزايدًا في الصراعات حول العالم، بما في ذلك تلك التي تشارك فيها الميلشيات المتمردة والجماعات المسلحة، فهي أداة قوية يمكن أن تغير شكل الصراعات والحروب الأهلية كما تلقي بتبعات خطيرة على الأمن والسلم الدوليين، بما في ذلك الأمن البحري في أعالي البحار. ونتيجة لاستمرار تطور هذه الأنظمة وتوسع استخدامها من قِبل الميليشيات والمتمردين والتنظيمات المتطرفة فإنها تتطور معها القدرة على الإضرار باقتصاد وأمن العالم، والضرر في ممرات التجارة الدولية واحد من أهم تداعيات امتلاك الميلشيات تقنية الأسلحة غير المأهولة.

تعد الفوضى بيئة مناسبة للميليشيات والمتمردين والتنظيمات لتفعيل حالة الخمول، واستعادة استراتيجياتها لتحقيق طموحها التي فشلت فيها هي أو مثيلاتها سابقا.

مع بدء عمليات الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن عادت القرصنة البحرية الصومالية التي أُعلن في 2022م القضاء عليها شبه كليا.

وسواءً كان القراصنة الجدد مدعومين من قِبل الحوثيين أو جهات أخرى بينها إيران، إلا أن هناك أطراف وجماعات متعددة تستفيد من هذه الأزمة أو تراقب بصمت ردة الفعل الإقليمية والدولية تجاه الحوثيين لإمكانية تحويلها كتكتيكات للوصول إلى أهدافها.

يعود ذلك إلى أن الحوثيين يشنون حرباً غير متماثلة، تستخدم تكنلوجيا سلاح مؤثرة وبتكاليف بسيطة يمكن تأمينها، ولا تحتاج معها إلى بنيّة تحتية عميقة لتشغيل عملياتها. ما يجعل المتمردين والميليشيات والجماعات المتطرفة تنظر إليها بإعجاب على طول سواحل البحر الأحمر وخليج عدن إلى البحار الأفريقية والمحيط الهادئ والبحر الأبيض المتوسط. إنها تجربة ملهمة لهذه المنظمات الصغيرة المتمردة والمتطرفة- وحتى للقراصنة- لكيفية التأثير العميق على مصالح الحكومات والمجتمع الدولي لتحقيق أهدافها.

إغراء الاستراتيجية السياسية

كانت تقتصر الحروب البحرية على الجيوش والدول، وكاد يكون من النادر قيام جماعات مسلحة بمواجهة قوات فتاكة لدول بهجمات بحرية من أراضي سيطرتها، لكن الحوثيين استفادوا من تجربة تمردهم خلال العقدين الماضيين في شن الهجمات البحرية والجوية وإخفاء آثارهم في مناطق سيطرتهم، مستفيدين من حرب العقد الماضي مع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والتي كانت مدعومة من تحالف تقوده السعودية وتقاتل تمرد الحوثيين منذ 2014م.

ورغم أن التصعيد في البحر الأحمر استراتيجية إيرانية تريد إثبات قدرتها على إغلاق باب المندب، إلا أن الحوثيين كانوا يحتاجون لتحقيق تلك الاستراتيجية عوامل مساندة منها: وجود قضية، وتنظيم حامل، وعاطفة شعبية، ولذلك فإن شن هجمات كالتي بدأت في 19 نوفمبر/تشرين الثاني من البر اليمني استغلت القضية الفلسطينية بما تمثله من دعم عند الشعب اليمني والشعوب العربية والإسلامية لتحقيق أهداف تكتيكية للجماعة تقربهم أكثر من استراتيجية السيطرة على اليمن كاملا والتأثير إقليميا.

يمتلك الحوثيون تنظيماً مسنودا بوحدات متعددة لاستدامة القتال وتوفير الموارد، ويملكون هرماً قيادياً تسلسياً. أما العاطفة، فهو الغضب من الوحشية الإسرائيلية في قطاع غزة والانكشاف الأمريكي والغربي الداعم لما يمكن وصفه بالإبادة الجماعية التي تحدث أمام الشاشات كل يوم وأدت إلى مقتل أكثر من 30 ألف مدني معظمهم من النساء والأطفال.

وعادة ما يستخدم زعيم الحوثيين في خطاباته للتواصل مع الجمهور لغة مشحونة عاطفياً وصور حية لإثارة مشاعر التضامن والتحدي والشعور بالنضال الجماعي ضد الظلم والاضطهاد والغطرسة الدولية. يبرر من خلالها التسليح المتعاظم للجماعة، وتزايد قدراتها الصاروخية والطائرات دون طيار والسفن المسيّرة التي تعتمد على الدعم والتكنلوجيا الإيرانية.

إن وجود هذه الأمور الثلاثة يساند المنظمات المتمردة والجماعات المسلحة في كسب ما يعتبرونه القدرة والمشروعية وتعزيز صورة إيجابية قائمة على العلو الأخلاقي. ونتيجة ذلك تمكن الحوثيون بفعالية من تسويق أنفسهم كمناضلين ومدافعين عن المظلومين في الإقليم، باعتبارهم يعيدون قيم نصرة المظلوم المستمدة من العروبة والإسلام، ويهدفون بذلك إلى ترسيخ أن حروبهم الداخلية قائمة على هذا الأساس، ويقدمون أنفسهم وجماعتهم على أساس الاستقامة والعدل، وهي ميّزة كان المتمردون والجماعات المسلحة تعجز عن تحقيقها حتى بعد تمكنهم من السيطرة الفعالة على جغرافيا محددة وإدارتها، أو نجاح انقلابها ضد مؤسسات الدولة.

الهجمات بأسلحة ذكية:

كانت الأسلحة المتطورة مثل الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز الموجهة، والطائرات دون طيار، امتيازاً للقوى العظمى في الثمانينات وحتى مطلع الألفية، لكن التقدم العلمي والتكنولوجي وحصول دول على التقنية وتطويرها لتزود بها حلفائها من الدول والجماعات المسلحة، دون اهتمام بمخاطر الانتشار غير المنضبط للأسلحة. وتجلت هذه التطورات في جيل جديد من الصواريخ الباليستية الإيرانية ذات الرؤوس الحربية الموجهة، والتي أظهرت دقة عالية، كما يتضح من هجمات قاعدة عين الأسد في يناير/كانون الثاني 2020  .كما أصبحت تكنولوجيات صواريخ كروز الموجهة بدقة، ميزة للجماعات ما دون الوطنية، والتي تحدث تأثيراً مقارنة بالصواريخ الباليستية التقليدية إذ تتميز صواريخ كروز بالدقة الكافية لضرب أهداف مختارة بما فيها السفن التي تتحرك ببطء أو المتوقفة، أو المباني، فمن المؤكد تقريبًا أن تنجح هذه الصواريخ ضد "الأهداف الناعمة" القابلة للانفجار والمعرضة للحريق مثل مصافي ومحطات وموانئ وناقلات النفط.

وبما لا يستثني وصول تقنية الصواريخ الباليستية والذكية إليها، فعادة ما تركز الجماعات المتمردة والميليشيات والتنظيمات المتطرفة على تكنلوجيا السلاح الممكن الحصول عليه بتكاليف منخفضة وذو فعالية وتأثير كبير. لذلك تقدم تجربة الحوثيين في الصواريخ الباليستية والذكية لشن العمليات البحرية إغراءً منخفضاً مقابل الطائرات دون طيار والسفن المسيّرة.

ومنذ 2017 على الأقل أبدى الحوثيون حماساً للطائرات دون طيار، والصواريخ الباليستية ولاحقاً السفن المسيّرة. لدرجة أن الجماعة أعلنت في 2019 باعتباره "عام الطائرات بدون طيار" و عام 2022 "القوة البحرية". وفي كتاب مدرسي منقح للحوثيين لطلاب الصف السادس، وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني، تضمن أحد الحوارات شخصًا يشرح لأحد أفراد الأسرة بعد الغداء أن الطائرات بدون طيار قد وصلت إلى عمق "أراضي العدو" وأنها "طائرات محلية الصنع تتمتع باستقلالية عالية" و"مجهزة بأنظمة رسم الخرائط وكاميرات دقيقة".

ويستخدم الحوثيون الطائرات بدون طيار والسفن المسيّرة كما لو كانت صواريخ أو قنابل ذاتية التدمير، ويضربونها على أهداف لإحداث انفجارات وتحقيق أكبر ضرر ممكن، وفقًا لمحققي الأمم المتحدة وخبراء آخرين. ويستخدمون طائرات بدون طيار ذات أجنحة ثابتة يصل مداها إلى 800 ميل. كما يقومون ببناء زوارق صغيرة بألواح للتوجيه عن بُعد. وتكون الطائرات بدون طيار والسفن المسيّرة محملة بالمتفجرات ولذلك كانت توصف خلال حربهم ضد الحكومة المعترف بها دولياً بالطائرات والسفن الانتحارية.

واستراتيجية الحوثيين في شن حروب (لاتناظرية) تجبر خصومهم على إنفاق عشرات الملايين من الدولارات واستنفاذ مخزوناتهم من الصواريخ –بما فيها جو-جو- من أجل حماية السفن أو المنشآت الحيوية التي تستهدافها الجماعة. لذلك تثير تكاليف اعتراض هجمات الحوثيين في البحر الأحمر قلقاً لدى البنتاغون حيث أن تكلفة إسقاط طائرة دون طيار أو سفن مسيّرة ذاتية التدمير بقيمة 2000 دولار بصواريخ تكلفتها 2 مليون دولار. وهي تكلفة ضخمة على الجيوش المنظمة، بينما كلفة ضئيلة بالنسبة للتنظيمات المتمردة والجماعات المتطرفة. إذ كلما زادت عدد الهجمات باستخدام المسيّرات ستكون التكلفة أكبر وأوسع لخصومها لإجبارها على التراجع والرضوخ لاشتراطتها.

استراتيجية الهجمات بطائرات بدون طيار:

يمتلك الحوثيون أنواعاً عديدة من طائرات بدون طيار استخدمت خلال حرب السنوات العشر الماضية. وتشير المعلومات أن تكنلوجيا السلاح والمواد المكونة لهذه الطائرات قادمة من إيران. وخلال العشر السنوات الماضية تقول الولايات المتحدة أنها صادرت 28 شحنة سلاح إيرانية كانت في طريقها إلى الحوثيين بينها مكونات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة بينها شحنتين في يناير/كانون الثاني الماضي.

ويقوم تكتيك الحوثيين في هجمات الطائرات دون طيار، بمهاجمة هدف واحد بعديد من الطائرات لتحقيق تأثير أكبر، وفي أحيان كثيرة تكون هناك صواريخ باليستية في هذه العملية من الهجوم.

وربما يكون استخدام الحوثيين الأكثر ضررًا للطائرات بدون طيار قد حدث في سبتمبر/أيلول 2019، عندما استهدفوا منشآت النفط السعودية في "بقيق" و"خريص"، حيث استخدموا 25 طائرة بدون طيار وصاروخ باليستي أدت إلى إشعال الحرائق، وأدى إلى توقف 5% من إمدادات النفط العالمية، وارتفعت أسعار النفط بنسبة 19%.

وما يزيد من إغراء الجماعات المتطرفة والتنظيمات المتمردة في المنطقة، أن نشر الطائرات دون طيار يخدم وظيفتين رئيسيتين: العقاب والدعاية. إذ تملك قدرة استهداف المنافسين بعمق في أراضيهم والمنشآت الحيوية الخاضعة لسيطرتهم، أو اغتيال القيادات العسكرية والسياسية الذين يواجهونهم. كما فعل الحوثيون باستهداف قاعدة العند في يناير/كانون الثاني 2019 باغتيال اللواء محمد صالح طماح، الذي كان رئيس وحدة الاستخبارات العسكرية وقادة عسكريين آخرين. وقدرة هذه الجماعات على بناء صورة ذهنية على الصمود أمام خصوم متوافقين عسكرياً إلى حد كبير.  

ويبدو أن تجربة الحوثيين في الطائرات دون طيار بدأت تنتقل لجماعات أخرى، فيمتلك المجلس الانتقالي الجنوبي (كيان انفصالي تدعمه دولة الإمارات العربية المتحدة) طائرات دون طيار خاصة به، كما تملك قوات أخرى موالية للحكومة طائرات خاصة بها. ولا توجد معلومات حول مدى فعالية هذه الطائرات أو إن كانت انتحارية كالتي مع الحوثيين. لكن استخدام استراتيجية الحوثيين في هجمات الطائرات بدون طيار جرى تجربتها من قِبل جماعتين على الأقل أحدها في اليمن والأخرى خارج البلاد:

الهام الحوثيين لتنظيم القاعدة في اليمن:

استخدم التنظيم الطائرات دون طيار بطريقة الحوثيين ذاتها في 2023. ولا يستبعد أن يستخدموا التقنية ذاتها في البحر الأحمر لإثارة تهديد جديد للغرب. ويمكن أن يعمم التنظيم تجربته على فروع تنظيم القاعدة خارج الحدود. حيث توطدت علاقة "القاعدة"، بتنظيم الشباب الموجود في الضفة الأخرى من البحر الأحمر من الناحية الأفريقية والذي يسيطر على بعض المناطق، في وقت يقاتل الحكومة في الصومال وله وجود في دول أفريقية أخرى.

وخلال 2023 لوحظ تغيّر استراتيجية تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بنقل انشطته إلى المحافظات الجنوبية بدلاً من مهاجمة جماعة الحوثي في البيضاء، باستهداف القوات الموالية للحكومة في شبوة بالطائرات دون طيار؛ وهو ما يعني تغيراً في استراتيجية التنظيم ليعود بكونه عابراً للحدود، بدلاً من تركيزه على اليمن وهو ما يهدد الأمن البحري في البحر الأحمر وخليج عدن والمنشآت النفطية في دول الخليج. ويمكن أن يكون لوجود "سيف العدل" الزعيم الفعلي لتنظيم القاعدة في إيران، أحد دوافع تغيّر استراتيجية التنظيم.

وبفعل الانقسامات والخروج من تنظيم القاعدة، وحالة الاشتباك مع تنظيم الدولة (داعش) يمكن أن تصل هذه التقنيات والتجارب إلى هذا التنظيم سواء في اليمن أو في دول القرن الأفريقي. وتتناسل من الجماعتين أو تتخادم معها معظم الحركات المتطرفة التي تشن هجمات ضد الغرب؛ والمتمردة الموجودة في المنطقة والعالم. 

مهاجمة القوات الأمريكية والغربية:

تزايد الغضب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من الولايات المتحدة بسبب سياستها الداعمة للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة بفلسطين، في الوقت ذاته استغلت الجماعات المسلحة مثل الحوثيين الحدث لتزيد من شعبيتها من خلال هجماتها في البحر الأحمر على القوات الأمريكية، وهو ما يمثل إلهام للجماعات المسلحة أن تأخذ تجربة الحوثيين لزيادة التجنيد في صفوفها.

1. طائرات بدون طيار:

وتعتبر التكلفة البسيطة للحرب اللاتماثلية باستخدام طائرات بدون طيار إغراءً لهذه الجماعات مقارنة بالمكاسب التي ستحصدها. واستخدم تكتيك مماثل من قِبل مجموعة مختلفة من الجماعات المدعومة من إيران في فبراير/شباط –حسب مسؤولين أمريكيين- لمهاجمة البرج 22 في الأردن ما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة نحو أربعين.

ويمكن أن يمتد الخطر بسرعة إلى المقار الدبلوماسية الأمريكية والغربية.

2. الزوارق المسيّرة:

فلا توجد معلومات كافية حول طرق عملها، وكيفية التحكم بها!، لكن كشف الحوثيون في2023 عن زوارق عسكرية من نوع عاصف 1 و2 و3 وملاح وطوفان 1 و2 و3. وتعامل معها التحالف الذي تقوده السعودية منذ عام 2018 بعد أن هاجم الحوثيون سفناً تجارية ونفطية سعودية إلى جانب موانئ نفط سعودية والموانئ الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً والقوات الموالية لها في البحر الأحمر. ولا تملك البحرية الأمريكية معلومات كافية عن هذا التهديد الذي يثير قلق  قائد المجموعة الضاربة الثانية، التابعة للحاملة "أيزنهاور" الذي يعتبره: "تهديد غير معروف ليس لدينا الكثير من المعلومات عنه، ويمكن أن يكون مميتا للغاية، وليس لدينا سوى القليل جدا من الدقة فيما يتعلق بجميع المخزونات التي لديهم من الزوارق المسيّرة". ويشير إلى مدى القلق لدى الحاملة التي تقاتل الحوثيين من البحر الأحمر "أحد أكثر السيناريوهات المخيفة، أن يكون لديك سفينة سطحية بدون بحار مُحمَّلة بالقنابل يمكنها التحرك بسرعات عالية جدا، مضيفا "إذا لم تكن في مكان الحادث على الفور، فقد يصبح الأمر بشعا بسرعة كبيرة".

3. المركبات غير المأهولة تحت الماء (الغواصات الصغيرة):

 في 18 فبراير/شباط، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية، أنها دمرت مركبة غير مأهولة تحت الماء في المياه التي يسيطر عليها الحوثيون حول اليمن. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها ملاحظة قيام حركة الحوثيين بتشغيل مركبات تحت الماء منذ بدء الهجمات في نوفمبر. وتثير هذه المركبات غير المأهولة التي شوهدت في إيران لأول مرة تهديداً جدياً للقوات النظامية وميزة للجماعات المسلحة والمنظمات المتمردة بسبب تشابهها مع الطوربيدات، وتحديدًا نوع (نذير 5 ) ونوع هجوم بدون ربان تحت الماء في اتجاه واحد .(OWA-AUVs)تتمتع هذه المركبات بمدى أطول من الطوربيدات التقليدية، مما يجعلها أكثر فعالية ضد الأهداف الثابتة مثل السفن الراسية. والنوع المستخدم عادة في إيران، بحسب المراقبين، يمكن تزويده بصاري قصير، لمراقبة الهدف قبل الهجوم. ومن المرجح أن يكون اكتشافها أكثر صعوبة من اكتشاف الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز البحرية، والسفن المسيّرة السطحية. ويمكن تشغيل المركبات تحت السطحية بجهاز عن بعد بواسطة سلك، على غرار الطوربيدات الموجهة بالأسلاك. وهذا من شأنه أن يسمح لها بالاشتباك مع الأهداف المتحركة. وربما تكون إيران قد استخدمتها سابقًا ضد الناقلات قبالة سواحل الإمارات.

إن امتلاك جماعة لأنظمة أسلحة غير مأهولة في البحر يعتبر تهديداً خطيراً على الدول وعلى الملاحة التجارية في أعالي البحار. إذ أن تنسيق هجوم مشترك من هذه الأنظمة "يطغى على دفاعات السفينة" من خلال الهجوم من أبعاد متعددة، في ما يسمى "هجوم السرب"، ما يجعل استجابة السفينة الحربية –علاوة عن التجارية- أصعب من مواجهة تهديد واحد. ما يضيف تعقيداً سيئاً لمواجهة الهجمات البحرية ويخدم نجاح هجمات المتمردين والميليشيات.

ويكرر الحوثيون باتقان ما عمله حزب الله في لبنان، باستخدام مهاجمة الاحتلال الإسرائيلي لبقاء سلاحه وقوته بعد الحرب الأهلية في لبنان، واكتساب جماهيرية في الإقليم والوطن العربي بصفته حركة مقاومة عربية والتي انهارت لاحقاً مع مشاركته لصالح "بشار الأسد" في سوريا. ولذلك فإن بقاء هذه التكنولوجيا في يد الحوثيين ستكرر قصة امتلاك حزب الله ودعمه للميليشيات المسلحة في المنطقة بمن فيهم الحوثيين. ويتفق طموح الحوثيين في المنطقة مع آمال التنظيمات الطائفية الشيعية في دول الخليج العربي وفي مقدمتها السعودية والكويت بوجود داعم وملهم في شبه الجزيرة العربية. وبناء على ذلك سيسعى الحوثيون إلى تحقيق توازن سريع في القوة مع دول المنطقة عبر هذه التنظيمات لتحقيق أهداف الجماعة في السلطة اليمنية، وتجد في تكنولوجيا الطائرات دون طيار والسفن المسيّرة السطحية وتحت السطحية ضالتها.

الردع بنهج متعدد الأوجه:

إلى جانب مراقبة هجمات الحوثيين البحرية بإعجاب، يركز المتمردون والميليشيات والجماعات المتطرفة على درجة الردع المحلية والإقليمية والغربية، وإمكانية تحقيق الحوثيين لانجازات ومكاسب وتنازلات سياسية، ودرجات الحوار والمصالحة مع الحوثيين بناءً على الهجمات في المستويين المحلي والإقليمي، ومعالجة مطالبهم.

يمكن فهم جاذبية الأمريكيين لاستخدام القوة العسكرية لتأكيد الردع. لكن يبدو أنها تقوم بذلك دون تفكير واضح ما من شأنه يعزز أهداف الحوثيين، ويقدم تجربة فاشلة للدول والكيانات الرسمية الإقليمية في مواجهة المتمردين والميليشيات والجماعات المتطرفة. وعلى الرغم من أهمية القوة العسكرية إلا أن الردع يتطلب أكثر بكثير من استخدام القوة، إذ أنه يتطلب فهم دوافع وأهداف وتفضيلات وتصورات الخصوم. ولا يكون الردع وسيلة لاستفزاز سلطات هذه الدولة والجماعات والكيانات السياسية والاجتماعية لاتخاذ قرارات سياسية تخدم المتمردين. ولا أن تستفز الإجراءات الدول المجاورة للاعتراف بقوة المتمردين والميليشيات والاندفاع لتحقيق اتفاقيات ترحل تهديد الأمن القومي لهذه الدول والأمن البحري للمنطقة إلى المستقبل القريب. فذلك يقدم إغراءً للجماعات المسلحة والتنظيمات المتمردة والمتطرفة لسلوك نفس الطريق.

لذلك يثير انتشار واستخدام الأسلحة غير المأهولة (UW) مخاوف أخلاقية وقانونية وأمنية كبيرة. ونرى أن هناك حاجة لتحقيق الردع والبناء لافشال تقديم الحوثيين تجربة إلهام للمتمردين والميليشيات في استخدام الهجمات البحرية باستخدام الأنظمة غير المأهولة، ولمعالجة هذه المشكلة المعقدة نحتاج نهجًا متعدد الأوجه يشمل استراتيجيات مختلفة. 

توصيات حول استراتيجيات الردع:

• معالجة المظالم المرتبطة بتهديد الحوثيين، والذي يبدأ بوقف الحرب الوحشية على قطاع غزة، فهي المبرر الرئيسي للحوثيين لاستهداف الملاحة؛ ومن الغريب حشد القوات الأمريكية والبريطانية والأوروبية إلى البحر الأحمر (فيما الفيل يعربد في الغرفة). ومعالجة كل المظالم المرتبطة بالقضية الفلسطينية، وحلها حلاً عادلاً بناء على رؤية الفلسطينيين لدولتهم، ومبادرة السلام العربية. سيمنع ذلك المتمردين والميليشيات من استخدام القضية مستقبلاً لغسيل السمعة خارج الحدود لتحقيق أهداف داخلية.

• أمن البحر الأحمر وخليج عدن (أو أي بحار داخلية أخرى) يجب أن يكون من داخلها، أو أن تكون هذه الدول صاحبة المبادرة الرئيسية والقائدة لأي عمليات أمن بحري في المنطقة، لا يعني ذلك استثناء المشاركة الدولية لحماية خطوط الملاحة.

• على الردع أن يشمل دعم الحكومات وبناء مؤسسات الدولة وبناء السلام الذي يحقق الاستقرار الدائم للدول، وتزويد القوات الحكومية بالمعرفة للاستثمار العسكري القادر على مواجهة حركات التمرد، وألا تندفع الدول الغربية لشن حرب أو ضربات في المنطقة دون طلب من حكومات الدول كما يؤكد القانون الدولي، فهي تدفع المجتمعات التي لها تاريخ من اضطهاد الاحتلال الغربي، ودعم الانتهاكات والمظالم ضدهم لدعم الكيان الذي يواجه الاحتلال، حتى لو كان رافضاً لوجودهم.

وعلى الردع أن يدعم القوات النظامية، بما يمكن هذه الدول من المحافظة على شكل افتراضي على درجة عالية من الاستعداد القتالي في وقت السلم، وتكون قادرة على إلحاق الضرر بالعمق العملياتي والاستراتيجي، ويمكن استخدامها أيضًا في عمليات الإشارة والاستطلاع، بما في ذلك بشكل رسمي أثناء أنشطة التدريب القتالي (وبالتالي- تسمى "محاكاة عمليات الإطلاق الإلكترونية") في المنطقة المجاورة مباشرة لخطوط الاتصال لحركات التمرد والميليشيات.

• إنشاء قنوات لمشاركة المعلومات بين الدول حول تطورات الأنظمة غير المأهولة، والتهديدات المرتبطة بها وأفضل الممارسات للتدابير المضادة. يعزز ذلك الفهم الجماعي والردود المنسقة، والاستفادة من الخبرة والموارد عبر مختلف الدول. كما أن ذلك يسرع تحديث وبناء أنظمة الكشف والاعتراض ونشر أنظمة دفاع جوية وبحرية متقدمة لاكتشافها وتعطيلها إذ يتطلب ذلك ابتكاراً وتكيفاً مستمراً مع تطور التنكلوجيا. يتطلب هذا التغلب على المخاوف المحتملة بشأن انتشار التكنولوجيا وهو التهديد الرئيسي الذي يعرقل مواجهة الاستفادة من الدروس.

• التهديد الرئيسي الذي يجب معالجته من خلال نظام فعال وشامل للسيطرة على الانتشار الأفقي والرأسي غير المنضبط لتكنلوجيا الأسلحة غير المأهولة والمعدات العسكرية الخطيرة. يعنى هذا بناء نظام فعال يراقب الدول التي تزود الجماعات المسلحة، أو أفقياً بمشاركة الميليشيا تكنلوجيا الأسلحة لجماعات أخرى. وتقول الولايات المتحدة إن فيلق قدس التابع للحرس الثوري الدولي، وهو ذراع القوات العسكرية للنظام الإيراني الذي ينسق العمليات خارج حدود إيران، يدعم الحوثيين والجماعات المسلحة الأخرى بالأسلحة والتمويل. لكنها تقول أيضاً إن طهران ليس لديها سيطرة مباشرة على الحوثيين.

• على الردع أن يكون قوياً لاستهداف الجماعات والمقاتلين من غير الدول الذين يستخدمون الأنظمة غير المأهولة؛ ولمنع تصعيد الصراع وتعقيده يجب أن تشمل إجراءات مرتبطة بمعالجة الفقر والمظالم ما يعزز سلطة الحكومات. إلى جانب عقوبات دولية اقتصادية وسياسية على الدول والجهات والجماعات التي تدعم المتمردين على الرغم من أنه قد يكون له تأثير محدود عليهم إلا أنه على المدى مفيد لمنع الجماعات والدول من تقديم هذه التكنولوجيا للمتمردين والميليشيات.

خاتمة

قد تبدو هجمات الحوثيين معزولة في منطقة نائية في الشرق الأوسط، لكنها قد تصبح بسرعة مدرسة للمتمردين والميليشيات تكررها الحركات على طول خطوط الصدع والتوترات في الشرق الأوسط وأفريقيا والذي لا يستثني الملاحة في أعالي البحار على المدى القريب. ويعتمد سرعة وإبطاء ذلك على ردة الفعل المحلية والإقليمية والدولية عليها. وفي ظل الظروف الدولية وفشل نظام القطب الواحد في حماية النظام الدولي القائم على القواعد فإن فترات الاضطراب هي فرصة لهذه الجماعات ومن يدعمها للبروز وتحقيق أهدافها كقوى إقليمية ومؤثرة وقد تستخدم هذه الهجمات من هذا النوع كاستراتيجيات على المدى الطويل ما يجعل التجارة البحرية وأمن العالم تحت التهديد المستمر.