تنافس يهدد السياسة والأمن الدولي.. علاقة الحوثيين وإيران بالقراصنة الأفارقة

جيوبولتك | 14 يونيو 2024 18:17
تنافس يهدد السياسة والأمن الدولي.. علاقة الحوثيين وإيران بالقراصنة الأفارقة

 

 

مقدمة

       منذ نوفمبر/تشرين الثاني، أُجبرت مئات سفن الشحن على الالتفاف لمسافة 4000 ميل حول قارة أفريقيا في محاولة لتجنب هجمات الحوثيين في اليمن على السفن التي تمر عبر مضيق باب المندب. سمح هذا الإلهاء بتركيز أقل على عودة القراصنة الصوماليين بعد أن كانوا نائمين أكثر من عقد من الزمن.

 وقال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في فبراير/شباط: "إذا لم نوقفها وهي لا تزال في مهدها، يمكن أن تصبح كما كانت". وحتى ابريل/نيسان كان هناك 28 هجوماً للقراصنة على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وحتى المحيط الهندي؛ وهو ما زاد من تكاليف الشحن وزيادة حراس الأمن على متن السفن.

وهدد الحوثيون بشن عمليات بحرية في المحيط الهندي وصولاً إلى رأس الرجاء الصالح، وفي مايو/أيار أعلن الحوثيون توسيع عملياتهم لتصل إلى البحر الأبيض المتوسط، فيما وصفتها بأنها خطوة "متقدمة وكبيرة"، ما يضع صناعة الشحن في حالة تأهب.

وكما هو الحال في مضيق باب المندب فلن يستهدف الحوثيون السفن الإسرائيلية فحسب بل السفن الأمريكية والبريطانية التي بدأت بلديهما شن هجمات على مواقع الجماعة داخل اليمن في يناير/كانون الثاني الماضي؛ كما يمكن أن تتضرر سفن دول أخرى مثل الصين وروسيا. وحتى الآن اتخذ مسار عمليات الحوثيين البحرية شكلين اثنين: هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ باليستية وصواريخ ذكية، والقرصنة على السفن رغم أنها حادثة واحدة إذ اختطفت الجماعة في 19 نوفمبر/تشرين الثاني السفينة جلاكسي واحتجزت 25 بحاراً كرهائن.

ليس الحوثيون والقراصنة الصوماليون وحدهم من يقومون بعمليات القرصنة البحرية في المياه الإقليمية، إذ أن الحرس الثوري الإيراني قام أيضاً بعمليات قرصنة للسفن الفترة ذاتها كان أخرها السفينة "إم إس سي آيرس" التي ترفع العلم البرتغالي التي قرصنتها وحدة من الحرس الثوري الإيراني في 13 ابريل/نيسان الماضي، وهي سفينة حاويات تابعة لشركة زودياك ميريتايم ومقرها لندن المملوكة جزئياً لرجل أعمال إسرائيلي. وفي مارس/آذار قال علي رضا تنكسيري قائد بحرية الحرس الثوري: "إذا تم الاستيلاء على نفطنا وناقلاتنا في أي مكان في العالم، فسنرد بالمثل (..) إن الاستغلال الأجنبي للموارد الإيرانية والإفلات من العقاب قد ولى”.

لذلك يمثل وجود تنسيق بين القراصنة الصوماليين والحوثيين والإيرانيين، خطراً ليس فقط على صناعة الشحن التي تمر عبر مضيق باب المندب وصولاً لقناة السويس بل يتجاوزها إلى مساحة 5000 كم حيث ترى إيران فيه عمقها الاستراتيجي.

وكانت هجمات الحوثيين الناجحة على السفن في المياه القريبة نسبياً من اليمن، أما تلك التي تستهدف الأهداف المتحركة على نقاط بعيدة فنسبة دقتها ونجاعتها ضعيفة. لذلك تفترض هذه الورقة أن هناك إمكانية كبيرة لشن الحوثيين هجمات تشمل السفن التجارية في نقاط بعيدة في المحيط الهندي بمساعدة قراصنة إيرانيين وصوماليين. وتزيد من احتمالات ظهور القرصنة التي تستخدم كرافعة سياسية للحصول على التنازلات في الصراعات المحلية والتنافس الإقليمي في شبه الجزيرة العربية وشرق أفريقيا.

 

أولاً: علاقة الحوثيين بالقراصنة الصوماليين

تُعد القرصنة البحرية أول جريمة دولية نص عليها القانون الدولي وصنفها من جرائم قانون الأمم (Droit des gens)، أي باعتبارها جريمة تقع تحت طائلة القانون الدولي العام. وتعتبر المنطقة الممتدة من جنوب البحر الأحمر إلى شرق خليج عدن واحدة من أبرز مناطق الخطر الرئيسية إلى جانب خليج غينيا، ومضيق ملقة وجنوب بحر الصين الجنوبي.

وخلال أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت القرصنة الصومالية تمثل التهديد الأكبر للسفن التي تعبر طرق التجارة البحرية الحيوية حول شرق إفريقيا وقبالة اليمن. كما يعتبر دخول الحوثيين كتهديد للملاحة البحرية الدولية تطور جديد نسبياً، فلم يتم اعتبار الامتداد البحري للصراع اليمني (2014-الآن) إلى جنوب البحر الأحمر "قرصنة" أو تأثير على حرية الملاحة في المنطقة ما جعل الحوثيين بعيداً عن المحاسبة تحت طائلة القانون الدولي، الذي لم يعتبر هجمات وقرصنة الحوثيين على السفن السعودية والإماراتية خلال الحرب تهديداً للملاحة الدولية.

ولا توجد علاقة واضحة بين الحوثيين والقراصنة الصوماليين إلا أن الجماعة المسلحة اليمنية اعتادت العمل معهم لتهريب الأسلحة من وإلى اليمن بعد أن جُففت أعمالهم بفعل عمليات التحالف الدولي لمكافحة القرصنة؛ وتزايد الاعتماد المتبادل بعد 2015م. وكان للقراصنة الصوماليين علاقة جيدة مع قادة حوثيين بينهم "فارس مناع"المشمول بقائمة عقوبات مجلس الأمن بشأن الصومال وإريتريا في (2010)، بناء على القرار (1844-2008) المرتبط بمحاربة القرصنة. و"مناع" تاجر أسلحة ينتمي لمحافظة صعدة (معقل الحوثيين) وعينه الحوثيون في عام 2016 وزيراً للدولة في الحكومة غير المعترف بها دولياً. ويرتبط بشبكة تهريب واسعة بين اليمن والقرن الأفريقي، معظم هؤلاء الذين يعملون في شبكته مهربين وقراصنة من الصومال واليمن.

عملت هذه الشبكة على تهريب الأسلحة -التي يعتقد أن مصدرها إيران- إلى الحوثيين في اليمن خلال الحرب-حسب ما تشير تقارير فريق خبراء مجلس الأمن الدولي الخاصين باليمن 2017و2018. وعلى الرغم من العقوبات يتحرك "فارس مناع" ونجله أديب- (المشمول بعقوبات قرار مجلس الأمن الخاص باليمن 2140)- بجوازات سفر دبلوماسية ويعقدون صفقات شراء الأسلحة من إيران إلى دول أمريكا اللاتينية، ويشرفون على عمليات نقلها إلى اليمن عبر مسارات متعددة يرتكز المهربون الصوماليون واليمنيون على رأسها. ويقول تقرير 2022م لفريق الخبراء المعني باليمن: "هناك شبكة تهريب منسقة بشكل وثيق تعمل بين اليمن والصومال، وتتلقى أسلحة من مصدر مشترك". توفر تقارير "لجنة مجلس الأمن العاملة بموجب القرار 751 (1992) بشأن الصومال للأعوام بين (2017 و2022) صورة لكيفية انتقال الأسلحة من اليمن إلى الساحل الشمالي للصومال. كما توفر تقارير فريق الخبراء المعني باليمن الأعوام الثمانية مسارات انتقال الأسلحة من السواحل الصومالية –التي عادة ما اتخذها القراصنة مقراً لأعمالهم- إلى الحوثيين والتي يعتقد أن فيلق قدس التابع للحرس الثوري يقف وراء بناء هذه المسارات.

من الصعب تحديد تاريخ لبدء عملية استثمار منظمة لجماعة الحوثي المسلحة في القرصنة الصومالية، لكن يمكننا الإشارة إلى عامي 2017-2018 بداية بروز علامات عن تعزيز الروابط والتنسيق بين هجمات القرصنة والصراع اليمني على سبيل المثال:

  • في الربع الثاني من 2017 هاجم قراصنة صوماليون خمس سفن تجارية قبالة سواحل الصومال، في أول سلسلة من الهجمات الناجحة منذ 2012م. كان ذلك في ذروة العمليات العسكرية للتحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين والتهديد باجتياح مدينة الحديدة اليمنية الساحلية الخاضعة لسيطرة الجماعة المسلحة. وجرى اعتقاد مسؤولين في "بونتلاند" أن الحوثيين –وما وصفوهم بالمستثمرين اليمنيين- متورطين في أعمال القرصنة هذه، حيث يقومون بتزويد القراصنة الصوماليين بالإمدادات اللوجستية مثل السفن والأسلحة والذخيرة ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS) والوقود والمحركات.
  • استمر الحوثيون بالاستثمار في شبكات القراصنة بضخ الأموال إليها، للحصول على معلومات عن السفن والملاحة، والوصول إلى المعدات، وتهريب الأسلحة التي تشتريها الجماعة من السوق السوداء أو القادمة من إيران.
  • في 26 نوفمبر/تشرين الثاني اختطف قراصنة صوماليون الناقلة سنترال بارك (Central Park) –المرتبطة باسرائيل- التي تحمل 22 بحاراً، لكن المدمرة الأمريكية يو اس اس مايسون تلقت نداء الاستغاثة وقامت بعملية انزال على متن السفينة تمكنت من انقاذها وطاقمها. وقال البنتاغون إن خمسة قراصنة صوماليين جرى اعتقالهم ببينما كانوا يحاولون الفرار بقارب صغير باتجاه السواحل اليمنية، وليس باتجاه الأراضي الصومالية!

كما أنه وبحسب البنتاغون فبعد ساعة و 40 دقيقة من صعود القوات الأمريكية على متن الناقلة وتحريرها من القراصنة؛ أطلق الحوثيون صاروخ باليستي على "سنترال بارك" و"المدمرة مايسون"، سقط على بُعد 10 أميال بحرية من المكان.

  • تشير تقارير نشرت قبل يوم 07 من اكتوبر/تشرين الأول (بدء العدوان الإسرائيلي الوحشي على على قطاع غزة) إلى أن الحوثيين قاموا بتدريب لاجئين أفارقة ضمن قوات بحرية تابعة لهم. وتقول تلك التقارير إن القوة البحرية التابعة للحوثيين تلقت تدريبات في سبتمبر/أيلول2023 في منطقة (اللحية) بالحديدة قبالة سواحل البحر الأحمر، على عمليات بحرية متعددة وخاطفة، ومن ضمن المجندين صيادين صوماليين.

 

ثانياً: علاقة إيران بالقراصنة الأفارقة

على الرغم من أن محاولات الوجود الإيراني في القرن الأفريقي وصل متأخراً مع منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، إلا أن لدى طهران طموحات أكبر بكثير من أدواتها الحقيقية في المنافسة الإقليمية الجديدة على النفوذ في هذه المنطقة الاستراتيجية فلم تحقق سوى نجاحات بسيطة. بالإضافة إلى ذلك، من الواضح أيضًا أن القرن الأفريقي مهم بالنسبة للنظام الإيراني ليس بسبب قيمته الفردية، ولكن بسبب مصفوفة المصالح والمنافسة التي يمكن للجمهورية الإسلامية من خلالها إضعاف مواقف منافسيها. وكانت القرصنة من أهم التهديدات والتحديات "المرئية" دوليًا حتى بالنسبة لإيران فمنذ عام 2008، قامت السفن الحربية الإيرانية - التي تحمي الشحن التجاري الإيراني - بعمليات لمكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال. لكن ذلك لم يمنع إيران من استخدام القراصنة في عمليات تهريب أسلحة للجماعات المسلحة في الصومال أو اليمن التي تملك علاقات معها. كما أنها تستخدم شبكات القرصنة لتهريب البضائع غير المشروعة لصالح تلك الجماعات الصومالية وبينها حركة الشباب (فرع تنظيم القاعدة في شرق أفريقيا) وبيعها عبر إيران، حيث يتم تصنيفها أنها منتجات إيرانية.

إن التعاون بين طهران وشبكات القرصنة والتهريب في خليج عدن جزء من استراتجيتها للنفوذ في شرق أفريقيا واليمن. فبصرف النظر عن المبدأ العام لتصدير الثورة –كما أعلنها آية الله الخميني كمسؤولية المجتمع المسلم والفقراء المضطهدين- فإن السياسية الخارجية الإيرانية جرى تعريفها في العقدين الأخيرين من خلال مصطلحين مترابطين "العمق الاستراتيجي والمقاومة"، وهذان الأمران يحددان كيفية توجه طهران نحو العالم الخارجي وتشكيل علاقتها به. وعلاوة على إشارة قادة الإيرانيين أن حدود بلادهم يمتد إلى اليمن وشرق أفريقيا  باعتباره "العمق الاستراتيجي"، اعتبر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي  أفريقيا في 2019 "جغرافية المقاومة". ولأن إيران تفتقر الموارد المالية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية الكافية في شرق أفريقيا، إذ بإمكان دول الخليج العربية أن "تتفوق" بسهولة على أي عرض إيراني، فإنها ستذهب لتكون مثير للمشكلات من خلال التأثير في الأطراف الفاعلة والمؤثرة على الأمن في شرق أفريقيا لتحقيق تفوق على منافسيها. وأبرز هذه المشكلات هي التهديد البحري عبر القرصنة التي تعتبر أداة جيدة تمكنها من المنافسة والمقايضة، ليس فقط عبر عمليات السطو على السفن والتهديد السفن التجارية، بل حتى تهريب الأسلحة والبشر، والحصول على المعلومات البحرية مثل رصد السفن، وربما في استخدامهم لشن هجمات بطائرات مسيّرة من مناطق وجودهم أو من على متن سفن تجارية تم السطو عليها.

وتتبين جزء من هذه العلاقة في عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية للحوثيين التي ربطت قراصنة ومهربين صوماليين بمسؤولين إيرانيين. على سبيل المثال، في عام 2015 ضبطت الفرقاطة الاسترالية (HMAS MELBOURNE) شحنة أسلحة على متن سفينة صيد تدعى نصر (Nasir) قرب السواحل الصومالية بعد أن غادرت من ميناء تشاباهار في جمهورية إيران، وخلال عملية أجرت وتلقت السفينة معظم اتصالاتها عبر رقم مشترك واحد إيراني. وكان قائد سفينة الصيد على اتصال أيضا مع تجار أسلحة معروفين تربطهم صلات بالقرصان السابق عيسى محمود يوسف. وهي معلومات تكررت في عمليات ضبط ثلاثة سفن صيد أخرى ضبطها الأسطول الخامس الأمريكي أو القوات المشتركة الدولية- كما يشير التقرير السنوي لفريق الخبراء المعني باليمن 2016م.

 

ثالثاً: تحالف إيراني حوثي مع القراصنة 

أعلن الحوثيون عن توسيع عملياتهم لتشمل المحيط الهندي، والبحر الأبيض المتوسط، وعلى الرغم من امتلاك الجماعة المسلحة طائرات مسيّرة انتحارية وصواريخ مداها يقارب آلفي كم، إلا أن هذه الأسلحة لا تتمتع بقدرات استهداف فعالة ودقيقة، ويصعب عليها استهداف سفينة متحركة، كما أوضحت هجمات الحركة اليمنية البحرية أن تحقيق نجاح للعمليات مرتبط بقرب السفن من المياه اليمنية. لأجل ذلك يمكن أن يحقق مستوى تنسيق عال بين الحوثيين والقراصنة الصوماليين وإيران وحلفائها فيما يُعرف بمحور المقاومة و"جغرافيا المقاومة" احتمالاً كبيراً لنجاح تهديد الحوثيين واستعراض أنفسهم كقوة مهددة تتجاوز المياه القريبة من اليمن.

وإلى جانب إبقاء التعاون الحالي بين الحوثيين والقراصنة الصوماليين وإيران مستمراً في تهريب الأسلحة والبشر والحصول على معلومات السفن التجارية ومساراتها ومضايقتها في البحر الأحمر وخليج عدن، يمكن الإشارة إلى مجالات جديدة يمكن أن يتعاونوا فيها لانجاح تهديد الحوثيين بتوسيع عملياتهم:-

  • استخدام الطائرات بدون طيار لإطلاقها من مناطق وجود القراصنة في السواحل الصومالية والقبائل التي تواليهم، إما عبر مسلحين حوثيين أو أفارقة تم تدريبهم من الحوثيين. أو في مناطق خاضعة لتنظيم الشباب الذي يملك صلات مع إيران وشبكات القرصنة والتهريب. والتي يمكنها أن تكون هجمات ناجحة في مناطق أبعد من اليمن.
  • يمكن أن يستخدم الحوثيون أو قراصنة صوماليون المراكب الشراعية كقواعد عمليات أمامية لشن حرب غير متكافئة بما في ذلك استخدام السفن المتفجرة التي يتم التحكم بها عن بُعد، والألغام اللاصقة، لاستهداف السفن التجارية في المحيط الهندي.
  • يمكن للإيرانيين والحوثيين توفير التدريب اللازم للقراصنة الصوماليين، مع تزويدهم بالمعلومات اللازمة لشن هجمات خارج منطقة خليج عدن وغرب المحيط الهندي، يتبناها الحوثيون. وتشتبه الولايات المتحدة في وقوفها وراء الهجوم على الناقلة "كيم بلوتو" التي ترفع علم ليبيريا قبالة الهند في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
  • يمكن لإيران أيضًا أن تقوم بعمليات بحرية في المحيط الهندي، ويعلن الحوثيون مسؤوليتهم رسميًا عنها. ولن يكون ذلك جديداً حيث اتهمت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية طهران بالوقوف وراء هجمات على منشآت النفط في أبقيق وخريص في سبتمبر/أيلول 2019 الذي يبعد 1000كم عن الأراضي اليمنية. على الرغم من انكار إيران ضلوعها في الهجوم.
  • يمكن لـ"محور المقاومة" بما في ذلك حزب الله اللبناني أو الميليشيات التابعة لإيران في العراق وسوريا شن هجمات في البحر الأبيض المتوسط ضد سفن تجارية ويتبنى الحوثيون الهجوم.

 

رابعاً: مخاطر التحالف الثلاثي

إن وجود تنسيق عال واستثمار للحوثيين والإيرانيين في القرصنة البحرية مخاطر على الأمن البحري والإقليمي في البحر الأحمر وخليج عدن؛ ولا ينعكس ذلك على المرحلة الحالية حيث يزعم الحوثيون والإيرانيون أن الهجمات البحرية تضامناً مع الفلسطينيين أمام العدوان الوحشي الإسرائيلي على قطاع غزة والتواطئ الغربي المستمر فيها، بل حتى في المستقبل القريب. ومن بين هذه المخاطر:

  • إن تمكين القراصنة الصوماليين من شن هجمات عبر أسلحة الحروب غير المتكافئة يجعل من الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن في توتر دائم. ويدفع مجموعات القرصنة إلى طلب فدية من شركات الشحن لتجنب استهداف سفنها التي تعبر عبر قناة السويس.

فيما كانت صناعة الشحن تلجأ إلى شركات خاصة لتأمين حراسة السفينة، والقوات الدولية لتأمين ممر للسفن بنشر دوريات بحرية مكثفة. فإن الهجمات الصاروخية الباليستية البحرية والطائرات والقوارب المسيّرة الانتحارية يجعل من التدابير الناجحة لمواجهة القرصنة الصومالية مضيعة للوقت، تزيد من تكاليف مواجهتها حيث يكلف اعتراض طائرة مسيّرة للحوثيين مليوني دولار، في وقت تكلف الطائرة المسيّرة أقل من 2000$.

  • توفر هجمات القراصنة الصوماليين الموجهة على سفن الشحن بالطائرات والقوارب المسيّرة والألغام اللاصقة قدرة للحوثيين على الانكار بعدم ضلوعهم بأي هجمات مستقبلية. لكنه في نفسه الوقت يجعل جنوب البحر الأحمر أداة في يد الجماعة المسلحة للضغط على المجتمع الدولي وحلفائهم في المنطقة تقديم المزيد من التنازلات السياسية للحوثيين وإيران.
  • يعتبر مرحلة جديدة في القرصنة البحرية في شرق أفريقيا، بتلقي دعم من جهة تملك موارد لا محدودة للمعلومات والتقنيات والتمويل الجيد. وانتقال هدف القرصنة من المصلحة الشخصية، إلى المصلحة السياسية والذي قد يؤدي إلى تغيير أنظمة وخارطة دول في شرق أفريقيا حيث تزداد المنافسة الإقليمية. باعتبارها تجربة جيدة للحصول على المكاسب؛ فبدلاً من الفدية التي كان القراصنة يطلبونها ستكون هناك مطالب سياسية. وهو ما يمنح إيران التفوق على منافسيها الخليجيين للهيمنة على شرق أفريقيا.

تفضل إيران إبعاد نفسها عن القرصنة واستهداف سفن الشحن في المياه القريبة عبر مضيق هرمز، والخليج العربي وبحر عمان كما جرت في السنوات الماضية. كما أن الحوثيين يفضلون استخدام القرصنة التي تزود بالتقنيات والمعلومات والأسلحة كفرصة لإنكار مسؤوليتهم والحصول على التنازلات في السياسات الدولية تجاه الجماعة، خاصة أن عودة الولايات المتحدة إلى "خطة العمل المشتركة" (الاتفاق النووي) يبدو أكثر صعوبة في السنوات القادمة ووجود قيادة جمهورية في البيت الأبيض.

كما أن الاحتشاد الدولي في مياه الخليج العربي يثير التوتر في إيران، ووجود تهديدات بحرية طارئة ومستمرة بعيدة عن مياه الخليج يدفع بتلك القوات إلى خليج عدن وجنوب البحر الأحمر والابتعاد عن مياه الجمهورية الإسلامية ما يقلل مخاوفها من حرب سريعة على حدودها.

  • على الرغم من شعور غرور قادة الحوثيين بإمكانية السيطرة على القراصنة الصوماليين الذين يدعمونهم في المستقبل بعدم استهداف اقتصاد اليمن –عندما تستقر للجماعة السلطة- إلا أنه لا يوجد ما يضمن ذلك. وكانت السفن اليمنية أكبر المتضررين من القرصنة الصومالية منذ بداية الألفية.

 

خلاصة:

إن ما يحدث في جنوب البحر الأحمر مقدمة تحوّل محتمل في المشهد الأمني للمنطقة ذات البيئة الهشة للأمن البحري، سيكون الحوثيون وإيران وعلاقتهم بعودة القراصنة عنوانه الأبرز. وفيما يراقب العالم هذه المنطقة خوفاً على حرية الملاحة في أعالي البحار سيأتي الوقت الذي يتوقف فيه الحوثيون –وربما إيران-عن شن هجمات بحرية ولو مؤقتاً؛ لكن ذلك لا يعني نهاية التوتر في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، بل بداية لمرحلة جديدة من القرصنة البحرية السياسية ذات التأثير ليس على التجارة البحرية في مضيق باب المنددب فقط، ولكن أيضاً على التنافس الإقليمي والصراعات الداخلية في شرق أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، التي قد تغيّر ما نعرفه عن تاريخ القرصنة حول العالم.

نشر :