مقدمة:
تعد حادثة اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله حدث كبير يشهده الشرق الأوسط، وسيكون له تداعياته على مختلف الملفات في المنطقة، بما في ذلك الملف اليمني، وتأتي هذه التداعيات على الصعيدين السياسي والعسكري، وتشمل التأثير في مواقف أطراف النزاع، من خلال ما تمنح هؤلاء من فرص وتفرضه عليهم من تحديات، وعلى أولياتهم، ما سيكون له في النهاية نتائجه على ميزان القوى، وأخيرا على معادلة الحرب والسلام.
الأبعاد والنتائج السياسية
اغتيال حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، يُعتبر حدثا بالغ الأهمية قد يُحدث تغييرات كبيرة في المشهد السياسي والعسكري ليس فقط في لبنان، ولكن على مستوى الساحة اليمنية أيضا، فحزب الله، بقيادة نصر الله، كان حليفا استراتيجيا لجماعة الحوثيين في اليمن، وقدم لها دعما شاملا يتجاوز الجانب العسكري إلى الأبعاد السياسية والأيديولوجية، بالنسبة للحوثيين، كان نصر الله رمزا لشرعية المقاومة ضد الهيمنة الغربية والإقليمية، وقد أسهمت رمزيته في تعزيز سرديتهم حول كونهم جزءا من محور مقاومة إقليمي أكبر يمتد من إيران إلى لبنان.
خسارة نصر الله تمثل ضربة قوية للحوثيين من عدة زوايا، فمن الناحية النفسية والمعنوية، كان نصر الله يُعزز من تماسك الجماعة ويمنحها إحساسا بالشرعية والمقاومة، وهو ما ساعد الحوثيين في الحفاظ على الروح القتالية والمعنويات العالية، ليس فقط بين مقاتليهم بل أيضا على مستوى قيادتهم، واغتياله سيُضعف هذا الإحساس بالتماسك ويعزز من شعور الحوثيين بالعزلة، خاصة في ظل الضغوط الدولية والإقليمية المتزايدة عليهم، هذا الاغتيال يمكن أن يؤدي إلى تراجع ثقة الحوثيين في قدرتهم على مواجهة التحديات السياسية والعسكرية، وقد يُضعف شعبيتهم داخليا ويقلل من قدرتهم على استقطاب الدعم الجماهيري الذي كانوا يعتمدون عليه في مناطق سيطرتهم.
على المستوى الإقليمي، يُعتبر اغتيال نصر الله ضربة لنفوذ إيران في اليمن، فحزب الله كان بمثابة الذراع الإيرانية الأقوى في دعم الحوثيين، ولعب دورا مهما في توفير الدعم اللوجستي والعسكري، بالإضافة إلى تقديم الخبرات التكتيكية والإعلامية التي ساعدت الحوثيين على تعزيز موقفهم السياسي والميداني، مع غياب نصر الله، ستضطر إيران إلى إعادة ترتيب أوراقها في اليمن، وقد تجد نفسها مضطرة لتخصيص موارد أكبر لدعم الحوثيين لتعويض غياب حليف قوي كحزب الله، إلا أن هذه الخطوة قد تُضعف من قدرة إيران على الاستمرار في دعم الحوثيين بنفس الزخم السابق، مما سيؤدي إلى تراجع نفوذهم الإقليمي في اليمن ويُضعف من قدرتهم على التأثير المباشر في مسار الصراع.
على الجانب الآخر، يمثل اغتيال نصر الله انتصارا معنويا للتحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، اللتان تقودان الحملة العسكرية ضد الحوثيين، وسيستفيد التحالف من حالة الإرباك التي سيخلفها اغتيال نصر الله في صفوف الحوثيين، وسيعزز موقفه أمام المجتمع الدولي بأن الحوثيين في موقف أضعف الآن سياسيا وعسكريا، وهذا الانتصار المعنوي سيُمكّن التحالف من تكثيف جهوده لإقناع المجتمع الدولي بزيادة الضغوط على الحوثيين، سواء من خلال تعزيز العقوبات الاقتصادية أو من خلال فرض رقابة أشد على الموانئ والشبكات التي تمد الحوثيين بالسلاح، ويمكن أن يسهم هذا الحدث في إعادة تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية بشكل أشمل، مما يُعزز من سردية أن الحوثيين جزء من المحور الإيراني الذي يهدد استقرار المنطقة والعال، هذا عدا أن ضعف الحوثيين سياسيا بعد اغتيال نصر الله نفسه قد يُشجع المجتمع الدولي والإقليمي على زيادة الضغوط عليهم لدفعهم نحو تسويات سياسية بشروط أقل مما كانوا يطمحون إليه في السابق.
إحدى النتائج غير المتوقعة لكن غير المستبعدة لاغتيال نصر الله قد تكون تعزيز العلاقات بين القوى اليمنية المعارضة للحوثيين، فقد يؤدي هذا الحدث إلى تحفيز تلك القوى على التعاون بشكل أكبر مع التحالف العربي، ليس فقط من أجل هزيمة الحوثيين، ولكن أيضا للاستفادة من التغيرات الإقليمية التي قد تعيد تشكيل خريطة النفوذ في اليمن.
الأبعاد والنتائج العسكرية
اغتيال حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، يُعد حدثا محوريا ستكون له تداعيات عسكرية كبيرة على جماعة الحوثيين في اليمن، فحزب الله لم يكن مجرد داعم سياسي للحوثيين، بل كان الركيزة الأساسية التي وفرت لهم التدريب، الخبرات العسكرية، والدعم اللوجستي على مدى سنوات.
تركز الدعم الذي قدمه حزب الله للحوثيين على تطوير قدراتهم القتالية من خلال تقديم خبرات في مجال تصنيع الصواريخ والطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى تعزيز قدراتهم على التخطيط للعمليات العسكرية وإدارتها، ومن خلال هذه العلاقة الاستراتيجية، ساهم حزب الله في بناء شبكة إعلامية قوية للحوثيين، تهدف إلى دعم قضاياهم سياسيا وعسكريا على الساحة الإقليمية.
من هذا المنطلق، يُعتبر اغتيال حسن نصر الله ضربة موجعة لجماعة الحوثيين، حيث سيؤدي ذلك إلى تراجع الدعم العسكري واللوجستي الذي يعتمدون عليه بشكل كبير. كان حزب الله يلعب دورا رئيسيا في نقل التكنولوجيا العسكرية إلى الحوثيين، سواء من خلال تصنيع الأسلحة المتطورة أو تزويدهم بالتقنيات اللازمة لتطويرها.
ومع غياب نصر الله، من المرجح أن تواجه الجماعة صعوبة في الحفاظ على تدفق الأسلحة والتكنولوجيا التي كانوا يحصلون عليها عبر شبكات التهريب التي يديرها حزب الله، هذا التأثر قد لا يكون فوريا، لكنه بالتأكيد سيؤدي إلى تأخير أو حتى تراجع في قدرات الحوثيين على تحديث وتسليح قواتهم، مما سيقلل من فعاليتهم في المواجهات العسكرية مستقبلا.
من جهة أخرى، كان حزب الله يدير شبكات تهريب معقدة ساهمت في تزويد الحوثيين بالمعدات العسكرية المتطورة، واغتيال نصر الله سيؤدي إلى زعزعة استقرار هذه الشبكات، وهذه الشبكات قد تتعرض لضغوط متزايدة، سواء من خلال تشديد الرقابة الدولية أو استهداف مباشر من قبل التحالف العربي، مما سيضع الحوثيين في موقف صعب فيما يتعلق بالحصول على المعدات العسكرية، فأي تراجع في هذه الشبكات سيؤدي إلى تقليص إمدادات الأسلحة، وهذا سيؤثر على قدرتهم في مواجهة القوات الحكومية والتحالف العربي، لا سيما في المناطق الحساسة مثل مأرب والحديدة.
علاوة على ذلك، يتمتع حزب الله بشبكات استخباراتية واسعة تُستخدم لدعم العمليات العسكرية لحلفائه، بما في ذلك الحوثيين، واغتيال نصر الله قد يؤدي إلى فقدان الحوثيين لهذه القدرات الاستخباراتية المهمة، مما سيؤثر على قدرتهم على تلقي المعلومات الدقيقة وتوجيه ضربات نوعية في ساحات القتال، وبدون هذه المساعدات الاستخباراتية الحيوية، قد تجد جماعة الحوثي نفسها في موقف ضعف تكتيكي في عملياتها العسكرية على الأرض، مما سيفتح الباب أمام التحالف العربي لتحقيق مكاسب عسكرية أكبر.
الجانب الآخر الذي لا يقل أهمية هو التأثير المعنوي، إذ إن نصر الله كان شخصية رمزية بالنسبة لجماعة الحوثي، والاغتيال سيؤدي إلى تراجع الروح المعنوية لدى المقاتلين الحوثيين الذين يرون في نصر الله رمزا للمقاومة والنضال، وهذا التراجع في الروح المعنوية قد ينعكس سلبا على قدرة الجماعة في الحفاظ على تماسك قواتها واستمرار العمليات العسكرية بالزخم المطلوب.
في الوقت نفسه، ومع تراجع الدعم المباشر الذي كان يقدمه حزب الله، قد تزيد إيران من دعمها للحوثيين في محاولة لتعويض الخسارة، إيران قد تجد نفسها مجبرة على تقديم دعم أكبر، سواء كان ماديا أو عسكريا، في محاولة لملء الفراغ الذي سيتركه غياب نصر الله، إلا أن هذا السيناريو قد لا يكون كافيا لتعويض كافة الخسائر، خاصة وأن شبكات حزب الله في تهريب الأسلحة وتقديم الاستشارات العسكرية كانت تعتمد على علاقات وعمليات معقدة، يصعب تعويضها بسرعة.
من جهة أخرى، قد يكون اغتيال نصر الله فرصة للتحالف العربي، فالتحالف قد يستغل هذا الحدث لإضعاف الحوثيين بشكل أكبر من خلال تكثيف الجهود الرامية إلى تقييد شبكات التهريب البحرية والجوية التي تمد الحوثيين بالأسلحة والمعدات، وتكثيف الحصار البحري والجوي سيؤدي إلى إضعاف قدرة الحوثيين على استعادة زخمهم العسكري، وسيُسهم في زيادة الضغط عليهم في ميادين القتال المختلفة.
التأثير على معادلة الحرب والسلام:
قد يتسبب اغتيال حسن نصر الله ببعض التعديل في الديناميكيات السياسية من خلال إسهامه تعديل المواقف التفاوضية للأطراف اليمنية والإقليمية، وفي إعادة تشكيل أولويات أطراف النزاع المحليين والإقليميين وبما يؤثر في مسار الحرب والسلام في اليمن، وسيكون له تأثيره غير المباشر على معادلة الحرب والسلام في اليمن.
قد يدفع اغتيال نصر الله جماعة الحوثي إلى إعادة تقييم مواقفها تجاه الحرب والسلام، نظرا للإرتباط الوثيق بين الحوثيين ومحور المقاومة الذي يقوده حزب الله وإيران، كان نصر الله رمزا معنويا وسياسيا للجماعة، وغيابه قد يؤدي إلى زعزعة الثقة داخل صفوفهم، مما قد ينعكس على موقفهم من استمرار الحرب، وقد تجد الجماعة نفسها في وضع أكثر حرجا على الساحة الإقليمية، ما يدفعها إلى التهدئة أو البحث عن تسوية سياسية لتجنب تصعيدات جديدة أو خسائر إضافية قد تأتي مع تراجع الدعم الإقليمي.
من جهة أخرى، قد يدفع اغتيال نصر الله الحوثيين إلى تشديد مواقفهم لفترة مؤقتة، كوسيلة لإظهار أنهم لا يزالون ملتزمين بمحور المقاومة ولم يتأثروا بالخسارة الرمزية الكبيرة، قد يلجأ الحوثيون إلى تصعيد خطابي أو سياسي في محاولة لتعزيز مكانتهم، إلا أن هذا التصعيد قد يكون محدودا زمنيا، إذ إنهم قد يرون أن تبني خيارات أكثر هدوءاً قد يخدمهم في مواجهة خصومهم على المدى الطويل.
في ظل غياب نصر الله وتراجع الدعم الرمزي والمعنوي الذي كان يوفره، قد تكون الجماعة أكثر استعدادا للتفكير بجدية في المفاوضات السياسية، خاصة إذا شعرت بأن استمرار الحرب سيؤدي إلى تآكل مكاسبها العسكرية والسياسية، المخاوف التي قد تُثار داخل صفوف الحوثيين حول مستقبل محور المقاومة، بعد خسارة شخصية محورية كنصر الله، قد تدفعهم إلى استباق التطورات الإقليمية، وفتح قنوات اتصال جديدة مع المجتمع الدولي أو التحالف العربي.
ومن جانب آخر، قد يكون اغتيال نصر الله فرصة للمجتمع الدولي لزيادة الضغوط على الحوثيين، ودفعهم نحو التفاوض من خلال تعزيز الجهود الدبلوماسية، قد تعمل الأمم المتحدة والقوى الغربية على استغلال هذا الضعف النسبي الذي يواجهه الحوثيون لجرهم إلى مفاوضات بشروط أقل، مع غياب نصر الله، قد يُدرك الحوثيون أن ميزان القوى قد بدأ يتغير، مما يجعلهم أكثر ميلا للقبول بتسويات سياسية كانوا يرفضونها في السابق.
بالنسبة للتحالف العربي، قد يكون اغتيال نصر الله فرصة لتعزيز موقفهم التفاوضي في أي محادثات سلام مستقبلية مع الحوثيين، غياب نصر الله يضعف الجبهة السياسية والعسكرية للحوثيين، مما يمنح التحالف موقعا تفاوضيا أقوى، لكن على الرغم من هذا، من غير المرجح أن يسعى التحالف إلى استغلال هذا الضعف بشكل مفرط عسكريا، بل قد يستغل التحالف اللحظة لتعزيز الضغوط الدبلوماسية وإقناع المجتمع الدولي بأن الحوثيين أصبحوا في موقف أضعف، وبالتالي فإن الحل السياسي قد يكون أقرب من ذي قبل.
قد يسعى التحالف العربي إلى فرض شروط أكثر صرامة على الحوثيين في المفاوضات، خاصة مع إدراكهم أن الجماعة قد تكون أكثر استعدادا لتقديم تنازلات لتجنب عزلة أكبر أو خسائر مستقبلية، هذا التطور يمكن أن يُعيد تشكيل إطار الحلول السياسية الممكنة في اليمن، حيث يصبح التحالف في وضع يسمح له بتأطير التسوية السياسية بطريقة تضمن استقرارا أكبر وتهدئة للصراع.
من الصعب النظر إلى تأثير اغتيال نصر الله على اليمن بمعزل عن السياق الإقليمي الأوسع، خاصة في ظل التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، والتوترات بين إيران والقوى الغربية.
التفاعل بين هذه القوى قد يلعب دورا كبيرا في تحديد كيفية تأثير غياب نصر الله على معادلة الحرب والسلام في اليمن، فإذا نجحت إيران وحزب الله في الحفاظ على تماسك محور المقاومة، فقد يستمر الحوثيون في المراهنة على هذا المحور لتعزيز موقفهم، أما إذا تفاقمت التوترات أو حدث تراجع في قدرة المحور على تقديم الدعم، فقد يجد الحوثيون أنفسهم مضطرين إلى الانفتاح على تسويات جديدة.
وفي الوقت نفسه، قد يرى المجتمع الدولي في اغتيال نصر الله فرصة للضغط على إيران للتراجع عن بعض سياساتها الإقليمية، بما في ذلك دعم الحوثيين، هذا قد يسهم في تغيير الديناميكيات الإقليمية بشكل يساهم في دفع الأطراف المتحاربة في اليمن نحو مواقف أكثر مرونة في المفاوضات، وبالتالي تعزيز فرص السلام.
خلاصة:
قد لا يؤدي اغتيال حسن نصر الله إلى تغيير جذري فوري في معادلة الحرب والسلام في اليمن، إلا أنه يفتح المجال أمام تحولات استراتيجية قد تظهر تدريجيا، قد يدفع الاغتيال جماعة الحوثي إلى إعادة تقييم مواقفها، مما قد يفتح الباب أمام خيارات التهدئة أو الانخراط في مفاوضات جدية، بينما يستغل التحالف العربي والمجتمع الدولي هذا التطور لتعزيز ضغوطهم السياسية والدبلوماسية، ومع استمرار تفاعل الأحداث على الساحة الإقليمية، قد يتضح بشكل أكبر كيفية تأثير غياب نصر الله على مسار الحرب والسلام في اليمن.