تحولات جماعة الحوثي في محور المقاومة المتراجع

Situation Assessment | 11 Sep 2025 05:09

 

مقدمة

شكّلت التطورات التي شهدتها المنطقة منذ أكتوبر 2023 محطة فارقة في مسار محور المقاومة، ومثّلت اختباراً قاسياً له ولمكوناته. فالحرب الإسرائيلية–الأمريكية على إيران، وسقوط نظام الأسد، والحرب في غزة ولبنان، كشفت عن تواضع قدرات المحور، وأضعفته، وأعادت تعريف أدوار مكوناته. وفي مقابل الظهور الضعيف لحزب الله اللبناني وإيران، وتراجع فاعلية بقية المكونات في المواجهات مع إسرائيل، برزت جماعة الحوثيين كاستثناء لافت، فلم تكن الطرف الأقل تضرراً فقط، بل أيضاً الطرف الأكثر نشاطاً ومبادرة ومرونة.
يسعى هذا التحليل إلى فهم تأثير هذه التطورات، وما نجم عنها من تحولات، على علاقة الجماعة بحلفائها في محور المقاومة، ويستشرف آفاق هذه العلاقة وممكناتها.

 

تأثير التطورات على ديناميات العلاقة بمحور المقاومة

انعكست التطورات التي شهدتها المنطقة منذ السابع من أكتوبر 2023 على العلاقة بين الجماعة ومحور المقاومة، باتجاهين متعارضين. فقد دفعت، ومازالت، لتعزيز روح التضامن والتعاون من جهة، وتتسبب لها بالارتباك والتعقيد من جهة أخرى. وهذا يتم بطرق مباشرة وغير مباشرة يفترض أم تعكس نفسها على ديناميات هذه العلاقة؛ من أبرزها:

  • إبراز الجماعة الحوثية كفاعل رئيسي؛ أعادت هذه التطورات تعريف علاقات الجماعة داخل محور المقاومة، فقد عرضت المحور لهزات عنيفة، وانتهت بإضعاف مكوناته على نحو غير مسبوق، باستثناء الجماعة التي بدت وكأنها الطرف الوحيد الذي نجح داخل المحور، وأصبحت بسبب ذلك عضواً لا غنى عنه. وهذا ينسجم مع طموحاتها للانتقال من موقع "الحليف المحلي لإيران" إلى حليف رئيسي، والتحول إلى فاعل إقليمي مهم. وهذه النتيجة، التي تضعها في موقف أقوى، تجعلها أكثر حرصاً على إثبات جدارتها واستحقاقها لتلك المكانة، وأكثر اندفاعاً نحو حلفائها والتعاون معهم، ولكنها ترفع توقعاتها وترفع لديها الشعور بالاستقلالية.
  • إلحاق الضرر بآليات التنسيق بين أعضاء المحور؛ فقد طالت الاغتيالات سلسلة القيادة المعنية بهذه المهمة، ويشمل ذلك قاسم سليماني الذي اغتيل عام 2020، وقادة حزب الله اللبناني. فقد كان فيلق القدس وحزب الله يتوليان مهمة التنسيق وتزويد الوكلاء بالتقنيات والأسلحة والخبرات والخبراء. ويبدو أن قائد فيلق القدس الجديد، إسماعيل قآني، مثلاً، يواجه صعوبة في إدارة الشبكة التي كان سليماني يشرف عليها.
  • إضعاف الحماس وفرص التعاون؛ فقد شكلت المواجهات التي خاضها محور المقاومة اختباراً خطيراً لقدراته وقدرات أعضائه، وكذلك لمبدأ "وحدة الساحات". لكن نتائج تلك المواجهات وهذا الاختبار لم تكن على قدر الطموحات، بل جاءت مخيبة، وبمثابة نكسة سياسية وهزيمة نفسية كبيرتين. وهذا ما يلحق الضرر بحماس أعضاء المحور ومؤيديه وثقتهم في مستقبله. كما انعكست سلسلة الهزائم والخسائر التي لحقت ببقية أعضاء المحور سلباً على فرص التعاون مع الجماعة.
  • إثارة المخاوف من الاستهداف والاختراق؛ فقد أظهرت المواجهة مع إسرائيل حالة خطيرة من الانكشاف الاستخباراتي والأمني، وكشفت عن فارق واضح في ميزان القوى لصالح الإسرائيليين، وهذا أثار المخاوف لدى بقية الأطراف داخل المحور، سواء من احتمال وجود اختراقات أمنية مماثلة أو من أن يتم استهدافها على نحو ما حدث لغيرها. كما أثارت مخاوف إيران نفسها من تضرر بقية أذرعها، وهو ما انعكس على تفاعلات الجماعة مع بقية الأطراف. والراجح أن المخاوف الإيرانية تلك كانت وراء عدم انخراط الجماعة إلى جانبها في المواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة.
  • تعزيز التمايز في الدوافع والحسابات؛ إلى جانب الالتزام الأيديولوجي والسياسي، كان أعضاء المحور محكومون أيضاً بمصالح فريدة، واعتبارات خاصة ومحلية. حتى أن بعضهم قد يتصرف أحياناً بما لا يتفق مع مصالح الآخرين. وقد أصبحت هذه الاعتبارات والمصالح تتمتعبدور أكبر وأكثر وضوحاً في تحديد وتقرير المواقف والتفاعلات بين أعضاء المحور، وهذا حال حزب الله اللبناني والفصائل العراقية الموالية لإيران. ترتب على هذا التمايز المتزايد تراجع في مستوى التعاون العملياتي مع الجماعة.

 

علاقة الجماعة بمحور المقاومة

مثلت هذه التطورات اختباراً لعلاقة الجماعة بحلفائها. ويمكن القول إنها صبت في مصلحة هذه العلاقة وجعلتها أقوى مما كانت عليه وأكثر عمقاً. يقول تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، الذي يغطّي الفترة بين سبتمبر 2023 ويوليو 2024، إن الحوثيين تحولوا من جماعة مسلحة محلية محدودة القدرات، إلى منظمة عسكرية تجاوزت قدراتها التشغيلية مناطق سيطرتها، وامتلكوا أسلحة لم تكن بحوزتهم في سبتمبر 2022. وتحدث عن عمليات غير مسبوقة في حجمها وطبيعتها لنقل التكنولوجيا والدعم العسكري والمالي من إيران وحزب الله والفصائل العراقية.وثمة مستوى عالٍ من التنسيق الإعلامي بين الجماعة وحلفائها الذين تظهر وسائل إعلامهم دعماً مكثفاً لها ولأنشطتها وأهدافها. ومع ذلك، ومنذ سبتمبر 2024 على الأقل، بدأ الارتباك يلحق بعض جوانب هذه العلاقة، وبدأ التعاون مع بعض الحلفاء يواجه عقبات ويتراجع، خصوصاً في الجانب العملياتي.

 

  1. العلاقة بإيران: تعزيز الاعتماد المتبادل

كانت إيران، ومازالت، الحاضنة والداعم الأهم لجماعة الحوثيين. وأعطت التطورات الأخيرة أسباباً إضافية لتعزيز علاقة الطرفين. فقد زادت أهمية الجماعة لدى إيران نتيجة الضعف الذي لحق نفوذها بعد هزيمة حزب الله وسقوط نظام الأسد. وهذا إلى جانب حرصها على بقاء نفوذهاالإقليمي يدفعها إلى تعزيز علاقاتها مع الجماعة، والاعتماد عليها، باعتبارها الوكيل الذي مازال يحتفظ بقوته ويتمتع بأكبر مرونة. وفي المقابل، زادت حاجة الجماعة لإيران ودعمها العسكري، بعدما وضعت نفسها في مواجهة مع المجتمع الدولي وإسرائيل.

كان على هذا التحول، والضغوط التي تسببت بها هذه التطورات عموماً، أن تعكس نفسها في زيادة الدعم الإيراني. وبالإضافة إلى ما جاء في تقرير فريق الخبراء حول الدعم غير المسبوق للجماعة، ارتفع عدد عمليات ضبط شحنات الأسلحة الإيرانية المهربة للحوثيين خلال الستة الأشهر الأولى من عام 2025. وفي مؤشر آخر على زيادة هذا الدعم، اتخذت وزارة الخزانة الأميركية، أواخر يونيو الماضي، ما قالت إنه أكبر إجراء ضد أشخاص وشركات وسفن تعمل في استيراد كميات كبيرة من النفط الإيراني المهرب وتستخدم إيرادات بيعه لتمويل نشاط الجماعة. أما عودة الحوثيين إلى استهداف السفن في البحر الأحمر فتشير إلى استمرار التعاون الاستخباري، على الأقل في ضوء ما كشفه الحوثيون من معلومات عن السفينتين اللتين أغرقوهما.

 

  1. العلاقة بحزب الله  

ارتبطت الجماعة بتعاون وثيق مع الحزب، بما في ذلك التعاون العسكري. فقد لعب الحزب دوراً محورياً في بناء قدراتها، وتولى مسؤولية الإشراف على تسليحها وتدريبها. شمل الدعم المساعدة في بناء والإشراف على هياكل صنع القرار والدعم العملياتي، والدعاية والإعلام.

بسبب الهزيمة التي لحقت به والخسائر الفادحة في قدراته العسكرية على مختلف المستويات، بما في ذلك مقتل ضباط كبار كانوا مشرفين على الدعم المقدّم للحوثيين في مجال الطيران المسير والصواريخ، مثل باسل شكر ومحمد سرور، تراجعت الفعالية الاستراتيجية للحزب. كما يعاني ضغوطاً مالية أعجزته عن دفع الرواتب والتعويضات التي التزم بها للمتضررين من الحرب، ومن إرباك تنظيمي. وتراجع نفوذه السياسي في لبنان. ويختبر عموماً حالة عميقة من الارتباك والتشتت. وبسبب هذه التعقيدات تراجعت قدرته على تقديم الدعم العسكري للجماعة. ولا بد أن الارتباك لحق أيضاً التعاون غير العسكري، لكن بدرجة أقل. والحزب مازال قادرا على المساعدة من خلال شبكاته الاقتصادية والمالية وخبراته وعلاقاته الخارجية المتشعبة. ومازالت الجماعة محتفظة بمكتبها في بيروت، وتعمل القنوات التلفزيونية التابعة لها (المسيرة والساحات) من هناك.

 

  1. العلاقة بالفصائل العراقية الموالية لإيران

يؤكد تقرير فريق الخبراء على علاقات واسعة تربط الجماعة بهذه الفصائل،[1] وأن هذه ترسل خبرائها ومقاتليها إلى اليمن منذ 2015، وتزود الحوثيين بالسلاح والمال؛ فإلى جانب التبرعات التي تجمعها، تقدم لهم شحنات وقود مدعومة. ويستفيد الحوثيون كذلك من تورط هذه الفصائل في شبكات وعمليات تهريب العملات والنفط العراقي والإيراني. وفي المقابل، يبدو أن هذه الفصائل تستفيد من الخبرات العسكرية التي راكمها الحوثيون.

بعد أكتوبر 2023 دخلت العلاقة مع هذه الفصائل مرحلة جديدة. فقد أعلن زعيم الجماعة في 23 مايو 2024 عن تنسيق العمليات العسكرية معها. وفي 6 يونيو 2024، أعلنت الجماعة تنفيذ عمليتين مشتركتين ضد إسرائيل. وتكرر مثل هذا الإعلان مطلع ديسمبر 2024. وكشفت الأحداث عن وجود الحوثيين في بعض معسكرات الحشد الشعبي. وكانت قوات حوثية موجودة في سوريا قد انسحبت إلى العراق بعد سقوط نظام الأسد.

لكن هذه العلاقة بدأت تواجه التحديات. فقد وجدت هذه الفصائل نفسها تحت ضغوط محلية ودولية لوقف التعاون مع الجماعة وإغلاق مكاتبها في العراق. وهي ضغوط مدفوعة بالمخاوف من أن يتسبب هذا التعاون باستهداف العراق. المفارقة أن إيران نفسها مارست الضغط من أجل إغلاق مقرات الحوثيين. وتعرضت الحكومة العراقية لضغوط أمريكية لوقف أنشطة الحوثيين في العراق. وأدعت الحكومة أنه تم بالفعل إيقاف أنشطة كثيرةللحوثيين. ولم يتطور التعاون العملياتي بين الجماعة وهذه الفصائل، بل إنه تراجع. فلم يتكرر الإعلان عن تنفيذ عمليات مشتركة منذ ديسمبر 2024. ولم يقدم أي من هذه الفصائل على مساندة الجماعة في مواجهتها المستمرة مع إسرائيل ولا في مواجهتها مع الولايات المتحدة. على الرغم من إعلان بعضها الوقوف مع الجماعة في هذه المواجهة، إلا أن ذلك لم يترجم في أي لحظة على أرض الواقع.

 

  1. العلاقة بحركة حماس

لهذه العلاقة طابع ديني وسياسي انتهازي أكثر من كونها تحالفاً عضوياً، وهي أيضاً علاقة حديثة[2] تعود بدايتها، تقريباً، إلى مارس 2020. وكان اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023 نقطة تحول رئيسية فيها. وتؤكد الجماعة على وجود تنسيق قوي مع الحركة، إلا أن إيران كما يبدو تلعب دوراً محورياً في هذا التنسيق وتسهيل العلاقة بين الطرفين. وربما تتلقى الحركة دعماً مالياً (تبرعات شعبية بالأساس تشرف عليها الجماعة). ولا دليل على تعاون عسكري مباشر أو على الأرض، ولا على نقل أسلحة إلى الحركة.

إجمالاً، تحتفظ الجماعة بعلاقات قوية في مختلف المستويات مع كل أعضاء محور المقاومة، باستثناء بعض الحالات وبعض الجوانب. وتجمعها بحلفائها مصالح محكومة بأنظمة معقدة من الشراكات والأنشطة الاقتصادية وشبكات التمويل والتهريب، التي تمكنها من جني الكثير من الأموال ومن نقل الأموال وغسيلها، وتسهيل عملياتها التجارية، وتهريب الأسلحة والتكنولوجيا، وتسهم كذلك في الالتفاف على العقوبات الاقتصادية وتقويض فعاليتها.

 

آفاق العلاقة: بين تقدم الحوثيين وتراجع الحلفاء

أظهرت علاقة الجماعة الحوثية بمحور المقاومة قدرتها على الاستمرارية والتكيف في مواجهة المتغيرات والضغوط. فالأيديولوجيا المشتركة، وشبكات المصالح التكافلية، والضغوط والتهديدات الخارجية المشتركة، لا تزال تثبّت أركان هذا الارتباط. بيد أن التطورات المتسارعة منذ أواخر 2023 أفرزت استحقاقات سياسية وأمنية قد تضع هذه العلاقة على عتبة تحديات جديدة. فهل تواصل صمودها وتكيفها، أم أن تلك الاستحقاقات ستعيد هندستها وتوجيهها؟

  1. مستقبل العلاقة في ضوء وضع إيران وتحولاتها المحتملة

تشكل إيران حجر الأساس في محور المقاومة، وأي تحوّل يطرأ على وضعها الداخلي أو علاقاتها الخارجية ينعكس بالضرورة على علاقتها بالجماعة. ومن المرجّح أن تعمد إيران إلى تعميق شراكتها مع الجماعة الحوثية التي باتت تُعدّ ذراعها الأقوى والأكثر فاعلية وقدرة على الاستمرار والمناورة.  لكنها تقف اليوم أمام خيارات استراتيجية. فهناك حالة ترقب لنتائج المفاوضات التي ينتظر أن تُجرى مع الولايات المتحدة والغرب، وما قد تخرج به من ترتيبات تخص برامجها العسكرية وسياساتها الإقليمية. وهي المفاوضات التي يزيد تعثر عقدها أو فشلها من احتمالات عودة الحرب ضدها. وأياً كان السيناريو، قد تنتهي الأمور بفرض قيود على برامجها العسكرية وسياستها الإقليمية. وقد ينتهي الحال بتقليص دعمها للجماعة. ولكن حتى لو اضطرت إلى تقليص الدعم العلني للجماعة، فإن ذلك قد يكون تكتيكاً ومن قبيل التسوية المرحلية. وسيتواصل هذا الدعم بطرق أكثر تعقيدا وسرية ووفقاً لمعادلة مرنة تتكيف مع التحولات والضغوط.

  1. احتمالات تفكك مكونات المحور وتداعياته على العلاقة

تشهد مكونات محور المقاومة – باستثناء الجماعة الحوثية – تراجعاً ملموساً في القدرات والفاعلية، وتواجه تحديات متراكمة تهدد استمراريتها. فحزب الله اللبناني يواجه استنزافاً بشرياً وعسكرياً، وضغوطاً داخلية وخارجية لنزع سلاحه. من المستبعد أن يعود الدعم الاستراتيجي الذي كان حزب الله يقدمه للجماعة قبل أن يستعيد عافيته. لكن هذا التعافي ليس صعباً وغير مرجح، على الأقل في المدى المنظور.

الوضع ليس أفضل حالاً بالنسبة للفصائل العراقية، التي تتعرض لضغوط من قبل حكومة بغداد، والقوى السياسية المناوئة لها، وحتى المرجعية الشيعية في النجف، فضلاً عن ضغوط أمريكية. تستهدف هذه الضغوط ليس فقط الحد من أنشطتها، ولكن تفكيكها. والحقيقة أن هذه الضغوط قوية وقد لا تستطيع هذه الفصائل مقاومتها. إذ ليس من المستبعد أن تتخلى إيران عنها إذا كان ذلك شرطاً لاستمرار النظام الموالي لها في العراق.

حركة حماس، بدورها، باتت منهكة سياسياً وعسكرياً، واحتمال نزع سلاحها وخروج قادتها أو تحييدهم سياسياً وأمنياً، في ظل سعي إسرائيلي حثيث لتفكيك بنيتها، وهو احتمال وارد بقوة. ومع ضعف الفاعلين الآخرين، هناك احتمال كبير أن ينتقل بعض الكوادر القيادية والخبرات العسكرية من حزب الله أو حماس إلى اليمن.  وبقدر ما أنها تصب في مصلحة الجماعة وتهيئها للعب دور أكثر مركزية في منظومة المقاومة، إلا أن هذه التحولات قد تغير من طبيعة العلاقة بها. فهي ستعمل على تعقيد حسابات الجماعة وتحملها أعباء إضافية، وتفرض عليها أدواراً قد تتجاوز إمكاناتها أو تتعارض مع حساباتها المحلية والإقليمية.

  1. أثر المتغير اليمني على العلاقة

مع أن الجماعة تبدو في موقع قوة نسبية، إلا أن ما يحدث في المشهد اليمني وما يتعلق به يؤثر على علاقتها بحلفائها. ومن المرجّح أن يعود الاهتمام الدولي بالملف اليمني وتعود مساعي حلحلة الأزمة اليمنية، وذلك في حال توقفت الحرب في غزة وإذا لم تشتعل مواجهات أخرى في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، يُتوقع أن تتزايد الضغوط على الجماعة للانخراط في مفاوضات سلام، ولكن وفقاً لشروط جديدة تعكس الواقع الإقليمي الجديد والضعف الذي لحق محور المقاومة. وسيتعيّن على الجماعة عندئذ أن توازن بين متطلبات ارتباطها بهذا المحور، وبين إغراءات الاعتراف الدولي والانخراط في ترتيبات تسوية قد تفرض عليها التخلي – أو التخفيف – من ارتباطها العلني بالحلفاء الإقليميين.

وفي حال تصاعدت المواجهات بين الجماعة وإسرائيل أو الولايات المتحدة – وهو احتمال وارد في ضوء معاودتها استهداف السفن، فإن ذلك سيضعها في موقف صعب، وقد تكون المواجهات أكبر من قدرتها. وإذا أظهر حلفائها تردداً أو تقاعس عن دعمها، فقد تترتب على ذلك نتائج نفسية وسياسية سلبية، تدفع الجماعة إلى إعادة النظر في تموضعها داخل المحور، ويؤدي إلى تعزيز النزعة الاستقلالية لديها.

  1. الاتجاهات المستقبلية

رغم ما تواجهه مكونات محور المقاومة من تحديات، إلا أن علاقة الجماعة بها مرشحة للدخول في مرحلة جديدة من التكيّف والتشكّل، يعاد فيها تعريف الأدوار، حيث ستلعب الجماعة دوراً أكثر مركزية. ستبقى الحاجة المتبادلة – الجماعة بحاجة إلى السلاح والدعم، والمحور بحاجة إلى فاعل صلب – دافعاً لاستمرار العلاقة. حتى في حال تبنّت إيران سياسة أكثر حذراً أو سرية نتيجة الضغوط الخارجية. كما أن استمرار التهديد الإسرائيلي والأمريكي يمنح الطرفين مبرراً عملياً لتعزيز التعاون في المجال الاستخباري والردعي. وفي حال انتقال كوادر وقيادات من حزب الله أو حركة حماس – سياسيين أو ميدانيين – إلى اليمن، فمن شأن ذلك أن ينطوي على فوائد سياسية وميدانية وفنية مهمة للجماعة. لكن سيكون له أعباؤه أيضاً. 

وينبغي عدم استبعاد سيناريو تصاعد النزعة الاستقلالية لدى الجماعة، خاصة إذا شعرت بأنّ حلفاءها لم يعودوا قادرين على مواكبة طموحاتها أو حمايتها عند الحاجة. وفي سيناريو كهذا، قد تسعى الجماعة إلى التخفف من التزاماتها الصريحة تجاه المحور، مع الحفاظ على خطوط الاتصال والمصالح المشتركة.

إجمالاً، يتحدد شكل العلاقة المستقبلية بين الجماعة الحوثية وحلفائها على وجود التهديدات الخارجية ودرجتها، وقدرة إيران على الحفاظ على موقعها كراعٍ رئيسي لهذا المحور. حاجة الجماعة إلى السلاح النوعي، والتمويل، وشبكات الدعم العابرة للحدود، تجعل من الصعب عليها الاستغناء عن ارتباطها بإيران. وهذه العلاقة ليست قائمة على الولاء الأيديولوجي وحده، بل أيضاً على ضرورات استراتيجية ومحكومة في نهاية الأمر بواقعية سياسية. ومادام النظام الإيراني قائماً، سيبقى ارتباط كهذا، وإن اضطر لإعادة تشكيل ملامحه. فإيران حتى لو أصبحت أضعف مما كانت عليه، ستحرص على إعادة بناء محورها معتمدة على الحوثيين، وستواصل دعمهم بقدر ما تسمح به ظروفها وقدراتها.

أخيرا، علاقة الجماعة الحوثية بكل طرف في محور المقاومة مفتوحة على سيناريوهات عدة بسبب تنوع وتشابك المتغيرات المؤثرة فيها. وكل سيناريو من هذه السيناريوهات سيؤثر بطريقة مختلفة على علاقتها الكلية بمحور المقاومة، لتصنع في النهاية مصفوفة متشابكة من الاحتمالات.


مراجع:

[1] تشمل كتائب حزب الله، وكتائب النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وعصائب أهل الحقّ، ومنظمة بدر، وألوية الوعد الحقّ.

[2] مع انطلاق عاصفة الحزم في اليمن عام 2015، أصدرت حماس بياناً أكدت فيه وقوفها إلى جانب الحكومة الشرعية.

Share :