لماذا يزور رئيس الحكومة اليمنية موسكو ؟

سليمان العقيلي | 28 فبراير 2024 09:05
لماذا يزور رئيس الحكومة اليمنية موسكو ؟

 

      كان موقف جميع القوى الكبرى من الانقلاب الحوثي على الشرعية الدستورية في 21 سبتمبر 2014 معارضاً ومندداً . وجاء هذا الموقف على ضوء استمرار توافق دولي بدأ منذ التسعينات . وايضا في ظل موقف سعودي وخليجي صارم من استقرار و وحدة اليمن .
وظلت السفارة الروسية قائمة في صنعاء حتى نهاية عام 2017 عندما اغتال الحوثيون حليفهم علي عبدالله صالح الذي ضم قطاعات الجيش اليمني واسلحته ومخازنه الى حركتهم الانقلابية . وعندها أغلقت السفارة الروسية ، واصبح السفير لدى اليمن مقيم في السفارة الروسية بالرياض.
وكان هذا هو التمايز الوحيد الذي ميز الموقف الروسي عن سواه ، رغم ان موسكو لم تعترف بالسلطة الحوثية وتمسكت بالحكومة الشرعية. حرصاً منها على الالتزام بالقانون والاجماع الدولي .

 

سليمان عبدالعزيز العقيلي

كاتب سياسي
عضو مجلس ادارة الجمعية السعودية للعلوم السياسية

 

العامل السعودي:
منذ عودة العلاقات السعودية الروسية في بداية التسعينات عقب انضمام موسكو للحملة ضد الغزو العراقي للكويت وعلاقات البلدين تتطور بشكل مضطرد . وادت السياسة الامريكية الانسحابية من الخليج في عهد الرئيس باراك اوباما ( 2008 - 1016 ) الى توجه سعودي متزايد ومتطور لتوسيع مروحة الشراكات الدولية مع روسيا والصين. وتعززت هذه الشراكة في الجهد المشترك السعودي الروسي لتأسيس تحالف اوبك بلس عام 2016 ويعد هذا التحالف بين منظمة "أوبك" وتحالف "أوبك بلس" ذا أثر كبير على أسعار النفط عالميا. وعلى قوة تأثير البلدين بصفتهما اكبر بلدين مصدرين للنفط. ورغم ان هذا التحالف تعرض للاختبار في العام 2020 الا ان البلدين توافقا بصورة واضحة على السياسة النفطية للانتاج والتصدير.
هذا العاملان ؛ الشراكة الاقتصادية السياسية المتنامية والتحالف النفطي انتجا تفهماً مشتركاً لمصالحهما في المنطقة ، فالرياض تعاونت لحد ما مع الرؤية الروسية في سوريا . وموسكو تفهمت لحد بعيد الاحتياجات الامنية السعودية في اليمن . وبهذا كله يمكن الاتكاء في الموقف الروسي من اليمن خلال الفترة الماضية على تأثيرات العلاقات المتطورة السعودية الروسية. خاصة مع تطلعات موسكو لمزيد من استثمار اخفاقات السياسات الامريكية في الخليج والشرق الاوسط .

نذر حرب باردة جديدة :
التباينات الروسية الامريكية بدأت تبرز في سماء علاقاتهما منذ حرب جورجيا و اقليم اوسيتيا الجنوبية عام 2008 والتي ادت لانفصال الاقليم عن تبليسي ، وهي التطورات التي جاءت بسبب ابتعاد جورجيا عن الفلك الروسي وتقربها من الغرب . والتطور الثاني هو ضم موسكو شبه جزيرة القرم الاتحاد الروسي وهو ما ادى الى تصدعات بالثقة في العلاقات الامريكية الروسية .
لكن علاقات موسكو مع الغرب وخصوصا مع واشنطن تفجرت بفعل الحرب في اوكرانيا التي اشعلتها موسكو بسبب المساعي الغربية لضم كييف لحلف الناتو . مما أدى في النهاية لقطيعة شاملة بين الطرفين.
وفيما تخوض موسكو حرباً في اوكرانيا هي في المضمون ضد الغرب المنخرط من وراء الستار بالمواجهة ، تلوح في افق العلاقات الدولية نذر عودة الحرب الباردة بين الغرب والشرق . خاصة مع ضعف البصيرة الامريكية باطلاق حرب تجارية ضد بكين قد يدفعها للتموضع مع موسكو في نزاع مقبل .
وفيما تخوض الولايات المتحدة ما يشبه الحرب في جنوب البحر الاحمر وخليج عدن ؛ دفاعاً عن سلامة الملاحة الدولية. وعن المصالح الاسرائيلية خصوصاً. قد توفر هذه الحرب التي ربما تتحول الى حرب استنزاف امريكية فرصة ملائمة لخصوم واشنطن لتقديم دعم سري الى الطرف المشتبك معها ؛ وهم الايرانيون و وكلاؤهم المحليون الحوثيون . ومن هنا تأتي المخاوف الخليجية واليمنية من تحول النزاع في البحر الاحمر الى صراع دولي تكون اليمن والسلامة الاقليمية اول ضحاياه. وهذا مالم يخطر باكثر المراقبين تشاؤماً .
لهذه المخاوف جاء رد الفعل اليمني بزيارة مفاجئة لرئيس الوزراء الجديد احمد بن مبارك الذي اختار موسكو اول عاصمة دولية يزورها.
وفي المواقف التي واكبت الاجتماعات ادان الطرفان الاعتداء على سلامة الملاحة في البحر الاحمر وهو موقف يحمد للروس المتمسكون حتى الان بالقانون الدولي . لكن وزير الخارجية الروسي لافروف تمايز عن نظيره اليمني بانتقاد الضربات الامريكية البريطانية لمواقع الحوثيين العسكرية و تلخص مبعث انتقاده لها بقوله انها لم تكن بتفويض من مجلس الامن التي تملك فيه موسكو حق النقض ، وهذه مناكفة روسية متوقعة تجاه واشنطن. ان لم تتطور الى انحياز الى ايران والحوثيين لاحقاً . وهو ما تخشاه الحكومة اليمنية الشرعية وحلفاؤها الخليجيين. 

الخلاصة
التطورات في اشتباكات جنوب البحر الاحمر وخليج عدن مفتوحة على كل الاحتمالات ، فرغم نعومة القبضة الامريكية وتديرها بالدفاع عن النفس. الا ان الايراني والحوثي الباحثين عن الشعبوية الاقليمية والشرعية المحلية يحاولان الظهور بصورة المناضل بمناجزة القوة الامريكية والمدافع عن فلسطين ! ويبدو ان خصومهم الامريكيين لا يمانعون في اسداء هذا الصفة لكل منهما في اطار سياسة الغرب لتوازن القوة في الشرق الاوسط !
وهذه اللعبة السياسية الغربية محفوفة بالمخاطر . فهي تثير غضب الحلفاء ، وتغري الخصوم بمزيد من الاندفاع. بما في ذلك الخصوم الدوليين.
وقد يعتقد جل المراقبين في الخليج والمنطقة ان موسكو والصين لن تغامرا بالاندفاع وبصورة فجة بالوقوف مع ايران والحوثيين ضد مصالحهما الخليجية والعربية . حتى وان كان ذلك يعزز من فرصهما بمواقع مؤثرة في نظام دولي مازال طور التشكيل. لسبب واحد وهو ان روسيا والصين يتقدمان الآن في الخليج والمنطقة بل وفي افريقيا ايضاً ويعززان حضورهما في المنطقتين بدون حروب مكلفة ، بل بمجرد الاستثمار في اخطاء خصومهم الغربيين . 
لذا فزيارة رئيس الحكومة اليمنية لموسكو اولاً وقبل العواصم الغربية ينبئ بدور نشط لحكومة اليمن الشرعية ولحلفائها في فضاء الدبلوماسية الوقائية .

نشر :