الهادوية والحوثية.. الإمامة في البطنين
تمهيد :
لم يعد هناك شك لدى اي باحث منصف ان الحركة الحوثية انما هي احياء لتراث وفكر وممارسة الائمة في اليمن خلال الف عام ، لقد أحيا الحوثيون النظرية الهادوية بركنيها : الدعوة ( الامامة ) والخروج ( الجهاد) ،
كان أئمة الهادوية يبحثون عن ملك كغيرهم من الاسر العلوية وغير العلوية التي حكمت في اليمن وغير اليمن، بيد أنهم يختلفون عنهم، أنهم زعموا ان وصولهم الى السلطة وحصرها فيهم حق الهي وأصل من أصول الدين، وكان هذا أهم لوازم نظرية التفضيل أو الاصطفاء الالهي، لقد فضل الله آل البيت وهم علي وفاطمة ومن تناسل منهما الى يوم الدين وهذا رتب لهم حقوقا على البشر وامتيازات بالنسب لا ينالها غيرهم،أهمها احتكار السلطة أو ما سمي ب " حصر الامامة بالبطنين ".لقدكان أبو الجارود زياد بن المنذر (ت 150 ه) هو اول من قال بحصر الامامة بالبطنين، ورغم أن الامام عبدالله بن حمزة قد قال أن " الزيدية على الحقيقة هم الجارودية، ولا نعلم في الأئمة عليهم السلام من بعد زيد بن علي عليه السلام من ليس بجارودي، وأتباعهم كذلك"[1].
الا أننا لا نجد أدلة صريحة على أن الائمة الذين خرجوا بعد زيد مباشرة مثل حفيده يحيي بن زيد ومحمد النفس الزكية قد قالوا بالحصر اذ أنهم قد ماتوا ولم يتركوا مؤلفات يمكن الرجوع اليها، بل ان الحقائق التاريخية تثبت عكس ذلك فهذا «أحمد بن عيسى بن زيد بن علي »» (ت 247 ه / 861 م) - حفيد الإمام "زيد " وحفيد " الحسن بن صالح " من قبل أمه وهو مؤسس فرقة الصالحية من الزيدية التي تقول بالشورى وعدم الحصر في البطنين، يقول بعدم الحصر[2]، لقد كان الامام القاسم الرسي جد الإمام الهادي أول من تبني الجارودية السياسية ( حصر الامامة في البطنين ) وان كان لم يتمكن من إقامة دولة تطبق النظرية وتحميها، وهو ما حاول أن ينجح فيه حفيده الامام الهادي عند قدومه الى اليمن سنة 283هــ ورغم أنه قد مات محصورا في صعدة، وقد خاب أمله في استجابة اليمنيين له ليسقط الخلافة العباسة ويتربع على عرشها باسم آل البيت ونظرية الحصر في البطنين، الا أنه قد أصل لهذه النظرية في رسائله، اذ تناولها في علم الكلام باعتبارها من أصول الدين."[3]
بل أنه قد تناولهاحتى في كتاب (الأحكام) وهو كتاب فقهي، حيث قال: "إنه يجب على المكلف أن يعتقد أن الإمامة في ذرية الحسن والحسين دون غيرهم، وأن الإمام من بعدهما ـ من ذريتهما ـ من سار بسيرتهما، وكان مثلهما، واحتذا بحذوهما".[4]
وذهب الائمة من بعده على منواله، قال الإمام أحمد بن سليمان (توفي 566 هـ): " أجمع ذووا قربى رسول الله أن الإمامة خاصة في الحسن والحسن وأولادهما". [5]، وقال الإمام عبد الله بن حمزة المتوفى (614هـ): " أن الإمامة بعد علي وولديه الحسن والحسين ، مقصورة على من قام ودعا من أولادهما المنتسبين بآبائهم إليهما.
فالذي يذهب إليه كثير من أهل البيت إلا من ذهب مذهب الإمامية منهم والجارودية من الزيدية إلى (أن الإمامة بعد الحسن والحسين فيمن قام ودعى من أولادهما) فقط.
وقال الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (333 - 411هـ): " [ إمامة أهل البيت ]فإن سأل سائل فقال: ما قولكم في الإمامة بعد الحسن والحسين ؟قيل له: نقول إنها ثابتة في أولادهما المنتسبين إليهما من الذكور دون الإناث، لا يخرج عنهما إلا البنات، ويستدل على صحة ذلك بإجماع أهل البيت ، إلا أنهم لم يختلفوا في أن الإمامة لا تخرج عن البطنين." [6].
وقد حكم الائمة بناءا على هذه النظرية منذ قدوم الهادي عام 283هـ وحتى سقوط آخر الائمة محمد البدر ابن حميد الدين عام 1962.
دولة الامامة الهادوية في اليمن
،، افتقد اتباع النظرية الهادوية الزيدية في السياسة لأهم الأسباب التي دفعت علماء من السنة والشيعة الاثني عشرية للاجتهاد في النظرية السياسية، فالإمامة عندهم ليست من فروع الدين يجوز فيها الاجتهاد كما هو عند اهل السنة وانما هي اصل من اصول الدين وفي منزلة توازي التوحيد والنبوة ،، |
خرج العشرات من ذرية الحسن والحسين باسم الحق الالهي وتمكن بعضهم من اقامة دويلات منفصلة عن الدولة الام (العباسية)، في الديلم والمغرب واليمن،وفي حين سقطت الدويلات الزيدية في فارس والمغرب ثم مالبثت ان سقطت الفكرة والمذهب ايضا، وتحول اتباع المذهب الزيدي إلى المذهب السائد في هذه البلدان (سنة مالكية في المغرب،وشيعة اثنا عشرية في فارس والعراق) بقيت الدولة الهادوية الزيدية في اليمن والتي أسسها الإمام الهادي يحيي بن الحسين الرسي سنة286هــ تقاوم عوامل الفناء رغم انها ظلت في حروب متواصلة مع المناوئين لها وهم كثر لأكثر من الف ومائة عام حتى سقوطها في ثورة26سبتمبر/ايلول 1962م، وطوال هذه الفترة ظلوا متمسكين بنظرية الامامة الجارودية أو الهادوية دون ان يدخلوا عليها أي تغيير، لقد افتقد اتباع النظرية الهادوية الزيدية في السياسة لأهم الأسباب التي دفعت علماء من السنة والشيعة الاثني عشرية للاجتهاد في النظرية السياسية، فالإمامة عندهم ليست من فروع الدين يجوز فيها الاجتهاد كما هو عند اهل السنة وانما هي اصل من اصول الدين وفي منزلة توازي التوحيد والنبوة، واذاكانوا يتوافقون بذلك بل يقلدون الاثنى عشرية، الا انهم لم يحصروها في 12 اماما كما فعل الامامية وبالتالي لم يصلوا الى مأزق كبير دفعهم في الاخير ولو بعد الف عام للبحث عن مخرج بإجراء بعض التعديلات والاضافات للوصول الى نظرية ولاية الفقيه وإقامة جمهورية إسلامية على ضوءها، فنظرية الزيدية الهادوية القائمة على شرطي النسب والخروج جعلتها تستمر في اليمن ولو عبر حروب متواصلة لأكثر من الف عام هي مدة غيبوبةالشيعة الاثني عشرية عن السياسة،ولأن المذهب الزيدي الهادوي لم يتبق له وجود الا في اليمن وفي مناطق جبلية ونائية في شمال اليمن ولم تحتك بالعالم الخارجي فقد ظلت بعيدة عن دوافع التجديد في الفكر السياسي، ففي العصر الحديث وتحديدا في النصف الاول من القرن الماضي وعندما كانت الاقطار العربية على موعد مع الاستقلال من الدولة العثمانية وبناء دول اقرب الى روح العصر تحت تأثير الغرب، والفكر الدستوري والديمقراطي الذي سعت نخب اسلاميه لتبنيه وقدمت اجتهادات تجاوزت كثير من مسلمات التراث السياسي الاسلامي السني والشيعي على حد سواء، ليتواكب مع قيم العصر كانت اليمن على موعد آخر للعودة الى الماضي والابتعاد عن العصر، حيث قاد الامام يحيى حميد الدين حركة المقاومة ضد الاتراك وحصلت اليمن على استقلالها سنة1918م ليعلن بعدها المملكة المتوكلية التي سار فيها على طريقة الائمة من قبله باعتبار الامام هو ابن رسول الله، يكفر او يفسق من يعارضه او ينتقده، فارضا على اليمن عزلة سياسية وثقافية رهيبة، لقد كان اليمنيون يتوقون لحياة افضل من تلك التي فرضها عليهم الاتراك ولهذا خاضوا نضالا طويلا ضد الحكم العثماني واستبشروا بنيل اليمن استقلالها بقيادة الامام يحي حميد الدين عام 1918م لكنهم بعد عقدين من الزمن اكتشفوا انهم قد رجعوا الى الوراء قرونا، وقد سجل الاحرار اليمنيين هذه الحقيقة في كتابهم (اليمن المنهوبة المنكوبة) الذي أصدروه في الاربعينات، ومما جاء فيه : " ومما هو خليق بالذكر للحقيقة والتاريخ أن اليمن بمناطقها الجبلية وسواحلها ومختلف مقاطعاتها الممتدة في السهول والوديان كانت في عهد الحكم التركي تتمتع بحكم شعبي يتناسب وحالة العصر مما هي محرومة منه الان، ولو أمتد حكم الأتراك الى يومنا هذا لتدرج اليمانيون في ظل الحكم الشعبي نحو الحياة العامة المناسبة أكثر وأكثر، ولهذا نسجل أن الولاة والمحافظين وكبار رجال الحكم الاتراك كانوا غير منفردين بالسلطة ... كان في كل محافظة وقضاء (مركز) مجالس محلية يطلق عليها مجلس الادارة، أعضاؤها من صفوة أبناء البلاد الواقفين على حاجيات مواطنيهم، كانوا خير أداة لعون الحكومة على تطبيق العدالة، لانهم يعتبرون وسطاء بين الشعب وولاة الأمور المسئولين ... هذا عدا ما كان لليمن من نواب يمانيين كرام بالبرلمان العثماني يناقشون ويجادلون ويسألون ويستجوبون بحرية تامة في مصالح بلادهم ... الخ "[7].
كانت هذه المظاهر العصرية في الحكم أول ما بدأ الامام يحيى بإلغائها، لأنها تعارض نظام الامامة الذي حكم به أبناء رسول الله، والذي يجعل الإمام بمنزلة الرسول وهو المسؤول عن رعيته في كل شؤون حياتهم الدينية والدنيوية، وهذا ما فعله الامام يحيى الذي كان يتحكم حتى فيما يجب أن يقرأ الناس او يتعلموه، وعندما كان بعض الاحرار يدخل بعض الكتب والمشورات العصرية خفية الى اليمن كان الامام يتهمهم بالزندقة والكفر وتوعدهم بالتأديب والقتل، ويذكر القاضي عبد الرحمن الارياني في مذكراته أن أول مرة يستمع فيها مع زملاءه للراديو كانت في تعز سنة 1947م، ويضيف : "ولذلك فقد تاقت نفسي لشراء جهاز ولكن كيف لي بذلك وقد كان شراء الراديو ممنوعا تحت حجة أنه يذيع أغاني يحرم استماعها، وبعثت رسالة رجاء الى الامام يحيى أطلب فيه السماح بشراء راديو للاستماع الى الاخبار وما يذاع من برامج ثقافية وعلمية، وجاء الجواب بقلم الامام يحيى نفسه على ظاهر رسالتي يأذن بشراء الراديو ويقول (ومثلكم ممن لا يلهو بسماع الملاهي)، ليؤكد بذلك أن منع اقتناء أجهزة الراديو على المواطنين انما باعثه خوف الفتنة عليهم بما يذاع من الأغاني المحرمة، ولما أمن علي من الفتنة أذن لي بالشراء، أسجل هذه الحادثة لأعطي للمطلع صورة عن العزلة التي كانت مضروبة على اليمن في عهد الامام يحيى الى حد أن المواطن يحتاج من أجل أن يقتني جهاز راديو الى اذن خاص من الامام وبقلمه"[8].
ومع ذلك استطاع عدد من احرار اليمن الذين تلقوا تعليمهم في مصر والعراق وسوريا، ان ينقلوا الافكار الحديثة الى اليمن لتنشأ الحركة الوطنية اليمنية اواسط الثلاثينات من القرن الماضي، وعندما خططوا للثورة الدستورية عام 1948م لم يجرؤا ان يلغوا الامامة كنظام للحكم او يختاروا اماما غير علوي خشية ان يثور الناس ضدهم لانهم هدموا العقيدة والدين بحسب التعبئة الدينية للقبائل اليمنية التي كان يعتمد عليها نظام الإمامة، ومع ذلك فقد فشلت ثورة 1948وانقلاب 1955،حتى نجحو أخيراً في اسقاط الامامة واعلان الجمهورية في ثورة 26سبتمبر/ايلول 1962م،ومع ذلك فان دعاة وانصار الامامة لم يستسلموا بسهولة فقد خاضوا حربا شرسة وبدعم اقليمي ودولي ضد النظام الجمهوري واستعادة ما كانوا يعتبرونه حقهم الالهي في الحكم لمدة سبع سنوات حتى انهم حاصروا العاصمة صنعاء وكادت ان تسقط في ايديهم بعد انسحاب القوات المصرية المساندة للثورة من اليمن بعد نكسة 1967، لكن صمود الثوار والتفاف الشعب معهم ادى الى دحر الاماميين واستسلامهم بعد ذلك، حيث تمت المصالحة الوطنية عام 70 وتمت عودة واستيعاب الاماميين -باستثناء اسرة بيت حميد الدين-في مؤسسات الحكم الجمهوري الجديد.
،، سقطت الإمامة كدولة لكنها لم تسقط كفكرة،ورغم انها قد عاشت في مرحلة كمون طوال عقد السبعينات، الا انها سرعان مابدأت تطل براسها وتبحث لها عن انصار ، ساعدها في ذلك انتصار الثورة الايرانية ،، |
احياء الفكر الامامي الهادوي
سقطت الإمامة كدولة لكنها لم تسقط كفكرة،ورغم انها قد عاشت في مرحلة كمون طوال عقد السبعينات، الا انها سرعان مابدأت تطل براسها وتبحث لها عن انصار ، ساعدها في ذلك انتصار الثورة الايرانية بقيادة الامام الخميني عام 1979حيث رأى فيها دعاة الامامة الزيدية الهادوية انتصارا لمذهبهم وليس للمذهب الذي ينتمي اليه الخميني، والذي كان يحرم الثورة واقامة الدولة حتى خروج المهدي المنتظر، صحيح ان الخميني اجتهد في اطار هذا المذهب لكن اجتهاده قربه من المذهب الذي حكم وساد اليمن قرونا كمارأى هؤلاء، كما ان انتشار المد السلفي في اليمن والذي بدأ منذ مطلع الثمانينات مع عودة المحدث السلفي مقبل الوادعي من السعودية ومن صعدة قلعة الزيدية التاريخية، كل ذلك حفز علماء ودعاة الامامة لإحياء تراث الزيدية الهادوية المتعلق بالحكم وتفضيل آل البيت ووجوب تسليمهم قيادة الامة السياسية والروحية والعلمية ، وانشأوا لذلك مدارس ومنتديات ومراكز تعليمية زاد عددها وانتشارها مع قيام الوحدة وتبني الديمقراطية والتعددية الحزبية عام 1990.
حزب الحق وبيان الامامة:
ومع قيام الأحزاب وتأسيس التنظيمات السياسية، وفي إطار التعددية والديمقراطية التي اقترنت بقيام الوحدة عام 1990م، اعلن عدد من الشخصيات الهادوية عن قيام حزب الحق أوائل عام 1991م، وحرص مؤسسو الحزب على ان تضم هيئة الحزب القيادية العليا اهم وابرز المرجعيات العلمية في المذهب الزيدي الهادوي بغض النظر عن قدرتهم على العمل الحزبي او حتى ايمانهم به، مثل مجد الدين بن محمد المؤيدي وبدر الدين الحوثي ومحمــد محمـد المنصور وأحمد محمـد الشامــي وحمـود عبـاس المؤيــد وقاسـم محمـد الكبســي.
وتمثل هذه الشخصيات اهم المرجعيات العلمية للزيدية في اليمن، وفي حين ظل المؤيدي رئيس الحزب وبدر الدين نائبه في صعدة بعيدا عن الجدل الفكري والسياسي في العاصمة، فقد حاولت بعض قيادات الحزب في صنعاء اصدار بيان حول قضية الامامة ووجوب حصرها في ذرية الحسن والحسين ( البطنين )، وقد صدر البيان بالفعل، لكنه اثار جدلا كبيرا في اوساط الزيدية والمتابعين لها، ففي حين رأى البعض انه تطور كبير في الفكر السياسي الهادوي، اذ لأول مرة منذ اسقاط نظام الإمامة واعلان النظام الجمهوري عام 1962م يعترف علماء من داخل المذهب بشرعية الامر الواقع، بيد ان باحثين وكتاب أخرين رأوا أن البيان لم يكن سوى محاولة لتحسين صورة الحزب الوليد والتمويه على طابعه الطائفي والسلالي وهو ما يتعارض مع قانون الاحزاب السياسية، وان من صاغوا البيان ووقعوا عليه قد حرصوا على عدم تفنيد او نقد قضية الاصطفاء الالهي لأسرة وحصر الامامة فيها، حيث تطرق البيان للإمامة ككلمة ومصطلح سياسي عام، وليس كنظام محدد حكم اليمن مرتكزاً على أفضلية عرق من البشر على غيره باحتكاره الإمامة فيه وعدم جواز خروجها عنه لأن الإمامة كمصطلح سياسي لا غبار عليه فهناك (إمامة هدى، وإمامة ضلال).
والبيان بذلك نسف الشكل والمصطلح ولم ينسف المضمون الذي ارتبط بأذهان اليمنيين من كل الأعراق (المنصفون منهم جميعاً) فجاء في البيان (بعد أن أصبحت أي الإمامة لا مكان لها ولا قبول للحكم باسمها إلا في حدود معناها اللغوي من القدوة الحسنة) فبدت القضية وكأنها قضية مصطلح سياسي فقط وليس المضمون فكأنهم يقرون المضمون مع تغيير الشكل فلا بأس أن يكون (رئيس جمهورية) بدلاً عن (إمام)، ولكن المهم أن يكون من البطنين، وكأنها أيضاً لو كان لها مكان أو قبول للحكم باسمها فلا مانع من إعادة الشكل لأنه الأصل ولكن العلة فقط أنها (أصبحت لا مكان لها) وهذه العبارة كانت في مقدمة البيان وبهذا يتضح أن مقدمة البيان لم تتجه في طريق نسف شكل الإمامة إلا بسبب عدم وجود قبول به[9].
وعلى الرغم من الصيغة المواربة للبيان، فقد رفض علماء الزيدية الكبار في صعدة ومنهم رئيس حزب الحق مجد الدين المؤيدي ونائبه بدر الدين الحوثي التوقيع "على هذا البيان رغم أهميته، مع أن العلامة المؤيدي قد وقع على عدد من البيانات تقل أهمية عن هذا البيان، وتفسر الباحثة أشواق غليس ذلك بأن التيار المتمسك بأحقية آل البيت في الحكم قد أعتبر هذا البيان تراجعا كبيرا عن الاطار الفكري للزيدية[10]
شكل الحوثيون لجنة لصياغة العقيدة الفكرية والسياسة لتكون البرنامج السياسي ، ثم فصلت الوثيقة في لوازم هذا الاصطفاء وهي احقية ال البيت دون غيرهم في احتكار العلم والمعرفة والهداية والجهاد والامامة، وبذلك أكد الحوثيون ان مشروعهم السياسي لم يكن سوى استعادة لمشروع تاريخي |
الامامة في الوثيقة الفكرية للحوثيين وعلماء الهادوية
من هذا التراث نهل حسين الحوثي وأكد عليه في ملازمه، وهو اذ يبدي اعجابه بالخميني فهو فقط لانه من ال البيت، لكنه مثلا يرفض ما ذهب الية الخميني من أن "الفقهاء العدول وحدهم المؤهلون لتنفيذ أحكام الاسلام واقامة حدود الله وحراسة ثغور المسلمين ...الخ " [11]، هكذا دون تحديد نسب هؤلاء الفقهاء، فبحسب حسين الحوثي فلابد للامة من اعلام من ال البيت، والعلم الذي أكد عليه حسين الحوثي في ملازمه هو الامام ، وهو قائد المسيرة القرآنية كما يطلق على خليفته عبد الملك الحوثي ، ومع ذلك فقد ظل منافسي حسين الحوثي وهم من أسرته واتباع العلامة مجد الدين المؤيدي وعلى رأسهم ابن عم الحوثي العلامة عبدالعظيم الحوثي ينتقدون حسين الحوثي واخوته بتهمة انهم كانوا يتساهلون في طرح قضية الامامة وحصرها في البطنين كما فعل بعض قيادات حزب الحق عام 1990م،ودليلهم على ذلك ان معظم اتباع حسين الحوثي بل وحسين نفسه وبعض اخوته كانوا منضوين في اطار منتدى الشباب المؤمن الذي تأسس عام 1992م،وهذه في نظره تهمة كبيرة لأن "اولاد بدر الدين ومعهم مجموعة كبيرة من أهل رازح من غير السادة كانوا يريدوا أن ينتزعوا المذهب الزيدي"-حسب قوله-، كيف ؟ قال الرجل انهم ــ أي الشباب ــ " كانوا معتمدين على الحكومة اليمنية وعلى الدستور حيث انه يقول بالديمقراطية ولا يقول بالإمامة " مؤكدا ان الشباب في البداية قد" غازلوا الحكومة بالقول بأن الامامة ليست مقصورة على السادة ولا على اهل البيت " ، لقد اسقطوا شرط البطنين في من يتولى الحكم "مراعاة للدولة على شأن الدولة تتساعد وتتعاون معهم، وفعلا عاونتهم، وغازلوا الرئاسة بهذا وعاونتهم بأربعمائة ألف ريال شهريا، وكانت العملة اليمنية في ذلك الوقت ذات قيمة كبيرة استمرت الى قيام الحرب أي اثني عشر سنة"[12].
وواضح من حديث الرجل انه يقصد مؤسسي الشباب المؤمن من غير الهاشميين الذين حاولوا بالفعل تجاوز التراث السياسي الزيدي، فتم تكفيرهم بل ومحاولة تصفيتهم كما يقول الامين العام لمنتدى الشباب المؤمن، وكل ذلك لا علاقة له بحسين الحوثي الذي لم يكن من مؤسسي الشباب المؤمن، ولكن بعد عودته من السودان عام 1999، عاد الصراع مجدداً -وأكثر حدة- على قيادة الشباب المؤمن وصياغة مناهجهم وتوجيه أنشطتهم بين الأمين العام لمنتدى الشباب المؤمن (محمد سالم عزان) ومن معه، وحسين الحوثي ومن سانده، وقد انحاز بدر الدين الحوثي بما يمثله من ثقل ديني إلى جانب حسين الحوثي،وقد أيد حسين الاتهامات التي كان يوجها العلامة مجد الدين المؤيدي ومن معه بان قيادات الشباب المؤمن غير الهاشميه يسعون لتخريب المذهب الزيدي وتشكيك الناس بأفضلية ال البيت ووجوب طاعتهم وحصر الامامة فيهم.
وقد انشق الشباب المؤمن على هذا الاساس، ولا اظن العلامة عبد العظيم الحوثي يجهل ذلك، خصوصا وان المقابلة عام 2010 والحوثيون في اوج قوتهم وانتشارهم والجهر بأفكارهم التي تضمنتها ملازم المؤسس حسين الحوثي والتي لا تختلف عن افكار عبدالعظيم الحوثي، ولكن لأن الاخير كان يشكو ــ كما في المقابلةــــ من عملية الاقصاء بل ومحاولات تصفيته وقتل اتباعه من قبل الحوثيين ( وهم اتباع عبد الملك الحوثي ) فقد أراد ان ينتقص من زيديتهم وينفر الشباب الزيدي في صعدة خصوصا منهم واظهار نفسة اكثر ايمانا ودفاعا عن الزيديه فلم يجد سوى شرط الامامة في البطنين لانه بحسب قوله : " هذا عندنا شرط ضروري من أصول الدين ولن نتنازل عنه وقد بينا اصرارنا في مجلس الرئاسة،وهذا للذين يقولوا اني منغلق اين المنغلق؟ الذي يبث مذهبه في محضر الرئيس ويفرضه على الرئاسة في محضر الرئيس وكافة الجهات في اليمن بمختلف أنواعها، وهم موجودون عند الرئيس وفرضنا وقلنا هذا شرط ديني من أصول الدين لن نتنازل عنه "[13]، وقد رأى بعض علماء وسياسوا الزيدية والحريصين على نجاح مشروع الحوثي وتوسعه دون منغصات ان استمرار الخلاف بين جناحي الزيدية في صعدة من شانه ان يضعف الحوثيين ويعطي مبررا لخصومهم للاستمرار في تشويه الحوثيين والتشكيك بزيديتهم مع ان الجميع في صعدة وغيرها يؤمنون بنفس الافكار التي ظل عليها المذهب ودولته لأكثر من ألف عام، ويرفضون اي محاولات للتشكيك بالقضايا الرئيسية التي قامت عليها النظرية السياسية للهادوية وعلى رأسها الاصطفاء الالهي لال البيت ووجوب الامامة وحصرها في البطنين واعتبار ذلك أصل من أصول الدين، وعلى هذا الاساس تحرك هؤلاء وجرى حوار بين الاطراف المختلفة التي اتفقت على تشكيل لجنة من العلماء لصياغة العقيدة الفكرية والسياسة التي يتفق عليها الجميع وتكون بمثابة البرنامج السياسي للحوثيين الذين كانوا يطلقون على انفسهم المجاهدين، وقد باشرت اللجنة أعمالها "في يوم الجمعة الموافق 17/ 3/ 1433هـ اجتمعت اللجنة المكلفة لصياغة الاتفاق بين أبناء الزيدية عموماً ومن جملتهم المجاهدون وفي مقدمتهم السيد/عبد الملك بدر الدين الحوثي وبعض علماء الزيدية وأتباعهم وفي مقدمتهم السيد العلامة/ عبد الرحمن حسين شايم والسيد العلامة حسين بن يحيى الحوثي؛" بحسب ما ورد في مقدمة الوثيقة التي وقع عليها عبد الملك الحوثي ممثلا للمجاهدين " انصار الله " كما اسموا انفسهم ومن ذكرتهم الوثيقة ممثلين لجناح المؤيدي ثم وقع عليها بعض علماء الزيدية في صنعاء العلامة محمد المنصور والعلامة حمود عباس المؤيد وقد توصلت اللجنة إلى عدد من المسائل التي هي محل اجماع والتي تزخر بها كتب التراث الهادوي وقامت عليها الدولة الهادوية التي استمرت لأكثر من ألف عام، وعلى راسها قضية الاصطفاء: التي افردت لها الوثيقة عنوانا رئيسيا ثم قالت بعده ما يلي : "أما مسألة الاصطفاء فالذي نعتقده أن الله سبحانه وتعالى يصطفي من يشاء من عباده جماعات وأفراداً ونعتقد أن الله سبحانه اصطفى أهل بيت رسوله فجعلهم هداة للأمة وورثة للكتاب من بعد رسول الله إلى أن تقوم الساعة وأنه يهيئ في كل عصر من يكون مناراً لعباده وقادراً على القيام بأمر الأمة والنهوض بها في كل مجالاتها.
ثم فصلت الوثيقة في لوازم هذا الاصطفاء وهي احقية ال البيت دون غيرهم في احتكار العلم والمعرفة والهداية والجهاد والامامة واعتبار ذلك كله عقيدة واصل من اصول الدين.
وبهذه الوثيقة أكد الحوثيون ان مشروعهم السياسي لم يكن سوى استعادة لمشروع تاريخي عفى عليه الزمن، المفارقة ان معظم علماء الزيدية غير المنضويين في حركة الحوثي لم يعترضوا على الوثيقة بل باركوها ودافعوا عنها وبعضهم وقع عليها رغم انه كان قد وقع على بيان علماء الزيدية عام 1991،الذي قيل انه قد تخلى عن الامامة باعتبارها صيغة تاريخية لم تعد تناسب العصر، وقد ابدى بعض الباحثين اسفه لتراجع هؤلاء العلماء عن اجتهاد ايجابي كان قد تم قبل عقدين من الزمن وكان المفترض ان يتم البناء على ذلك الاجتهاد وتطويره، لا التراجع عنه في فترة الربيع العربي المطالب بالحرية والمساواة، والحقيقة انه لم يكن ثمة نقد جذري للإمامة وتخليا عنها في بيان عام 1990 حتى نقول ان اصحاب البيان قد تراجعوا عن اجتهادهم التقدمي السابق ! فبيان عام 1990م لم يكن سوى مراوغة وتقية لتحسين صورة حزب الحق، وقد قدم الباحث محمد زبارة ـــ في ذلك الوقت ـــ نقدا علميا ومنهجيا رصينا للبيان وختم دراسته النقدية آنذاك بالقول : " من يقرأ البيان قراءة عابرة بأن الموقعين عليه-حكزلا قد تخلوا عن هذا الفكر، وفي الوقت نفسه فإنه سيتم التعميم لقواعدهم الحزبية بحقيقة ما ورد في البيان وأنه ليس فيه أي تراجع أو تنازل عن تلك الأفكار الخطيرة كالأفضلية العرقية، وحق أبناء البطنين في الإمامة والحكم، والتشكيك في مواقف الصحابة بعد وفاة رسول الله "[14]، فخلاصة هذا البيان أن هناك وصية من رسول الله بالحكم من بعده للإمام علي وأن الصحابة خالفوا هذه الوصية ورفضوا تولية الإمام علي، وأنه في المقابل تنازل عن حقه مقابل سلامة دماء المسلمين وأن أحفاد الإمام علي، الذين هم أهل الحق سيتنازلون عن حقهم في الحكم والإمامة، لأن الإمامة لم يعد لها قبول اليوم فإذا جاء يوم تقبل فيه فلا مانع من عودة الحق لأصحابه، ولأنهم سيتنازلون عن هذا الحق لتسلم دماء المسلمين اليوم، لكن ما ينبغي عمله على الأقل هو أن يتولى أصحاب هذا الحق اختيار الحاكم الأجير!!
وهو ما قاله وأكده العلامة عبد العظيم الحوثي في مقابلة صحفية في صحيفة الجمهورية في 2012م، عندما سأل عن العلماء الموقعين على بيان الامامة عام 1990م، حين وقع كثير من علماء الزيدية بصنعاء على شرعية النظام الجمهوري والانتخابات وما اذا كانوا قد تخلو بالفعل عن نظرية حصر الامامة بالبطنين، وآمنوا بالنظام الجمهوري، فكان رده : " وسأجيبك هنا بما أجبت به علي عبد الله صالح في مجلسه. قال لي هل تعتقد أن محمد المنصور والسيد حمود بن عباس المؤيد أنهما منافقان؟ قلت له: لا. ليسا منافقين. فقال ما الذي دفعهما للموافقة على الانتخابات؟ قلت له خوفا منك لأنك جبار."... هل أفهم من كلامك أن هذه الفتوى ما كانت إلا من باب التقية فقط؟ نعم. والتقية مشروعة عند الزيدية والشافعية.
هوامش
[1]مجموع السيد الإمام حميدان ابن يحيى القاسمي 1/296.
[2]ناقشنا ذلك بالتفصيل وبالأدلة الدامغة في كتابنا " بين الزيدية والاثني عشرية : الهوية المذهبية للحركة الحوثية : ( تحت الطبع ).
[4]- الأحكام للإمام الهادي يحيى بن الحسين 1/ 41.
[5]- مجموع السيد حميدان نقلاً عن الحكمة الدرية للإمام احمد بن سليمان.
[6]- التبصرةفيالتوحيدوالعدلتأليفالإمامالمؤيدباللهأحمدبنالحسينالهاروني (333 - 411هـ) ،تحقيقعبدالكريمأحمدجدبانص88.
[7]علي محمد عبده – مرجع سابق- ص31
[8]مذكرات الرئيس القاضي عبد الرحمن بن يحيى الارياني، الجزء الاول 1910ـــ 1962م، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الاولى 2013،ص130.
[9]محمد زباره في: عبد الفتاح البتول – خيوط الظلام عصر الإمامة الزيدية في اليمن.
[10]أشواق غليس، مرجع سابق، ص175.
[11]- الامام الخميني في كتابه الحكومةالاسلاميةص70).
[12]- مقابلة مع محمد عبد العظيم الحوثي صحيفة الاهالي 10يناير2010م.
[14]أنظر محمد زبارة، ملحق كتاب عبد الفتاح البتول خيوط الظلام