انعكاسات الخلاف الإماراتي - السعودي على السلام في اليمن

تقدير موقف | 21 نوفمبر 2023 16:51
انعكاسات الخلاف  الإماراتي - السعودي على السلام في اليمن
 
تمهيد
  لطالما اتسمت العلاقة السعودية الإماراتية بالتعقيد وبالخلافات والتقلبات، حيث تناوبت بين التعاون والصراع، وكانت محكومة دوماً بقضايا الحدود والتنافس والغيرة. وفي الملف اليمني، يدور الخلاف بين الطرفين حول التنافس على النفوذ ومكاسب الحرب. بدأت هذه الخلافات عندما أعادت الإمارات توجيه استراتيجيتها في اليمن عام 2019، معلنة انتهاء مهمتها العسكرية ضمن التحالف العربي بعد سيطرتها على موانئ بحرية مهمة وعدة جزر يمنية، وتشكيل مجموعات مسلحة موالية لها. وهذا التحول لم يكن فقط تجاوزاً لمقتضيات التحالف بين البلدين بل يتعارض أيضا مع مصالح السعودية.
 
الخلافات وعلاقتها بمسار السلام
فيما يتعلق بعملية السلام، يتفق الطرفان على سعيهما لإنهاء الحرب وإحلال السلام في اليمن. وتحرص الإمارات على إظهار دعمها لجهود السلام، بما في ذلك جهود السعودية ومفاوضاتها مع جماعة الحوثي. لكن ما دون هذا الهدف يظل مساحة للخلاف وعدم التوافق بين الطرفين، ولأن خلافات الطرفين تدور حول التنافس والنفوذ، فلدى كل منهما تصورات ووجهات نظر  مختلفة حول مستقبل اليمن، ولهذا فخلافاتهما تنعكس على عملية السلام، فهذه العملية ستحدد في النهاية شكل اليمن، وتقرر خريطة النفوذ والمصالح في مرحلة ما بعد الحرب.
تقف طموحات الإمارات وسياساتها في اليمن وراء استياء السعودية، التي ترى أنها ليست فقط متنافية مع مصالحها، بل تقوض أيضًا جهودها لإنهاء الصراع، كما هو الحال مع دعمها المستمر الساعية إلى انفصال جنوب اليمن. ووفقًا لتقارير إعلامية، طلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من الإمارات التوقف عن التدخل في محادثات وقف إطلاق النار التي تقودها بلاده. إن إصرار الإمارات وتمسكها بنفس المواقف والسياسات يواصل إحراج الرياض ويظهر عدم قدرتها على التحكم في سلوك حليفتها.
في المقابل، تشعر الإمارات بالانزعاج من مساعي السعودية لتوسيع حضورها ونفوذها في المناطق الجنوبية والشرقية من اليمن. وتشعر بالإحباط والانزعاج من الضغوط التي يتعرض لها حلفاؤها. كما أنها تشعر بالإحباط والقلق من استبعادها من المحادثات التي تجريها الرياض مع الحوثيين، وتزداد مخاوفها مع كل تقدم يتم إحرازه في هذه المحادثات. وتعتقد أبو ظبي بشكل عام أن الرياض لا تأخذ في الاعتبار مصالح الإمارات (أو مصالح جيرانها الخليجيين)، وبدلاً من ذلك تمضي في لعبة محصلتها صفر.
  1. عوامل تصاعد الخلافات وفرص محاصرتها 

    هناك من يرجّح أن تستمر الخلافات بين الدولتين ، بل هذه الخلافات مرشحة للتصاعد، ويبني هؤلاء ترجيحاتهم على عدد من العوامل والشواهد، أهمها:  

    ·      شخصية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان التي تتصف بالزعامة تصطدم مع شخصية الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، الذي يتصف بالعناد والطموح ، ما يؤجل حل كثير من الخلافات.

    ·      خطورة وحساسية القضايا محل الخلاف، واختلاف منطلقات الطرفين، فبينما السعودية تنطلق أساساً من اعتبارات تتعلق بأمنها القومي، بينما ينصب تركيز الإمارات على المصالح الجيواقتصادية.

    ·      الحجم الكبير للاستثمارات والمكاسب الإماراتية التي يهددها توسع النفوذ السعودي، وهذا يجعل التنازل عنها أو التفريط بها أمراً أكثر صعوبة. 

    لكن هناك في المقابل الاعتبارات السياسية والاقتصادية التي تدفعهما إلى الابتعاد عن أي تصعيد واحتواء هذه الخلافات:

    ·      الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدولتين، حيث تشكل السعودية سوقاً مهمًا للمنتجات الإماراتية وتعتبر المستثمر الأول في الإمارات، وهذا يعطي كل من الدولتين حافزاً للحفاظ على العلاقات الاقتصادية المستقرة.

    ·      أهمية الدور الإقليمي والدولي الذي تلعبه الدولتين، حيث يدرك كلا الجانبين أن حدوث أي توترات بينهما ستؤثر سلباً على مكانتهما مثلما على استقرار المنطقة بأكملها، وبالتالي يعملون على المحافظة على التوازن الإقليمي وتهدئة الأوضاع في المنطقة.

    ·      الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وجهودها لتحجيم هذه الخلافات، وهذه الجهود ليست مدفوعة فقط بالحرص على تجنب التوتر بين دولتين حليفتين ولكن أيضاً بكون توافقهما وحصر خلافاتهما أمر حيوي لعملية السلام في اليمن، فهي تخشى أن تؤدي هذه الخلافات إلى إفشال جهود إنهاء الحرب، وهو الهدف الذي تعهدت بتحقيقه وتنظر إليه كمسؤولية والتزام سياسي، وتخشى كذلك أن تصب هذه الخلافات في صالح إيران.

    ·      وجود قضايا خلافية أخرى بين الدولتين تتفاوت أهميتها لديهما وبما يمنحهما فرصة للقيام بمساومات في الملف اليمني بحيث يمكن لكل طرف تقديم تنازلات للطرف الآخر في القضايا التي تهمه أكثر من غيرها. 

    يؤكد تاريخ العلاقة بين الدولتين على حرصهما على تفادي تطور خلافاتهما وتفادي القطيعة بينهما، فرغم خلافاتهما وتنافسهما المستمر لم يسمحها بتطور الأمور خارج السيطرة. وفي الحالة اليمنية يظهر هذا الحرص في تجنبهما الحديث عن خلافاتهما وعدم الاعتراف بها علناً، بل وتنكرها تصريحات مسؤولين رسميين. وهذا الحرص يمنع توسع الخلاف ويدعم مصالحهما وسمعتهما ويقوي مجلس التعاون الخليجي. ما يعطي سبباً للتفاؤل أن الدولتين سبق ونجحتا في إيجاد صيغة لتجاوز خلافاتهما كما حدث بالتوافق على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي.

     

    تأثير الخلاف على عملية السلام  

    من المهم الإشارة ابتداءً إلى أن معرفة مواقف الدولتين الحقيقية من قضية "وحدة اليمن" تقف كعامل أساسي للتعرف على تداعيات خلافاتهما على عملية السلام في اليمن. وتشير مواقف وسياسات الإمارات إلى دعمها انفصالالجنوب مع إمكانية قبولها بصيغة أقل من ذلك تؤمن مصالحها، إلا أن الموقف السعودي يرى على الأقل في هذه المرحلة تقسيم اليمن خطرا على أمن المنطقة، وإن كان الغموض حول وضع اليمن المستقبلي سيد الموقف.

    وإذا كانت السعودية حريصة على وحدة اليمن، كطريقة أفضل وأقل كلفة للحفاظ على مصالحها وتعزيز نفوذها، فإن خلافاتها مع الإمارات في هذه الحالة تصب في مصلحة عملية السلام حتى وإن تسببت ببعض العوائق في طريقه. أما إذا كانت الرياض لا يهمها اليمن إلا  في إطار مصالحها، فقد تلجأ لتقاسم النفوذ مع الإمارات وتأسيس حالة انفصالية ثنائية (شمال جنوب) أو متعددة (شمال جنوب شرق) ، وهذا اقد ينعكس سلبا على أمن المنطقة  ويهدد عملية السلام برمتها، لأن الوصول إلى سلام مستدام مستبعد مع تقسيم البلاد.   

    تعمل الخلافات ين الرياض وأبوظبي على تعقيد المشهد اليمني، ولها تداعياتها على عملية السلام، وبعض هذه التداعيات ملموس ويمكن ملاحظته اليوم، لكن أغلبها مازال في إطار الاحتمال، ويتوقف على السيناريو الذي ستأخذه هذه الخلافات، فكلما أتسعت وتعمقت ارتفعت المخاطر والتحديات التي تتسبب بها لعملية السلام، وسيحدث العكس كلما تقلصت مساحتها واتجهت الأمور إلى التهدئة أو التسوية. 

    ما يزيد من قدرة هذه الخلافات على التأثير والتسبب بتعقيدات إضافية في طريق السلام أن ما من توافق حتى اللحظة على خارطة طريق للسلام، وهناك الكثير من القضايا التي مازال يتعين التوافق عليها، وهذا يترك هامشاً واسعاً للتأثير على عملية السلام. إن انقسام ولاء الأطراف اليمنية في تحالف دعم الشرعية بين الدولتين، هو انقسام يعكس نفسه في المؤسسات السياسية اليمنية، وهو عامل آخر يزيد من فرص التأثير على عملية السلام. وتتنوع التحديات والتهديدات المحتملة التي قد تتسبب بها هذه الخلافات لعملية السلام وتتدرج كالتالي:

    -       تهديد الهدنة الهشة القائمة وإفشال مساعي تحويلها إلى وقف دائم لإطلاق النار.

    -       إبطاء وتيرة السلام وتأخير عقد المفاوضات الشاملة والنهائية.

    -       إضعاف فرص التوصل إلى سلام شامل ومستدام، والتسبب بولادة اتفاقات سلام ناقصة ومشوهة.

    -       وقف عملية السلام وإصابتها بالشلل. 

    وفيما يلي أهم السياقات التي تؤثر من خلالها الخلافات السعودية الإماراتية على عملية السلام وأهم التداعيات التي قد تخلفها: 

     
    ١- تعزيز حالة انقسامية غير صديقة للسلام 

    ما تقوم به هذه الخلافات أنها تعزز من الانقسامات اليمنية، وانقسام اطراف الصراع بين الدولتين يجعلهم عرضة للتأثر بخلافاتهما ولتبني مواقفهما. ستعكس هذه الخلافات نفسها أيضاً في إضعاف الفاعلية السياسية والإدارية للمؤسسات السياسية وإضعاف كفاءة تعاملها مع استحقاقات التفاوض والسلام وخططه. كل ذلك سيرتد سلباً على مسار السلام وسيكون من الصعب-مثلاً- التباحث والتفاهم بين المعنيين بسلاسة وحسن نية، ولن يكون من السهل توصلهم إلى التوافقات الضرورية. 

    ونتيجة لهذه الخلافات وفي مواجهة نفوذ الإمارات وحلفائها المطالبين بالانفصال عمدت السعودية إلى إنشاء تشكيلات عسكرية موالية لها، وأقدمت كذلك على تأسيس مجلس حضرموت الوطني ككيان معني بإدارة شؤون المحافظة ويراعي مصالحها، بهدف  قطع الطريق على المجلس الانتقالي ومحاصرة نفوذه والحيلولة دون سيطرته على هذه المحافظة المهمة، ومن المحتمل أن تؤسس مجالساً مشابهة في مناطق أخرى في مقدمتها عدن. وهذا يزيد من سيولة المشهد اليمني بإضافة فاعلين جدد، وإن بدت هذه الحلول تعالج بعض القضايا، لكنها تضيف تعقيدات جديدة على طريق السلام، فبالإضافة إلى ما تثيره هذه الحلول من ردة فعل من قبل الإمارات وحلفائها، يظل التوسع في المجالس الجهوية مشكلة كما هي المجالس المناطقية والطائفية  فهي تعزز الطموحات والنزعات السياسية الأكثر محلية. وسيكون على جهود ومفاوضات السلام التعامل مع عدد أكبر من الفاعلين وأخذ مواقفهم وآرائهم ومصالحهم في الاعتبار.

     

    2- إضعاف الثقة بعملية السلام 

    هذا مدخل آخر تؤثر من خلاله خلافات الدولتين على مساعي وجهود السلام، فبالإضافة إلى الشكوك التي يثيرها كل طرف حول نوايا الطرف الآخر ، تضعف هذه الخلافات من ثقة الإمارات وحلفائها في المفاوضات التي تجريها السعودية مع الحوثيين وفي أي نتائج قد تتوصل إليها. والراجح أن ترفض أبو ظبي أي اتفاقات يتوصل إليها الطرفان باتجاه عقد مفاوضات السلام النهائية حال وجدت أنها لا تراعي مصالحها أو قد تضر بها، وستدفع حلفائها إلى رفض المشاركة في هذه المفاوضات، وربما تفجير الوضع عسكريا وعودة الحرب.

     

    3.    التأثير على خيارات أطراف الصراع  

    تشجع الخلافات الإماراتية السعودية أطراف الصراع إفي اليمن على تبني مواقف وسياسات غير صديقة للسلام. وإلى جانب أنها تضعهم في موقف تفاوضي أقوى-مثلاً- تغري هذه الخلافات الحوثيين بالتروي والمماطلة في مفاوضاتهم مع السعودية بانتظار تأزم الوضع بين الدولتين وحلفائهما بصورة أكبر، فكلما تفاقمت الخلافات كلما كان بإمكانهم الحصول على تنازلات ومكاسب أكبر وقلت التنازلات المطلوبة منهم. نتيجة كهذه تصبح مع حلفائهم الإيرانيين، فهذه الخلافات تجعل هؤلاء أكثر ميلاً للتأني في الوفاء باستحقاقات التقارب مع السعودية، وأقل استعداداً للضغط على الحوثيين وتشجيعهم على السلام، وهو ما يحرم المفاوضات من المزايا التي كان يفترض أن يقدمها هذا التقارب لها. 

     

    اختبار حضرموت:

    كلما اتسعت الخلافات بين أبوظبي والرياض وتعمقت كلما كان لدى الجماعة الحوثية حافزاً دفعتهم إلى التصعيد العسكري. ومع أن حدوث مواجهات عسكرية بين الطرفين عبر وكلائهما المحليين غير مرجح إلا أنه غير مستبعد تماماً حال تصاعدت خلافاتهما، ويعطي التوتر الشديد في حضرموت مؤشراً حول إمكانية الانزلاق إلى العمل العسكري. ولا يتوقع أن تستمر مفاوضات السلام مع اشتعال مواجهات كهذه إلا إذا حسم السعوديون وحلفاؤهم المعركة لصالحهم، وستتوقف حال تحقق الحسم لصالح الإمارات وحلفائها، وحسم كهذا يعطي الحوثيين دافعاً ومبرراً للمباشرة في عمليات عسكرية والزحف على المناطق الواقعة خارج سيطرتهم بحجة حماية وحدة البلاد. إن التأييد الشعبي الذي سيحصلون عليه تحت هذه الراية يمنح تحركهم شرعية ويجعلهم أكثر تصميما على المضي في معركة كهذه.

    قد تنجح الدولتان في تجاوز خلافاتهما، غير أن المقاربة الممكنة للقيام بذلك دون الإضرار بعملية السلام تتمثل بالتوافق على تقاسم النفوذ والمصالح وبما لا يهدد وحدة البلاد، أما بقية خيارات التسوية فيضيف تعقيدات أمام عملية السلام وتحمل لها تحديات تتنوع وتتدرج حسب طبيعة التسوية ووفقاً للأضرار التي تلحقها بأي من أطراف الصراع المؤثرة. إن أسوأ الخيارات التي ستبلغ هذه التداعيات ذروتها بالتسبب بوقف عملية السلام حال أقدمت الدولتان على تسوية خلافاتهم تأسيساً على تقسيم اليمن، فتسوية كهذه ستنتهي بتوقف عملية السلام، فمن غير المرجح، أن تمضي الأطراف اليمنية الرافضة لتقسيم البلاد بما في ذلك الحوثيين وحزب الإصلاح في أي مفاوضات أو أن تقبل سلاماً ويؤسس لانقسام البلاد ولا يضمن وحدة وسلامة أراضيها. 

نشر :