ماوراء إعلان الحوثيين شراكة عسكرية مع الجماعات العراقية المسلحة؟

تقدير موقف | 24 يونيو 2024 17:02
ماوراء إعلان الحوثيين شراكة عسكرية مع الجماعات العراقية المسلحة؟

 

 

مقدمة

أعلنت الجماعة الحوثية يونيو الماضي عن تنفيذها عمليتين عسكريتين ضد إسرائيل بالاشتراك مع "المقاومة الإسلامية العراقية"، وقالت إن أولى العمليتين استهدفت سفينتين كانتا تحملان معدات عسكرية في ميناء حيفا، بينما استهدفت العملية الثانية سفينة أخرى "انتهكت قرار حظر الدخول إلى ميناء حيفا." وصدر بيان باسم "المقاومة الإسلامية" في العراق يؤكد على هذا التعاون. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي دلالات إعلان كهذا، وما الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، وماهي  التداعيات  ؟

 

دلالات وأهداف

وبينما يبرر الطرفان هجماتهما المشتركة بأنها تعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، إلا أن هناك ما يسمح بالقول إن ما يجري يتجاوز مقتضيات التعاون في مواجهة إسرائيل ودعم الفلسطينيين، فالشراكة المعلن عنها لا معنى لها كون أساساً قائمة تحت مظلة محور المقاومة، يتأكد ذلك بتوقيت الإعلان عن هذه الشراكة والذي يثير الدهشة، فهو يأتي مع اقتراب حرب غزة من نهايتها، وبعد أشهر طويلة على بدء الطرفين تنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل، وهو ما يجعل من شراكة كهذه متأخرة، كما يأتي هذا الإعلان في توقيت حساس وفي سياق محلي وإقليمي أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه غير موائم للجماعة ولمحور المقاومة. فالجماعة الحوثية تمر بمرحلة غير مريحة، حيث تواجه على الصعيد الداخلي ضغوطاً وحالة سخط شعبية متزايدة نتيجة فشلها في القيام بواجباتها كسلطة في تأمين الخدمات الأساسية وامتناعها عن تسليم مرتبات موظفي القطاع العام. ومن جهة أخرى، أخذ البنك المركزي التابع للحكومة اليمنية يصعد ضغوطه الاقتصادية عليها من خلال عدد من القرارات المتعلقة بالسياسات النقدية والمالية قضى أهمها بنقل مراكز البنوك من صنعاء إلى عدن. وإلى جانب المواجهات التي تخوضها مع القوى الغربية في البحرالأحمر وبسببها، تم تعليق المفاوضات التي تجريها مع السعودية وتجميد التفاهمات التي توصلت إليها هذه المفاوضات، وهي تفاهمات تصب في مصلحتها وعُدت انتصاراً كبيراً لها. وأخذت الجماعة تعبر عن مخاوف متزايدة من وجود مخطط تقوده الولايات المتحدة لاستهدافها عسكرياً. وكان زعيم الجماعة الحوثية صريحا في الإشارة إلى هذه القضايا وإلى أنها تشكل هاجساً شاغلا لجماعته، بقوله: "نعمل على تطوير قدراتنا باستمرار، وسنقابل التصعيد بالتصعيد"، ... "لدينا أوراق ضاغطة ولن نقف مكتوفي الأيدي أمام استهداف شعبنا اقتصاديا أو عسكريا".

وعليه فالإعلان عن هذا التعاون مع "المقاومة العراقية" إنما يهدف إلى إيصال رسائل إلى الفاعلين الإقليميين والدوليين وتحقيق مجموعة من الأهداف السياسية والإعلامية تخص الجماعة الحوثية و"محور المقاومة" عموماً، في إطار سعي هؤلاء إلى تعزيز مواقفهم لمواجهة تحديات قائمة ومخاطر متصورة، وكذلك لتحقيق مكاسب جديدة على الساحة الإقليمية والدولية. وبالإضافة إلى إيصال رسالة عامة إلى جميع الأطراف مفادها أن الجماعة باتت لاعباً مهماً في الساحة الإقليمية، ومن الصعب تجاهلها أو تجاوز مصالحها، يستهدف هذا الإعلان تحذير الولايات المتحدة وحلفائها، خصوصاً الدول الإقليمية الفاعلة في الشأن اليمني، أي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتان تدعمان الحكومة اليمنية، من أي عمل عسكري ضدها، وذلك من خلال إيصال رسالة مفادها لن نكون وحدنا ويمكننا استهداف مصالحكم من جهات مختلفة. كما يهم الحوثيين الضغط على السعودية لإعادة النظر في مواقفها من تجميد مفاوضات السلام ودفعها للضغط على الحكومة اليمنية لوقف التصعيد الاقتصادي الذي يقوده خصوصاً البنك المركزي التابع لها. ولأنهم يواجهون قيودا تحول دون التصعيد العسكري ضد الأخيرة، فهم يوصلون إليها رسالة حول قدرتهم على استهدافها بأياد أخرى ومن خارج اليمن، كما لا يستبعد أن تحصل  هجمات مشتركة .  

ولدى محور المقاومة مخاوف من تطورات قادمة محتملة يرى فيها تهديداً وجودياً وتتمثل على وجه التحديد في خطة بايدن لوقف الحرب في غزة وعقد صفقة للتطبيع بين السعودية وإسرائيل تشمل المضي في تسوية القضية الفلسطينية وفقاً لحل الدولتين وعقد معاهدة دفاعية بين واشنطن والرياض. وحصول هذا وذاك لن يكون في صالح هذا المحور، فتسوية المسألة الفلسطينية ستعني حرمانه من قضية طالما تمحورت حولها تحالفاته وبرر بها نشاطاته، أما عقد المعاهدة الدفاعية فتعني انقلاب في ميزان القوى القائم اليوم في صالح السعودية.

وهكذا فعرقلة صفقة التطبيع هذه تبرز كهدف مركزي لأي تعاون يمكن السعي إلى تحقيقه من خلال الضغط على السعودية وتهديدها، أو من خلال إشعال المنطقة كحل أخير. وكتب القيادي الحوثي محمد البخيتي على منصة أكس قائلاً: "المعاهدة الدفاعية ما بين امريكا والنظام السعودي لحماية اسرائيل لن تصمد امام العهد الإلهي الذي بيننا وبين اخواننا في بلاد الحرمين الشريفين." وعليه فالدلالة الأهم هي أن الإعلان عن التعاون بين الجماعة الحوثية والمقاومة العراقية قد يشير ليس فقط إلى استراتيجية محتملة طويلة الأجل لتعزيز التعاون بين الجماعات الشيعية المسلحة في المنطقة المتحالفة مع إيران، ولكن أيضاً إلى وجود نية لتعاون واسع النطاق بينها تقبلا وتوسيع نفوذها خارج مناطق عملياتها التقليدية، وقد يكون ذلك جزء من خطة أكبر لمحور المقاومة على المستوى الإقليمي لاستباق التهديدات المتصورة والتعامل معها. وهو ما يفتح الباب لتحول استراتيجي محتمل في ديناميكيات المنطقة. وقد علق زعيم الجماعة الحوثية على العمليات المشتركة وقال إنها "ستقدم نموذجا للتعاون بين أبناء الإسلام وعملياتهم المشتركة في إطار الجهاد في سبيل الله".

 

التداعيات المحتملة:

بما يحمله من دلالات أمنية خطيرة، فالإعلان عن هذه الشراكة بين الجماعة الحوثية و"المقاومة العراقية" يمكن أن يؤدي إلى تصعيد التوترات في المنطقة، وأن يؤثر على ديناميكيات الصراع فيها، فهو يدق أجراس إنذار مختلفة ويثير المخاوف لدى مختلف الفاعلين الإقليميين والدوليين من خطط إيران وحلفائها ومن احتمال تصاعد العنف في المنطقة.

ولأن هذا التعاون يبرز كتهديد محتمل لأمن دول الخليج، فيمكن أن يؤدي إلى تصعيد مخاوفها والتسبب بتوترات مع الحوثيين والإيرانيين، ومع العراق الذي ستحاول الضغط عليه للحد من نشاط الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران على أراضيه. ومن جهتها وصفت واشنطن هذا التعاون بأنه مثير للقلق، وقد يدفعها إلى مراجعة استراتيجيتها تجاه إيران والجماعة الحوثية، خصوصاً وهو يعزز موقفها في السعي إلى تشكيل تحالفات دولية لمواجهة هذا النفوذ الإيراني. ومن جهة أخرى، سيدفع هذا التعاون إسرائيل إلى زيادة عملياتها العسكرية والاستخباراتية ضد الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، بما في ذلك الحوثيين، في محاولة للحد من قدراتها الهجومية، وإلى تعزيز تحالفاتها الأمنية والاستخباراتية مع دول الخليج. ومن حيث تريد إيران والحوثيون العكس، قد يشكل مجموع المخاوف السعودية والأمريكية والإسرائيلية حافزاً للإسراع في عقد صفقة التطبيع بين السعودية وإسرائيل. وبالنسبة للجماعة الحوثية، مع أن الإعلان عن هذا التعاون قد يعزز الدعم الداخلي لها، إلا أنه سيؤدي إلى زيادة الضغوط عليها، بما في ذلك الضغوط الأمريكية والدولية التي يمكن أن تشمل فرض عقوبات إضافية، وإلى زيادة عزلتها الدولية. وفي كل ذلك تعقيد لجهود السلام.

نشر :