هل تعزز خارطة الطريق ميزان القوى المختل؟

تقدير موقف | 7 أغسطس 2024 20:53
هل تعزز خارطة الطريق ميزان القوى المختل؟

 

مقدمة

عشية يوم 23 يوليو/تموز أبلغت الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي المسلحة مكتب المبعوث الأممي التوصل لاتفاق عُرف باتفاق "خفض التصعيد الاقتصادي" يفترض به أن ينهي المعركة الاقتصادية التي تصاعدت منذ بداية العام الجاري بين الجماعة والحكومة حول "البنوك المركزية" و"شركة الطيران الوطنية".

وهو اتفاق يدفع إلى المقدمة الحديث عن خارطة طريق لاتفاق سلام ترعاها الأمم المتحدة واتفق الحوثيون والسعودية على خطوطها العريضة نهاية العام الماضي. لكن توقفت بسبب هجمات الجماعة المسلحة اليمنية في البحر الأحمر، وتدخلات الولايات المتحدة التي تخشى حصول الحوثيين على المزيد من الأموال بعد أن أعادت الحركة إلى قوائم الإرهاب (مصنفين بشكل خاص) في يناير/كانون الثاني الماضي واشترطت وقف هجمات البحر الأحمر لإزالتها.

يتهم الحوثيون الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بأنهما شجعتا ضمنياً الحكومة اليمنية على اتخاذ إجراءات البنك المركزي اليمني لعزل البنوك التجارية في مناطق سيطرتهم عن الوصول إلى النظام المصرفي الدولي، وتقليص إيرادات الجماعة التي تصل إلى 2 مليار دولار سنوياً من الضرائب والجمارك، وهو ما دعاهم لشن حملة تهديدات ضد المملكة ونشروا صوراً لموانئها ومطاراتها باعتبارها أهدافا جديدة يستعدون لاستهدافها، وظهر زعيم الجماعة للتهديد "البنك بالبنك، ومطار صنعاء بمطار الرياض..". واستعرض الحوثيون القوة بقصف تل أبيب بطائرة مسيّرة (لم يعلن عنها سابقاً) أدت إلى مقتل إسرائيلي وإصابة آخرين، ورد الاحتلال بغارات على ميناء الحديدة أدت إلى مقتل وإصابة أكثر من 100 يمني.

 

فما طبيعة الاتفاق؟ وكيف سيؤثر الاتفاق الجديد على ميزان القوى المختل بالفعل بين الحوثيين والحكومة المعترف بها دولياً بعد أن تخلت الأخيرة عن آخر أوراقها؟ وماهي الآفاق المستقبلية لخارطة الطريق بموجب اتفاق "خفض التصعيد الاقتصادي"؟.

 

نقطة التحول الرئيسية في الحرب

عندما اجتاح الحوثيون صنعاء في 2014 سيطروا على كل مؤسسات الدولة بما في ذلك البنك المركزي، وتحكموا بقواعد جميع المعاملات المالية المرتبطة بالتجارة والمساعدات الإنسانية والتحويلات المالية، ما مكن الجماعة من فرض سياسات غير نقدية وأيدولوجية إلى جانب جبايات وحرب على القطاع الخاص والبنوك التجارية أدى إلى انهيار الاقتصاد وتراجع التعاملات المالية في مناطق سيطرتهم.

 ومنذ إعلان نقل المركز الرئيسي للبنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن عام 2016م؛ انقسم النظام المالي والمصرفي في البلاد، وكان فاقم المشكلة إعلان الجماعة المسلحة في صنعاء 2019 بعدم تداول العملة التي طبعتها الحكومة اليمنية بعد 2017م.

فأوجدت المشكلة قيمتين للعملة في مناطق سيطرة الطرفين ووصلت قيمة الدولار في يوليو/تموز في عدن إلى 1900 ريال وفي صنعاء 530 ريالاً.

في أكتوبر/تشرين الثاني 2022 أعلن الحوثيون حظر تصدير النفط من مناطق الحكومة إذا لم تدفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الجماعة مع تزايد الضغط عليها داخلياً بعد الهدنة، وهددوا باستهداف السفن والموانئ التي تحاول الاقتراب وبالفعل حدث ذلك، وتوقف أهم مصادر الحكومة للحصول على الإيرادات وبلغت خسائرها نحو ملياري دولار بحلول ابريل/نيسان2024م. وباتت تعتمد على المنح المالية السعودية لتسيير أمور موازنتها.  في مارس/آذار قام الحوثيون بسك عملة معدنية جديدة.   

في مطلع العام الجاري بدأ البنك المركزي مستخدماً شرعيته كمؤسسة معترف بها دولياً باتخاذ سلسلة إجراءات قانونية لإنهاء النظام المالي والعملة المزدوجة فأوقف التعامل بالعملة طبعة قبل 2016م، وفرض شبكة موحدة لتحويل الأموال يشرف عليها، وطلب البنوك التجارية نقل مراكزها الرئيسية إلى عدن (يمكن الإطلاع على الجدول الزمني). والتي تزامنت مع إعلان الولايات المتحدة وضع الحوثيين في قوائم الإرهاب، وممارسة الضغوط على الجماعة لوقف هجمات البحر الأحمر، بما في ذلك تجفيف حصول الحوثيين على الإيرادات والعملة الأجنبية.

كانت تلك ستعتبر نقطة التحول الرئيسية في الحرب التي تعيد ميزان القوى المختل بين الحوثيين الذين يمتلكون سلطة القوة الغاشمة، والحكومة التي تملك سلطة الشرعية الدولية.

إجراءات البنك المركزي في عدن جاءت في وقت تضاءلت ​​احتياطيات العملة الأجنبية في اليمن بسبب توقف عائدات صادرات النفط، وهو ما أثار قلقاً عاماً وعطل بشكل كبير القطاعات المالية والمصرفية وتحويل الأموال في البلاد. وواجه العملاء والتجار والمستوردين تحديات في الوصول إلى أموالهم المودعة في البنوك في مناطق الحوثيين، مما يتسبب في تعطيل مسارات التحويلات، وأدى نقص حاد في الدولارات الأمريكية، ما دفع عشرات المتعاقدين مع المنظمات الدولية على التظاهر أمام أحد البنوك التجارية فشل في الوفاء بتسليم أموالهم المودعة بالدولار.

 

التسلسل الزمني لأزمة البنوك المركزية

أكتوبر/تشرين الأول 2022

شن الحوثيون هجمات على موانئ نفطية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، مشترطين للسماح بتصدير النفط الاتفاق على آلية يتم فيها دفع رواتب كافة الموظفين العموميين في مناطق سيطرتهم.

مارس/آذار 2023

سن الحوثيون قانون المعاملات الربوية والذي أثر على عمل البنك المركزي والحصول على السيولة، مع اندفاع المودعين للحصول على أموالهم مع انعدام الفائدة.

يناير/كانون الثاني 2024

وضعت الولايات المتحدة الحوثيين في قوائم الإرهاب، أدى ذلك إلى تعطيل أو توقف العديد من المعاملات الدولية في المناطق التي تخضع لهذه العقوبات، ويؤثر على النشاط المالي في مناطق الجماعة المسلحة. استمرار الحوثيين في التحكم بالقواعد المالية والتحويلات يؤثر على النشاط المالي في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.

فبراير/شباط 2024

تصاعدت التوترات مع إطلاق شبكة جديدة، الشبكة الموحدة لـالتحويلات النقدية (UNMONEY)، من قبل البنك المركزي في عدن كمنصة حصرية لتحويل الأموال من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. في يونيو/حزيران توقف تحويل الأموال من مناطق الحكومة إلى مناطق الحوثيين.

مارس/آذار 2024

أصدر البنك المركزي في صنعاء عملة معدنية بقيمة 100 ريال يمني لتحل محل العملات القديمة.

مارس/آذار 2024

أعلن البنك المركزي في صنعاء منع تسليم الحوالات من الخارج الواصلة بالدولار، مع مخاوف من أزمة العملة الأجنبية.

20 مارس/آذار 2024

البنك المركزي في عدن يوجه منشآت وشركات ومنشآت الصرافة بعدم التعامل مع خمسة بنوك رئيسية، أزال القرار في نهاية مارس/آذار.

21 مارس/آذار 2024

البنك المركزي في صنعاء يعلن منع التعامل مع شركات صرافة في مناطق سيطرة الحكومة. أزال القرار لاحقاً.

02 ابريل/نيسان 2024

وجه البنك المركزي جميع البنوك التجارية والإسلامية ومصارف التمويل الأصغر بنقل مقراتها الرئيسية إلى عدن.

23 مايو/أيار

البنك المركزي عدن يؤكد حصر تدفق الحوالات الخارجية عبر الشركات المرخصة من قِبلة واستلام المستفيدين للأموال بالعملة المرسلة.

30 مايو/أيار 2024

أصدر البنك المركزي في عدن تعليمات للجمهور بإعادة الأوراق النقدية القديمة المطبوعة قبل عام 2016 إلى مقره الرئيس في عدن

30 مايو/أيار 2024

أصدر البنك المركزي اليمني في عدن توجيهاً يطلب من ستة بنوك كبرى وقف عملياتها في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي.

31 مايو/أيار

البنك المركزي في صنعاء يصدر قراراً يحظر التعامل مع 13 بنكاً في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً.

20 يونيو/حزيران

البنك المركزي في عدن يحظر على المسافرين حمل العملات الأجنبية والريال طبعة ماقبل 2016 إلى مناطق الحوثيين، وحدد 200 ألف ريال كحد مسموح بدخوله أو مغادرته مناطق الحكومة.

26 يونيو/حزيران

البنك المركزي عدن يحظر التعامل مع شركات الدفع الالكتروني غير المرخصة من قِبله.

26 يونيو/حزيران

البنك المركزي في عدن يوقف العمل بشكل كلي ونهائي بشبكات الحوالات المالية المحلية المملوكة للبنوك والمصارف أو شركات ومنشآت الصرافة العاملة في البلاد وحصر التحويل على الشبكة المالية الموحدة.

08 يوليو/ تموز

البنك المركزي في عدن يلغي تراخيص ستة بنوك رئيسية في مناطق الحوثيين، ويطلب تشكيل لجان مشتركة لتصفيتها.

10 يوليو/تموز

النظام المصرفي سويفت يبلغ البنوك الستة بفك ارتباطهم بعد أسبوعين بناء على طلب البنك المركزي في عدن.

10 يوليو/تموز

المبعوث الأممي يبعث برسالة إلى مجلس القيادة الرئاسي يطالب فيها بتأجيل قرارات البنك المركزي.

12 يوليو/تموز

مجلس القيادة الرئاسي يعلن تلقيه رسالة من المبعوث لتأجيل القرارت.

13 يوليو/تموز

الحوثيون يرفضون تأجيل القرارات بل إلغاءها، رافضين وساطة المبعوث والدخول في حوار.

13 يوليو/تموز

مجلس القيادة يبلغ محافظ البنك المركزي التراجع عن القرارات؛ يرفض محافظ البنك المركزي التراجع عن القرارت، ويهدد بالاستقالة.

13-14 يوليو/ تموز

لقاءات ونقاشات أعضاء مجلس القيادة الرئاسي لإقناع محافظ البنك بالتراجع.

13 يوليو/تموز

إبلاغ قطاع الرقابة على البنوك في البنك المركزي في عدن بتجميد القرارات.

15 يوليو/تموز

وكيل قطاع الرقابة مصطفى راجح يقدم استقالته.

17 يوليو/تموز

محافظ البنك المركزي في عدن يقدم استقالته.

11-20 يوليو/تموز

الحوثيون يتلقون رسائل عبر القناة المفتوحة مع السعودية أن هناك جهود تبذل من أجل دفع الحكومة للتراجع.

23 يوليو/تموز

مكتب المبعوث الخاص يعلن أن الحكومة وجماعة الحوثي اتفقتا على "خفض التصعيد" و"إلغاء قرارات وإجراءات البنوك وعدم تكرارها في المستقبل"

23 يوليو/تموز

مجلس القيادة الرئاسي يعلن رفض قبول استقالة محافظ البنك المركزي أو وكيل قطاع الرقابة.

24 يوليو/تموز

البنوك الستة في صنعاء تتلقى رسالة من نظام سويفت أن البنك المركزي في عدن ألغى قرار التوقيف.

 

 

وضع البنوك اليمنية وتدخلات المبعوث الأممي:

في حقيقة الوضع لم تكن البنوك التجارية قادرة على الانتقال إلى عدن، فمنذ 2016م امتلك البنك المركزي في عدن "الشرعية" الدولية التي مكنته من عزل الحوثيين عن النظام المالي العالمي، فيما امتلكت الجماعة المسلحة في صنعاء سلطة على البنوك التجارية إذ احتجزت أموالها في أذون الخزانة، ومعظم استثماراتها الداخلية في مناطق الحوثيين، فهددت الجماعة بتصفية البنوك ومصادرة الأصول واعتقال الموظفين إذا ما قررت نقل مراكزها الرئيسية إلى خارج صنعاء.

 ويملك الحوثيون تاريخاً سيئاً في مصادرة أموال وممتلكات الخصوم وعرض الأصول للبيع والتصفية. بما في ذلك الرسالة الواضحة التي أرسلوها لتلك البنوك بمصادرة الشركتين الدوائية والعالمية في صنعاء، واختطاف مدراء الشركتين في يونيو/حزيران بعد أن قررتا نقل مركزيهما الرئيسيين إلى عدن.

واُتهم المبعوث الأممي –الذي أرسل الرسالة للحكومة يوم 10 يوليو/تموز- بكونه استخدم كغطاء سياسي لتمرير الاتفاقية. وعلى الرغم من ذلك فالأمم المتحدة منذ 2016 وهي تبذل جهوداً لتخفيف تأثير انقسام النظام المالي في اليمن وحذرت منذ مطلع العام بتأثير ذلك على اقتصاد وتجارة البلاد. وحذرت الأمم المتحدة من صراع البنوك المركزية وتأثيره على وصول السكان للغذاء خاصة في مناطق الحوثيين. ومع ذلك أوشكت قرارات البنك المركزي على عزل الحوثيين، وتحرير البنوك والقواعد المالية والحوالات من تحت سيطرة الجماعة، وباتت الجماعة تدرس أزمة نقد طويلة الأمد لمواجهتها. وهو ما كان سيمكن الحكومة المعترف بها دولياً من تحقيق توازن قوى مع الحوثيين باستخدام آخر الأوراق في يدها قبل الدخول في مفاوضات لخارطة الطريق تحت رعاية الأمم المتحدة.

يعيد ذلك الآذهان إلى اتفاق ستوكهولم (2018) الذي أوقف هجوم الحكومة اليمنية والتحالف على ميناء الحديدة بسبب مخاوف تعطل المساعدات، لكنه الاتفاق الذي ينص على انسحاب الحوثيين من الميناء وتحويل إيرادات الميناء لرواتب القطاع العام لم ينفذ.

علاوة على كون اتفاق 2024 و2018 يتشابهان في إبقاء القوة لصالح الحوثيين، فإنهما يتشابهان في الصياغة المبهمة وغير التفصيلية التي ترحل المشكلات الأساسية. على الرغم من كون المبعوث الأممي هانس غروندبرغ قال إن هدفه توحيد البنك المركزي والقطاع المصرفي اليمني. ومما يؤخذ على صياغته:

  • "إلغاء القرارات والإجراءات الأخيرة ضد البنوك من الجانبين" لم يحدد ما يقصد بالأخيرة وتاريخ تلك الإجراءات. فإذا استثنينا أنه لا يقصد توحيد البنك، فهل يقصد منذ 2019 عندما أعلن الحوثيون وقف التعامل بالعملة المطبوعة بعد 2016، أم في 2023 عندما أقر الحوثيون قانون المعاملات الربوية، أو في فبراير/شباط2024 عندما أعلن البنك المركزي في عدن إجراءاته بشأن تنظيم القطاع المالي والمصرفي.
  • "التوقف مستقبلاً عن أي إجراءات مماثلة" عبارة مفتوحة غير محددة بالإجراءات فقد يقدم أي طرف على إجراءات تنظيميه يمكن اعتبارها تناقض الاتفاق حتى لو كانت بسيطة.
  • "استئناف طيران اليمنية للرحلات بين صنعاء والأردن وزيادة عدد رحلاتها إلى ثلاث يوميا، وتسيير رحلات إلى القاهره والهند يومياً او بحسب الحاجة " لا توجد أي إشارة لطائرات أربع احتجزها الحوثيون في مطار صنعاء وهل تكون الرحلات على متن الطائرات هذه أم على ما تبقى من طائرات اليمنية؟
  •  "البدء في عقد اجتماعات لمناقشة كافة القضايا الاقتصادية والانسانية بناء على خارطة الطريق " تفترض هذه الفقرة أن "خارطة الطريق" متفق عليها وتم توقيعها من الطرفين! في مطلع يوليو/تموز كان وزير الخارجية السعودي قد قال إن "الخارطة جاهزة ونتمنى التوقيع عليه
  •  

السعودية تريد نهاية لحرب اليمن

أيد مجلس القيادة الرئاسي اليمني قرارات محافظ البنك المركزي أحمد غالب، وخرجت تظاهرات مؤيدة للقرارات، لكن وجهت للسعودية اتهامات بالضغط على حلفائها، خلافا لتصريحات رسمية معلنة وغير معلنة بعدم وجود ضغوط سعودية، وقال مصدر في الحكومة اليمنية للباحث " إن القرارات الأخيرة اتخذها البنك المركزي دون علم مجلس القيادة الرئاسي الذي يحرص على عدم اتخاذ قرارات تضر بوضع الناس اقتصاديا".

تسعى السعودية منذ فترة طويلة إلى إنهاء حرب اليمن، وإعطاء الضوء الأخضر لإجراء مفاوضات مباشرة مع الحوثيين ولا تريد المغامرة بالعودة إلى الحرب مجدداً. إذ تركز المملكة التي قادت التحالف الداعم للحكومة المعترف بها دولياً لمدة ثمان سنوات إلى التحوّل لوسيط ينهي الحرب والتخلص من تبعاتها. لذلك خلال العامين الماضيين كان هناك تفاوض مع الحوثيين حتى نهاية العام الماضي عندما توصلوا إلى "خارطة الطريق" أُبلغ على أساسها الأمم المتحدة، ولم تشارك فيها الحكومة المعترف بها دولياً.

تواجه السعودية خيارات صعبة بالنظر إلى القفزة الكبيرة في قدرات الحوثيين العسكرية منذ عام 2015 بسبب المساعدة الإيرانية في الأسلحة المتقدمة، كان ذلك أكثر وضوحاً قبل أيام من توقيع "اتفاق خفض التصعيد" عندما أرسل الحوثيون طائرة بدون طيار على بعد حوالي 2000 كيلومتر (1،242 ميلا) من اليمن إلى قلب تل أبيب. لا يريد السعوديون مواجهة جديدة مع الحوثيين وإيران في وضع مضطرب للغاية مع فقدان الثقة بالقيادة الأمريكية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي والرافضة توقيع اتفاقية دفاع مشترك كالتي حدثت مع اليابان.

ولا يريد السعوديون تطبيق خارطة الطريق في ظل إدارة أمريكية يتوقع أن يصبح دونالد ترامب رئيسها بعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني القادم، فمن الصعب للغاية التنبؤ بالشكل الذي ستبدو عليه سياسة ترامب تجاه إيران وأدواتها في المنطقة. وعلى الرغم من أن قرار المضي قُدماً بدون رضى الأمريكيين ويتصادم مع إجراءاتهم لتجفيف إيرادات الحوثيين إلا أنها لن تكون المرة الأولى للسعودية التي أجرت العامين الماضيين تحولاً في سياستها الخارجية، من مواقف المملكة في أوبك والموقف من الحرب الروسية في أوكرانيا، أو بشأن علاقتهم مع إيران، وعلاقتهم مع الصين وروسيا.

تبدو الأوضاع الجيوسياسية العالمية مضطربة للغاية؛ فهناك حرب تجارية مستمرة قد تزداد سوءًا إذا أعيد انتخاب ترامب. وقد يدخل الحوثيون في قلب هذا الاضطراب المتزايد إذا ما قررت روسيا دعمهم بالصواريخ المتقدمة، وسبق أن منعت السعودية خطط فلاديمير بوتين إرسال أسلحة للجماعة. وقد يخلف هذا كل أنواع التداعيات على منطقة الخليج. ويرى السياسيون السعوديون والخليجيون إلى أن الحوثيين وإيران موجودون في المنطقة ويجب التفاهم معهم.

يوجد في الخليج تصور لفشل الردع الأمريكي في التعامل مع إيران والحوثيين في الهجمات على منشآت النفط السعودية عام 2019، وأبوظبي 2021. كما أن هناك تصور لفشل الولايات المتحدة والغرب في التعامل مع الحوثيين في هجمات البحر الأحمر. ولذلك عليهم الحد من التهديدات الأمنية التي يمكن أن تواجهم في هذا السياق الجيوسياسي والجيواقتصادي المتغير، فيما يشبه الحصول على بوليصة تأمين بإخماد التهديدات المجاورة وبناء علاقات جيدة مع روسيا والصين.

 

التأثير على ميزان القوى

يكشف اتفاق "خفض التصعيد" الفارق بين الأولويات الخارجية والحكومة المعترف بها دولياً، إذ أن السعودية اتهمت بإجبار حلفائها التراجع عن إجراءات تخص "السيادة اليمنية " وسيادة المركز المالي اليمني. وقالت التقارير إن المملكة متخوفة من خطوة تنفيذ التحركات الاقتصادية ضد الحوثيين، فقد يجلب ذلك حربا على الحكومة وتكون بمفردها.

ومنذ وقف تصدير النفط تعتمد الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي على الدعم السعودي لتسيير موازنته التشغيلية؛ وفي فبراير/شباط 2024 أعلنت المملكة عن 250 مليون دولار لدعم مرتبات وأجور ونفقات تشغيل الحكومة المعترف بها دولياً لذلك فإن الحكومة لا تستطيع خوض حرب ضد الحوثيين بدون دعم السعودية.

يكشف الاتفاق نقاط ضعف الحكومة، ونفوذ الحوثيين باستخدام القدرات العسكرية التي اكتسبوها خلال الحرب؛ ويمكن أن نشير إلى بعض مجالات التأثير لهذا الاتفاق على ميزان القوى بين الطرفين.

  • كانت القرارات الاقتصادية ستزيد من تفوق الحكومة على الحوثيين، لكن عدم ذلك قد يقوضها.
  • كان مجلس القيادة بحاجة لاكتساب مشروعية وجوده من خلال استعادة ثقة اليمنيين والقرارات كانت مدخلا لذلك.
  •  يوسع الاتفاق الانقسامات داخل المعسكر المناوئ للحوثيين، وقد تؤدي إلى معارك لفرض طرف واحد يسيطر على القرار في ظل فقدان مجلس القيادة ورقة من أوراقه التي يمكنها الضغط على العدو المشترك.
  • سبب اتفاق خفض التصعيد خلافا داخل التحالف العربي، فقد غابت الإمارات عن الاتفاق وبعد أكثر من 24 ساعة على إعلانه أصدرت بياناً صغيراً يبارك الاتفاق متجنباً الحديث عن الوساطة السعودية. كانت أبوظبي غائبة عن مشاورات الحوثيين والسعوديين حول "خارطة الطريق" وعبرت مراراً للدبلوماسيين الغربيين والأمم المتحدة عدم رضاها عن التجاهل.
  • يقوض الاتفاق استقلالية البنك المركزي كسلطة نقدية –كان هذا هو مبرر الحكومة لنقله إلى عدن في 2016- ويصبح البنك المركزي محلياً غير ذي مصداقية للبنوك ومنشآت الصرافة ما يقوض عمله التنظيمي، ويدفع اقتصاد الحرب للعمل بشكل أكبر بعيداً عن مخاوفهم بشأن البنك المركزي. يزيد ذلك من رصيد البنك المركزي في صنعاء الذي يديره الحوثيون بامتلاكه السلطة لتنفيذ تهديداته سيئة السمعة.
  •  يمنح الاتفاق جماعة الحوثي القدرة على التحكم بالمركز المالي والقانوني لليمن خارجياً. يقوض الاتفاق الاعتراف الدولي بالبنك المركزي اليمني كجهة وحيدة شرعية تمثل اليمن. كما يمنح اتفاق رحلات الطيران من مطار صنعاء إلى وجهات دولية جديدة بجوازات صادرة من الحوثيين اعترافاً قانونياً.
  • أراد المجلس الرئاسي الذي استبعد من مفاوضات "خارطة الطريق" إلى الاستفادة من الضغوط الدولية على الحوثيين ومحاولة عزلهم مالياً للحصول على تنازلات تخصهم في خارطة الطريق؛ لكنه وجد نفسه تحت ضغط التزامه بهدف تأسيسه "التوصل لاتفاق مع أنصار الله (الحوثيين)" وفق قرار إعلانه في ابريل/نيسان 2022م.
  • منذ اللحظة الأولى لدفع محافظ البنك المركزي في عدن إجراءاته للنظام المالي في البلاد اتهم الحوثيون الولايات المتحدة بالوقوف وراءها وبدء "حرب اقتصادية" على الجماعة والضغط على السعوديين لتنفيذها، بسبب موقفها من الحرب الوحشية الإسرائيلية على قطاع غزة، يقدم ذلك شكل التكتكيات التي سيستخدمها الحوثيون في تبرير حروبهم وحملاتهم ضد خصومهم. وتحت هذه المبررات وغيرها قد يندفع الحوثيون للسيطرة على حقول النفط والغاز شرقي اليمن من يد خصومهم.
  • بالنظر إلى اتفاق ستوكهولم 2018 فهذه المرة الثانية التي تُثنى فيه الحكومة اليمنية عن التصعيد ومحاولتها إعادة التوازن في القوة في اليمن مع الحوثيين. بالمقابل لم ينجح المجتمع الدولي في انتزاع تنازلات مماثلة من الحوثيين. وهو ما أدى إلى اختلال كبير في ميزان القوة بين الجانبيين لصالح الحوثيين.
  • الاتفاق بمثابة تذكير في كيفية استخدام الحوثيين لتهديداتهم كرافعة سياسية. يشكل ذلك تكتيكات الحوثيين في المرحلة القادمة.
  • تحصين الحوثيين من العزلة المالية التي أراد الأمريكيون الوصول إليها مع الجماعة. وإذا ما أرادت الولايات المتحدة الإبقاء على خططها لعزل الحوثيين عن النظام المالي العالمي ستندفع إلى تسريع نواياها تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية بشكل كامل.
  • هدفت إجراءات محافظ البنك أحمد غالب إلى حماية النظام المالي في اليمن، خاصة بعد إعادة تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية عالمية في يناير/كانون الثاني. بعد الاتفاق الأخير يجعل من الإجراءات المرتبطة بالحوثيين أو ما يدور في الاشتباه عن ارتباط بمالية الحوثيين كجزء من العقوبات المالية الدولية، خاصة إذا ما قررت الإدارة الأمريكية تصنيف الحوثييين كمنظمة إرهابية بمستوى تنظيم القاعدة.

 

آفاق خارطة الطريق ومراحلها:

يظهر لنا اتفاق "خفض التصعيد" وتأثر ميزان القوى بشكل كبير لصالح الحوثيين شكل اتفاق "خارطة الطريق" التي من المتوقع أن ترعاها الأمم المتحدة. وهو بطبيعة الحال يكشف وضع الطرفين بعد سنوات الحرب المستمرة منذ 2014م، حكومة مكونة من معظم الأحزاب والكيانات السياسية والاجتماعية ضعيفة لا تمتلك سيادة لقراراتها للمحافظة على المركزين المالي والقانوني لشرعيتها. وجماعة الحوثي المسلحة التي تظهر نفسها كقوة واحدة تسعى للخروج من كونها قوة محلية إلى قوة إقليمية تنازع الدول الكبرى في قضايا المنطقة في عالم جيوسياسي مضطرب للغاية.

وعلى الرغم من كون خارطة الطريق غير معلنة، ولا يعرف مدى التعديلات التي جرى عليها أو توقيعها من قِبل الحوثيين والحكومة اليمنية. إلا أن التقارير تحدثت نهاية العام الماضي أنها مكونة من أربعة مراحل:

 

المرحلة الأولى، مرحلة بناء الثقة: تتضمن:

▪️ و️قف العمليات العسكرية بشكل كامل في الداخل اليمني والهجمات العابرة للحدود.

▪️ فتح المطارات خاصة مطار صنعاء بشكل كامل.

▪️ رفع كامل للقيود عن الموانئ أمام حركة الملاحة البحرية.

▪️ فتح كافة الطرقات والمعابر في عموم محافظات البلاد.

▪️ صرف مرتبات الموظفين في القطاع العام (مدنيين وعسكريين) على أن يتم تغطية ذلك من قبل السعودية كمرحلة أولى مزمنة، ثم يتم تغطية المرتبات من صادرات النفط والغاز.

▪️ إطلاق سراح كافة الاسرى والمعتقلين تحت قاعدة (الكل مقابل الكل).

 ▪️ توحيد البنك المركزي اليمني".

 

المرحلة الثانية، العملية السياسية والقوات: تتضمن:

 ▪️ إطلاق عملية سياسية يمنية شاملة تحت إشراف الأمم المتحدة وبمشاركة كافة الأطراف.

 ▪️ مع بدء العملية السياسية تبدأ القوات الأجنبية بالانسحاب من اليمن خلال فترة عام.

 ▪️ مناقشة الأطراف اليمنية وضع القوات العسكرية والامنية، على أن يتم تحديد نوع وشكل وقوام القوات التي يمكن لكل طرف الاحتفاظ بها مؤقتا".

 

المرحلة الثالثة، تتضمن التفاوض على شكل الدولة والتركيز على القضية الجنوبية

 

خاتمة:

تمثل هذه الخارطة حلاً لوقف الحرب، لكنها لا تمثل تطلعات اليمنيين لمستقبل الدولة، وتؤجل الحروب في المستقبل بوجود نظام مالي يمني مختل مثير للقلق والمتاعب مع اقتصادات العالم. وستوجه "خارطة الطريق" -كما اتفاق "خفض التصعيد" وقبله اتفاق استوكهولم 2018- بما يخدم رؤية وطموح الحوثيين. والمشاورات التي ستحدث عقب ذلك هي مارثون لتنفيذ تطلعات الجماعة المسلحة. مع ذلك سينقض الحوثيون هذا الاتفاق فهم لا يريدون الشراكة في السلطة، وسبق أن أكد قائد حوثي أن "جماعته لا تعترف بمجلس القيادة الرئاسي".

لذلك فإن تحييد السعودية عن الطريق هو أحد أهداف جماعة الحوثي الاستراتيجية قبل البدء بخطوتهم التالية الاستيلاء على كل المحافظات، وستكون البداية من المحافظات النفطية.

منذ بداية الهدنة فقد أعاد الحوثيون تمركزهم وقاموا بتجنيد مقاتلين وكل ذلك يريدون التصعيد للسيطرة على كل اليمن. بالنسبة للحوثيين فالبقاء في حالة حرب هي استراتيجية بقاء، والسيطرة على كل الجغرافيا اليمنية هو طموح، لتحقيق هدف أكبر بأن تكون الجماعة قوة إقليمية مؤثرة تنازع السعودية.

نشر :