الصعود الإقليمي للحوثيين بعد حزب الله

جيوبولتك | 19 أكتوبر 2024 23:48
الصعود الإقليمي للحوثيين بعد حزب الله

 

 

مقدمة:

اقتربت منطقة الشرق الأوسط من حرب إقليمية، مع تكثيف إسرائيل حملتها ضد حزب الله في لبنان، والرد الإيراني على إسرائيل بعد اغتيال شخصيات بارزة في عاصمتها طهران وفي العاصمة اللبنانية بيروت.

وفي الأيام التي تلت ذلك سارع المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن إلى إظهار أنهم لاعب مهم في صراعات الشرق الأوسط المعقدة بعد أن كان تركيزهم على الاهتمامات المحلية داخل اليمن.

أدى اغتيال حسن نصر الله، قائد حزب الله، إلى فراغ في قيادة محور المقاومة، مما أتاح للحوثيين تعزيز دورهم، مع أن التغيير في القيادة قد يغير الديناميكيات السياسية في المنطقة.

قدم الحوثيون أنفسهم بكفاءة لمحور إيران خلال الحرب وزادوا من قدرات تسليحهم في وقت لاتزال المعلومات الغربية حول قدراتهم وتحركاتهم محدودة، مما يعوق الفهم الكامل لقوتهم.

تحتاج إيران إلى بديل لحسن نصر الله، ويقدم الحوثيون زعيمهم بديلاً واقعياً، معززين ثقتهم بإنجازاتهم في البحر الأحمر، وقدراتهم في جغرافية اليمن المعقدة، ومخزون الأسلحة بالذات الصواريخ والدرونز، والطرق السالكة لتهريب الأسلحة القادمة من إيران، والجزر المتناثرة التي تحولت إلى مخازن ضخمة وخطوط متقدمة في معركة البحر الأحمر، إضافة إلى علاقتهم المتزايدة مع ميليشياتها في العراق وسوريا، وإمكانية توسيع دائرة علاقتهم الخارجية بالتواصل مع روسيا والصين في ظل الإستقطابات الإقليمية والدولية.

تناقش هذه الورقة فرصة الحوثيين في الصعود الإقليمي على رأس قيادة المحور الإيراني بدلا عن حزب الله الذي تعرض للإضعاف والتفكيك، وانعكاس ذلك على التغيرات الديناميكية في صراع الشرق الأوسط.

 

الهيمنة والطموح العابر للحدود:

منذ الأيام التي تلت هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول2023 على إسرائيل، أظهر الحوثيون قدرتهم على استخدام الجغرافيا لفرض هيمنتهم وتعطيل حركة التجارة العالمية، وتمكنوا بالفعل من النجاح، حيث شهدت التجارة في البحر الأحمر- التي كانت تمثل 10٪ من التجارة البحرية العالمية- تراجعاً تاريخيا، إذ انخفض إجمالي عبور السفن في البحر الأحمر بنسبة 56٪ على أساس سنوي[1]، وأعلن زعيم الحوثيين، مؤخراً عن حصيلة العام الماضي من الهجمات في البحر الأحمر، استهداف 193 سفينة، وإطلاق أكثر من 1000 صاروخ وطائرة بدون طيار، وقُتل في الهجمات البحرية 4 بحارة على الأقل في الهجمات، وأُغرقت ثلاث سفن، واختطفت واحدة.

ولم تكن هجمات الحوثيين ضد إسرائيل كثيرة، حيث كانت أكثر عدداً في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، مع خمس هجمات في ذلك الشهر، بعد ذلك، بلغ متوسط الهجمات المباشرة التي تبناها الحوثيون على إسرائيل ثلاث هجمات فقط شهريا من ديسمبر/كانون الأول 2023 وحتى أغسطس/آب 2024م، ويعتقد أن 37% (10 من أصل 27 هجوماً) كان مصدره العراق[2].

كان هجوم يوليو/تموز على تل أبيب بطائرات مسيّرة وأوقع قتيلاً إسرائيلياً هو الأكثر تأثيراً، إلى جانب صاروخ باليستي آخر وقع على بعد 100 متر من السفارة الأمريكية في "تل أبيب".

واصل الحوثيون هجماتهم على ممرات الشحن الدولي وإسرائيل خلال العام الأول من الحرب، مستفيدين من تحركهم كجماعة عنف قادرة على الحشد، وخط الإمداد المنتظم من إيران بالأسلحة والخبراء، وتبعاً لذلك طورت الجماعة تكتيكات الهجمات البحرية، على سبيل المثال: كثف الحوثيون استخدام الطائرات بدون طيار لاستهداف السفن، وباتوا يستخدمون منصات إطلاق متحركة قريبة من الأهداف، كما طوروا أساليب الهجمات المركبة لتتضمن صواريخ وطائرات مسيّرة بجانب قوارب انتحارية يتم التحكم بها عن بعد، في آن واحد، مما يصعب على السفن الدفاع عن نفسها.

دأب الحوثيون على استخدام نظام التتبع لمعرفة حركة السفن، وساعدهم ذلك على تحديد الأهداف بدقة أكبر، وركزوا جهودهم لتصوير العمليات الكبيرة لتأكيد الاستهدافات.

لم يتجاهل الحوثيون الحرب النفسية بنشر المعلومات المضللة حول قدراتهم باستهداف السفن إلى البحر الأبيض المتوسط أو تدمير جزء من حاملة الطائرات الأمريكية، مما خلق انطباعاً لشركات الشحن أنهم قادرون على الوصول، وأثر ذلك سلباً على صورة خصومهم الدوليين، ولهذا أهمية بالغة في سياق صراع يتمحور حول تحقيق النصر الإستراتيجي أكثر من كونه مرتبطاً بالمكاسب العسكرية الملموسة.

وتبعاً ذلك قدم الحوثيون أنفسهم طرفاً كبيراً داخل محور المقاومة، وتعاونت الجماعة المسلحة مع فصائل أخرى في محور المقاومة، مثل الفصائل العراقية التي أعلن عن تحالف استراتيجي معها في النصف الأول من عام الحرب، والوجود الحوثي في سوريا، في تأكيد أنه أصبح قوة إقليمية جديرة بالثقة.

وبقدر ما تعكس تطورات العام الماضي قدرة الحوثيين على التكيف واللامركزية في ظل الظروف المتغيرة لساحة المعركة، إلا أنها تكشف نزعة وطموح الحركة أن تصبح قوة إقليمية ذات تأثير أوسع على سياسات المنطقة، إذ ترى الجماعة أن حالة المتغيّرات الدولية ونظام دولي جديد من قطبين هو الفرصة المناسبة لترسيخ نفسها كحاكم مطلق لليمن، ومؤثر في سياسات المنطقة إلى جانب إيران -القوة الإقليمية- وروسيا والصين القوتان الدوليتان في مجلس الأمن التي من مصلحتهما إغراق الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بشكل أكبر.

 

الفشل الدولي في تحجيم الحوثيين:

نقلت الولايات المتحدة والدول الغربية أصولاً عسكرية في المنطقة -دون مشاركة من دول الإقليم- للرد على هجمات الحوثيين، أعلن عن ثلاث عمليات عسكرية: "حارس الرخاء" في ديسمبر/كانون الأول2023 بقيادة الولايات المتحدة ودول أخرى، وعملية بوسيدون آرتشر (Poseidon Archer) تشارك فيها الولايات المتحدة وبريطانيا وحدهما منذ 12 يناير/كانون الثاني2024 حيث تشن غارات على مخازن الأسلحة ومنصات الإطلاق في البر اليمني، وتسبب بمقتل 82 و340 مصاباً-حسب إعلان الحوثيين[3]، وعملية أسبيدس (ASPIDES)، التابعة للاتحاد الأوروبي وبدأت مهمتها في فبراير/شباط وتقتصر مهمتها في حماية السفن من الهجمات البحرية.

وانفردت إسرائيل بشن هجمات على محافظة الحديدة، الأولى في يوليو/تموز استهدفت منشآت تخزين النفط في ميناء الحديدة، ووسعت الهجمات الثانية في سبتمبر/أيلول باستهداف منشآت النفط في مينائي الحديدة ورأس عيسى، ومحطات الطاقة الكهربائية[4]، وتشير الهجمات الإسرائيلية إلى فقدان ثقة حكومة نتنياهو بالهجمات الأمريكية-البريطانية على مناطق الحوثيين .

ولم تنجح الاستراتيجية الغربية في البحر الأحمر التي كانت تعتمد على "الردع" و "التحطيم" و "التدمير" لإضعاف قدرات الحوثيين، وكان هناك عيوب في الاستراتيجية الغربية تتمثل في: عدم مشاركة أصحاب المصلحة الرئيسيين (المحليين والدوليين)، وتفكك وضعف التحالف الغربي، وسوء التقدير للتهديد الحوثي، وافتقار الاستراتيجية والبعد السياسي[5]

 

قيادة محور إيران:

منذ السابع من أكتوبر 2023 تأريخ هجوم حماس على المستوطنات الإسرائيلية في عملية معقدة تعرف بـ(طوفان الأقصى)، قررت جماعة الحوثي في اليمن الإنتقال من جماعة متمردة وانقلابية على الحكومة إلى قوة مهددة للأمن الإقليمي والدولي، مستغلة تعاطف الشعوب العربية مع غزة التي تعرضت لحرب إبادة إسرائيلية.

فقد شكل انخراط الحوثيين في الصراع الإقليمي ركيزة أساسية لمصالح إيران في المنطقة، خاصة وأن الجماعة استثمرت حروبها على الداخل اليمني (2004-2023)، في تطوير قدراتها العسكرية، وحصلت على دعم إيراني لا محدود مكنها من الحصول على مسيرات وصواريخ استخدمتها في هجمات عابرة للحدود.

شكلت حرب إسرائيل على غزة فرصة للحوثيين لإبراز جماعتهم كقوة إقليمية، من خلال شن هجمات على السفن في البحر الأحمر، وهجمات على إسرائيل، ما رسخ وجودهم في "محور المقاومة" وجعلهم عضواً مهماً في المحور التابع لإيران، الذي يتألف من مجموعات مسلحة متمركزة في لبنان والعراق واليمن وسوريا، وكلها – بشكل أو بآخر أو آخر – مدعومة من إيران وتدعي الحرب مع إسرائيل والولايات المتحدة.

استشعرت إيران مبكراً أهمية الاستثمار في الحوثيين كجماعة مسلحة على الحدود الجنوبية من المملكة العربية السعودية، وترى أن إغلاق الحوثيين للبحر الأحمر في وجه السفن، هي الأرباح التمهيدية لتلك الاستثمارات، لتحقيق جزءاً مهما من استراتيجيتها، التي ظلت ردهاً من الزمن عبارة عن تهديد ووعيد، بإغلاق باب المندب.

طوال عقود كان حزب الله اللبناني وأمينه العام حسن نصر الله هو الذي يتزعم محور المقاومة في الوطن العربي، لكن بعد ضربة تلقاها الحزب في حادثة ما يعرف ( هجوم البيجرات) في أيلول/سبتمبر الماضي التي حيدت آلاف من قيادات الحزب، وضربت منظومة اتصالاته، بدا الحزب مخترقا، ما جعل فرص استهداف قياداته في الصف الأول والثاني متاحة، الأمر الذي جعل الإسرائيليين يصلون إلى نصر الله واغتياله مع كبار القيادات العسكرية والأمنية للحزب.

وباغتيال نصر الله وضعف الحزب، برزت جماعة الحوثي وزعيمها عبدالملك الحوثي كبديل متوقع لقيادة المحور الإيراني في المنطقة، مع طموح للحوثيين التأثير في سياسات الشرق الأوسط مستقبلاً.

كانت القيادة في حزب الله تشكل حجر الزاوية للسياسات الإيرانية في المنطقة، ويبدو أن الخارطة الإيرانية داخل المحور تتعرض لتغيّرات جذرية.

 

الدور الجديد للحوثيين

خلال العام الماضي، أنشأ الحوثيون لأنفسهم دوراً أكبر ضمن "محور المقاومة" المدعوم من إيران لكنهم لم يكونوا ليتجاوزوا أهمية حزب الله اللبناني.

يخلق مقتل "حسن نصر الله" وتراجع قوة الحزب فجوة كبيرة للغاية داخل المحور، إذ لطالما كان الحزب أقرب حليف لإيران ومحور استراتيجية "الدفاع الأمامي" الإيرانية لعقود من الزمان، وكان حزب الله محور هذه الاستراتيجية بترسانة ضخمة من الصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار على الحدود الشمالية للاحتلال الإسرائيلي، وخاض حرباً لصالح النظام السوري استمرت عقد ونيف، ولطالما كان الحزب حلقة الوصل الأولى بين إيران ومعظم حركات المحور إذ قام بتدريب وتسليح معظم الحركات في اليمن والعراق وسوريا وفلسطين، وحتى مع تغيير قائد جديد للحزب فإن غياب حسن نصر الله الذي يملك هالة مميزة كقائد إقليمي للمحور، يرى عبدالملك الحوثي نفسه بديلاً مثالياً لطالما ركز بشكل كامل على تقمص شخصية "حسن نصر الله" طوال قيادته للحركة.

وبتضرر حزب الله بفعل الحرب الحالية ستكون إيران بحاجة لإعادة قراءة فعالية استراتيجية "الدفاع الأمامي" التي كان الهدف منها الدفاع عن إيران خارج الحدود ومنع تعرضها للضربات أو الحرب والتي تبدو أقرب إليها اليوم، مما كانت عليه قبل اغتيال "حسن نصر الله".

يبدو في الأمد القريب ستحتاج إيران إلى بديل تعتمد عليه ليكون محور الاستراتيجية حتى يعيد حزب الله إعادة تشكيل نفسه، وتجنب الانهيار داخل البنية السياسية في لبنان، لذلك قد تعتمد على الحوثيين في اليمن ليكون بديلاً للحزب داخل المحور ويعود ذلك إلى عدة ميزات عن باقي محور المقاومة مثل:

 

* المغامرة لتحقيق المشروع :

برهن الحوثيون على مغامرتهم في الأعمال المسلحة دون اعتبار للقوانين الدولية والمجتمع الدولي وحقوق الإنسان، في سبيل تحقيق أهداف المشروع الإيراني، واعتمدوا على كفاءتهم داخل محور المقاومة في تنفيذ عمليات معقدة صاروخية وهجمات ضد دول الخليج والولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، مع ترسانة كبيرة من الأسلحة، وتدريب واسع لمقاتليهم، وتحكمهم بالسلطة الكاملة في مناطق سيطرتهم، وأثبت الحوثيون القدرة على التكيف إذ خاضوا الكثير من الحروب منذ 2004، كانوا يهربون فيها من أي تداعيات إلى دبلوماسية تحقق لهم أهداف الحرب.

* ليس لهم التزامات: الحوثيون ذو "عتبة ألم عالية" ولا يخافون التصعيد حتى إلى حرب عالمية[6]، لا يخشون العواقب، ما يمنحهم ميزة في الصراعات الإقليمية التي تثير قلق الدول؛ ولا يملكون التزاماً تجاه اليمنيين في مناطق سيطرتهم فلا توجد نفقات تشغيليه لسلطتهم، والمجتمع الذي تحت سيطرتهم في حالة فقر وبلا رواتب.

 

* الموقع الجغرافي لليمن:

إمكانية إيران التحكم بمضيق باب المندب حيث يسيطر الحوثيون على المناطق شمال وغرب البلاد، وقدرتهم إحداث شلل للتجارة العالمية في حال إغلاق البحر الأحمر. تمنح أنفاق تحت الأرض للجماعة القدرة على بناء ترسانة الأسلحة بشكل متخفي، كما أن تضاريس اليمن تجعل هناك صعوبات، بل يحتاج أي هجوم بري ضد الجماعة لتكتيكات معقدة، خاصة في حال عدم مشاركة المجتمعات المحلية، كما يجعل هناك صعوبات في الحسم عبر الضربات الجوية، فبعض قواعدهم مخفية في الجبال.

 

* توسيع النفوذ الإقليمي لإيران:

تمثل علاقة الحوثيين الشراكة الاستراتيجية مع مليشيات العراق وبعض الميليشيات في سوريا عنصرًا مهمًا في أنشطة الحوثيين المستقبلية بالمنطقة، وفي ضوء علاقتهم بطهران فإن هناك احتمال أن يلعب الحوثيون دوراً في توسيع نفوذ إيران الإقليمي وإبقاء سيطرتها على الميليشيات الحالية.

 

* شبكة التهديد الإيرانية:

تبين خلال عام الحرب الماضي أن مناطق الحوثيين في ظل حكمهم، أصبحت مكاناً مثالياً لشبكة التهديد الإيراني يمكن أن تشن منه هجمات على إسرائيل والقوات الأمريكية والغربية الموجودة في المنطقة، قد لا يجرؤ النظام الإيراني نفسه على شنها، في الوقت الحاضر، استخدم الحوثيون سمعة الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت كأداة لجذب الانتباه، ولكن في المستقبل، يمكن أن يكون اليمن موقعا مثاليا لمثل هذه الأسلحة بالنظر إلى موقعها الجغرافي وقدرتها المثبتة على إخفاء مواقع الإطلاق داخل تضاريسها الوعرة[7].

كما أن علاقة الحوثيين التي يتم تعزيزها في العراق يمكنها أن تجعل تأثير الجماعة أكبر على الحدود الشمالية للسعودية، وعلى القواعد الأمريكية هناك، ففي يونيو/حزيران قُتل قائد عسكري كبير للحوثيين بغارة أمريكية في العراق إلى جانب قادة في ميليشيا عراقية تمولها إيران[8].

هذه العوامل مجتمعة ساهمت في تعزيز قوة الحوثيين وفاعليتهم في محور المقاومة، وتدفع إيران لاصطفائها كبديل لحزب الله في الإقليم، وبصفتها جماعة مسلحة تسعى لتحقيق أهداف دينية مرتبطة بالإمامة في المذهب الزيدي عابرة للحدود، وسياسية داخلية، من الممكن أن يلعب الحوثيون دورًا أكبر في المشهد الإقليمي في المستقبل القريب، لكن على المدى المتوسط والأبعد ستفكر إيران في بدائل للإستراتيجية الحالية، خاصة إذا واجه حزب الله صعوبة في إعادة بناء نفسه[9].

 ومن بين الخيارات المتاحة إنتاج الأسلحة النووية، وبحلول منتصف عام 2025، قد تتمكن إيران من إنتاج ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لتشغيل قنبلة نووية واحدة في غضون أسبوع أو أسبوعين فقط، وسوف تحتاج طهران إلى عدة أشهر أو أكثر من عام لتجميع رأس حربي وربطه بنظام توصيل، مثل الصواريخ الباليستية.

 

تأثير صعود الحوثيين على ديناميكيات الحرب:

إن فشل القوى الغربية في ردع هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، والتوقعات بدور أكبر للجماعة في الشرق الأوسط سيدفعها إلى خيارات أخرى ليست مؤثرة على الحوثيين وحدهم، بل يغيّر ديناميكيات السياسة والأمن داخل جماعة الحوثي واليمن والإقليم، ومن هذا التأثيرات:

       

 - استراتيجية الاغتيالات:

على الرغم من معارضة إدارة بايدن لشن هجمات لاغتيال قادة الحوثيين، إلا أن المتغيّرات الحالية قد تدفعها إلى تغيير ذلك، إذا لم يقم الاحتلال الإسرائيلي بهذا الدور، فدائماً ما يناقش المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون نجاعة الاغتيالات التي استهدفت قيادة حزب الله في كبح جماح الحزب وأثرت على القيادة والسيطرة، لذلك يمكن أن يندفع الأمريكيون والإسرائيليون إلى هذا النوع من الاستراتيجية.

ظل الحوثيون بعيداً عن التدقيق الغربي بسبب اهتماماتهم المحلية لكن المتغيّرات في البحر الأحمر ستؤثر مع الوقت على التجارة العالمية، كما أنها مصدر إلهام لعديد من حركات التمرد، وستتحول لاحقاً إلى استراتيجية مؤثرة على البلدان، ويتخوف صناع القرار في دول المنطقة أن تحوّل الهجمات البحرية إلى إلهام للمتمردين ما يؤثر بشكل مباشر على أمنها القومي.

إن اغتيال قادة الحوثيين يدخل الجماعة في فراغ قيادي يختلف بشكل كبير عن حزب الله، إذ أن تأثيرها على الحركة أكبر، حيث إن حالة حرب الجماعة مع اليمنيين قد ولد انتقاما قد يؤدي إلى حالة حرب داخلية بينهم وبين الشعب اليمني، فنظرياً لا يوجد بديل مباشر لزعيم الحوثيين "عبدالملك الحوثي".

 

- الاقتصاد والبنية التحتية اليمنية:

سببت هجمات الحوثيين بالفعل تأثيراً على الاقتصاد اليمني، من ارتفاع التأمين على سفن الشحن إلى الموانئ اليمنية إلى العلاقة المشبوهة للاقتصاد بالحوثيين، حيث أن تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية -بشكل خاص- من قِبل إدارة بايدن يجعل من تعامل منظمات الإغاثة الدولية والمؤسسات التجارية في مناطق الحوثيين أقرب إلى الاشتباه بارتباطها بـ"الإرهاب" ما يعيق تعاونها الخارجي ويدفعها لتقليص عملياتها في اليمن.

نفذت إسرائيل هجوما على ميناء الحديدة بطريقة درامية بمسار كبير وواضح وأهداف معروفة بقصف الميناء الحيوي المسؤول عن 78% من دخول احتياجات اليمن التي تعتمد على الواردات. وكان من الواضح أن الاحتلال وسع من هجماته في الجولة الثانية أكثر من الهجوم الأول لتشمل ميناء وأهداف بنية تحتية جديدة، وهي ليست رسالة لليمنيين وحدهم، بل لدول المنطقة، عقب الحملة الأولى في يوليو/تموز قال نتنياهو إن على الشرق الأوسط أن يشاهد الحرائق في الحديدة، متوعداً الحوثيين بهجمات أكبر.

بعد الهجوم الأول على الحديدة، أعلن زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي عن بدء مرحلة عسكرية جديدة ضد إسرائيل أطلق عليها اسم ‘المرحلة الخامسة” وتوعد بالانتقام، وهو ما يعني استمراراً لتبادل الضربات.

 

        - السلام في اليمن:

ساهمت هجمات الحوثيين بالفعل في تأجيل الحديث عن السلام في اليمن. يسعى الأمريكيون والغربيون فرض وقف إطلاق النار في البحر الأحمر ضمن خطط السلام في اليمن، وهو ما تسبب في عرقلة خارطة طريق غامضة تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن.

في الوقت ذاته يرى الحوثيون أن ما حققوه من مكاسب بتحويل البحر الأحمر إلى رافعة سياسية يجعل من خارطة الطريق تجاوزها الزمن، ويبحثون عن مزيد من المكاسب للسيطرة على كل اليمن واقصاء خصومهم من أي شراكة في مستقبله القريب.

يريد الحوثيون دفع الولايات المتحدة والغرب إلى تقديم عرض يوازي القبول بهم كسلطة شرعية تمثل اليمن، إلى جانب اعتبارات أخرى متعلقة بصورتهم المحلية والإقليمية، ويمكن أن يؤثر مخاوف الحوثيين بشأن استراتيجية الاغتيالات والتعرض لفقدان القيادة والسيطرة كما حدث مع حزب الله أو ضربة قوية لإيران توقف دعمها لمحور المقاومة إلى دفعهم للتفاوض، لكن استراتيجيتهم القائمة ستبقى اليمن كاملاً وتأثيراً طويل الأمد في سياسات المنطقة.

 

         - الأمن الإقليمي:

يرى الحوثيون والإيرانيون أن إسرائيل تتزايد حاجتها للحماية الأمريكية والأوروبية، ويعتقدون أن الوجود الغربي في البحر الأحمر والرد أضعف مما يتوقعونه، وأن ذلك يدلل على شيخوخة الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، ما يعطيهم فرصة لزيادة التأثير في المنطقة.

كان استعراض الحوثيين بالأسلحة الإيرانية في البحر الأحمر وعلى إسرائيل ملفتاً، وبعث برسائله إلى دول المنطقة بقدرتهم على استهداف أمنهم واقتصادهم، وهو أمرٌ يشجع إيران على إبقاء الحوثيين كوقود للمحور خلال فترة قادمة إذا تم تجاوز الوصول إلى الحرب الإقليمية في المعركة الحالية.

مع طول أمد الانتشار الغربي في البحر الأحمر والمياه المحيطة بشبه الجزيرة العربية، قد تندفع قوى مثل روسيا والصين إلى دعم الحوثيين لإشغال الولايات المتحدة وأوروبا بهذه المنطقة الاستراتيجية، في وقت تواجه روسيا مشكلات في أوكرانيا، وتواجه الصين مشكلات في تايوان، وبحر الصين الجنوبي.

وقد بدأت موسكو بالفعل في التفاوض مع الحوثيين لتزويدهم بأسلحة متطورة[10]، كما أن عديد من الخبراء الروس يقدمون المشورة للحوثيين[11]. ومن شأن ذلك أن يؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي لدول شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي بشكل خاص.

 

السيناريوهات المستقبلية التي تواجه طموح الحوثيين:

  • السيناريو الأول

دور أكبر للحوثيين في المنطقة: من الواضح أن دور الحوثيين يتزايد داخل الوسط الإيراني الإقليمي، وفي غياب قيادات بارزة مثل حسن نصر الله، قد يسعى الحوثيون لملء الفراغ في القيادة داخل "محور المقاومة"، مما يزيد من دورهم في الصراعات الإقليمية، وإذا ما أرادت إيران استمرار تأثيرها في قضايا المنطقة فإن نفوذ الحوثيين سيتم تعزيزه سواء من خلال التصعيد المستقبلي أو من خلال علاقتهم التي تستمر في التجذر في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان.

يدعم هذا السيناريو عدة عوامل: منها القدرة العسكرية المتزايدة للحوثيين والتي ستتعاظم مع الدعم الإيراني؛ الجغرافيا اليمنية المؤهلة لاستقطاب وتأهيل وتدريب المقاتلين والجماعات الجديدة، والتنسيق مع الجماعات الإقليمية وعلاقات مفتوحة مع بعض الدول، كما أن الحوثيين أكثر جرأة في اتخاذ القرارات دون اعتبارات لأي ارتدادات على حياة اليمنيين والأمن القومي لليمن والمنطقة.

 

  • السيناريو الثاني:

تصعيد غربي بشراكة إقليمية: ذهاب الغرب إلى تصعيد في عملياته ضد الحوثيين سيكون مؤثراً للحد من قدراتهم، التصعيد الذي يمكن أن يتضمن استهداف القيادة والسيطرة للجماعة، لكن تحقيق هذا الهدف يحتاج تحديث المعلومات الاستخبارية حول قوة وتحركات وتمركز الحوثيين وقادتهم، فلديهم قدرات في التخفي والتمويه واللامركزية، وسيحتاج التحالف الدولي  عملية برية نوعية تكون الجماعات المحلية رأس الحربة فيها، وهذا يحتاج لتوحيدها، لكن من العوائق أن دول الإقليم غير مستعدة للدخول في حرب جديدة مع الحوثيين، بدون استراتيجية واضحة لإنهاء حكمهم.

إن استمرار القصف بدون استراتيجية يحدث أضراراً إنسانية ويؤثر على البنية التحتية، ويخلق تعاطفا مجتمعيا على الرغم من الوضع الاقتصادي المتردي والقمع الوحشي للحوثيين الذي شمل العاملين في المجال الإنساني.

 

  • السيناريو الثالث:

حلول دبلوماسية: يمكن أن يتسبب ذهاب الولايات المتحدة والغرب لإضعاف إيران، وتطوير استراتيجيتهم في مواجهة الحوثيين لتشمل استهداف قادة الحوثيين والتحالف مع الحكومة اليمنية إلى دفع الحوثيين نحو حلول تفاوضية تحفظ كينونة الجماعة.

إن الذهاب إلى حلول دبلوماسية دون ضغط على الحوثيين يمنحهم قدرة أكبر لتحقيق شروطهم القديمة والجديدة لترسيخ وجودهم كممثلين "شرعيين" لليمن بدلاً من الحكومة المعترف بها دولياً ويحقق أهدافهم من دخول حرب البحر الأحمر.

ويعول الحوثيون على دعم من روسيا والصين في مجلس الأمن لتغيير حالة الاصطفاف خلف خصومهم: الحكومة المعترف بها دولياً.

وإذا ما استمر حالة التحشيد الغربي في المنطقة وزاد التدخل الروسي والصيني فيبدو أننا سنكون أمام تغييّر في الاتفاق النادر تجاه القضية اليمنية في مجلس الأمن.

 

[1] Red Sea trade sees historic decline amid rising tensions in Middle East, 8/10/2024, see: 8/108/2024

https://www.aa.com.tr/en/energy/general/red-sea-trade-sees-historic-decline-amid-rising-tensions-in-middle-east/43812

[2]Michael Knights, Amir al-Kaabi, Hamdi Malik, Tracking Anti-U.S. and Anti-Israel Strikes From Iraq and Syria During the Gaza Crisis, 5/8/2024, see8/10/2014  https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/tracking-anti-us-and-anti-israel-strikes-iraq-and-syria-during-gaza-crisis 

[3] السيد القائد: قصفنا العدو بأكثر من ألف صاروخ وطائرة مسيرة واستهدفنا 193 سفينة خلال عام من طوفان الأقصى، نشرت في 6/10/2024 وشوهد في 7/10/2024 على الرابط: https://www.ansarollah.com.ye/archives/723460

[4] يمن مونيتور، هل تقصف إسرائيل صنعاء؟! نشر في 3/10/2024 وشوهد في 7/10/2024 على الرابط: https://www.yemenmonitor.com/Details/ArtMID/908/ArticleID/123340

[5] يمكن الاطلاع على دراسة مركز أبعاد للدراسات والبحوث.. الاستراتيجية الغربية في البحر الأحمر وخيارات الردع https://abaadstudies.org/strategies/topic/60120

[6] Schaer, Cathrin, Yemen's Houthis to play bigger role in Middle East conflict?, 7/10/2024, See: 10/10/2024 https://www.dw.com/en/will-yemens-iran-backed-houthis-play-bigger-role-in-the-middle-east-conflict/a-70428565

[7] Knights, Michael, A Draw Is a Win: The Houthis After One Year of War, (October 2024, Volume 17, Issue 9

https://ctc.westpoint.edu/a-draw-is-a-win-the-houthis-after-one-year-of-war/

[8] Houthi drone expert among those killed in U.S. strike in Iraq, 5/8/2024 , See: 10/10/2024 https://www.washingtonpost.com/national-security/2024/08/05/us-strike-iraq-houthi-drone/

[9] Nada, Garrett, Hassan Nasrallah is dead. What happens next in the Middle East?, 01/10/2024, See 10/10/2024 https://www.usip.org/publications/2024/10/hassan-nasrallah-dead-what-happens-next-middle-east

[10] Valerie Hopkins and Julian E. Barnes, Viktor Bout Is Trying to Sell Weapons to the Houthis, Western Officials Say, 7/10/2024, See 10/10/2024

https://www.nytimes.com/2024/10/07/us/politics/viktor-bout-houthis-weapons.html

[11] Houthis Expand Ties Beyond Iran’s Axis, 24/9/2024 See 11/10/2024

https://thesoufancenter.org/intelbrief-2024-september-24/

نشر :