مقدمة:
أعلنت جماعة الحوثي المسلحة، توسيع عمليات استهداف السفن وصولا إلى المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، ومع كل إعلان توسع تظهر السياسة الغربية في حالة فشل عن ردع حركة الحوثي أو تدمير ترسانتها من الصواريخ والطائرات بدون طيار.
بدأ الحوثيون بمهاجمة السفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، وأجبرت الاعتداءات على الشحن التجاري على إعادة تنظيم المسارات التجارية العالمية بين أوروبا وآسيا وأضافت تكاليف إليها. وعلى مدى الأشهر الماضية، قامت الولايات المتحدة والدول الحليفة بسلسلة من الأعمال العسكرية لمحاولة ردع جماعة الحوثي عن شن هجمات صاروخية باليستية وجوالة وطائرات مسيرة مفخخة على السفن التجارية في البحر الأحمر.
لكن لم تكن الضربات الغربية فعالة، كما أن التحشيد الغربي للسفن الحربية إلى البحر الأحمر لم يخف الحوثيين. ومن المفارقة أنها بدلاً من ذلك شجعت الحوثيين على تصعيد هجماتهم. مما يشير إلى عيوب في الاستراتيجية والتخطيط، وهو ما دفع الحوثيين إلى الاستفادة استراتيجياً من هذه الهجمات لتصعيد مطالبهم، وجعلها أداة لإجبار الجميع على تنفيذ مطالبهم حتى بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة.
فما هي عيوب الاستراتيجية الغربية في البحر الأحمر وما هي خيارات القوى الغربية بعد فشل استراتيجيتها السابقة؟!
العمليات الدولية في البحر الأحمر
توجد ثلاث عمليات دولية في البحر الأحمر:
الأولى، حارس الرخاء: أعلنت عنها الولايات المتحدة الأمريكية في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وظهرت بدون وجود تمثيل للناتو القوة الكبيرة لحلف شمال الأطلسي باستثناء الولايات المتحدة وبريطانيا.
الثانية، بوسيدون آرتشر Poseidon Archer): مع ضعف صلاحيات "حارس الرخاء" بدأت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عملية مختلفة في 12 يناير/كانون الثاني تستهدف مناطق الحوثيين. وتشن الطائرات الحربية والمدمرات من البحر الأحمر عمليات قصف تستهدف مخازن وأسلحة للحوثيين. وأدت إلى مقتل 40 من المقاتلين الحوثيين حسب ما تفيد الجماعة، لكن هذه العملية فشلت أيضا.
الثالثة: أسبيدس (ASPIDES)، أعلنها الاتحاد الأوربي وبدأت مهمتها في فبراير/شباط وتقتصر مهمتها في حماية السفن من الهجمات البحرية. ويملك أربع سفن حربية وأصول جوية، بمدة أولية سنة واحدة وميزانيته 8 ملايين يورو . وتتم إدارة أسبيدس من قاعدة عسكرية في لاريسا، وهي مدينة تقع في وسط اليونان.
نهج ردع الحوثيين
في الأيام الأولى للعمليات العسكرية الأمريكية والبريطانية ضد الحوثيين قال تحالفهما، إنه قائم على "نهج مدروس" للردع، فلم تكن الضربات العسكرية ضد القدرة العسكرية للحوثيين تهدف إلى إلحاق الهزيمة بهم - بل كانت مصممة لإظهار النية الغربية القدرة على الضرب. باختصار، كان الهدف هو منع المزيد من هجمات الحوثيين فقط (سياسة ردع).
لكن أظهر الحوثيون العزم والقدرة على مواصلة هجماتهم في البحر الأحمر؛ وأصبحت قواعد الاشتباك التي رُسمت في اليوم الأول أكثر تغيّراً فتوسعت عمليات الحوثيين بقدر ما توسعت هجمات التحالف الأمريكي-البريطاني؛ ومع ذلك، فما طبيعة "النهج المدروس" ضد الحوثيين خلال الفترة الماضية؟!
كانت الاستراتيجية الأمريكية-البريطانية أن تقوم عملياتها ضد الحوثيين في خليط من العمل العسكري والضغوط الدبلوماسية، واللذان كانا في يمضيان في مسارين متوازيين.
أولاً: العمل العسكري، كانت الاستراتيجية العسكرية تقوم على "الردع" و"التحطيم" و"التدمير"، وعلى أساس تطور العمليات العسكرية وموقف الحوثيين يتم الانتقال من مرحلة إلى أخرى.
الردع، والتي كانت بالتحشيد الدولي العسكري لإخافة الحوثيين في البحر الأحمر وإجبارهم على التوقف بشن عمليات جوية محدودة؛ وزيادة الرقابة البحرية لمنع وصول الأسلحة الإيرانية إلى الجماعة. ثم انتقلت إلى مرحلة جديدة متعلقة ب"التحطيم" حيث ركزت الهجمات على توسيع الضربات في اليمن المصممة لإضعاف قدرات الحوثيين. وهذا يعني أن الهجمات العسكرية الأمريكية البريطانية ركزت على مجموعة واسعة من المعدات العسكرية المصممة لتجعل من الصعب على الحوثيين شن هجمات في المستقبل. إذا استمرت هجمات الحوثيين، فإن الغرب يحتفظ بخيار استراتيجية التدمير، التي تسعى إلى استهداف جميع عناصر القدرة العسكرية للحوثيين، بما في ذلك القيادات والأفراد العسكريين.
ورأوا أن استهداف شبكة إعادة الإمداد الإيرانية بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216 يمكن أن يؤدي إلى نفاد مخزونات الحوثيين. ويشمل ذلك اعتراض السفن التي تزود الحوثيين بالأسلحة، وتعطيل تزويد الحوثيين بالمعلومات لاستهداف السفن التجارية، لذلك شنت الولايات المتحدة هجوماً ألكترونياً على السفينة "بهشاد" التي من المرجح أنها تزود الجماعة في اليمن بمعلومات الاستهداف.
ويرى الاستراتيجيون الغربيون أن هذا لا يعني توقف هجمات الحوثيين "لكنهم سيكافحون لمواصلة هجماتهم دون الأدوات العسكرية - والخبرة أو القوة البشرية - لمواصلة حملة الاستهداف غير القانونية".
ثانياً: الضغوط الدبلوماسية: استصدر التحالف البريطاني-الأمريكي قراراً من مجلس الأمن بشأن "حماية الملاحة" في البحر الأحمر. كما قام البيت الأبيض بوضع الحوثيين في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية المصنفة بشكل خاص، وطرحت توقف الهجمات البحرية لإزالتهم، كما فرضت عقوبات على شبكات مالية للحوثيين وداعميهم الإيرانيين، شاركت بريطانيا في عقوبات مماثلة على قادة من الحوثيين.
وارسلت بريطانيا رسائل دبلوماسية إلى الإيرانيين للضغط على طهران لاستخدام نفوذها لإيقاف الهجمات البحرية. كما دخلت الولايات المتحدة مشاورات مع إيران في الأيام الأولى للعمليات واستمرت أسابيع برعاية عُمانية من أجل استخدام طهران لنفوذها على الحوثيين، ردت إيران بالرفض.
وينخرط الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في جهود مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في اليمن من أجل الوصول إلى اتفاق سلام في اليمن يضمن وقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، لكنه في الوقت ذاته لا يناقش ترسانة الحوثيين من الأسلحة المتقدمة التي يمكنه استخدامها في المستقبل كرافعة سياسية لإجبار خصومه والمجتمع الدولي على تنفيذ مطالب الحركة وداعميها الإيرانيين.
عيوب الاستراتيجية الغربية
يظهر استهداف الحوثيين وإغراقهم النهائي لسفينة الشحن روبيمار في أواخر فبراير/شباط، وتعطيل السفينة التي ترفع باربادوس "ثقة حقيقية" في أوائل مارس/آذار، مما أسفر عن مقتل ثلاثة من أفراد طاقمها وإصابة العديد من الآخرين، أنه لم ينجح أي خيار حتى الآن في إنهاء التصعيد في أزمة البحر الأحمر. كما كشف الحوثيون عن أسلحة جديدة مثل المركبات غير المأهولة تحت الماء التي يتم التحكم بها عن بُعد، وتوعدوا بمفاجآت جديدة.
وتحتشد العوامل التي يمكنها تفسير عيوب الاستراتيجية الغربية في ردع الحوثيين. إذ أن ردة فعل الغرب وأصحاب المصلحة الرئيسيين من الملاحة في البحر الأحمر –بما في ذلك القوى الكبرى- بدت مفككة.
أولاً، عدم مشاركة أصحاب المصلحة الرئيسيين: لم يكن استصدار الولايات المتحدة لقرار مجلس الأمن لحماية السفن المبحرة في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين مبرراً قانونياً لشن هجمات في البر اليمني وهو ما تسبب بزيادة الخلافات بين القوى الدولية لمعالجة التحدي الذي يمثله الحوثيون. وأبقت الصين التي تمر معظم تجارتها إلى أوروبا عبر البحر الأحمر على الحياد رغم أنها دفعت بالمزيد من القطع البحرية العسكرية إلى خليج عدن حيث تملك قاعدة عسكرية متقدمة في جيبوتي. فيما اكتفت الهند بارسال المزيد من السفن الحربية إلى بحر العرب وخليج عدن رافضة الدخول في مواجهة مباشرة مع هجمات الحوثيين.
إذ يتدفق ما يقدر بنحو 120 مليار دولار أمريكي من الواردات الصينية و160 مليار دولار أمريكي من الصادرات الصينية عبر باب المندب كل عام. وهذه ليست كمية ضئيلة من التجارة العالمية للصين. كما أن ما يقرب من 90٪ من البضائع المرتبطة بالهند ونصف الكرة الغربي، سواء الواردة أو المشحونة من الهند، والتي كانت تمر عبر البحر الأحمر، يتم الآن إعادة توجيهها عبر رأس الرجاء الصالح.
إقليمياً، عملت سياسات الولايات المتحدة وأوروبا خلال العقد الماضي تجاه دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والسودان على فقدانهم لأي دعم لعملياتهم في البحر الأحمر. كان الحوثيون مهدداً دائماً للملاحة الدولية طوال حربهم ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والتحالف العربي الذي تقوده السعودية الداعم لها (2015- الآن). تجاهلت القوى الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا النداءات من دول مجلس التعاون الخليجي بتأثير هجمات الحوثيين والألغام البحرية التي زرعوها على السفن التجارية والملاحة الدولية. استهدف الحوثيون خلال الحرب سفناً تجارية وعسكرية تابعة للسعودية والإمارات، كما هاجموا موانئ سعودية. على العكس من ذلك ضغطت القوى الغربية (2018) لإيقاف عملية عسكرية للحكومة وحلفائها من طرد الحوثيين من محافظة الحديدة الساحلية حيث شنوا معظم هجماتهم على الملاحة.
كان لإعلان عمليات عسكرية في منطقة جغرافية دون وجود أصحاب المصلحة الرئيسيين ومشاركة دول المنطقة التي يرتبط أمنها القومي بأمن الممر البحري الهام، فشل سياسي مبكر للنهج الغربي في البحر الأحمر وخليج عدن. ولذلك لم تتمكن الولايات المتحدة وبريطانيا من استخدام قواعدها العسكرية وأصولها في دول المنطقة للمشاركة في العمليات ضد الحوثيين، ويضطر سلاح الجو الملكي البريطاني على استخدام قاعدته العسكرية في قبرص لشن هجمات في اليمن بدلاً من استخدام قاعدته في سلطنة عمان.
ثانياً، تفكيك وضعف: فشلت الولايات المتحدة بشكل ذريع في ضم القوى الأوروبية الرئيسية إلى عمليتها العسكرية ضد الحوثيين "حارس الرخاء" التي أعلنتها في ديسمبر/كانون الأول. وظهر "الناتو" دون استراتيجية متعلقة بحماية الملاحة من هجمات الملاحة. قد يكون لارتباط هجمات الحوثيين بحرب غزة، والموقف الأمريكي الداعم بشكل كامل للاحتلال الإسرائيلي تجاه جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها بحق الفلسطينيين، ومخاوف اعتبارهم في المنطقة داعمين لهذه الجرائم، أحد الدوافع الرئيسية لرفض الأوروبيين الدخول في "حارس الرخاء" لكن الأمر يتجاوز ذلك حيث بدا أن الإعلان عن العملية تم دون موافقتهم الكاملة وهو ما تسبب بتوتر كبير بين وزيري دفاع امريكا واسبانيا التي أعلنت عدم مشاركتها إلى جانب دول أوروبية أخرى.
أما عملية "أسبيدس" التي أعلنها الاتحاد الأوروبي فقد شددت على أن هدفها "استعادة وصيانة حرية الملاحة" في البحر الأحمر والخليج العربي وعلى "الولاية الدفاعية" للمهمة ما يعني أنها لن تنخرط في هجمات على البر اليمني. ولم تكن هذه المهمة المكونة من 4 فرقاطات ممثلة لثقل تحالف "الناتو" الذي يواجه مخاطر الحرب الروسية في أوكرانيا. وتعرضت الفرقاطات للإذلال في البحر الأحمر حيث غادرت فرقاطة دنماركية بسبب فشلها في اعتراض هجوم للحوثيين في مارس/آذار؛ وفي ابريل/نيسان غادرت فرقاطة فرنسية بسبب نفاد الذخائر!
ثالثاً، سوء التقدير: اعتقدت الولايات المتحدة والقوى الغربية أن دفع السفن الحربية للبحر الأحمر كافي لإخافة الحوثيين ومن ورائهم الإيرانيين، لكن النهج الغربي الحذر بتجنب التصعيد في المنطقة فسّره الحوثيون كعلامة ضعف.
وكان لسوء تقدير بريطانيا والولايات المتحدة للتهديد الذي يشكله الحوثيون في البحر الأحمر – وهو ممر حيوي لـ 12٪ من التجارة العالمية – إلى جانب التقليل من قدرات الحركة وذخائرها وتخزينها المخفي وشبكات الإمداد الإيرانية، وغياب المعلومات المخابراتية حول الذخائر والقدرات، وهو ما أدى إلى سياسات قصيرة النظر.
في اليوم التالي لبدء عملية " بوسيدون آرتشر"، في 13 يناير/كانون الثاني، صرح اللفتنانت جنرال دوجلاس سيمز، مدير هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي، أن الضربات حققت أهدافها المتمثلة في الحد من قدرة الحوثيين على تنفيذ هجمات معقدة بطائرات بدون طيار وصواريخ. وعلى عكس ذلك شهدت الأسابيع اللاحقة عمليات للحوثيين أكثر قوة وأكثر اتساعاً.
رابعاً، استراتيجية ناقصة: على الرغم من أن عمل الاستراتيجيين الغربيين على عملية عسكرية في البحر الأحمر، إلا أنهم فشلوا في ربطها بأي عملية سياسية يمنية تحمي النتائج الممكن التوصل لها عسكرياً، خاصة أن من المتوقع أن يستمر الحوثيون في شن هجمات بحرية في المستقبل القريب حسبما تعتقد المخابرات الأمريكية التي تشير إلى أن "الحوثيين ينتجون محليًا الكثير من الأسلحة بينما يواصلون أيضًا تلقي الدعم من إيران".
خيارات حماية الملاحة الدولية
تخبرنا الأشهر الأولى من بدء عمليات البحر الأحمر أن الاستراتيجية الغربية فشلت. وأن الحلول التي وضعها التحالف الأمريكي-البريطاني تجاه الحوثيين تشير إلى دخوله في حالة حرب –مهما كان حجمها- دون قاعدة استخباراتية وبدون دعم الحلفاء في المنطقة وفي العالم. ما يشير إلى أن نهج الردع الحالي يبدو بعيداً عن تحقيق هدفه المتمثل في حماية الملاحة وإضعافة قدرات الحوثيين، وأنه لا سبيل نظرياً إلا وقف الحرب في غزة!
لكن هل سيتوقف الحوثيون عن الهجمات البحرية في حال توقف العدوان الإسرائيلي بعد أن اكتشفوا تأثيرها في اكتساب الزخم المحلي والدولي وإظهار انفسهم كقوة لا يمكن تجاوزها؟ ينبأنا تاريخ الحوثيين بالعكس! فحتى لو توقفوا عن الهجمات مؤقتاً فإن الجماعة لن تعدم المبررات لعودة تهديد الملاحة من جديد لتحقيق مكاسب داخلية.
وتبدو خيارات الردع الغربية الحالية تجاه الحوثيين سيئة للغاية من تلبية بعض مطالب الحوثيين، إلى تبني استراتيجية "التدمير" بتصعيد كبير ضد الجماعة المسلحة.
أولاً، تلبية مطالب الحوثيين: تخوض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مفاوضات مع الحوثيين برعاية عُمانية في مسقط، ولايعرف ما يطلبه الحوثيون في تلك المفاوضات لوقف العمليات البحرية، فمن المحتمل أن يفرض الحوثيون، سعياً للاستفادة من النفوذ الذي اكتسبوه من خلال هجماتهم، شروطًا جديدة لوقف هجماتهم. وقد يعرض الحوثيون إنهاء هجماتهم في البحر الأحمر مقابل انسحاب عسكري سعودي كامل وغير مشروط من دعم الحكومة المعترف بها دولياً، ومنح الجماعة الشرعية لحكم البلاد. ويبدو أن الأمريكيين يعرضون ذلك على الحوثيين، ويضغطون لتنفيذ اتفاق سلام ترعاه الأمم المتحدة يلبي شروطهم بوقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن. كما يمكن أن يكون للحوثيين مطالب خارجية على سبيل المثال، قد يطالب الحوثيون الولايات المتحدة وحلفائها برفع جميع العقوبات عن إيران، مما يعكس إصرار طهران على أن العقوبات تشكل "حربًا اقتصادية" ضد الشعب الإيراني.
من الملاحظ أن هذا الخيار يشير إلى ما لا يراه الاستراتيجيين الغربيين، وهو التهديد المحتمل الذي يظهره الحوثيون في البحر الأحمر في الوقت الحالي، واستمرار في إظهار هذا التهديد في المستقبل في البحر الأحمر أو ضد السعودية ودول أخرى في المنطقة طالما أنهم يحتفظون بالترسانة الاستراتيجية. كما أن الجماعة ستستخدم الهجمات كسلاح سياسي داخلي وهو ما كانوا يفعلونه في السابق باستهداف السعودية والإمارات للضغط على الحكومة اليمنية. في الوقت ذاته لا يوجد شعبية لجماعة الحوثي في اليمن بما في ذلك مناطق سيطرتها حيث فشلت تجربة حكمها تحت ملفات متراكمة من الفساد وسوء الإدارة.
ثانيا، عملية عسكرية كبيرة: يصر بعض الاستراتيجيين العسكريين الأمريكيين والبريطانيين إلى أن المسار الوحيد لإنهاء أزمة البحر الأحمر هو "التدمير" عملية عسكرية تهدف لتدمير ترسانة الجماعة المسلحة حتى دفعها للاستسلام. ويحاجون أن الغرب –الولايات المتحدة على وجه التحديد- أن الدفاع عن حماية الملاحة هو مبدأ غربي لا يمكن السماح لمجموعة مسلحة بتهديده. وهم إلى جانب الدفاع عن هذا المبدأ يريدون إرسال رسائل لروسيا في المتوسط والأطلنطي، والصين في بحر الصين الجنوبي.
لكن وجود عملية عسكرية كبيرة من هذا النوع يمكنها أن تؤدي للغرق في حرب داخلية في اليمن بارسال قوات برية. كما أن شن هجمات جوية وإلحاق تدمير كبير بجماعة الحوثي أو استهداف قياداتها يمكن أن يؤدي إلى استفزاز الحوثيين ودفعهم لمهاجمة السعودية والإمارات. ويمكنها دفع إيران إلى الدخول في معركة للدفاع عن الحوثيين وهو أمر تحاول طهران وواشنطن تجنبه منعاً لتوسيع الصراع في منطقة هشة. كما أن هذا الخيار يعزز الدعاية الروسية والإيرانية أن الغرب يندفع إلى استعمار واحتلال الدول التي ترفض الخضوع لسياساته.
ولذلك فإن هذا الخيار يحظى بدعم أقل لدى الاستراتيجيين وصناع قرار في الغرب.
ثالثاً، عمليات عسكرية ودعم الحكومة اليمنية: يدعو هذا الخيار إلى الموازنة بين التكاليف والمخاطر وجعلها مقبولة، بتصعيد الهجمات على أهداف الحوثيين، واستهداف قادتهم، ومخازن الأسلحة. بالتزامن مع دعم القوى اليمنية المناوئة للحوثيين لاستعادة السيطرة على مناطق الجماعة المسلحة. وهو ما سيدفع الحوثيين لتغيير مسارهم في تهديد الملاحة البحرية.
لكن اتباع هذا الخيار يستفز الحوثيين والإيرانيين، ويوسع الحرب الأهلية في اليمن، ويزيد من المحنة الإنسانية التي يعانيها سكان البلاد بعد عشر سنوات من الحرب. وفي ظل نأي إقليمي عن تحالف كهذا يخاطر بدخول قوات أمريكية إلى البلاد. ويمكن أن يزيد من تدويل الصراع اليمني بإخراجه من حالته المحلية والإقليمية إلى صراع دولي تشارك فيه روسيا وربما الصين.
الحلول مرتبطة باليمنيين:
في ظل المعطيات الحالية من الصعب إيجاد حلول وسط لأزمة البحر الأحمر وردع هجمات الحوثيين. فما يزال التفكير الاستراتيجي الغربي يتجاهل مستقبل ترسانة الأسلحة لدى الحوثيين كما كان الأمر منذ بدء عمليات التحالف العربي الذي قادته السعودية لدعم الحكومة المعترف بها دولياً في 2015م. وبسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، وتدفق الدعم الإيراني للجماعة المسلحة سيبقى الحوثيون مهدداً للملاحة الدولية، وسيظلون لاعباً رئيسياً في أي مفاوضات سياسية مستقبلية أو ترتيبات لتقاسم السلطة.
يبقى الحل الممكن لمعضلة الحوثيين مرتبط باليمنيين، وقدرتهم على مواجهة الجماعة، والمسار المستقبلي للحركة وقدرتها على الحفاظ على تماسكها وحماية قدراتها العسكرية ونفوذها السياسي في مناطق سيطرتها والتي عادة ما تكون مرتبطة بعوامل محلية وإقليمية معقدة.