مأزق السعودية الجديد في اليمن بعد اعلان الانتقالي حكما ذاتيا للجنوب
مقدمة
سيطرّ المجلس الانتقالي الجنوبي - (المدعوم من الإمارات الذي تأسس عام 2017)- في العاشر من أغسطس/آب2019 على مدينة عدن عاصمة اليمن المؤقتة وتحركت القوات باتجاه مدينة "زنجبار" عاصمة محافظة أبين (المجاورة لـ"عدن") وتمكنت من إسقاطها بيد الحزام الأمني إلى جانب مراكز محافظتي الضالع ولحج. فشل المجلس في بسط سيطرته على باقي المحافظات الجنوبية الخمس.
تدخلت المملكة العربية السعودية، التي تقود تحالفاً لدعم الشرعية ضد انقلاب الحوثيين لوقف الانقسام داخل معسكرها وقادت مشاورات غير مباشرة أوصلت إلى "اتفاق الرياض"، وكان ذلك الإنجاز الأول الذي حققه الأمير خالد بن سلمان شقيق ولي العهد ونائب وزير الدفاع بعد تسلمه لملف اليمن. وتم تحديد جدول زمني للتنفيذ ينتهي مطلع مارس/أذار 2020 لكن كما كل الاتفاقات اليمنية فشل التنفيذ في الوقت المحدد لعدة أسباب تتعلق بالراعي الخارجي للمجلس الانتقالي الجنوبي، ومضامين الاتفاق الذي كان يحمل بذور فشله، حيث قام كل طرف بتفسيره حسب مصالحه.
في ابريل/نيسان2020 أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي، عن "الحكم الذاتي" الإدارة الذاتية للمحافظات الجنوبية، في إعلان رسمي وواضح ضد "اتفاق الرياض"، وإنهاء العمل به. وأعلن المجلس عن لجنة لإدارة المحافظات الجنوبية – وصفت بأنها إجراءات انفصال من طرف واحد- واستمرت هذه اللجنة بالعمل رغم الرفض المحلي والدولي لوجودها وللإعلان ذاته ما وضع المجلس الانتقالي الجنوبي أمام ضغوط كبيرة داخلية وخارجية، وكشفت أن حجم التأييد للمجلس الانتقالي لا يجعله ممثلاً وحيدا عن "القضية الجنوبية"، خاصة مع استمرار الرفض الشعبي وتعدد الفاعلين المحليين المتحدثين باسم القضية ذاتها.
تحاول هذه الورقة قراءة مضامين إعلان "الحكم الذاتي" للمجلس الانتقالي الجنوبي ورعاته الإقليميين، ودوره في تعزيز النزاع جنوب اليمن وتحويله إلى "صراع مناطقي"، وأبعاده السياسية داخل اليمن ورؤية المجتمع الدولي للمجلس الانتقالي الجنوبي بعد الإعلان "الإدارة الذاتية"، كما تركز على خيارات السعودية الضيقة للخروج من حرب اليمن بعد اعلان الانتقالي إجراءات وصفت بالانفصالية.
تداعيات عدم تنفيذ "اتفاق الرياض" :
يعزو قيادات في المجلس الانتقالي الجنوبي إلى أن عدم تنفيذ "اتفاق الرياض" دفع المجلس إلى إعلان "الإدارة الذاتية"، لكن في الحقيقة فإن نيّة السيطرة على إدارة المحافظات الجنوبية كانت قائمة منذ مايو/أيار 2017 عند تأسيس المجلس بعد مظاهرات في عدن أو ما يصفه أنصار المجلس بإعلان "عدن التاريخي" الذي يتضمن تشكيل هيئة رئاسة "لإدارة وتمثيل الجنوب"[1]. وهو ما تأكد بعد أيام من خلال الإعلان عن هيئة رئاسة المجلس الانتقالي بقيادة "عيدروس الزُبيدي"[2].
وينظر أنصار المجلس وقياداته إلى أن "إدارة" جنوب اليمن يمثل هدفاً وليس إدارة حقيقية حتى يتمكن المجلس الانتقالي من الاستحواذ على السلطة بأقل التكاليف لكن سياق الأحداث والتطورات منذ "اتفاق الرياض" دفعت المجلس الانتقالي الجنوبي إلى إظهار نهاية الخطط المرسومة قبل أوانها، ما تسبب في غضب محلي ودولي بما في ذلك المحافظات التي لا تنتمي لمنطقة المثلث (يافع، الضالع، لحج).
وأبرز تلك المؤشرات التي أثرت على المجلس الانتقالي الجنوبي:
- فشل الإدارة:
الضغط الذي واجهه المجلس الانتقالي الجنوبي بعد السيطرة على عدن ومحافظات أخرى جنوب البلاد في أغسطس/آب2019م، وطرد الحكومة الشرعية. وعدم قدرته على تحمل المسؤولية الخدماتية والسياسية والأمنية والمالية في عدن وحدها. عادت الحكومة الشرعية إلى عدن في ديسمبر/كانون الأول2019 لكن جرى طردها من قِبل المجلس الانتقالي الجنوبي في فبراير/شباط2020م.
يواجه المجلس الانتقالي ضغوطا شعبية متزايدة بعد أن منع الحكومة من العمل. لم تتمكن الحكومة بعد عودتها من الخروج إلى المدن الرئيسية الجنوبية وتم إيقاف نشاطها. ومع موسم الفيضانات والأمطار التي غزت المدينة ومدن أخرى، تقدر الأمم المتحدة المتضررين من الأمطار الغزيرة 100 ألف معظمهم في عدن ولحج وأبين ومأرب وصنعاء. وتسببت بعودة "أوبئة الحميّات" إلى عدن وعند محاولة الحكومة العودة رفض المجلس الانتقالي الجنوبي عودتها وقال إن صلاحيتها انتهت مطالباً بالتمثيل فيها.
خرج المئات من السكان في مدينة عدن للتظاهر ضد الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي بسبب الفشل الواضح في إدارة الخدمات التي انهارت أكثر. وتفشت الأوبئة في المدينة وارتفعت عدد الوفيات المسجلة بالأوبئة بما فيها وباء كورونا المستجد (كوفيد-19) إلى أكثر من 1000 حالة خلال شهر مايو/أيار2020م.[3]
سخط السكان ضد عجز المجلس الانتقالي الجنوبي عن صرف المرتبات -رغم سيطرته على الموارد- أجبر المجلس على البحث عن قضية جديدة لتحويل الرأي العام تجاه قضية اعتقد إنها أولوية بالإعلان عن "الإدارة الذاتية"، لكنه تفاجأ بأن السكان يبحثون عن الخدمات لا عن شكل جديد في الإدارة والحوكمة.
- ردود فعل سعودية:
بضغط وطلب سعودي أوقفت الإمارات تسليم رواتب المليشيات التابعة للمجلس في عدن وأبين فيما استمرت في دفع الرواتب والأموال إلى باقي القوات الموالية لأبوظبي في حضرموت وشبوة. دربت الإمارات 120 ألف مقاتل يمني يعملون في المحافظات الجنوبية وفي الساحل الغربي وتنفق على رواتبهم وتزودهم بالأسلحة والآليات.
بدأت السعودية منذ تسلم إدارة عدن من الإمارات، بتدريب قوات يمنية ودفعتهم منذ فبراير/شباط2020 وحتى مايو/أيار 2020 للعودة إلى عدن. تمكنت المملكة -أيضاً- من كسب ولاء عدد من القادة العسكريين والأمنيين الذين كانوا تابعين للإمارات إلى صفوفها.
كما لجأت السعودية إلى منع مدير أمن عدن ورئيس وأعضاء وحدة شؤون المفاوضات في المجلس الانتقالي، من العودة إلى عدن، أثناء محاولة مغادرتهم مطار عمّان في الأردن منتصف مارس/أذار2020 باعتبارهم مشاركين في أحداث أغسطس/آب 2019. ظهر المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي بالزي العسكري في خطاب تلفزيوني ألقاه عقب الحادثة.
شعر المجلس الانتقالي الجنوبي وحليفه الإمارات أن "البساط" يسحب من تحتهم، ومع مرور الزمن سيكون بلا قوة مقاتلة إلى جواره، وستمنع القيادات من العودة إلى عدن، وسيصبح رهينة لما تقرره السعودية. فبإمكان من بدلوا ولائهم افتعال اقتتال وسط عدن والسيطرة على أحياء كبيرة بأسرها فما يزالون موجودين داخل المدينة. ومع زيادة وجود القوات الموالية للسعودية في عدن ستصبح الاستراتيجية الإماراتية خارج الحسابات.
- التصعيد العسكري:
استمرت الحكومة اليمنية في تعزيز قواتها إلى محافظة أبين (شرق عدن) ومحافظة شبوة المجاورة، بما في ذلك قوات تلقت تدريبها في محافظة مأرب (المجاورة لشبوة) ومعظم تلك القوات ينتمون إلى المحافظات الجنوبية ويدعمون الحكومة اليمنية ضد المجلس الانتقالي الجنوبي. واستمرت القوات في التواجد بمنطقة "شقّرة" بمحافظة أبين على بعد 80 كم من عدن. بالمقابل استمر المجلس الانتقالي الجنوبي في تعزيز دفاعاته في "شقّرة" و"زنجبار" و"عدن".
لم يجد المجلس الانتقالي الجنوبي القدرة على حشد مقاتلين، أو إيجاد "عقيدة قتالية" تمكنه من التحرك لمواجهة الحكومة اليمنية - معظم المقاتلين ضمن القوات يقاتلون من أجل المال- لذلك أصدر نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك "فتوى دينية" تبيح قتل الجنود العسكريين التابعين للحكومة المعترف بها دولياً[4]. في تطور لافت في فكر المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يقول إنه حركة مدنية ليبرالية.
- فشل التفاوض:
استمرت المشاورات بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية برعاية سعودية، وتم تشكيل عِدة لجان من ثلاثة مستويات الأولى على الأرض والثانية على مستوى القيادات الوسطية والثالثة على مستوى القيادات الكبرى. وتبادل الطرفان الاتهامات بمحاولة إفشال عمل اللجان. ورفض المجلس الانتقالي الجنوبي مراراً الكشف عن مخزوناته من الأسلحة والآليات. في حادثتين -أطلع عليها باحثوا "أبعاد"- رفض زيارة اللجنة الأولى لمخازن أسلحة في جبل حديد بعدن.
- الفشل في سقطرى:
لم تذكر محافظة أرخبيل سقطرى في اتفاق الرياض، وتحرك المجلس الانتقالي - بتمويل ودعم من الإمارات - للسيطرة على الأرخبيل الاستراتيجي من خلال سلسلة من التمردات العسكرية في كتائب اللواء الأول مشاه بحري، وقوات الأمن، لكنها في النهاية لم تتمكن من اسقاط السلطة المحلية في الجزيرة. وأظهرت الأحداث في الجزيرة الرؤية الإماراتية المتمسكة بالبقاء طويل الأمد في جزيرة سقطرى قرب مضيق باب المندب، وبدا واضحاً أن المجلس الانتقالي الجنوبي يعمل في جزء كبير منه كأداة تابعة للإمارات.
- الضغط الذي تواجهه الإمارات:
تحدث اثنين من الدبلوماسيين الخليجيين ومعارض إماراتي إن خلافات حادة بين حُكام الإمارات الست وأبوظبي بشأن نهجها في اليمن[5]. ويظهر حاكم دبي نائب رئيس البلاد محمد بن راشد أشد الناقمين على تلك السياسة في ظل أزمة اقتصادية تلوح في أفق الدولة الخليجية الغنية بالنفط، إذ تراجعت القطاعات الاقتصادية في الإمارات إلى مستويات غير مسبوقة بفعل الإغلاق الذي حدث بسبب تفشي وباء كورونا في البلاد، وتراجع أسعار النفط، ومغادرة الشركات ورؤوس الأموال خارج البلاد. لم تقدم أبوظبي أي مبلغ خلال مؤتمر المانحين الذي عقد بالرياض في 2 يونيو/حزيران 2020 والذي جمع 1.35 مليار دولار نصف ما طلبته الأمم المتحدة، ودفعت السعودية وحدها نحو نصف مليار دولار.
اندفعت الإمارات إلى وقف بعض من تمويلها للحروب، ومحاولة الخروج من الحروب المكلفة في الشرق الأوسط مع تراجعها العسكري في ليبيا، بما في ذلك إغلاق قاعدة عسكرية كانت تنوي إقامتها في إقليم "أرض الصومال" الانفصالي -الدولة غير المعترف بها في الصومال- ومحاولة الخروج من حرب اليمن مع عدم تحمل أي مسؤولية إعادة الإعمار والحصول على نفوذ مستمر ودائم على باب المندب.
هذا الضغط الذي يواجهه حلفاء المجلس الانتقالي في أبوظبي ينعكس بطبيعة الحال على الأهداف المحلية للجماعة المسلحة والأهداف الإقليمية للإمارات. فبدون التمويل الإماراتي ودعمه السياسي سيصبح المجلس الانتقالي في جنوب اليمن في وضع سيء للغاية.
بالنسبة للحكومة اليمنية فإن المشاركة السياسية مع المجلس الانتقالي دون الخلاص من مليشياته العسكرية الموجودة في معظم المحافظات الجنوبية يعتبر خطرا. كانت الحكومة قد اعترفت بالفعل بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" كمكون سياسي يمني بالتوقيع على "اتفاق الرياض"، ولن تجازف بتمثيل للمجلس في الحكومة دون التخلص من المليشيات التي تدربها وتدعمها الإمارات.
إعلان الإدارة الذاتية
يمكن فِهم شعور قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي أن هذه الفرصة الوحيدة لتحقيق الأهداف المُعلنة مع تأسيس المجلس عام (2017) بإدارة المحافظات الجنوبية أو "انفصال جنوب اليمن"، إذ أن من الصعب الحصول على فرصة مماثلة في ظل حالة الاحتقان في جنوب البلاد ورفض كثير من الأطراف -التي تقول إنها تحمل القضية الجنوبية- لتحركات المجلس الانتقالي الجنوبي. ومع تسّلم السعودية للأمور في عدن ومعظم المحافظات الجنوبية بدلاً من الإمارات يبدو أن قيادات المجلس فقدت الصبر إزاء الضغوط الشعبية والسياسية لتعلن عن "انفصال اتفاق الرياض".
في 23 ابريل/نيسان2020 -أي قبل يومين من إعلان الحكم الذاتي منع المجلس الانتقالي الجنوبي الحكومة اليمنية من العودة إلى البلاد لمواجهة الكارثة الطبيعة التي حدثت وإعلان "عدن" مدينة منكوبة. ووصف المجلس منع عودة الحكومة بكونه "حماية للمكتسبات الوطنية". معتبراً ذلك رداً على منع السعودية لقيادات في المجلس من العودة إلى عدن (مارس/أذار2020) ورفض التحالف العربي تقديم أي رد على مراسلات المجلس.
على الرغم من أن المجلس الانتقالي الجنوبي منع الحكومة من العودة إلى عدن، وعطل مؤسسات الدولة عن العمل وسيطر على الموارد إلا أنه وجه الاتهام للحكومة بأنها "لم تفِ بما نص عليه اتفاق الرياض من التزامات، لا سيما ما يتعلق بتوفير الخدمات وصرف المرتبات والأجور، وخدمة المواطن وتلبية احتياجاته". وبعد حدوث الفيضانات في عدن وجه المجلس الانتقالي أيضا الاتهامات للحكومة بعدم القيام بدورها في خدمة المواطنين ومواجهة الكارثة.
في 2017 بدأ المجلس في تأسيس نفسه كسلطة موازية للحكومة الشرعية في المحافظات الجنوبية المحررة. في فبراير/شباط 2018 كان "الحزام الأمني" الذي دربته الإمارات وانفقت عليه قد سيطر على عدن ومعظم المحافظات الجنوبية منذ ذلك الوقت لم يعد الرئيس اليمني إلى عدن إلا لأيام قليلة. في أغسطس/آب2019 سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن وطرد الحكومة الشرعية، استمر المجلس الانتقالي الجنوبي في تقديم نفسه كسلطة أمر واقع بديلة عن الحكومة الشرعية حتى إعلانه الحكم الذاتي في المناطق الجنوبية لتقديم نفسه كسلطة بديلة عن الحكومة. ظلت الحكومة اليمنية تكافح منذ ذلك الحين من أجل نفوذها ووقف تآكل سلطتها.
في 25 ابريل/نيسان 2020 أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي عن "الإدارة الذاتية" للمحافظات الجنوبية. وفي حقيقة الأمر لم يقدم المجلس تفسيراً لمعنى "الإدارة الذاتية" -ليست معروفة في العلوم السياسية أو أنظمة الحكم.. الخ- وإن كان يقصد "الحكم الذاتي" وإعلان الانفصال، أو إنه كان يشير إلى عكس ذلك بل ظلت وسائل الإعلام التابعة للمجلس والممولة من الإمارات تردد كلمات "الاستقلال/الانفصال" بشكل دائم للتأكيد على كونها سلطة جديدة تتشكل. من بين تلك الأوامر إصدار قرارات بتعيينات تخص الحكومة اليمنية وإلغاء قراراتها السابقة[6].
يشير بيان "إعلان الحكم الذاتي" إلى عدة أمور، لا تنفك عن كونها تأكيد على الهدف من "المجلس الانتقالي الجنوبي" ودوره كأداة ضمن مخطط إقليمي أوسع متعلق بتفكيك الدولة اليمنية الجديدة. من بين تلك الأمور:
- مصطلح الإدارة الذاتية: لا يعرف ما يراد بهذا المصطلح[7]، وسمع من قبل في سوريا حيث فرضت مليشيات بقوة السلاح منطقة "حكم ذاتي" في شمال وشرق سوريا (أجزاء من الحسكة والرقة وحلب ودير الزور) ضمن منطقة متعددة الأعرق. ومهمتها مكافحة الإرهاب وإدارة مناطق سيطرتها بحكم الأمر الواقع. إن بناء هذا المصطلح كتأكيد على إدارة المحافظات الجنوبية للبلاد وامتلاك المليشيات القادرة على فرض هذا الأمر. في نفس الوقت يريد المجلس من إطلاق هذا المصطلح على الموائمة بين ما تريده الإمارات وما لا تريده السعودية. فالرياض تعلن رسميا دعمها للوحدة اليمنية وترفض الانفصال أو تقسيم اليمن، لذلك ستخاطر قيادة المملكة بسمعتها إذا ما حدث تشظي للبلاد في ظل حرب المملكة كقائدة للتحالف ضد جماعة الحوثي المسلحة.
- حالة الطوارئ: أعلن المجلس الانتقالي حالة الطوارئ ابتداء من 25 ابريل/نيسان، في عدن ومحافظات الجنوب، وهذا الإعلان حسب الدستور اليمني لا يحق إلا لرئيس الجمهورية اليمنية. تشير المادة (121) على أن "رئيس الجمهورية يعلن حالة الطوارئ بقرار جمهوري على الوجه المبين في القانون ويجب دعوة مجلس النواب لعرض هذا الإعلان عليه خلال السبعــة الأيام التالية للإعلان".
- لجان رقابة: في البند الرابع من إعلان الإدارة الذاتية دعا المجلس "تشكيل لجان رقابة على أداء المؤسسات العامة، ومكافحة الفساد، والتنسيق في ذلك مع رئيس الجمعية الوطنية ورؤساء قيادات المجلس في المحافظات". وهذه الطريقة مأخوذة من اللجنة الثورية العليا للحوثيين الذين سيطروا على مؤسسات الدولة بعد سبتمبر/أيلول2014، وفرضوا ممثلين لمراقبة المؤسسات الحكومية. إن استنساخ التجربة الحوثية يؤكد أن المجلس الانتقالي الجنوبي وما يخوضه هو انقلاب يجعل من الصعب تفكيكه إذا ما قررت الحكومة مشاركته في السلطة دون تفكيك قواته.
- اللجان الاقتصادية والقانونية: طالب المجلس لجانه (الاقتصادية والقانونية والعسكرية والأمنية) بتوجيه أعمال الهيئات لتنفيذ "الإدارة الذاتية"، لكن لجنة الإدارة الذاتية التي أعلنت برئاسة اللواء أحمد بن بريك (محافظ حضرموت المقال ورئيس الجمعية الوطنية التابعة للانتقالي- برلمان موازي) قامت بتعيين لجان جديدة خاصة بها. فيما يبدو أن المجلس دشن حملة "ترضية" لمن يعارضونه أو من المحايدين لاستيعابهم في مكونه مع الرفض الشعبي المستمر من قبل مكونات جنوبية بعضها محسوب على الحراك الجنوبي الذي تأسس في 2007م [8].
ارتدادات محلية وإقليمية:
خصص المجلس الانتقالي الجنوبي البند الخامس لدعوة المحافظين في المحافظات الجنوبية بدعم خطوته نحو "الإدارة الذاتية"، والبند السادس لدعوة التحالف والمجتمع الدولي لدعم الخطوة نفسها لكن ردود الفعل كانت مخيبة لآمال المجلس الانتقالي الجنوبي. بل إن المجلس الانتقالي لم يكن يتوقع أن تأتي ردود الفعل معاكسة تماماً لأهدافه من هذا الإعلان في خضم مواجهة محلية وعالمية لوباء كورونا.
- على المستوى المحلي: ست محافظات من أصل ثمان محافظات جنوبية حضرموت، شبوة وأبين والمهرة، ولحج وسقطرى. وهي المحافظات الأكبر التي تمثل معظم مساحة المحافظات المحررة من الحوثيين رفضت "إعلان المجلس الانتقالي"، مؤكدة ولائها للحكومة الشرعية.
- من الناحية السياسية: أعلن التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية (13 حزباً) رفضه التام لإعلان المجلس الانتقالي الجنوبي الإدارة الذاتية، واعتبره تمرداً صريحاً على الدولة اليمنية، وتعدياً على صلاحيات رئيس الجمهورية. أما جماعة الحوثي المسلحة فلم تصدر تعليقاً على إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي.
يعتقد كثير من الجنوبيين -في عدن على سبيل المثال- إن المجلس الانتقالي الجنوبي يستغل الوضع في المحافظات الجنوبية لتحقيق مكاسب سياسية، في ظل مواجهة كوارث طبيعية أدت إلى وفاة المئات. ويقولون إن المجلس الانتقالي الجنوبي يفتعل المشكلات في ظل حاجة جنوب البلاد للإغاثة. ويرون أن الحرب العسكرية والسياسية بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية قد تصبح أسوأ على السكان في ظروفهم الحالية مع تفشي الأوبئة مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك[9].
- على المستوى الإقليمي: لم يحصل إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي على تأييد واحد. السعودية والتحالف العربي والجامعة العربية ودول عربية أخرى، طالبوا المجلس الانتقالي بالتراجع عن القرار والعودة إلى ما قبله وتنفيذ اتفاق الرياض.حتى دولة الإمارات العربية المتحدة لم تؤيد تحركات المجلس، وظلت صامتة عن الموضوع خشية إغضاب المسؤولين السعوديين.
تستضيف الإمارات قيادات المجلس الانتقالي في أبوظبي، وتعمل كل ما بوسعها لدعم أهدافها -أهداف المجلس- على المستوى المحلي والإقليمي والدولي. لكنها رغم الضغط لا تحاول زيادة غضب السعودية وتدفع بالمجلس الانتقالي لمواجهة هذا الغضب بدلاً من المسؤولين في أبوظبي.
- على المستوى الدولي: رفض بيان المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن، مارتن غريفيث، وبيان مجلس الأمن، ووزير الخارجية الأميركي، وعدد من سفراء الدول الكبرى، وشددوا على وحدة اليمن وسيادته.
السفيران البريطاني والأمريكي تحدثا في بيانات منفردة عن رفض "قرار الإدارة الذاتية" التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي. حتى روسيا التي يعتقد المجلس الانتقالي أنه تلقى دعماً منها أكدت على الوحدة اليمنية وسيادة البلاد.
الآثار المتوقعة:
- فرض سلطة أمر واقع تعيد صراع المناطقية: يريد المجلس الانتقالي الجنوبي تأكيد نفسه كسلطة أمر واقع في البلاد كما الحوثيين شمال اليمن، أو إدارة ذاتية كما في شمال وشرق سوريا، وذلك يحتاج إلى فرض سلطته في جميع المحافظات اليمنية الجنوبية وهو غير مرجح بفعل الرفض المحلي الحالي. وبدون اكتساب هذه السلطة ستبقى سلطتهم في عدن والضالع ولحج عرضة للاهتزاز وإعادة الصراعات المناطقية من جديد.
وشكَّلت المشيخات والسلطنات القديمة تأثيرًا مناطقيًّا على الأوضاع السياسية والعسكرية لجنوب اليمن، لكن صراع الجنوبيين مع بريطانيا منع تفجرها، وبمجرد الاستقلال تفجرت وكان من نتائجها أحداث يناير/كانون الثاني 1986 الدموية، التي انتهت بإقصاء مناطقي لفصيل "الزمرة" المحسوب على أبين من قِبل فصيل "الطغمة" المحسوب على مناطق الضالع ويافع وهما فصيلان ضمن الحزب الاشتراكي الحاكم للجنوب[10]. وينتمي الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي لمحافظة أبين، فيما ينتمي معظم قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي للضالع ويافع.
وفي وقت ترفض محافظات مثل حضرموت وشبوة، وهي محافظات غنية بالنفط، والمهرة وسقطرى التي تتواجد فيها السعودية بقوة، فإنه من الصعب على المجلس الانتقالي حكم كل المحافظات الجنوبية دون حرب -أو حروب- للسيطرة، وهذا يفتح باباً لتقسيم اليمن إلى دويلات صغيرة، أو عودة السلطنات والمشيخات على ذات النطاق الجغرافي الذي كانت عليه قبل عقود.
- تقويض الحكومة الشرعية: إن تقويض الحكومة الشرعية، يصب في مصلحة مشتركة للإمارات والحوثيين، فالطرفان يريدان السيطرة على جزء من الأراضي. أما الحكومة الشرعية فإن تآكل سلطتها الذي بدأ في 2017 لم يتوقف حتى اليوم، وكل يوم تزداد وهذا قد يؤدي إلى إسقاطها لصالح المشاريع الهوياتية الأخرى "طائفية/عرقية/ مناطقية" بصفة الحكومة هي الحامل الوطني الباقي للهوية الوطنية الجامعة.
ستحتاج الحكومة الشرعية للمضي قدماً في أي اتفاق متوقع مع الحوثيين، إلى بسط نفوذها ووجودها القوي والفاعل في المحافظات المحررة ووقف المشاريع الإقليمية على أراضيها ووقف التدخلات فيها، وإلا فإن المستقبل للميلشيات التي تعمل بالوكالة مع الخارج.
مأزق جديد للسعودية :
تقود السعودية منذ مارس 2015 تحالفا لانهاء انقلاب الحوثيين على الشرعية بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، لكن بعد خمس سنوات تقف أمام إنقلاب آخر ممول من شريكها في التحالف الإمارات العربية المتحدة التي دعمت وأسست ميلشيات استولت على العاصمة المؤقتة عدن بقوة السلاح.
فخطوة المجلس الانتقالي بإعلان إدارة ذاتية للجنوب اليمني، كشفت فشلاً لجهود السعودية التي قادها مسؤول ملف اليمن الأمير خالد بن سلمان. وأظهرت حجم التأثير الإماراتي جنوبي اليمن -لدرجة أن حديث في الأوساط السياسية تشير إلى أن أبوظبي ما زالت تتحكم بالقرار السعودي- ما يجعل المناطق التي تحت سيطرة المجلس الانتقالي خارج أي تأثير سعودي، كما هو عليه الحال في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
للخروج من هذا المأزق، استدعت السعودية عيدورس الزُبيدي إلى الرياض في مايو/أيار 2020، في محاولة لرأب الصدع وتنفيذ اتفاق الرياض. وفي حل فشل الوصول إلى أسس واضحة وملائمة لتنفيذ اتفاق الرياض ستكون السعودية أمام ضرورة لبناء اتفاق جديد على أساس الوضع الحالي.
رفض المجلس الانتقالي الجنوبي مراراً التراجع عن "الإدارة الذاتية" ومن الواضح أنه يمضي قدماً في استمرار اللجنة المشكلة والتي يرأسها أحمد بن بريك. ومن الصعب قبول الحكومة اليمنية بتنفيذ اتفاق يبدأ بشقه السياسي ويجري تجاهل المليشيات التابعة للمجلس. أو الموافقة على اتفاق جديد على أساس واقع جديد فرضه "المجلس الانتقالي الجنوبي" لذلك ستكون السعودية أمام امتحان صعب.
وأمام ذلك تبدو السعودية أمام أربعة سيناريوهات:
السيناريو الأول: المضي قدماً في اتفاق مع الحوثيين، قد يؤدي إلى اعتبارها هزمت في حرب اليمن ضد مليشيا مسلحة واحدة تابعة لإيران. وهذه السمعة السيئة لن تكون جيدة في دعم وصول ولي العهد إلى كرسي السلطة. كما أنه من الصعب ذهاب الحكومة إلى اتفاق مع الحوثيين بدعم سعودي في ظل التشظي الموجود في معسكرها بالمحافظات الجنوبية، إلا إذا أرادت الرياض تثبيت سلطة الحوثيين في الشمال والانتقالي في الجنوب وهو ما يجعل هذا السيناريو غير مرجحا على الأقل في الوقت الحالي.
السيناريو الثاني: دعم تفكيك اليمن بإيجاد سلطات متعددة ودويلات صغيرة جنوب اليمن مقابل دولة للحوثيين شمال اليمن ووقف دعم الحكومة الشرعية، وهذا يعني أن السعودية ستتحمل مسئولية تفكك دولة ما يجعل التداعيات ثقيلة محلياً ودولياً لذلك. إذ أنها ستضطر لدعم سلطات متعددة بدلاً من سلطة واحدة للبلاد جميعها؛ ويزداد الابتزاز الدولي من أعدائها وحلفائها، وهذا السيناريو لن يكون مقبولا إلا إذا استعدت الرياض لدفع ثمن كبير من أمنها ومصالحها.
السيناريو الثالث: دعم الحكومة اليمنية وحلفائها المحليين الذين تثق بهم للحفاظ على اليمن كدولة واحدة مكتملة، والتفكير لاحقاً بأي أهداف مختلفة، والتوجه لنزع سلاح الميلشيات الثقيل في الشمال والجنوب لحماية حدودها ودعم الدولة اليمنية، هذا السيناريو كان الأفضل للسعودية واليمن وكان من السهل دعمه منذ العام الأول للحرب، لكن يبدو هناك تخوفات سعودية من مشاريع تعتقد انها ليست في صالحها موجودة ضمن الشرعية اليمنية، وهذه المخاوف جعلت الرياض في مأزق كبير وتضارب في المصالح الآنية والاستراتيجية، وتضارب أيضا في المصالح اليمنية والسعودية من جهة وأيضا السعودية والإقليمية من جهة أخرى، لكن يظل هذا السيناريو محتملا وإن كان بدرجة ضعيفة.
السيناريو الرابع: قد تضطر السعودية إلى بناء شرعية موازية للشرعية الحالية وتكون مقبولة من الإمارات وحلفائها جنوبا وإيران وحلفائها شمالا، ويشارك فيها الانتقالي الجنوبي بحيث تحافظ على وحدة اليمن ظاهريا، فيما تكون السلطة الجديدة تحت تاثيرها وسيطرتها في وقت يتم استكمال سحب البساط على الشرعية الحالية بقيادة الرئيس هادي، ومن ثم البدء بمفاوضات نهائية مع الحوثيينن وهذا السيناريو متوقع إلى حد ما في ظل تعقيدات الوضع اليمني ومستجدات الصراع الإقليمي والدولي الذي أتاح للاعبين جدد الدخول إلى الملعب اليمني.
خلاصة:
الوضع المعقد لليمن يجعل كل السيناريوهات أمام السعودية صعبة، لكن يبدو أنها قد لا ترغب في اعتماد سيناريو معين للخروج من حرب اليمن، وأمامها خيارات أخرى وإن كانت أكثر ضيقا وفرصها منعدمة، من بينها المزج بين كل السيناريوهات، فمثلا يتم الحفاظ على الانتقالي والشرعية، ثم الذهاب لاتفاق مع الحوثيين تحت المسمى الرسمي للجمهورية اليمنية، لكن ذلك لن يحقق لها أي مصلحة إلا في حال خضوع كل تلك الأطراف لها لتكون البلد تحت وصاية سعودية طويلة الأمد، أما في حال عدم خضوع طرف او بعض تلك الأطراف للرياض فإن الذهاب لاتفاقات يعني اعتراف السعودية بسلطات متعددة في الشمال( الحوثيون) والجنوب( الانتقالي) والشرق ( الشرعية).
المراجع:
[1] نص إعلان عدن التاريخي http://adengad.net/news/257659/#ixzz6OirBGxuz
[2] اعلان قيادة سياسية جنوبية تسمى “هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي الأعلى https://stcaden.com/pages/4
[3] إحصائيات شبه رسمية لتراخيص دفن الوفيات يتم تسريبها للاعلام بشكل يومي
[4] وردت الفتوى في سلسلة تغريدات على صفحة نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك على تويتر
[5] تحدث الدبلوماسيان والمعارض الموجود في أوروبا لباحث في مركز ابعاد للدراسات والبحوث مفضلين عدم نشر أسمائهم خشية انتقام السلطات الإماراتية حيث الحديث عن الموضوع يسبب مشاكل مع النظام.
[6] اللواء بن بريك يصدر قراراً بتعيين مدير جديد لمديرية الحبيلين بمحافظة لحج https://stcaden.com/news/12108
[7] تعرف الإدارة الذاتية في إدارة الشركات والمؤسسات التجارية والخدمية، في العلوم السياسية يعطي كمصطلح "حكم محلي واسع الصلاحيات". لكن المجلس الانتقالي يؤكد أن ما يريد ممارسته هي سلطة دولة كاملة على المحافظات الجنوبية الثمان.
[8] التحولات السياسية في جنوب اليمن.. من حلم الوحدة إلى واقع التشظي- دراسة لمركز ابعاد في أبريل 2020
[9] سكان عدن اليمنية سئموا صراع السلطة الذي ينفذه المجلس الانتقالي الجنوبي https://www.yemenmonitor.com/Details/ArtMID/908/ArticleID/36980
[10] إعلان "الإدارة الذاتية": القضم المتدرج للسلطة في جنوب اليمن https://studies.aljazeera.net/ar/article/4666