كلفة الانقلاب .. الانتقام المؤجل
مقدمة
تسلك الميلشيات الحوثية طريقاً مكلفا وخطيرا في ظل استمرارها ارتكاب جرائم ضد اليمنيين، وتتزايد حالات استهداف المدنيين مع كل يوم يبقون فيه مسيطيرين على السلطة وعلى مؤسسات الدولة بقوة السلاح.
ومنذ سبتمبر/أيلول 2014 عندما اجتاح الحوثيون العاصمة صنعاء جردوا اليمنيين من أي وسائل تعبير عن الرأي، وطاردوا معارضيهم وألغوا العمل السياسي والمدني كما أسقطوا مسئوليات الحكومة وخدماتها تجاه المواطنين، ومن لم يُقتل برصاص الميلشيات من معارضيهم فقد وضع في السجون السرية تحت التعذيب أو في سجون المعسكرات كدروع بشرية يقتلهم طيران التحالف العربي، أما من نجى منهم فهم يعانون بشكل آخر حيث يعيش الكثير حياة النزوح أو تحت رحمة الجوع والفاقة خاصة بعد توقف مرتبات الموظفين.
وفي هذا الفصل نحاول التركيز على الكلفة البشرية الكبيرة التي نجم عنها انقلاب الميلشيات على مؤسسات الدولة، والتقرير الذي رصده باحثوا مركز (أبعاد للدراسات) هو عبارة عن معلومات ميدانية تم تلخيصها من خلال وحدة الرصد اليومية.
ولأن المركز غير متخصص في الحقوق فإنه سيترك أمر الوصول إلى الضحايا للجهات الحقوقية المحلية والدولية، لكن من خلال هذه الأولويات فإن الأرقام التي توصل اليها (أبعاد للدراسات) ستساعد على وضع مؤشرات واضحة عن الوضع الحالي في اليمن ومستقبل الأحداث.
وتشكل دراسة حالة هذه الأرقام ومقارنتها بسابقاتها في الأعوام الماضية قراءة لمستقبل الانقلاب الذي من خلاله وضعت الحركة الحوثية فكرتها وقيادتها محل انتقام اليمنيين بمافيهم حلفائها الذين فقدوا أولادهم في حروب السيطرة على الحكم بالعنف والفوضى وقوة السلاح.
يركز هذا التقرير على حالات القتل والإصابة والاختطاف، مع أنَّ هناك آلاف الانتهاكات الأخرى لكن هذه الانتهاكات الأكثر تأثيراً في بيئة المجتمع اليمني المهددة للنسيج الاجتماعي.
الحوثيون يبذرون الفناء في مناطق سيطرتهم
ارتكبت جماعة الحوثي المسلحة آلاف الانتهاكات في اليمن خلال 2017، وحسب الرصد اليومي لمركز أبعاد للدراسات فإن الحوثيين قتلوا (3110) من المدنيين خلال العام أغلب هؤلاء في محافظات تعز (جنوب غرب) وإب (وسط) وصنعاء وحجة (شمال غرب) ثمَّ عمران (شمال) والبيضاء (وسط) وأمانة العاصمة، ومن الواضح أن هذه محافظات إما خاضعة لنفوذ الحوثيين أو أنها تسيطر على بعض مناطقها.
في 2017 قتل الحوثيون في تعز (972) مدنيا إلى جانب (706) مصابا بقذائف وصواريخ ورصاص القناصة. لكن التطور الأبرز كان في أمانة العاصمة حيث تم رصد مقتل (159) مدنياً وأصيب نحو (209) معظمهم في شهر ديسمبر/كانون الأول 2017 حيث قتل حوالي (84) مدنياً في الاشتباكات التي دارت بين الجماعة المسلحة والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح والتي انتهت بمقتله.
واعتقل الحوثيون خلال العام 2017 أكثر من (2700) من المواطنين معظمهم في قضايا تتعلق بالرأي الناقد لأفعالهم، ومعظمهم تلك الاعتقالات في أمانة العاصمة بواقع (415) مدنياً حيث ارتفعت وتيرة الاعتقالات فيها في ديسمبر بواقع (205) من المواطنين بينهم قيادات كبيرة في حزب الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح؛ وبالرغم من أن الجماعة أفرجت لاحقاً عن عدد من هؤلاء القيادات بفعل ضغط قبائلهم إلا أنهم ما يزالون قيد الإقامة الجبرية في منازلهم بصنعاء حسب حديث قيادات الحزب .
الاختطافات
المختطفون وهم إما ناشطون سياسيون أو صحافيون أو مسؤولون حكوميون أو شيوخ قبائل أو أبنائهم، أو حتى من كانوا من العُمال يشكل غالبيتهم من القبائل بالذات في المحافظات الشمالية حيث معظم نفوذ الحوثيين؛ ويعمق هذا الاختطاف إلى جانب القتل وتفجير المنازل المخاوف من تمزق النسيج الاجتماعي وبروز ظاهرة الانتقام الأعمى وعودة الثارات القبلية وربما ستشهد بعض المناطق اليمنية تصفيات وجرائم ابادة مع طول غياب الدولة.
وتشير الإحصائيات المرصودة خلال عام 2017 فقط إلى (2721) حالة اختطاف في (15 محافظة)، تشكل أمانة العاصمة إلى جانب تعز وإب وحجة وصنعاء وشبوة وذمار وعمران حيث المناطق القبلية معظم الحالات كما يشير الجدول التالي:
ولا توجد بيانات حقيقية عن عدد المختطفين لكن تقارير رسمية تشير إلى أكثر من 8000 مختطفا لدى الحوثيين بينما دراسة لأبعاد في 2016 أشارت إلى وصول عدد المختطفين إلى اكثر من 12 ألف .
وفيما تعرض الآلاف منهم للتعذييب قتل ما بين 115- 120 مختطفا تحت التعذيب، وقتل العشرات في حوادث وضع المختطفين المدنيين كدروع بشرية في معسكرات معرضة لقصف طيران التحالف العربي .
خلاصة:
يتضح من خلال البيانات عِدة أمور ارتبطت بمسار الحركة الحوثية:
هناك ارتفاع في عدد القتلى في المحافظات التي يخضعونها لسيطرتهم، إذا ما عزلنا مدينة تعز وبعض قرى محافظة الضالع والبيضاء التي تمثل منطقة اشتباك أو انتقام من الحوثيين بحق السكان الذين يؤيدون المقاومة الشعبية، وهذا يشير إما إلى تزايد المعارضين للحوثيين وصولا الى الاشتباك المسلح في مناطق سيطرتهم أو قيام الحوثيين بتصفية خصومهم، كما أن هزيمة صالح حليف الحوثيين في الانقلاب ومقتله في 4 ديسمبر 2017م ساهم في ارتفاع معدل جرائم الحوثيين كنتيجة طبيعية لمحاولاتهم سحق تمرد أعضاء حزب المؤتمر على حكمهم. افتقاد الحوثيين للحاضنة الشعبية في المناطق الشمالية باعتبار أنَّ مقتل الآلاف بدم بارد سيسبب فقدان المؤيدين وزيادة المنتقمين، كما أن القبائل الموالية لهم اصبحت تشعر بحالة عداء ضد الحوثي نتيجة فقدان ابنائها في محارق لم تحقق لهم الوعود التي كان تمنيهم الحركة الحوثية. معظم المقاومة للحوثيين تأتي من المناطق الوسطى وهذه المناطق ظلت عامل توازن كبير طوال أنظمة الحكم السابقة ودعمها وتأييدها قد يؤديان إلى تثبيت الحكم أو إسقاطه. الحوثيون انقلبوا على اتفاقيات مع زعماء القبائل بعدم التدخل في سلطاتهم مقابل السماح بعبور قواتهم من أراضيهم تحت مسمى ( الخط الأسود)، وتكرر الأمر في البيضاء وفي إب، وأدى هذا إلى فراغ في سلطة القبيلة التي كانت تمثل عاملا مؤثرا في الدولة ما جعل الانتقام من بنية المجتمع ضد الحوثيين أمرا متوقعا.
معدلات القتل منذ الانقلاب:
ارتفع عداد القتل مع كل يوم لا زالت الميلشيات تسيطر على الدولة فعدد الضحايا في تزايد في عام 2017 عن عام 2016، وفيما بلغ عدد القتلى من المدنيين في 2016، حوالي 2466 شخصاً، فقد وصل عام 2017 حوالي (3110) وهو ما يعني أن الحوثية وسعت من دائرة الانتقام ضدها.
ثمن الانقلاب بين 2014 – 2016
وإذا ما تطرقنا لاحصائيات رصدها مركز ابعاد للدراسات بين 2014 و2016 لمقاربة الوضع فإن عدد القتلى وصل 11244 مدنيا فيما وصل عدد الجرحى 34620 مدنيا.
كلفة الانقلاب منذ 2014 إلى 2017
وكل هذه الأرقام والاحصائيات بين 2014 و2016 إذا ما اضفنا إليها عام 2017 فإن المجموع الكلي للقتلى المدنيين على يد الميليشيات الانقلابية يصل إلى 14350 يمنيا والجرحى حوالي 36502 يمنيا، حوالي نصف هؤلاء قتلوا في أول عام لحكم الانقلابيين.
خلاصة :
هذه الكلفة البشرية الكبيرة التي يفقدها اليمن نتيجة انقلاب الميلشيات الحوثية على الدولة ستؤدي حتما إلى تداعيات اجتماعية وانسانية على المدى الطويل، وإذا كان هذا العدد فقط من القتلى سقط من المدنيين بسلاح الميلشيات فهناك أضعاف هذا العدد سقط كنتيجة طبيعية لدفع الحوثيين أبناء القبائل إلى محارق الموت ، وهناك أسر حتى من تلك القبائل الموالية للحوثيين فقدت أغلبية أبنائها في هذه الحرب، ويشعر هؤلاء وكل اليمنيين بانتقام صامت اتجاه من قاد الانقلاب وأوصل اليمن إلى حالة من الانهيارالسياسي والاقتصادي وحالة من التفكك الاجتماعي، وهو ما قد يترتب عليه مخاطرمستقبلية قد تؤجل حالة الاستقرار وتوقف حلم الانتقال الآمن للحكم في اليمن، كما أن ايقاف الحرب بعد هذه الدماء أصبحت مهمة مستحيلة وهو ما يجعل مستقبل الحالة اليمنية في سيناريوهين.
السيناريو الأول: حصول تحالف مجتمعي داخلي مع الشرعية لهزيمة الانقلاب
السيناريو الثاني: تفكك اليمن واستمرار سيطرة الحركة الحوثية على مناطق الشمال واقامة دويلة لها تمتد من جنوب صنعاء وصولا إلى صعدة على الحدود اليمنية السعودية.
أما سيناريو السلام والوصول إلى اتفاق سياسي مع حركة دموية عنيفة قتلت آلاف اليمنيين فهو مستبعد مع توقع عودة حالات الثار والانتقام بالتزامن مع بقاء الفوضى والعنف كنموذج لحكم وسيطرة الحوثيين.